×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / العقيدة / لمعة الاعتقاد(الشرح الثاني) / الدرس (17) من شرح رسالة لمعة الاعتقاد للشيخ أد خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:997

الدرس (17) من شرح رسالة لمعة الاعتقاد للشيخ أد خالد المصلح

قال الإمام موفق الدِّين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسيرحمه الله تعالىٰ:

(وأصحابُه خيْرُ أصحابِ الأنبياءِ عليهم السّلامُ.

وأفضلُ أمّتِه أبو بكْرٍ الصِّديقُ، ثُم عمرُ الفاروقُ، ثُم عثمانُ ذو النُّورَينِ، ثُم عَليّ المُرْتَضَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُم أَجْمَعِينَ. لِمَا رَوى عبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُماقال: كنَّا نقولُ والنبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيٌّ:[في نسخة: أَفْضَلُ هذه الأمّة بعْدَ نبيّْها.]--أبو بكرٍ، ثمَّ عمرُ، ثم عثمانُ، ثم عليّ. فيبلغُ ذلك النبيَّصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَفلا يُنْكِره.[البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب فضل أبي بكر بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حديث رقم (3655).]

 وصحَّتِ الرِّوايَةُ عنْ عليّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُأنَّهُ قالَ: خَيْرُ هذهِ الأمةِ بعد نبيِّها أبو بكرٍ ثم عمرُ، ولو شئْتُ سميْتُ الثَّالثَ.

ورَوى أبو الدّرْدَاءِ عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّه قال:((مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَلاَ غَرَبَتْ بَعْدَ النَّبِيِّينَ والمُرْسَلِينَ عَلَى أَفْضَلَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ)).[أخرجه الآجري في الشريعة(1309).]

وَهُو أَحَقُّ خَلْقِ اللهِ بالخِلافَةِ بعْدَ النبيِّصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لفَضْلِهِ وسَابِقَتِه، وتَقْدِيمِ النبيِّصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَله في الصّلاةِ على جميع الصّحابةِرَضِيَ اللهُ عَنْهُم، وإجماعِ الصّحابة على تقْديمِه ومُبايَعَتِه، ولم يكنِ اللهُ ليَجْمَعَهم على ضَلالةٍ.

ثم مِنْ بعده عمرُالفاروق؛لفضْلِه وعَهْدِ أَبي بكرٍ إليه.

ثم عثمانُرَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ لتقْديم أهلِ الشُّورى له.

ثم عليٌّرَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛لفَضلِه وإجماعِ أهلِ عصْرِه عليه).

                                      بسم الله الرحمـٰن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته بإحسان إلىٰ يوم الدين.

أما بعدُ:

فذكر المؤلف رحمه الله في هـٰذا الفصل ما يتعلّق بصحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بعد أن ذكر فضائل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفضائل أمته ذكر ما خصّ الله به أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عظيم المنزلة ورفيع المكانة.

قال رحمه الله: (وأصحابُه) أي أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (خيْرُ أصحابِ الأنبياءِ عليهم السّلامُ) .وهـٰذا قد أجمعت عليه الأمة، ودلّ عليه قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل دل عليه قول الله تعالىٰ: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ[سورة : آل عمران (110).].وقوله تعالىٰ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ[ سورة : البقرة (143).]. فشهادة هـٰذه الأمة على غيرها من الأمم دليل على خيريتها، وخير هـٰذه الأمة هم أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لما في البخاري وغيره أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ))[البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حديث رقم (3651). عن ابن مسعود. مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة رَضِيَ اللهُ تعالىٰ عَنْهُم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، حديث رقم (2533). عن عمران بن حصين.]كما في حديث عمران بن حصين وفي حديث غيره.

هـٰذا الحديث يدل على أن أفضل الأمة بعد نبيها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هم أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهم في الجملة أفضل الأمة، وهم أفضل الناس بعد الأنبياء، كما ذكر المؤلف رحمه الله.

هـٰذا الفضل العام لجيل الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، وطبقة الصحابة عليهم رضوان الله يشملهم جميعاً، ثم هم بعد هـٰذا الفضل العام يتمايزون في الفضل على درجات متفاوتة: أعلاهم وأرفعهم منزلة وأعظمهم فضلاً أبو بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ ولذلك قال المؤلف رحمه الله: (وأفضلُ أمّتِه أبو بكْرٍ الصِّديقُ)، فأفضل الأمة بعد نبيها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر الصديق عليه رضوان الله، وذلك أنّ أبا بكر له من الخصائص والفضائل والمزايا ما لا يشركه فيه غيره من أمة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما كان له من الفضائل الخاصة لم يماثله فيه أحد؛ بل اختص بها وهي أعلى الفضائل الخاصة.

ثم وصفه رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بـ(الصِّديقُ) لكونه الذي صدق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما جاء ذلك في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما وقع ما وقع بين أبي بكر وعمر من المخاصمة قال: ((لقد جئتكم فكذبتموني وصدقني))[البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لو كنت متخذاً خليلاً))، حديث رقم (3661).]. فشهد له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتصديق، فهو صديق هـٰذه الأمة وهو الصديق الأكبر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

 (ثُم عمرُ الفاروقُ) وعمر يصدق عليه أنه صديق، فقد صدّق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعظم تصديق، وهو خير الأمة بعد أبي بكر رضي الله عنه، لكنه اختص بهذا الوصف؛ لأن الله فرق به بين الحق والباطل، فعمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ معه من القوة ورباطة الجأش وعظيم العزيمة ما حقّق الله به على يديه الفرق بين الحق والباطل.

(ثُم عثمانُ ذو النُّورَينِ) أي صاحب النورين رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، والنوران هما بنتا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ حيث إنه خصه الله بأن جمع له بين بنتين من بنات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تزوج إحداهما فماتت ثم تزوج الثانية.

ثم بعد ذلك قال: (ثُم عَليّ المُرْتَضَى) وعلي هو رابع الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم في الفضل والمنزلة والمكانة، ووصفه بأنه (المُرْتَضَى) لما روى البخاري ومسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وفيه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلّف عليًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في المدينة، استخلفه على المدينة لما خرج إلىٰ غزوة تبوك، فتبع علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أتخلفني أو أتتركني في النساء والصبيان؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسىٰ؟))[البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة تبوك وهي غزوة العسرة، حديث رقم (4416).مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، حديث رقم (2404).]. فرضي رضي الله عنه، فسمي بعد ذلك بالمرتضى.

هكذا ذكر بعض أهل العلم في سبب تسميته أو وصفه رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بالمرتضى.

وقيل: لأنه رضيه الله ورسوله.

وقيل غير ذلك.

وعلى كل حال هـٰذا وصف شاع بين أهل العلم في وصف علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

(رَضِيَ اللهُ عَنْهُم أَجْمَعِينَ) أي إن المفاضلة بينهم لا يترتّب عليها النقص أو التنقص لمن؟ للمفضول عليه؛ بل بيان الفضل لا يترتب عليه همز المفضول ونقصه؛ بل ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

فإذا ترتب على المفاضلة أن يكون هناك تنقّص فإنه لا يجوز، لا تجوز المفاضلة في هـٰذه الحال؛ ولذلك قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا تفضلوني على يونس بن متى))،[البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالىٰ: ﴿وإن يونس لمن المرسلين﴾ إلىٰ قوله ﴿وهو مليم﴾[الصافات:139-142]، حديث رقم (3412-3416). مسلم: كتاب الفضائل، باب في ذكر يونس عليه السلام..، حديث رقم (2376، 2377).]فنهى عن تفضيل المفاضلة بين الأنبياء والتفضيل بينه وبين يونس بن متى وهو رسول نبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

السبب أنه إذا كانت المفاضلة تفضي إلىٰ تنقص المفضول فإنها لا تجوز، فإذا كانت هـٰذه في الأنبياء مع وضوح فضل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وظهوره وتأكده وتقريره، فكيف بالمفاضلة بين غيره؟ فلا يسوغ المفاضلة بين أهل الفضل إذا كان ذلك على وجه التنقص للمفضول.

أما إذا كان على وجه بيان الفضل والسبق والمنزلة، وما خص الله به أحدهم، فإن هـٰذا لا بأس به.

وهـٰذا ليس خاصًّا في المفاضلة بين الأنبياء أو الصحابة؛ بل في المفاضلة بين كل من تجري بينهم مفاضلة، إذا كان يترتب على هـٰذه المفاضلة تنقص المفضول فإنه لا يجوز، ولا ينبغي أن يفاضل بين الناس في هـٰذا؛ لأنه يفضي إلىٰ مفسدة، والمفاضلة ليس المقصود منها إيغار الصدور ولا تنقص المفضول، إنما المقصود منها بيان فضل الله عز وجل وما خص به كلاًّ من أهل الفضل.

يقول رحمه الله: (لِمَارَوى عبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضِي الله عنهما قال: كنَّا نقولُ والنبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيٌّ:) أي بين أظهرهم (أبو بكرٍ، ثمَّ عمرُ، ثم عثمانُ، ثم عليّ)، الذي في الصحيحين وفي سنن أبي داوود وفي غيرهما ذكر أبي بكر وعمر وعثمان دون ذكر علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، ولذلك قال: (ثم نترك المفاضلة بين أصحاب النبيصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك).

فقد أجمع الصحابة وأقر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على فضل أبي بكر ثم عمر ثم عثمان، وأنهم في الفضل والسبق للصحابة ما لا يحتاج إلىٰ منازعة ولا مناقشة؛ لكون الصحابة أجمعوا على هـٰذا، ولكون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمع ذلك منهم ولم ينكره، قال: (فيبلغُ ذلك النبيَّصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا يُنْكِرُه).

(وصحَّتِ الرِّوايَةُ عنْ عليّرَضِيَ اللهُ عَنْهُأنَّهُ قالَ: خَيْرُ هذهِ الأمةِ بعد نبيِّها أبو بكرٍ ثم عمرُ ولو شئْتُ سميْتُ الثَّالثَ) .واختلف أهل العلم في الثالث:

فقيل: إنه يعني نفسه.

وقيل: إنه يعني عثمان.

والصحيح والذي يظهر أنه يعني عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وإنما امتنع من تسمية الثالث لكون كثير من أتباع علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في ذلك الوقت كانوا ممن وقع في الفتنة في موضوع عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وما جرى له من الحصار والخروج عليه رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فخشي أن يُبَيِّن الثالث فيكون ذلك سبباً لوقوع فتنة فيمن هم أتباع له ويقع في ذلك مزيد شر لأهل الإسلام؛ لأنه قد وقعت الفرقة وتشقق الناس وافترقوا إلىٰ قسمين في مقتل عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فخشي من زيادة الشر، فقال: (ولو شئْتُ سميْتُ الثَّالثَ)، فالذي يظهر أن الثالث هو عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

يقول رحمه الله: (ورَوى [أبو الدّرْدَاءِ]عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّه قال:((مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَلاَ غَرَبَتْ بَعْدَ النَّبِيِّينَ والمُرْسَلِينَ عَلَى أَفْضَلَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ))).فأبو بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أفضل الأمة بعد نبيها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ بل هو أفضل الناس بعد الأنبياء.

ثم بعد أن ذكر الفضل قال: (وَهُو أَحَقُّ خَلْقِ اللهِ بالخِلافَةِ بعْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). والعلماء رحمهم الله يذكرون مسألة المفاضلة بين الصحابة، ثم يذكرون الخلافة؛ وذلك لكون هاتين المسألتين من المسائل التي يجب اعتقادها في الصحابة.

فبدأ المؤلف رحمه الله بذكر الفضل وبين عقد أهل السنة والجماعة في المفاضلة.

واعلم أنه لا خلاف بين أهل العلم في تقديم أبي بكر ثم عمر على سائر صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

أما عثمان وعلي فبعد أن أجمعت الأمة على أن الذي يلي الأوَّليْن هو عثمان وعلي اختلفوا في أيهما أفضل:

فمنهم من قال: الأفضل عثمان ثم علي؛ يعني يكون الترتيب أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، وهـٰذا الذي عليه جمهور أهل السنة والجماعة، واستقر عليه قولهم، وأن ترتيبهم في الفضل والمنزلة كترتيبهم في الخلافة.

والقول الثاني: أن عليًّا مقدم على عثمان، وهـٰذا قال به جماعة من السلف من أشهرهم سفيان الثوري رحمه الله، وقيل: إنه رجع عنه لما ناقشه من ناقشه من أهل العلم وبيّن له تقدُّم عثمان على علي.

القول الثالث: التوقف، أي لا يقول إن عثمان أفضل ولا عليًّا أفضل، يتوقف.

والصحيح من هـٰذه الأقوال هو القول الأول الذي لا ريب في صحته واستقرار أهل السنة عليه.

وهـٰذه المسألة هل يضلل فيها المخالف؟ الجواب: لا يضلل فيها المخالف؛ لأنه قد وقع فيها الخلاف بين السلف.

لكن المسألة التي يضلل فيها المخالف هي مسألة الخلافة، فإن ترتيبهم في الخلافة لا إشكال فيه، وقد اتفق عليه أهل السنة، فمن قال: إن عليًّا أحق ممن تقدمه بالخلافة فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار؛ لأن المهاجرين أجمعوا على تقدم عثمان في الخلافة على علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وقد قال عبد الرحمـٰن بن عوف -وهو الذي أوكل إليه عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ النظر فيمن يخلفه بين من بقي من أهل الشورى، يقول بعد بحث ونظر واستشارة وسؤال -: لم أر الناس يعدلون بعثمان أحداً.

فأجمع المهاجرون والأنصار على خلافة عثمان؛ بل إن خلافة عثمان خلافة إجماعية لم يقع فيها خلاف بالكلية، حتى علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بايع ووافق، فلم يجتمع الناس في خلافة أحد كما اجتمعوا في خلافة عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فالذي يطعن في خلافة عثمان أو يقول: إن عليًّا أولى بالخلافة منه فإنه أضل من حمار أهله -كما قال الإمام أحمد رحمه الله-؛ لظهور الإجماع على خلافة عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

قال رحمه الله: (وَهُو أَحَقُّ خَلْقِ اللهِ بالخِلافَةِ بعْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لفَضْلِهِ وسَابِقَتِه، وتَقْدِيمِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له في الصّلاةِ على جميع الصّحابةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، وإجماعِ الصّحابة على تقْديمِه ومُبايَعَتِه، ولم يكنِ اللهُ ليَجْمَعَهم على ضَلالةٍ) .

هـٰذه المسوّغات التي ذكرها المؤلف رحمه الله والاستدلالات التي ذكرها المؤلف رحمه الله لبيان أحقية أبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بالخلافة، وأنه أحق الصحابة بالخلافة بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

واعلم أن خلافة أبي بكر للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجمع عليها أهل السنة، ولا خلاف بين علماء الملة في أن أحق الناس بالخلافة وأولاهم بالخلافة بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وإذا نظرت إلىٰ خلافة أبي بكر وجدت أن خلافة أبي بكر قد أومأ إليها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ بل قال بعض العلماء: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد نصّ عليها، وأقوى ما يستدل به في النص عليها ما رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْها أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لها: ((ادعي لي أباك وأخاك، أكتب لأبيك كتاباً لا يختلف عليه الناس بعد)). ثم قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر))[أورده الشيخ الألباني في الجنائز (148) وقال: أخرجه أحمد بإسناد صحيح على شرط الشيخين، وهو في صحيح البخاري بنحوه، وفي مسلم مختصراً.]. فترك الكتابة بناء على أن استحقاق أبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أمر مجمع عليه، وأن الله سيصير الأمر إليه شاء من شاء وأبى من أبى ((يأبى الله ورسوله والمؤمنون إلا أبا بكر)). يعني إلا أن يكون هو الخليفة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى كل حال بالنظر إلىٰ ما جاء في السنة يجد الإنسان الشواهد المتضافرة العديدة التي تدلّ على استحقاق أبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ للخلافة، وأن خلافته أشبه ما يكون بالمنصوص عليها؛ لفضله وسابقته: فهو أفضل الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، وهو أسبقهم إلى الإيمان بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأسبقهم إلىٰ تصديقه، ولم يقارنه أحد في تصديق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتقديم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له في الصلاة على جميع الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم؛ بل إن عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْها لما اعتذرت عن أبي بكر في التقديم وقالت: إنه بكّاء. قال لها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إنكنّ صواحب يوسف))[مسلم: كتاب الصلاة، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر، حديث رقم (418).].

 لأن عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْها كرهت أن يتقدم أبوها الناس في مرض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خشية أن يتشاءم الناس به، فاعتذرت بأنه بكّاء، فأبى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أن يكون المقدم في الصلاة أبا بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

قال رحمه الله: (وإجماعِ الصّحابة على تقْديمِه ومُبايَعَتِه)، وهـٰذا مما وقع فإن الصحابة أجمعوا على مبايعته رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وإن كان في أول الأمر وقع نوع تردد كما جرى في سقيفة بني ساعدة، إلا أن خلافته رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أجمعت عليها القلوب، واستقر الأمر، وأجمع عليها الصحابة، وما ذكر من تأخر علي بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فإنه لم يكن تأخراً فيه الرفض وعدم القبول لمبايعته، إنما كان لشيء في نفسه رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وأما المبايعة فإنه قد قبل بيعته وقبل المسلمون بيعته رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. ثم إنه لو قدرنا أن عليّاً قد صح عنه التأخر في البيعة، فإنه لا يضر وقد أجمعت الأمة وسادات الصحابة وأشرافهم وكبراؤهم وأعيانهم رَضِيَ اللهُ عَنْهُم على بيعة أبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فلا يضر أبا بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ تخلف عليٍّ عن بيعته، ثم إنه قد رجع إلىٰ الحق ووافق الجماعة إن قلنا بأنه تأخر في بيعته رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

ثم قال رحمه الله: (ولم يكنِ اللهُ ليَجْمَعَهم على ضَلالةٍ).ولا شك أن هـٰذه الأمة لا يمكن أن يجمعها الله على ضلالة، لا سيما أولئك الذين الإجماع المعتبر هو إجماعهم رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، فإن الإجماع المعتبر ما كان عليه صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأجمعوا واتفق أمرهم وانتظم عقْدهم على تقديم أبي بكر وخلافته رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

قال: (ثم مِنْ بعده عمرُرَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ لفضْلِه وعَهْدِ أَبي بكرٍ إليه).(لفضْلِه) لاستحقاقه الفضل، فإنه قرين أبي بكر في الفضل، وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اقتدوا باللّذين من بعدي: أبي بكر وعمر))[سنن الترمذي: كتاب المناقب، باب في مناقب أبي بكر وعمر، حديث رقم (3662).]. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في صحيح الإمام مسلم في حديث أبي قتادة: ((إن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا))[مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، حديث رقم (681).]. فعمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قرين أبي بكر في الفضل والمكانة والمنزلة رَضِيَ اللهُ عَن الجميع، وإن كان السبق لأبي بكر ولا شك؛ لكنه قرنه به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مواضع عديدة.

(ثم عثمانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ لتقْديم أهلِ الشُّورى له) . وأهل الشورى هم الذين أوكل إليهم عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ النظر في من يكون خليفة بعده رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وهم بقية الستة: عبد الرحمـٰن بن عوف، ولكن ليس له من الأمر شيء، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعلي، وعثمان رَضِيَ اللهُ عَن الجميع، ابن عمر ليس من الستة، ابن عمر يحضر وليس له من الأمر شيء.

ثم ذكر قال: (ثم عليٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) هـٰذا رابع الخلفاء الراشدين،(لفَضلِه، وإجماعِ أهلِ عصْرِه عليه). (لفَضلِه) فهو له من الفضل والمكانة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ما تشهد به أهل السنة والجماعة له وتعتقده فيه.

وأما إجماع أهل عصره عليه، فإنه لم يجمع على خلافة علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، الحقيقة أنه لا إجماع في خلافته ، وإن كان هو الأحق بالخلافة والمقدم فيها؛ لكن لم يكن إجماع؛ بل خالف في ذلك من خالف من الصحابة، ووقعت الفتنة بينهم رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، فانقسم الناس إلىٰ أهل الشام بقيادة معاوية رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ومن معه، وأهل العراق بقيادة علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ومن معه.

ثم قال بعد ذلك:

(وهؤلاءِ الخلفاءُ الرّاشدون المهديّون الذين قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيهم: (( عَلَيْكُمْ بِسُنّتِي وَسُنّةِ الْخُلَفَاءِ الرّاشِدِينَ الْمَهْدِيّـينِ مِنْ بَعْدِي، عَضّوا عَلَيْهَا بِالنّوَاجِذِ )).[سنن الترمذي: كتاب العلم عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، حديث رقم (2676). وقال: حسن صحيح.سنن أبي داود: كتاب السنة، باب في لزوم السنة، حديث رقم (4607) . سنن ابن ماجه: باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، حديث رقم (42، 43) .قال الشيخ الألباني: صحيح.]

وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((الخِلاَفَةُ مِنْ بَعْدِي ثَلاَثُونَ سَنَةً))[سنن أبي داوود: كتاب السنة، باب في الخلفاء، حديث رقم (4646).سنن الترمذي: كتاب الفتن، باب ما جاء في الخلافة، حديث رقم (2226)، وقال: وهـٰذا حديث حسن.قال الشيخ الألباني: صحيح.]فكان آخرُها خلافةَ عليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ).

هـٰذا المقطع يقول فيه المؤلف رحمه الله: (وهؤلاءِ الخلفاءُ الرّاشدون المهديّون) أي هٰؤلاء الأربعة: أبو بكر، عمر، عثمان، علي. هم أولى وأصدق من يدخل في قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((عَلَيْكُمْ بِسُنّتِي وَسُنّةِ الْخُلَفَاءِ الرّاشِدِينَ الْمَهْدِيّـينِ مِنْ بَعْدِي))فإنهم أصدق من يصدق عليه هـٰذا الوصف، وأحق من يتنزّل عليه هـٰذا القول: ((عَلَيْكُمْ بِسُنّتِي وَسُنّةِ الْخُلَفَاءِ الرّاشِدِينَ الْمَهْدِيّـينِ مِنْ بَعْدِي)ووصفهم بوصفين عظيمين أو بثلاثة أوصاف:

الوصف الأول أنهم خلفاؤه، وهم من أتى بعده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقام مقامه.

(الرّاشِدِينَ) وهـٰذا ضد الغي.

و(الْمَهْدِيّـينِ) وهـٰذا ضد الضلال.

فجمع لهم بين الهدى والرشد، وبهما يكمل العلم النافع والعمل الصالح والهدي المستقيم.

((عَضّوا عَلَيْهَا بِالنّوَاجِذِ))أي تمسكوا بها تمسك العاضّ على الشيء بأضراسه ونواجذه.

ثم قال رحمه الله -في الاستدلال على أن هٰؤلاء هم الخلفاء الراشدون-: ((الخِلاَفَةُ مِنْ بَعْدِي ثَلاَثُونَ سَنَةً)).وهذا قد جاء في مسند الإمام أحمد وغيره أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((الخلافة من بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً أو ثم يؤتي الله ملكه من يشاء))[تم تخريجه في الصفحة: (2).]. فدل ذلك على أن الذين يلونه مدة ثلاثين سنة هٰؤلاء يصدق عليهم الخلافة.

وبالنظر إلىٰ مدة خلافة هٰؤلاء رَضِيَ اللهُ عَنْهُم التي ابتدأت في السنة الحادية عشرة إلىٰ السنة الأربعين يتبين أنهم رَضِيَ اللهُ عَنْهُم كلهم داخلون في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الخِلاَفَةُ مِنْ بَعْدِي ثَلاَثُونَ سَنَةً))، فإن خلافة علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ انتهت على رأس الثلاثين، فهـٰذا من الأدلة على أنهم المقصودون بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَسُنّةِ الْخُلَفَاءِ الرّاشِدِينَ الْمَهْدِيّـينِمِنْ بَعْدِي))،(فكان آخرُها خلافةَ عليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ).

 

نقف على هـٰذا، ونكمل إن شاء الله تعالىٰ في الدرس القادم، والله تعالىٰ أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93554 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89258 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف