السابِـعُ: عَقدُ النِّكاحِ، وقد ذكَرَه بقولِه: (ويحرُمُ عقدُ نِكاحٍ) فلو تزوَّجَ المحرِمُ، أو زَوَّجَ مُحرِمَةً، أو كانَ وَليًّا، أو وَكيلًا في النِّكاحِ: حَرُمَ (ولا يَصِحُّ) لما روى مسلم عن عُثمَانَ مرفوعًا: «لا يَنكِحُ المحرِمُ ولا يُنكِح».
(ولا فِديَةَ) في عقدِ النكاحِ، كشِراءِ الصَّيدِ. ولا فَرقَ بينَ الإحرامِ الصحيحِ والفاسدِ.
ويُكرَهُ للمحرِمِ: أن يخطِبَ امرأةً، كخُطبَةِ عَقدِه، وحُضورِه، وشَهادتِه فيه.
(وتَصحُّ الرَّجعَةُ) أي: لو رَاجَعَ المحرِمُ امرأتَه، صحَّت بلا كَراهَةٍ؛ لأنه إمساكٌ. وكذا: شِراءُ أمَةٍ للوَطءِ.
الثامِنُ: الوَطءُ. وإليه الإشارَةُ بقولِه: (وإن جامَعَ) المحرِمُ، بأن غَيَّبَ الحشَفَةَ في قُبلٍ أو دُبرٍ، مِن آدميٍّ أو غَيرِه: حَرُمَ؛ لقوله تعالى: {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث} [ البَقَرَة: 197] قال ابن عباس: هو الجماعُ.
وإن كانَ الوَطءُ (قبلَ التحلُّلِ الأوَّلِ: فَسَدَ نُسُكُهُمَا) ولو بعدَ الوقوفِ بعرفَةَ. ولا فرقَ بينَ العامدِ والساهِي؛ لقضاءِ بعضِ الصحابَةِ بفسَادِ الحجِّ، ولم يَستَفصِلْ.
(ويَمضِيَانِ فيه) أي: يجِبُ على الواطِئ والموطوءَةِ المُضِيُّ في النُّسُكِ الفاسِدِ، ولا يَخرُجَانِ منه بالوَطءِ؛ رُوي عن عمرَ، وعليٍّ، وأبي هريرةَ، وابنِ عباسٍ، فحُكمُه كالإحرَامِ الصحيحِ؛ لقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} [ البَقَرَة: 196] (ويَقضِيَانِه) وجوبًا (ثانيَ عامٍ) رويَ عن ابنِ عباس، وابن عمر، وابن عمرو.
وغيرُ المكلَّفِ: يَقضِي بعدَ تَكلِيفِه وحَجَّةِ الإسلامِ فَورًا، مِن حَيثُ أحرَمَ أوَّلًا، إن كانَ قبلَ مِيقَاتٍ، وإلَّا فمِنهُ.
وسُنَّ: تَفرُّقُهُما في قضاءٍ مِن مَوضِعِ وَطءٍ، إلى أن يَحِلَّا.
والوَطءُ بعدَ التحلُّلِ الأوَّلِ: لا يُفسِدُ النُّسُكَ، وعليه شَاةٌ.
ولا فِديَةَ على مُكرَهَةٍ، ونَفَقَةُ حجَّةِ قَضائِها عليه؛ لأنَّه المُفسِدُ لنُسُكِهَا.
التاسِـعُ: المباشَـرَةُ دونَ الفَـرجِ. وذكَرَهَـا بقولِـه: (وتحـرُمُ المباشَرَةُ) أي: مُباشَرَةُ الرَّجُلِ المرأةَ (فإن فَعَلَ) أي: باشَرَها (فأنزَلَ: لم يَفسُد حجُّه) كما لو لم يُنزِل. ولا يَصِحُّ قِياسُهَا على الوَطءِ؛ لأنَّه يجِبُ به الحدُّ دُونَهَا.
(وعليه: بَدنَةٌ) إن أنزَلَ بمباشَرَةٍ، أو قُبلَةٍ، أو تَكرَارِ نَظَرٍ، أو لمسٍ لِشَهْوَةٍ، أو أمنى باستِمناءٍ؛ قياسًا على بَدَنَةِ الوَطءِ. وإن لم يُنزِل: فشَاةٌ، كفِديَةِ أذى. وخطأٌ في ذلك كعَمدٍ. وامرأةٌ معَ شَهوةٍ كرَجُلٍ في ذلك.
(لكِنْ يُحرِمُ) بَعدَ أن يخرُجَ (مِن الحلِّ) ليجمَعَ في إحرامِه بينَ الحلِّ والحَرَمِ (لطَوافِ الفَرضِ) أي: ليطوفَ طَوافَ الزِّيارَةِ مُحرِمًا.
وظاهِرُ كلامِه: أنَّ هذا في المُبَاشِرِدُونَ الفَرجِ إذا أنزَلَ ! وهو غَيـرُ مُتَّجِـهٍ؛ لأنه لم يَفسُـد إحرامُه حتى يحتَـاجَ لتجديـدِه، فالمُبَاشَرةُ كسائرِ المحرَّمَاتِ غيرِ الوَطءِ. هذا مُقتَضى كلامِه في «الإقناع»، كـ«المنتهى»، و«المقنع»، و«التنقيح»، و«الإنصاف»، و«المبدع» وغيرِها. وإنما ذَكروا هذا الحُكمَ فيمَن وَطِئَ بعدَ التحلُّلِ الأوَّل، إلَّا أن يكونَ على وجهِ الاحتياطِ؛ مُراعَاةً للقَولِ بالإفسَادِ.
(وإحرامُ المرأةِ) فيمَا تقدَّمَ (كالرَّجُلِ، إلَّا في اللِّباسِ) أي: لباسِ المخيطِ، فلا يَحرُمُ عَليها، ولا تَغطيَةُ الرَّأسِ.
(وتَجتَنِبُ: البُرقُعَ والقُفَّازَينِ) لقوله عليه السلام: «لا تَنتَقِبُ المرأةُ، ولا تَلبَس القُفَّازَين». رواه البخاريُّ وغيره. والقُفَّازَانِ: شيءٌ يُعمَلُ لليدَينِ، يُدخَلانِ فيه يَستُرهُمَا من الحرِّ، كما يُعمَلُ للبُزَاةِ. ويَفدِي الرَّجُلُ والمرأةُ بِلُبسِهِمَا.
(و) تَجتَنِبُ أيضًا: (تغطيةَ وجهِهَا) لقولِه ﷺ: «إحرامُ الرَّجُلِ في رأسِه، وإحرامُ المرأةِ في وجهِها». فتضَعُ الثَّوبَ فَوقَ رأسِهَا وتَسدلُه على وجهِهَا؛ لمرورِ الرِّجَالِ قَريبًا مِنها.
(ويُباحُ لها: التَّحلِّي) بالخَلخَالِ، والسِّوَارِ، والدُّمْلُجِ، ونحوِهَا. ويُسنُّ لها: خِضَابٌ عندَ إحرامٍ، وكُرِهَ بعدَه.
وكُرِه لهُما: اكتِحالٌ بـإثمِدٍ لزينَةٍ. ولهُمَا: لُبسُ مُعصفَرٍ وكُحليٍّ، وقَطعُ رائحَةٍ كريهَةٍ بغَيرِ طيبٍ، واتِّجَارٌ، وعَمَلُ صَنعَةٍ، ما لم يَشْغَلا عن واجِبٍ أو مُستحبٍّ. وله: لُبسُ خاتَمٍ.
ويَجتَنِبَانِ: الرَّفَثَ والفُسُوقَ والجِدَالَ. وتُسنُّ: قِلَّةُ الكلامِ، إلَّا فيمَا يَنفَع.