صوم رمضان
ثم صيام رمضان؛ فإنه عبادةُ السِّرِّ وطاعةُ الرب، ويجب أنْ يُزادَ فيه مِنْ حفظ اللسان، والاجتهادِ في صالح العمل، والتحفُّظِ مِنَ الخطأ والزَّلل، ويُراعى في ذلك لياليه وأيامُه، ويتبع صيامُه وقيامُه، وقد سُنَّ فيه الاعتكافُ.
حج البيت والعمرة
ثم الحجُّ إلى بيت الله الحرامِ مَنِ استطاع إليه سبيلاً، فهو فرضٌ واجبٌ، وقد رُوِيَ عن النبي ( أنه قال: "الحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ عند الله إلا الجنةُ".
الجهاد في سبيل الله
ثم الجهادُ في سبيل الله إنْ كانت بكما قدرةٌ عليه، أو عونُ مَنْ يستطيعُ إنْ ضعُفتُما عنه.
فهذه عُمَدُ فرائضِ الإسلام، وأركان الإيمان، حافظا عليها، وسابقا إليها، تحوزا الخيْرَ العظيمَ، وتفوزا بالأجرِ الجسيمِ، ولا تُضَيِّعا حقوقَ الله فيها وأوامرَه بها، فتهلَكا مع الخاسرين، وتندما مع المفرِّطين.
طلب العلم
واعلما أنكما إنَّما تصلان إلى أداءِ هذه الفرائض والإتيان بما يلزمكما منها ـ مع توفيق الله لكما ـ بالعلم الذي هو أصل الخيْر، وبه يُتوصَّلُ إلى البِرِّ، فعليكما بطلبه؛ فإنَّه غِنى لطالبِه، وعِزٌّ لحامله، وهو ـ مع هذا ـ السببُ الأعظم إلى الآخرة؛ به تُجتنبُ الشبهاتُ، وتصِحُّ القُرُباتُ، فكم مِنْ عاملٍ يُبعدُه عملُه مِنْ ربِّه، ويُكتب ما يتقرَّبُ به مِنْ أكبَرِ ذنبِه. قال الله تعالى: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا* الذين ضل سعيهم في الحيوة الدنيا وهو يحسبون أنهم يحسنون صنعاً} [الكهف: 103-104]. وقال تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب} [الزمر: 9] وقال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر:28]. وقال تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} [المجادلة:11].
فضائل العلم
والعلم سبيلٌ لا يُفضي بصاحبه إلا إلى السعادة، ولا يُقَصِّرُ به عن درجة الرِّفعةِ والكرامة. قليلُه ينفع، وكثيره يُعلي ويرفع، كَنْزٌ يزكو على كل حال، ويكثُر مع الإنفاق، ولا يَغصِبُه غاصبٌ، ولا يُخاف عليه سارق ولا محارب.
فاجتهدا في طلبه، واستعذبا التعبَ في حفظه، والسهرَ في درسِه، والنَّصَبَ الطويلَ في جمعِه، وواظِبا على تقييدِه وروايتِه، ثم انتقلا إلى فهمِه ودرايتِه.
رفعة أهل العلم
وانظرا أيَّ حالةٍ مِنْ أحوال طبقاتِ الناس تختاران، ومنْزلةَ أيِّ صنفٍ منهم تُؤثران؛ هل تريان أحداً أرفعَ حالاً مِنَ العلماء، وأفضلَ منْزلةً مِنَ الفُقهاء؟ يحتاج إليهم الرئيسُ والمرؤوس، ويَقتدي بهم الوضيعُ والنَّفيسُ، يُرجعُ إلى أقوالِهم في أمور الدنيا وأحكامها، وصحةِ عقودها وبِياعاتِها، وغيْرِ ذلك مِنْ تصرُّفاتِها، وإليهم يُلجأ في أمور الدين وما يلزم مِنْ صلاة وزكاة وصيام وحلال وحرام. ثم مع ذلك السلامةُ منَ التَّبعات، والحظوةُ عند جميع الطبقات.