(كتابُ المناسِكِ)
جمعُ مَنسَكٍ، بفتحِ السِّينِ وكَسرِهَا، وهو: التعبُّدُ. يُقالُ: تنسَّكَ: تعبَّدَ. وغَلَبَ إطلاقُها على متعبَّدَاتِ الحجِّ. والمنسَكُ في الأَصلِ: مِن النسيكَةِ، وهي الذَّبيحَةُ.
(الحجُّ) بفَتحِ الحاءِ في الأشهَرِ، عكسُ شَهرِ الحجَّةِ. فُرِضَ: سنَةَ تسعٍ من الهجرَةِ.
وهو لغةً: القصدُ. وشَرعًا: قصدُ مكَّةَ لعمَلٍ مخصوصٍ في زمنٍ مخصوصٍ.
(والعُمرَةُ) لغةً: الزيارَةُ. وشَرعًا: زيارةُ البيتِ، على وجهٍ مخصوصٍ.
وهما (واجِبَان) لقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} [ البَقَرَة: 196]. ولحديث عائشةَ: يا رسولَ اللَّه، هل على النِّساءِ مِن جهادٍ ؟ قال: «نعَم، عليهنَّ جِهادٌ لا قِتالَ فيه، الحجُّ والعُمرَةُ». رواه أحمد، وابن ماجه، بـإسنادٍ صحيحٍ. وإذا ثبَتَ ذلك في النساءِ، فالرِّجالُ أَولى.
إذا تقرَّرَ ذلك: فيَجِبَانِ (على المسلمِ، الحرِّ، المكلَّفِ، القَادِرِ) أي: المستطيعِ (في عُمرِه مرَّةً) واحدةً؛ لقوله عليه السلام: «الحجُّ مرَّةً، فمَن زادَ فهو تَطَوُّعٌ». رواه أحمد، وغيره.
فالإسلامُ، والعقلُ: شَرطانِ للوجوبِ والصِّحَّةِ. والبلوغُ، وكمالُ الحريَّةِ: شرطانِ للوجوبِ والإجزاءِ، دونَ الصحَّةِ. والاستطاعَةُ: شرطٌ للوجوبِ، دونَ الإجزاءِ.
فمَن كمُلَت له الشُّرُوطُ، وجَبَ عليه السَّعيُ (على الفَورِ) ويأْثم إن أخَّرَه بلا عُذرٍ؛ لقوله عليه السلام: «تعجَّلُوا إلى الحجِّ- يعني: الفَريضَةَ- فإنَّ أَحدَكُم لا يَدري ما يَعرِضُ له». رواه أحمد.
(فإن زالَ الرِّقُّ) بأَن عتَقَ العبدُ مُحرِمًا (و) زالَ (الجنونُ) بأَن أَفاقَ المجنونُ، وأَحرَمَ إن لم يَكُنْ مُحرِمًا (و) زالَ (الصِّبَا) بأَن بلَغَ الصغيرُ وهو محرِمٌ (في الحجِّ) وهو (بعرفَةَ) قبلَ الدَّفعِ منها، أَو بعدَه إن عادَ فوقَفَ في وقتِه، ولم يكُنْ سَعَى بعدَ طوافِ القُدُومِ (وفي) أي: أَو وُجِدَ ذلك في إحرامِ (العُمَرةِ قبلَ طَوافِها: صَحَّ) أي: الحجُّ أو العُمرَةُ فيمَا ذُكِرَ (فَرضًا) فيُجزِئُه عن حجَّةِ الإسلامِ وعُمرَتِه. ويَعتَدُّ بـإحرامٍ ووقوفٍ مَوجُودَينِ إذًا. وما قبلَه تَطوُّعٌ، لم يَنقَلِب فَرضًا.
فإن كان الصغيرُ أَو القِنُّ سَعَى بعدَ طَوافِ القُدومِ قَبلَ الوقوف: لم يُجزِئْه الحجُّ، ولو أَعادَ السَّعي؛ لأَنَّه لا يُشرَعُ مجاوزَةُ عَدَدِه، ولا تَكرَارُه، بخلافِ الوقُوفِ فإنَّه لا قَدْرَ له محدودٌ، وتُشرَعُ استدَامَتُه. وكذا: إن بَلَغَ أَو عَتَقَ في أَثناءِ طوافِ العُمرَةِ، لم تُجزِئْه، ولو أَعادَه.
(و) يصحُّ: (فِعلُهُمَا) أي: الحجِّ والعُمرةِ (مِنَ الصَّبيِّ) نَفلًا؛ لحديث ابن عباس: أَنَّ امرأةً رفَعَت إلى النبيِّ ﷺ صَبيًا، فقالَت: أَلِهَذَا حجٌّ ؟ قال: «نعَم، ولكِ أَجرٌ». رواه مسلم. ويُحرِمُ الوليُّ في مالٍ عَمَّن لم يُميِّزْ، ولو محرِمًا، أَو لم يَحُجَّ. ويُحرِمُ مميِّزٌ بـإذنِه. ويَفعَل وليٌّ ما يُعجِزُهُمَا، لكنْ يَبدَأ الوليُّ في رَميٍ بنَفسِه. ولا يُعتَدُّ برَميِ حَلالٍ. ويُطَافُ به لعَجزٍ، رَاكِبًا أَو محمُولًا.
(و) يَصحَّانِ مِن (العَبدِ: نَفلًا) لعدَمِ المانِعِ، ويَلزَمَانِه بنَذرِه. ولا يُحرِم به، ولا زَوجَةٌ، إلَّا بـإذنِ سيِّدٍ وزَوجٍ، فإن عَقَدَاهُ، فلَهُمَا تحليلُهُما. ولا يَمنَعُها من حجِّ فَرضٍ كمُلَت شُروطُه.
ولِكلٍّ مِن أَبَوَي حُرٍّ بالِغٍ مَنعُه مِن إحرامٍ بنَفلٍ، كنَفلِ جِهَادٍ، ولا يُحلِّلانِه إن أَحرَمَ.