×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / العقيدة / تجريد التوحيد المفيد / الدرس (12) من شرح كتاب تجريد التوحيد المفيد للمقريزي

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:628

الدرس (12) من شرح كتاب تجريد التوحيد المفيد للمقريزي

وبالجملة فما قدر الله حق قدره من عبد معه من ظنّ أنه يوصل إليه، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً[سورة: الحج، الآية (73).]  الآية.. إلى أن قال: ﴿مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[سورة: الحج، الآية (74).] وقال تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ[سورة: الزمر، الآية (67).].فما قَدَرَ القويَّ العزيز حق قدره من أشرك معه الضعيف الذليل.

[الشرح]

هـٰذه خلاصة لما تقدّم من جواب يقول –رحمه الله-: (وبالجملة فما قدر الله حق قدره من عبد معه من ظنّ أنه يوصل إليه) لا شك وتقدم بيان هـٰذا وتوضيحه قبل قليل، (قال الله تعالى :﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ)هـٰذا المثل هو المثل الذي يجب على كل أحد أن يستمع له لأن الله تعالى خاطب الناس قال :﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُأمر الله تعالى بالاستماع إلى هـٰذا المثل، فهـٰذا المثل أمر الناس جميعا بالاستماع له فمن لم يستمع إليه فقد عصى أمر الله تعالى، وذلك أن هـٰذا المثل مضروب لتقرير حق الرب –جل وعلا-، وأن ما عبد من دونه لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ[سورة:الحج، الآية (73).] وهـٰذا مثل في غاية الوضوح واليان وتحقيق المقصود وهو كمال الرب –جل وعلا- وانفراده ما يستحق، فإن الله تعالى خاطب الناس على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وألسنتهم وأزمانهم بهـٰذا الخطاب وبهـٰذا المثل ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِفالذين يدعون هبل اللات والعزى، الذين يدعون هوذا، الذين يدعون يغوث ويعوق ونسر، الذين يدعون الحسين، والذين يدعون على والذين دعون البدوي كل من يدعوا من دون اللهيجب أن ننسط إلى هـٰذهالآية﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُالله أكبر! هؤلاء كلهم لو جمعوا في صعيد واحد وطلب منهم أن يخلقوا أحقر مخلوق وهو الذباب ما استطاعوا، وهـٰذا عجزهم عن الخلق والإيجاد، وليس العجز فقط عن الخلق والإيجاد؛ بل عجزهم أبعد من هـٰذا، يقول الله جل وعلا: ﴿وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًاالله أكبر﴿وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُتصور هل الساحات المليئة بمن عبد من دون الله وعظم من دون الله، لو أن الذباب -وهو من أحقر المخلوقات لا يملك لنفسه دفعا ولا ضرا- لو جاء وسلب منهم شيئا إما من أموالهم أومن أطعمتهم أومن أبدانهم ما استطاع هـٰذا الجمع كله أن يسترجع هـٰذا المأخوذ، وهـٰذا يدل على كمال العجز وكمال قوة الرب –جل وعلا-، وأن هؤلاء لا يستحقون العبادة؛ لأنهم عجزوا عن استنقاذ ما لهم عند أضعف المخلوقات، فهـٰذا المثل حري بأن ينظر فيه ويعتبر ويتأمل، لما تضمنه من بيان عظيم حق الرب –جل وعلا-، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله: أمروا الناس كلهم باستماعه والإنصات له لما فيه من إبطال عبادة غير الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴿ضَعُفَ الطَّالِبُ﴾ هؤلاء الجمع ﴿وَالْمَطْلُوبُ﴾ الذباب كلهم ضعاف لا يملكون لأنفسهم حولا ولا طولا، يقول رحمه الله: (الآية إلى أن قال:  ﴿مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[سورة: الحج، الآية (74).]) يعني إذا كان هـٰذا هو حال المعبودين من دون الله إنهم لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، ولا يملكون لغيرهم ضرا ولا نفعا، فما الذي أوقع الناس في عبادتهم وصرف العبادة إلهم من دون الله تعالى يقول –جل وعلا-: ﴿مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِإنه ضعف تعظيم الله تعالى: ﴿مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[سورة: الحج، الآية (74).] فما يدعي هؤلاء إننا نعظّم الأولياء، نحب الأولياء، ندخل على الله تعالى بالوسائط، هؤلاء عندهم جاه، كل هـٰذا زخرف من القول، ليس له حقيقة، إنما الحقيقة التي تتكشف عنها هـٰذه الألوان والأنواع من الشرك أنه ضَعُفَ في قلوبهم قدر ربهم، ولو عظم في قلوب هؤلاء قدر الله تعالى لما التفتوا إلى سواه ولما توجهوا إلى غيره –سبحانه وبحمده- لأنهم يعلمون أنه الله الذي لا إلـٰه إلا هو، وأنه ما من إلـٰه إلا الله، وأنه –جل وعلا- إلـٰه واحد ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4).[سورة: الإخلاص.]  

 يقول رحمه الله بعد هـٰذا: (وقال تعالى : ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ[سورة: الزمر، الآية (67).]) -جل وعلا- وهـٰذا فيه ما في الآية السابقة من أن الشرك الواقع إنما هو بسبب ضعف تعظيمهم لله –جل علا-، (فما قدر القوي العزيز حق قدره من أشرك معه الضعيف الذليل) وصدق –رحمه الله-.

[المتن]

واعلم أنك إذا تأمّلت جميع طوائف الضلال والبدع وجدت أصل ضلالهم راجعًا إلى شيئين:

أحدهما: ظنهم بالله ظن السَّوء.

والثاني: لم يَقْدُروا الرَّب حقّ قدره.

فلم يقدره حق قدره من ظن أنه لم يرسل رسولاً ولا أنزل كتابا؛ بل ترك الخلق سدىً وخلقهم عبثاً.

[الشرح]

وهـٰذا ذكره الله تعالى في كتابه، في قوله تعالى:﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِإِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ[سورة: الأنعام، الآية (91).]  المؤلف يقول: إنهم لم يقدروا الرب حق قدره فلم يقدره حق قدره من ظن أنه لم يرسل رسولا ولا أنزل كتابا؛ بل ترك الخلق سدا وخلقهم عبثا، وهـٰذا في سورة الأنعام في قول الله تعالى:﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ﴾ فمن ظن أن الله لم يبعث رسلا فما قدروا  الله حق قدره؛ لأن رحمته –جل وعلا- تقتضي أن يبعث إلى الخلق من يدلهم عليه ويعرفهم به فمن قال: إنه لم يبعث رسولا فإنه لم يقدر الله تعالى حق قدره كما ذكر الله –جل وعلا-:

[المتن]

 ولا قدره حق قدره من نفى عموم قدرته وتعلقها بأفعال عباده من طاعاتهم ومعاصيهم وأخرجهما عن خلقه وقدرته.

ولا قدر اللهَ حقّ قدره أضداد هؤلاء الذين قالوا: إنه يعاقب عبده على ما لم يفعله؛ بل يعاقبه على فعله سُبْحَانَهُ، وإذا استحال في العقول أن يجبر السيد عبدَه على فعل ثم يعاقبه عليه فكيف يصدر هٰذا من أعدل العادلين؟وقول هؤلاء شر من أشباه المجوس القدرية الأذلين.

[الشرح]

المؤلف –رحمه الله- يقول: (واعلم أنك إذا تأمّلت جميع طوائف الضلال) أي جميع الفرق الضالة على اختلاف ألوان ضلالها وأنواعه، سواء  كان في الإلهية في الربوبية في الأسماء والصفات؛ بل حتى في الشريعة، وسائر ألوان الانحراف، حتى الانحراف المعاصر كالعلمانية وكالوجودية وسائر ألوان الانحراف طوائف الضلال على جميع صورها القديم منها الحديث (إذا تأمّلت جميع طوائف الضلال والبدع وجدت أصل ضلالهم راجعًا إلى شيئين)

الشيء الأول: (ظنهم بالله ظن السَّوء) فلو أحسنوا الظن بالله تعالى لما وقعوا في ذلك.

الثاني: أنهم (لم يَقْدُروا الرَّب حقّ قدره) وهـٰذان في الحقيقة هما مرطبتان، فمن ظن به ظن السوء لم يقدره حق قدره، ومن لم قدره حق قدره فقد ظن به ظن السوء، فهـٰذان جعلهما المؤلف شيئين، وهما في الحقيقة شيء واحد، أو أحدهما لازم للآخر، فهما شيئان متلازمان.

ثم قال: (ولا قدره حق قدره من نفى عموم قدرته) يشير بهـٰذا إلى قول من؟و(ولا قدره حق قدره من نفى عموم قدرته وتعلّقها بأفعال عباده) نعم إلى قول القدرية المجوسية الذين يخرجون بعض خلق الله تعالى عن خلقه وإرادته، يخرجون أفعال العباد عن خلق الله وإرادته (ولا قدره حق قدره من نفى عموم قدرته) أي شمولها، وأنها شاملة لكل شيء (وتعلقها بأفعال عباده من طاعاتهم ومعاصيهم وأخرجهما عن خلقه وقدرته.) لماذا؟ لأن الله تعالى أخبر في كتابه أنه على كل شيء قدير، فهو –جل وعلا – على كل شيء قدير، فمن قال بأنه لم يخلق أفعال العباد، فهـٰذا قد قصَر وقصّر في هـٰذه الصفة فأساء الظن بربه –جل وعلا- ولم يقدره حق قدره.

الثاني يقول: (ولا قدر اللهَ حقّ قدره أضداد هؤلاء) من هم أضداد هؤلاء؟ الجبرية؛ لأن الذين تقدموا القدرية المجوسية (ولا قدر اللهَ حقّ قدره) من نفى عموم قدرته، وأضداد هؤلاء الجبرية الذين قالوا لا قدرة للمخلوق، ولا إرادة ولا اختيار، وهو كالريشة في مهب الريح، (ولا قدر اللهَ حقّ قدره أضداد هؤلاء الذين قالوا: إنه يعاقب عبده على ما لم يفعله) حيث إنّ الأفعال هـٰذه ليست أفعال العباد، إنما هي أفعال الله تعالى (بل يعاقبه على فعله سُبْحَانَهُ) يقول: (وإذا استحال في العقول أن يجبر السيد عبدَه على فعل ثم يعاقبه عليه، فكيف يصدر هٰذا من أعدل العادلين؟) كيف يصدر هـٰذا من أرحم الراحمين؟ كيف يصدر هـٰذا من الرب الكريم؛ الذي حرّم الظلم على نفسه وجعله على عباده محرما، فلا شك أن من اعتقد أن الله تعالى يعاقب العباد على ما لم يفعلوه، وأن النسبة مجازية وليست حقيقية، أنه قد بخس الله حقه ولم يقدره –جل وعلا- حق قدره، (وقول هؤلاء شر من أشباه المجوس القدرية الأذلين) يعني في الموازنة بين القولين، ما هما القولان؟ قول المجوسية القدرية وقول الجبرية، إذا وازنا بين القولين أيهما أشر؟ قول الجبرية أعظم سوءا وشرّا لأنه أعظم تنقصا لله –جل وعلا-.

[المتن]

  ولا قدره حق قدره، من نفى رحمته ورضاه ومحبته وغضبه وحكمته مطلقا وحقيقة فعله، ولم يجعل له فعلا اختياريا، بل أفعاله مفعولات منفصلة عنه.

ولا قدره حق قدره من جعل له صاحبة وولداً، أو جعله يحل في مخلوقاته، أو جعله عين هٰذا الوجود.

[الشرح]

هـٰذه كلها نماذج لتقرير أن كل طوائف الضلال إنما حصل الضلال عندها بسبب سوء ظنها بالله تعالى وعدم قدرها لله تعالى حق قدره.

يقول: (ولا قدره حق قدره، من نفى رحمته ورضاه ومحبته وغضبه وحكمته مطلقا وحقيقة فعله، ولم يجعل له فعلا اختياريا، بل أفعاله مفعولات منفصلة عنه.) يشير إلى الأشعرية ومن شابههم من مثبتة بعض الصفات، فضلا عن من نفي الصفات بالكلية، فهو يشير بهـٰذا من ضل في باب الأسماء والصفات؛ لأنه لم يقدر الله تعالى حق قدره من نفي رحمة الله تعالى، وقالوا: إنّ الرّحمة لين القلب ويقتضي عطفا وميلا والله تعالى منزه عن الميل، فلا يوصف بالرحمة، والرحمة هي الإرادة أو هي الثواب، كما تقول المعتزلة كذلك المحبة والرضا والغضب كلها صفات تدل على كمال الرب –جل وعلا-، فمن نفاها فلم يقدره –جل وعلا- حق قدره، حيث نفي عنه ما أخبر به عن نفسه، قال: (ولاقدره حق قدره من جعل له صاحبة وولدا) وهؤلاء هم أعداء الله النصارى الذين جعلوا سب الله وشتمه عبادة، حيث نسبوا له صاحبة وولدا، فهؤلاء أحقر خلق الله تعالى، وأذلهم؛ لأنهم عادوه وحادوه –جل وعلا-، وبعض الناس يقول: النصارى إخواننا، وهم شر من آذى الله تعالى، حيث إنهم يسبونه صباحا ومساء ويشتمونه صباحا مساء، وقد قالوا قولا قال الله فيه ﴿تَكَادُ السَّمَٰوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا (92)﴾[سورة: مريم، الآيات (90-92).] فهؤلاء ما قدروا الله حق قدره، وإلا لو قدروه حق قدره لعلموا أنه الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد.

[المتن]

ولا قدره حق قدره من قال: إنه رفع أعداء رسوله وأهل بيته وجعل فيهم الْمُلك ووضع أولياء رسوله وأهل بيته، وهٰذا يتضمّن غاية القدح في الربّ تعالى الله عن قول الرافضة، وهٰذا مشتق من قول اليهود والنصارى في قول رب العالمين: إنه أرسل ملكا ظالما فادعى النبوة وكذب على الله، ومكث زمناً طويلاً يقول: أمرني بكذا ونهاني عن كذا. ويستبيح دماء أنبياء الله وأوليائه وأحبائه، والربّ تعالى يظهره ويؤيده ويقيم الأدلة والمعجزات على صدقه، ويقبل بقلوب الخلق وأجسادهم إليه، ويُقيم دولته على الظهور والزِّيادة، ويذل أعداءه أكثر من ثمانمائة عام. فوازن بين قول هؤلاء وقول إخوانهم من الرّافضة، تجد القولين سواء.

ولا قدره حق قدره من زعم أنه لا يحيي الموتى، ولا يبعث من في القبور؛ ليبين لعباده الذي كانوا فيه يختلفون وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين.[ قال تَعَالىٰ في سورة النحل: ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ (39)﴾.]

 [الشرح]

يقول المؤلف –رحمه الله- في جملة ما ذكره في ألوان الضلال الذي ينشأ عن أحد الأمرين: إما عن سوء الضن بالله تعالى، أو عدم تعظيم الله تعالى، أو عدم قدره –جل وعلا- حق قدره.

ذكر فيما تقدم صورا من الضلال، وأنواعا من الانحراف والهوى، ووقفنا على قوله –رحمه الله-: (ولا قدره حق قدره من قال: إنه رفع أعداء رسوله وأهل بيته وجعل فيهم الْمُلك ووضع أولياء رسوله وأهل بيته، وهٰذا يتضمّن غاية القدح في الربّ تعالى الله عن قول الرافضة) هـٰذا لا شك أنه من الانحرافات التي وقعت في هـٰذه الأمة، وهم من يزعمون موالاة أهل البيت، ويزعمون محبتهم، وهم في زعمهم كذبة أهل زور وبهتان وباطل، حيث جعلوا للناس محبة آل البيت الوقيعة في أصحاب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ بل النيل من خلص أصحابه وأصفيائه وأوليائه الذين أحبهم وأحبوه، والذين بذلوا أنفسهم وأموالهم في نصرته والذب عنه، وفي القيام بشرعته وسنته في حياته وبعد موته، وعلى رأسهم أبو بكر الصديق -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- صديق هـٰذه الأمة، ومقدمهم وخير الناس بعد الأنبياء، فإن هؤلاء الرافضة الذين رفضوا صحابة رسول الله ورفضوا أجلتهم بزعم أنهم أولياء لآل البيت، لا شك أنهم لم يقدروا الله حق قدره، كيف؟ يقول: (ولا قدره حق قدره من قال: إنه رفع أعداء رسوله) هؤلاء يقولون: إن الصحابة ارتدوا وأنهم كفروا وأنهم منافقون في زمن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تبين كفرهم بعد موته -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فهؤلاء كذبوا على الله، وكذبوا على رسوله وكذبوا على الصحابة، ولم يقدروا الله حق قدره، حيث قالوا: إنه رفع أعداء الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأعداء أهل البيت هـٰذا الرفع المستمر الدائم الذي تطاول أزمنة في زمن أبي بكر وزمن عمر وزمن عثمان، ثم بعد ذلك في زمن من خالفهم مما يناصبونهم العداء من أئمة المسلمين وعلمائهم، لا شك أن هـٰذا من القذف في الله تعالى، إذ إنّ الله –جل وعلا- قد أخبر بأن العاقبة للمتقين، وأخبر سبحانه وبحمده أنه يظهر أولياءه، وأن الغلبة له ولرسله، وقد قال الله جل وعلا:﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّه[سورة: الفتح، الآية (28).]  فأخبر بظهور هـٰذا الدين على كل الأديان، وهـٰذا الشرع على كل الشرائع، وبين أن هـٰذا الظهور لا يمكن أن يخفى في زمن من الأزمان، أو أن يخبو في زمن من الأزمان؛ بل هو ظاهر بالحجة والبيان على مر العصور وقد يظهر في بالسيف والسنان والقوة والغلبة في بعض الأزمان وهو حال الأمة في غالب ما مضى من زمنه فإنه لا يخلو زمن من الأزمان من ظهور الأمة وعلو شأنها على من خاصمها وقاتلها. وقد قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمْ-: ((لا تزال طائفة من أمتي عن الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك))،[مسلم: كتاب الإمارة، باب قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم))، حديث رقم: (1920).]  فهـٰذا الظهور لأولياء الله تعالى ولأهل الإسلام على هـٰذه الأزمنة المتطاولة، لا يمكن أن يكون لقوم خالفوا الرسول، ونكثوا عهده، وعادوه كما يزعمه الرافضة، فإنهم يصفون أهل السنة بأنهم نواصب، فكيف وهم الذين لهم الظهور في البلدان وسائر الأمصار، وهم الذين بأيديهم مقاليد الأمور، وبهم يعرف الإسلام وإليهم يرجع، كيف؟ لا يكون هـٰذا في حق من قدر الله حق قدره؛ لأنّ الله تعالى بأن الله تعالى أخبر بإظهار أوليائه وخذلان أعدائه، فكيف يظهر أعداء الرسول هـٰذا الإظهار الدائم المستمر، واضح كيف أنه لم يقدروا الله حق قدره من قال: إنه رفع أعداء رسوله وأهل بيته وجعل فيهم الملك.

يقول: (ووضع أولياء رسوله وأهل بيته، وهٰذا يتضمّن غاية القدح) يعني منتهى القدح (في الرب تعالى) الذي قال: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي[سورة: المجادلة، الآية (21).]  والذي قال –جل وعلا-: ﴿وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ[سورة: الصافات، الآية (173).]  (تعالى الله عن قول الرافضة)، يقول: (وهـٰذا) أي هـٰذا القول الذي ذكروه (مشتق من قول اليهود والنصارى في قول رب العالمين: إنه أرسل ملكا ظالما فادعى النبوة) في زمن بني إسرائيل (وكذب على الله، ومكث زمناً طويلاً يقول: أمرني بكذا ونهاني عن كذا. ويستبيح دماء أنبياء الله وأوليائه وأحبائه، والربّ تعالى يظهره ويؤيده ويقيم الأدلة والمعجزات على صدقه، ويقبل بقلوب الخلق وأجسادهم إليه، ويُقيم دولته على الظهور والزِّيادة، ويذل أعداءه أكثر من ثمانمائة عام.) هـٰذا لا يمكن أن يكون، هـٰذا لا يمكن أن يكون؛ أي لا يمكن أن يملي الله تعالى لأحد يكذّب الرسل، ويقاتل الأولياء مثل هـٰذه المدة المتطاولة؛ بل إن الله تعالى إذا مكّن ضالا من شيء يضل به الناس فإنه يقيم الدلائل على كذبه من أوجه عديدة، أعظم فتنة تطرق الدنيا فتنة من؟ فتنة الدجال، وقد مكنه الله تعالى من خوارق وغرائب؛ لكن هـٰذا الدجال على عظم فتنته إلا أن الله تعالى جعل فيها من البيان ما يبين كذبه، ومن ذلك ما أخبر به النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ- كما في الصحيح حيث قال: ((إنه ما من نبي إلا وأنذره قومه، وإني أقول فيه قولا لم يقله نبي قبلي، إنه أعور العين اليمنى، وإن ربكم ليس بأعور))[البخاري: كتاب  الفتن ، باب ذكر الدجال، حديث رقم (7131).مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه، حديث رقم (2933).]  ولا شك أن هـٰذا الدليل القائم المتنقل الذي لا يمكن أن يتخلص منه دليل نقص قصور وضعف وكذب في دعواه؛ لأنه لو كان رب العالمين لكَمَّلَ صفاتِه لكَمَّلَ نفسه، فلما عجز عن هـٰذا، دل ذلك على كذبه في دعواه. ثم إن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ- أخبر بأنه بين عينيه كافر أو كفر، يقرؤها كل مؤمن قارئًا كان أو غير قارئ. وهـٰذا فيه إقامة الحجة، وبيان كذب هـٰذه الدعوة، ثم إنه يضمحل أمره ويزول ولا يدوم؛ بل يبعث الله تعالى من يعارضه في دعواه، وذلك في أوائل ظهوره في من يخرجه الله تعالى من المدينة الشاب الذي يقطع، وهي أول دلائل دبور واضمحلال دعوة الدجال، حيث إنه لا يسلط عليه بعد أن يفرقه فرقين، ثم بعد ذلك يظهره حيا يقيمه حيا، فيقول: هل تؤمن بي، فقال: ما ازددت فيك إلا بصيرة، أنت الدجال الذي أخبرنا عنه رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ- ثم يهم بقتله فلا يتمكن من قتله.

ثم بعد ذلك يضمحل اضمحلالا تاما عندما يدركه عيسى ابن مريم عليه السلام في باب لد فيذوب كالملح؛ لكنه يمكنه الله تعالى من قتله، قبل أن ينقضي أمره ويضمحل، وهـٰذا من نعمة الله وعظيم رحمته.

إذن كل من ادعى دعوة تخالف أمر الله وأمر رسوله لا بد أن يقيم الله في دعواه ما يدل على بطلان هـٰذه الدعوة.

شيخ الإسلام -رحمه الله- ذهب إلى أبعد من هـٰذا في مسائل الاحتجاج بالكتاب والسنة على الباطل، فقال: إن كل من احتج على باطل بدليل من الكتاب والسنة، فإن في الدليل الذي احتج به ما يبطل دعواه، وهـٰذه مسألة تحتاج إلى بصر ونظر وفكر وتأمّل وعمق نظر وتدبر في النصوص والآيات حتى يستخرج العبد المؤمن من هـٰذه الأدلة التي يستدل بها أهل الباطل على باطلهم ما يبطل به دعواهم، وما يرد به باطلهم، فينبغي التنبه لهـٰذا وإطالة النظر في أدلة الخصوم حتى يتمكّن الإنسان من الإجابة عليهم بأدلتهم.

يقول -رحمه الله-: (فوازن بين هؤلاء) أي قول اليهود والنصارى (وقول إخوانهم من الرافضة ستجد القولين سواء) في أي شيء؟ في أنهم لم يقدروا الله حق قدره؛ إذ لو قدروه حق قدره لما ظنوا أنه يملي لأعدائه ويمكنهم تمكينا يحصل به الضلال العام، ولا يبين إيش ؟ ضلالهم وكذبهم وزورهم.

ثم قال رحمه الله: (ولا قدره حق قدره من زعم أنه لا يحيي الموتى ولا يبعث من في القبور؛ ليبين لعباده الذي كانوا فيه يختلفون وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين) صح لم يقدروه حق قدره من زعم أنه لا يحيي الموتى ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ[سورة: الجاثية، الآية (24).]  هؤلاء ما قدروا الله حق قدره؛ إذ من كمال عدل الله تعالى أن لا يترك الخلق سدى دون جزاء وحساب؛ بل لابد أن يقيمهم -جل وعلا- ليحاسب الناس على أعمالهم فيجزي محسنهم بالإحسان ويؤاخذ من يستحق المؤاخذة من أهل الكفر والعصيان، والله –جل وعلا- حكيم خبير ومن عظيم عدله وكمال رحمته أنه يبعث البهائم، وهي التي لم تكلف، يبعثها -جل وعلا- فيقتص للمظلوم من ظالمه، يقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء يعني الشاة التي ليس لها قرن من الشاة التي لها قرن، وهـٰذا لماذا ؟ لبيان كمال العدل وتمامه وإنصاف رب العالمين –سبحانه وبحمده-.

فمن قال: إنه لا يحيي الموتى ولا يبعث من في القبور، فإنه قد بخس الله تعالى ما هو من كماله وهو قدرته على البعث بعد الموت، وأيضا بخس الله حقه في كمال عدله، حيث إنه –جل وعلا- لا يظهر عمل عامل من ذكر أو أنثى؛ بل من كمال عدله أنه يقيم الأشهاد ويقيم الموازين بالقسط بالعدل ليعطي كل ذي حق حقه –سبحانه وبحمده-.

إذن الآن خلاصة الكلام كل هـٰذه الصور لأجل أي شيء؟ كل هـٰذا الكلام المتقدم: ولا قدره حق قدره.. ولا قدره حق قدره.. ولا قدره حق قدره.. بيان إيش ؟ بيان أن كل ضلال يقع فيه الناس سواء في الأسماء والصفات أو في الربوبية أو في الإلهية، إنّما ينشأ عن إيش؟ عن ضعف تعظيم الله تعالى أو عن سوء الظن به.

هـٰذه صور لتطبيق القاعدة المتقدمة في قوله: (واعلم أنك إذا تأملت جميع طوائف الضلال والبدع وجدت أصل ضلاهم راجعا إلى شيئين أحدهما ظنهم بالله ظن السوء، والثاني أنهم لم يقدروا الله حق قدره) وهـٰذه أمثلة ونماذج وصور لأقوام لم يقدروه حق قدره لأحد الأمرين: إما لسوء الظن أو لعدم التعظيم للرب –جل وعلا- حق تعظيمه.

[المتن]

وبالجملة، فهٰذا باب واسع، والمقصود أن كل من عبد مع الله غيره فإنما عبد شيطاناً. قال تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60)[سورة: يس، الآية (60).] ، فما عبد أحدٌ أحداً من بني آدم كائناً من كان إلا وقعت عبادته للشيطان فيستمتع العابد بالمعبود في حصول غرضه، ويستمتع المعبود بالعابد في تعظيمه له وإشراكه مع الله تعالى، وذلك غاية رضى الشيطان. ولهٰذا قالتعالى: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإنْسِ[سورة: الأنعام، الآية (128).] أي من إغوائهم وإضلالهم: ﴿وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾.[سورة: الأنعام، الآية (128).]

فهٰذه إشارة لطيفة إلى السّر الذي لأجله كان الشرك أكبر الكبائر عند الله وأنه لا يُغفر بغير التوبة منه، وأنه موجب للخلود في العذاب العظيم، وأنّه ليس تحريمه وقبحه لمجرّدالنهي عنه فقط، بل يستحيل على الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالىٰ- أن يشرع لعبادهعبادة إلـٰهٍ غيره كما يستحيل عليه ما يناقض أوصاف كماله ونعوت جلاله.

 [الشرح]

هـٰذه الخاتمة للجواب للأسئلة المتقدمة يقول –رحمه الله-: (وبالجملة، فهـٰذا باب واسع) المشار إليه صور الضلال وألوانه والأمثلة التي ذكرها، والتي تبين أن كل من ضل في باب من أبواب العلم بالله تعالى فضلاله ناشئ عن سوء الظن بالله تعالى أو عن عدم التعظيم بالله تعالى حق التعظيم (والمقصود) هـٰذا هو الزبدة، هـٰذا هو الأصل الذي يريد أن يؤكده وإن ما ذكره من قبل استطراد (والمقصود أن كل من عبد مع الله غيره) سواء كان المعبود ملكا أو نبيا مرسلا أو نبيا أو وليا أو صالحا أو جمادا حجرا أو شجرا أو شمسا أو قمرا أو نجوما، إنسا أو جنا، المراد أنه كل من عبد غير الله تعالى فإنه عبد شيطانا، قال -رحمه الله- في الاستدلال لأن كل من عبد غير الله فقد عبد الشيطان: (قال تعالى : ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ) هـٰذا استفهامإنكار في إخلاف العهد وتقرير لهـٰذا العهد ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ[سورة: يس، الآية (60).] وعبادة الشيطان هنا المقصود بها جنس العبادة لغير الله تعالى، ولذلك من لم يعبد الرحمـٰن فقد عبد الشيطان فيقال: عبادة الشيطان جنس عام ينتظم كل عبادة غير عبادة الله تعالى أو عبادة ما سوى الله تعالى، فقوله تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَليس المقصود عبادة الشيطان الذي هو عدو الإنسان فقط؛ بل المقصود كل من عبد غير الله تعالى، الله تعالى أخذ العهد والميثاق على الناس أن لا يعبدوا سوى الله تعالى، أين هـٰذا العهد، قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هـٰذا غَافِلِينَ[سورة: الأعراف، الآية (172).]  إذن الأصل الذي يجب أن يُعتقد أن كل من عبد سوى الله تعالى فإنه عابد للشيطان، وإلا فإن الشيطان الذي هو عدو الإنسان قلّ من يعبده، هناك فئة من الناس الآن تعبد الشيطان باسمه المعروف ويعدونه إلـٰها ويتقربون إليه بأنواع التقرب، لكن هؤلاء فئة ضيقة من الناس؛ لأن القلوب مفطورة على النفرة من الشيطان؛ لأنه العدو القديم الذي كل شر يصيب الإنسان فمن قبله، أي بسببه وكيده ومكره وتسلطه، فعبادته ليست مما تدعو إليه الفطرة أو مما تقبلها الفطرة أو تنطلي على العقول، بخلاف غيره قد يكون هناك من المسوغات والتبريرات والشبهات ما يجعل الإنسان ينصرف إلى عبادة غير الله تعالى، مع أن الفطرة ترد هـٰذا وتأباه.

على كلّ المقصود بعبادة الشيطان في الآية إيش؟ جنس عبادة غير الله تعالى، المقصود بعبادة الشيطان هنا جنس عبادة غير الله تعالى، ويشمل هـٰذا كل ما عبد من دون الله –جل وعلا-.

قال: (فما عبد أحدٌ أحداً من بني آدم كائناً من كان إلا وقعت عبادته للشيطان) واضح؟ قال –رحمه الله-: (فيستمتع العابد بالمعبود في حصول غرضه) كيف يستمتع العابد بالمعبود في حصول غرضه؟ ما غرض المعبود ؟ يقول: (فيستمتع العابد بالمعبود) يعني يحصل العابد من المعبود شيئا من أغراضه، مثل إيش ؟ مثل ما يحصل ممن يعبد الجن من حصول بعض المصالح، من حصول بعض المنافع، فإنّ عبادة غير الله تعالى قد يحصل بها منافع، فنجد أن أحدهم يقول: أنا أدعو الله تعالى عند القبر وأحصل مقصودي، إذا توسلت بالعالم الفلاني أو بالولي الفلاني أو بالنبي الفلاني أو بالجن حصلت بعض مقاصدي، هـٰذه المنافع لا تعد شيئا أمام المفسدة الكبرى وهي فساد الاعتقاد؛ وهي صرف العبادة لغير الله تعالى، فما يحصله هو ما أشار إليه ما يحصله العابد من تحقيق بعض مطالبه، إنما هو مما يدخل في قوله تعالى: ﴿اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ[سورة: الأنعام، الآية (128).]  يقول –رحمه الله-: (فيستمتع العابد بالمعبود في حصول غرضه، ويستمتع المعبود بالعابد في تعظيمه له وإشراكه مع الله تعالى، وذلك غاية رضى الشيطان) أي منتهى ما يطلبه، ونهاية ما يسعى على تحصيله، (ولهـٰذا قال الله تعالى :﴿وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ[ سورة: الأنعام، الآية (128).]) هـٰذا في الاعتذار في بيان ما جرى ﴿وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا[ سورة: الأنعام، الآية (128).] فجاء الجواب عن ما أعده لهؤلاء ﴿قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ[ سورة: الأنعام، الآية (128).] قوله جل وعلا: :﴿وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِقال في التفسير: أي من إغوائهم وإضلالهم. فهـٰذا الخطاب للجن وهم الشياطين الذين يضلون الناس عن الهدى وعبادة الله تعالى والصراط المستقيم، وقد قال بهـٰذا التفسير جماعة من أهل العلم؛ فقال ابن عباس ومجاهد وقتادة: إن الاستكثار المذكور في الآية هو إغواء الجن للإنس، وإغواء الجن لبني آدم في عبادة غير الله تعالى.

قد جاء هـٰذا في ما رواه الإمام مسلم من حديث عياض بن حمار، وفيه أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ- قال:((إن الله علمني أن أعلمكم مما جهلتم مما علمني إياه مهادا، أيما مال نحلته عبدا فهو حلال))ثم قال: ((خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين))[مسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار، حديث رقم (2865).] ((فاجتالتهم))أي صرفتهم، والصرف هنا في عبادة غير الله تعالى وفي سائر أنواع الصرف التي وقعت من الشياطين لبني آدم.

فقوله –رحمه الله- في التفسير: من إغوائهم وإضلالهم، بهـٰذا فسر الآية جماعة من أهل العلم، وعليه يدل تفسير النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ-  أو حديث النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ- فما يرويه عن ربه في حديث عياض بن حمار المشهور في صحيح الإمام مسلم.

ثم قال: (فهـٰذه إشارة لطيفة إلى السر الذي لأجله كان) المشار إليه ما تقدم من الكلام، منذ أن سأل المؤلف –رحمه الله- الأسئلة المتوالية إلى هـٰذا الموضع، المؤلف أين سأل ؟ يقول –رحمه الله-: (فإن قيل المشرك إن ما قصد تعظيم جناب الله وإنه لعظمته لا ينبغي الدخول عليه إلا بالوسائط والشفعاء كحال الملوك فالمشرك لم يقصد الاستهانة بجانب الربوبية، وإنما قصد تعظيمه، وقال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُوإنما أعبد هـٰذه الوسائط لتقربني إليه وتدخل بي عليه فهو الغاية وهـٰذه وسائل.

فَلِمَ كان هٰذا القدر موجباً لسخط الله تعالى وغضبه، ومخلّداً في النار وموجباً لسفك دماء أصحابه واستباحة حريمهم وأموالهم؟ وهل يجوز في العقل أن يَشْرع  الله تعالى لعباده التقرب إليه بالشفعاء والوسائط، فيكون تحريم هٰذا إنما استفيد بالشرع فقط، أم ذلك قبيح في الشرع والعقل يمتنع أن تأتيَ به شريعة من الشرائع؟ وما السر في كونه لا يُغفر من بين سائر الذّنوب) هـٰذا السؤال جوابه في هـٰذه الصفحات قرابة عشر صفحات أو تزيد قليلا على ذلك، كلها جواب لهـٰذا السؤال، والجواب كان متداخلا لم يكن مرتبا، وذكر فيه المؤلف أوجها عديدة.

بعد هـٰذا يقول: (فهٰذه إشارة لطيفة إلى السّر الذي لأجله كان الشرك أكبر الكبائر عند الله، وأنه لا يُغفر بغير التوبة منه، وأنه موجب للخلود في العذاب العظيم، وأنّه ليس تحريمه وقبحه لمجرّدالنهي عنه فقط، بل يستحيل على الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالىٰ- أن يشرع لعباده عبادة إلـٰهٍ غيره كما يستحيل عليه ما يناقض أوصاف كماله ونعوت جلاله.) انتبه لهـٰذا الجواب، يعني الآن هل الاستحالة هنا لعجزه؟ الجواب: لا، لكن ذلك لأنه ينافي كماله –جل وعلا-، وهـٰذا فيه يجاب على من يقول: هل الله قادر على أن يوجب إلـٰه معه. يقول: هـٰذا لا يمكن أن يكون، فإن هـٰذا يناقض كماله ويناقض ما له من الانفراد بالإلهية، وهو يقتضي إلى فساد العالم وخرابه، والله تعالى لا يحب الفساد، وقد قال جل وعلا: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا[سورة: الأنبياء، الآية (22).]،وقال أيضا في سورة المؤمنون لما ذكر الآلهة قال:﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـٰهٍ إِذًالو كان الأمر كذلك  ﴿لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ[سورة: المؤمنون، الآية (91).] هـٰذا ما حصل الآن لو كان هناك أكثر من آلهة لاضطربت الدنيا لتنازعت الآلهة، ممالك بعضها وممالك غيرها ووقع الفساد في الكون؛ لكن الكون منتظم غاية الانتظام ولذلك استدل الله تعالى بهـٰذه الآية على أنه لا إلـٰه إلا هو –جل وعلا- ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـٰهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ[سورة: المؤمنون، الآية (91).] أي عما يتكلمون ويخبرون به عنه –جل وعلا-.

 

ثم قال المؤلف –رحمه الله- في مقطع جديد من كلامه وفيه بيان أقسام الناس في عبادة الله تعالى والاستعانة به، وهـٰذا الكلام جله مأخوذ بل غالبه مأخوذ أو هو اختصار لكلام ابن القيم –رحمه الله الذي ذكره في مدارج السالكين.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93795 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89655 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف