(ثم يرجعُ) من مكَّةَ بعدَ الطَّواف والسَّعي (فـ) يصلي ظُهرَ يومِ النَّحر بمِنى، و(يبيتُ بمنى ثلاثَ ليالٍ) إن لم يتعجَّل، وليلتَين إن تعجَّل في يَومَين.
ويَرمي الجمَرَاتِ أيَّامَ التَّشريق (فيَرمي الجمرةَ الأولى، وتَلي مسجِدَ الخَيْفِ: سبعَ حصَيَاتٍ) مُتَعاقِباتٍ. يفعلُ كما تقدَّم في جمرَةِ العَقَبَة (ويجعلُها) أي: الجمرةَ (عن يَسَارِه، ويتأخَّرُ قليلًا) بحيثُ لا يصيبُه الحصَى (ويدعو طويلًا) رافِعًا يدَيه.
(ثمَّ) يَرمي (الوسطَى مثلَها) بسبعِ حصَيَاتٍ، ويتأخَّر قليلًا، ويدعو طويلًا، لكنْ يجعلُها عن يمينه.
(ثمَّ) يَرمي (جمرَةَ العقَبَةِ) بسبعٍ كذلك (ويجعلُها عن يَمينه، ويَستَبطِنُ الواديَ، ولا يقِفُ عندَها. يفعلُ هذا) الرميَ للجمارِ الثلاثِ، على الترتيبِ والكيفيَّةِ المذكورَين (في كلِّ يومٍ من أيَّام التَّشريقِ بعدَ الزَّوال) فلا يُجزئُ قبلَه، ولا ليلًا لغيرِ سُقاةٍ ورُعَاةٍ.
والأفضلُ: الرَّميُ قبلَ صلاةِ الظُّهرِ، ويكونُ (مُستَقبِلَ القِبلةِ) في الكلِّ (مُرتَّبًا) أي: يجبُ ترتيبُ الجمَرَاتِ الثلاثِ على ما تقدَّم.
(فإن رماه كلَّه) أي: رمَى حصَى الجمارِ السَّبعينَ كلَّه (في) اليومِ (الثالِثِ) من أيَّام التشريقِ: (أجزأَه) الرَّميُ أداءً؛ لأنَّ أيَّامَ التشريقِ كلَّها وقتٌ للرَّمي (ويُرَتِّبُه بنيَّتِه) فيَرمي لليومِ الأوَّلِ بنيَّتِه، ثمَّ للثَّاني مُرتَّبًا، وهلمَّ جرًّا، كالفوائتِ من الصلوات.
(فإنْ أخَّرَه) أي: الرَّميَ (عنه) أي: عن ثالثِ أيَّامِ التشريقِ: فعليه دمٌ (أو لم يَبت بها) أي: بمنى: (فعليه دمٌ) لأنه تركَ نُسُكًا واجِبًا. ولا مبيتَ على سُقاةٍ ورُعَاةٍ.
ويخطُبُ الإمامُ ثاني أيَّام التشريق، خطبةً يُعلِّمُهم فيها حُكمَ التَّعْجيلِ والتأخِيرِ والتَّوديع.
(ومَن تعجَّلَ في يَومَينِ: خرَجَ قبلَ الغُروبِ) ولا إثمَ عليه، وسَقَطَ عنه رميُ اليومِ الثالِث، ويَدفِنُ حصاه.
(وإلَّا) يخرجْ قبلَ الغُروبِ (لزِمَه المبيتُ، والرَّميُ مِنَ الغَدِ) بعدَ الزَّوالِ. قال ابنُ المنذر: وثبَتَ عن عمرَ أنَّه قال: من أدرَكه المساءُ في اليومِ الثَّاني، فليُقِمْ إلى الغَد، حتى ينفِرَ معَ النَّاسِ.
(فإذا أرادَ الخروجَ مِن مكَّةَ) بعدَ عَودِهِ إليها: (لم يخرُج حتى يطوفَ للوَدَاع) إذا فرَغَ من جميعِ أمورِه؛ لقولِ ابن عباس: أُمِرَ النَّاسُ أن يكونَ آخرُ عهدِهم بالبيتِ، إلَّا أنَّه خُفِّفَ عن المرأةِ الحائضِ. متفق عليه. ويسمَّى طوافَ الصَّدَرِ.
(فإنْ أقَامَ) بعدَ طوافِ الوداعِ (أو اتَّجَرَ بعدَه: أعادَه) إذا عزَمَ على الخروجِ، وفرَغَ من جَميعِ أمورِه؛ ليكونَ آخرَ عهدِه بالبيت، كما جرَت العادَةُ في توديعِ المسافرِ أهلَه وإخوانَه.
(وإن تَرَكَه) أي: طوافَ الودَاعِ (غيرُ حائضٍ: رجَعَ إليه) بلا إحرامٍ، إن لم يَبْعُدْ من مكَّةَ، ويُحرِمُ بعُمرَةٍ إن بَعُدَ عن مكة، فيطوفُ ويَسعَى للعُمرَةِ، ثمَّ للودَاعِ.
(فإنْ شَقَّ) الرُّجوعُ على مَن بَعُدَ عن مكَّةَ دونَ مسافةِ قصرٍ، أو بَعُدَ عنها مسافةَ قصرٍ فأكثرَ: فعليه دمٌ، ولا يلزمُه الرجوعُ إذًا.
(أو لم يرجِعْ) إلى الودَاعِ: (فعليه دمٌ) لتركِه نُسُكًا واجِبًا.
(وإن أخَّرَ طوافَ الزِّيارَةِ) ونَصُّهُ: أو القُدومِ (فطافَه عندَ الخروجِ: أجزأَ عن) طوافِ (الودَاعِ) لأنَّ المأمورَ به: أن يكونَ آخرُ عهدِه بالبيت، وقد فعَلَ. فإنْ نوى بطوافِه الوداعَ: لم يجزئْه عن طوافِ الزِّيارَةِ.
ولا وداعَ على حائضٍ ونُفسَاءَ، إلا أن تَطهُرَ قبلَ مُفارَقَةِ البُنيانِ.
(ويَقِفُ غيرُ الحائضِ) والنُّفَساءِ بعدَ الوداعِ في المُلتَزَمِ، وهو أربعةُ أذرُعٍ (بينَ الرُّكنِ) الذي به الحَجَرُ الأسودُ (والبابِ) ويُلصِقُ به وجهَه وصدرَه وذِراعَيه وكفَّيه مبسوطَتَين (داعيًا بما ورَدَ) ومنه: «اللهم هذا بيتُك، وأنا عبدُك، وابنُ عبدِك، وابنُ أمتِك، حَمَلْتَني على ما سخَّرتَ لي من خَلقِك، وسيَّرتَني في بلادِك، حتى بلَّغتَني بنعمَتِك إلى بيتِكَ، وأعنتَني على أداءِ نُسُكي، فإن كنتَ رضيتَ عنِّي، فازدَد عنِّي رضىً، وإلَّا فمُنَّ الآنَ قبلَ أن تنأى عن بيتِك داري، وهذا أوانُ انصرافي إن أذِنتَ لي، غيرَ مُستَبدِلٍ بك، ولا بـبَيتِكَ، ولا راغبٍ عنكَ، ولا عن بيتِك، اللهمَّ فأَصحِبني العافيةَ في بدَني، والصحَّةَ في جسمي، والعِصمَةَ في دِيني، وأحسِن مُنقَلَبي، وارزُقني طاعتَكَ ما أبقيتَني، واجمَع لي بينَ خَيرَي الدُّنيا والآخرةِ، إنَّك على كلِّ شيءٍ قديرٌ». ويدعو بما أحبَّ، ويصلي على النبي ﷺ.
ويأتي الحَطيمَ أيضًا، وهو تحتَ الميزابِ، فيَدعُو. ثم يَشرَبُ مِن ماءِ زمزمَ، ويَستَلمُ الحَجَرَ، ويُقبِّلُه، ثمَّ يَخرُجُ.
(وتَقفُ الحائضُ) والنُّفَساءُ (بـبابِه) أي: بابِ المسجدِ (وتَدعُو بالدُّعاءِ) الذي سبَقَ.
(وتُستَحبُّ: زيارةُ قبرِ النبي ﷺ، وقَبرَي صاحبَيه) رضي اللَّه عنهما؛ لحديث: «مَن حجَّ فزارَ قَبري بعدَ وفاتي، فكأنَّما زارَني في حياتي». رواه الدارقطني. فيُسلِّم عليه مُستَقبِلًا له. ثمَّ يستقبلُ القبلةَ، ويجعلُ الحُجرَةَ عن يسارِه، ويدعو بما أحبَّ. ويحرمُ الطوافُ بها، ويُكرَهُ التَّمسُّحُ بالحُجْرَة، ورفعُ الصوتِ عندَها.
وإذا أدارَ وجهَه إلى بَلدِه، قال: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ، آيبونَ، تائبونَ، عابِدُون، لربِّنا حامدونَ، صدَقَ اللَّهُ وعدَه، ونصَرَ عبدَه، وهزمَ الأحزابَ وحدَه.