(بابُ الفَواتِ والإحصَارِ)
الفَواتُ: كالفَوتِ، مصدرُ فاتَ: إذا سَبَقَ فلم يُدرَكْ.
والإحصارُ: مصدرُ أحصَرَه. مرَضًا كان أو عدوًّا. ويقالُ: حصَره أيضًا.
(من فاتَه الوقوفُ) بأن طلَعَ فجرُ يومِ النَّحرِ ولم يقِف بعرفَةَ: (فاتَه الحجُّ) لقولِ جابرٍ: لا يفوتُ الحجُّ حتى يَطلُعَ الفجرُ من ليلةِ جَمْعٍ. قال أبو الزبير: فقلتُ له: قالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ذلك ؟ قال: نعَم. رواه الأثرم.
(وتحلَّلَ بعُمرَة) فيطوفُ ويسعَى، ويحلِقُ أو يُقصِّرُ، إن لم يختَرْ البقاءَ على إحرامِه؛ ليحجَّ من قابلٍ
(ويَقضِي) الحَجَّ الفائِتَ (ويَهْدِي) هَديًا يذبحُه في قضائِه (إن لم يكُن اشتَرَطَ) في ابتداءِ إحرامِه؛ لقول عمرَ لأبي أيوبَ- لمَّا فاتَه الحجُّ- : اصنَعْ ما يصنَعُ المعتمِرُ، ثم قد حلَلتَ، فإن أدرَكتَ الحجَّ قابلًا فحُجَّ، واهْدِ ما استَيسَرَ مِن الهَدْي. رواه الشافعي. والقارِنُ وغيرُه سواءٌ.
ومَن اشترَطَ؛ بأنْ قالَ في ابتداءِ إحرامِه: وإنْ حبَسَني حابسٌ فمحِلِّي حيثُ حبَستَني. فلا هديَ عليه، ولا قَضاءَ، إلَّا أن يكونَ الحجُّ واجبًا فيؤدِّيه.
وإن أخطأَ النَّاسُ، فوقَفوا في الثامِن، أو العاشِرِ: أجزأَهم. وإن أخطأَ بعضُهم: فاتَه الحجُّ.
(ومَن) أحرَمَ، فـ (صدَّه عدوٌّ عن البيت) ولم يكُنْ له طريقٌ إلى الحجِّ: (أهدَى) أي: نحرَ هديًا في موضِعِه (ثم حلَّ) لقوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} [ البَقَرَة: 196] سواءٌ كانَ في حجٍّ أو عُمرَةٍ، أو قارنًا، وسواءٌ كانَ الحصْرُ عامًا في جميعِ الحاجِّ، أو خاصًا بواحدٍ، كمَن حُبِسَ بغَيرِ حقٍّ.
(فإن فقَدَه) أي: الهديَ: (صامَ عشَرَة أيامٍ) بنيَّةِ التحلُّل (ثم حلَّ) ولا إطعامَ في الإحصَارِ.
وظاهِرُ كلامِه، كالخِرقي وغَيرِه: عدمُ وجوبِ الحلقِ أو التقصير. وقدَّمه في «المحرر»، وشرح ابن رزين.
(وإنْ صُدَّ عن عَرَفةَ) دونَ البيت: (تحلَّل بعُمرَةٍ) ولا شيءَ عليه؛ لأنَّ قلبَ الحجِّ عمرةً جائزٌ بلا حصرٍ، فمعَه أولى.
وإن حُصِرَ عن طوافِ الإفاضةِ فقط: لم يتحلَّل حتى يطوفَ.
وإنْ حُصِر عن واجبٍ: لم يتحلَّل، وعليه دمٌ.
(وإن حصَرَه مرضٌ، أو ذهـابُ نفقـــةٍ) أو ضـلَّ الطـريقَ: (بقيَ مُحرمًا) حتى يقدِرَ على البيت؛ لأنه لا يَستفيدُ بالإحلالِ التخلُّصَ من الأذى الذي به، بخلافِ حصرِ العدوِّ، فإن قدِرَ على البيت بعدَ فواتِ الحجِّ: تحلَّل بعمرةٍ. ولا ينحرُ هديًا معه إلا بالحَرَم. هذا (إن لم يكُن اشتَرطَ) في ابتداءِ إحرامِه: أنَّ محِلِّي حيثُ حَبَستَني. وإلَّا فلهُ التحلُّلُ مجانًا في الجميع.