لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى
ومَنْ أسدى منكما إلى أخيه معروفاً أو مُكارمةً أو مُواصلةً، فلا ينتظرْ مُقارضةً عليها، ولا يذكرْ ما أتى منها؛ فإنَّ ذلك مِمَّا يُوجب الضغائنَ، ويُسبب التباغضَ، ويُقبح المعروفَ، ويَحقرُ الكبيرَ، ويدُلُّ على المقتِ والضَّعَةِ ودناءةِ الهِمَّةِ.
لا تقابل الإساءة بالإساءة
وإنْ أحدُكما زلَّ وترك الأخذ بوصيتي في بِرِّ أخيه ومراعاتِه، فليتلافَ الآخرُ ذلك بتمسُّكِه بوصيتي، والصبْرِ لأخيه، والرِّفقِ به، وتركِ المقارضةِ له على جفوَتِه، والمتابعةِ له على سوءِ معاملته؛ فإنه يَحمدُ عاقبةَ صبْرِه، ويفوزُ بالفضلِ في أمرِه، ولا يكون ما يأتيه أخوه كبيرُ تأثيٍر في حالِه.
بركة الاتفاق
واعلما أني قد رأيتُ جماعةً لم تكن لهم أحوالٌ ولا أقدارٌ، أقام أحوالَهم، ورفع أقدارَهم اتفاقُهم وتعاضُدهم. وقد رأيتُ جماعةً كانت أقدارُهم ساميةً، وأحوالُهم ناميةً، مَحَقَ أحوالَهم، ووضع أقدارَهم اختلافُهم. فاحذرا أنْ تكونا منهم.
صلة الرحم
ثم عليكما بمواصلةِ بني أعمامِكما وأهلِ بيتِكما، والإكرامِ لهم، والمواصلةِ لكبيرِهم وصغيرِهم، والمشاركةِ لهم بالمالِ والحالِ، والمثابرةِ على مهاداتِهم، والمتابعةِ لزيارتِهم، والتعاهدِ لأمورهم، والبِرِّ لكبيرِهم، والإشفاقِ على صغيرِهم، والحرصِ على نَماءِ مالِ غنيِّهم، والحفظِ لغَيْبِهم، والقيامِ بحوائجهم، دون اقتضاءٍ لمجازاةٍ، ولا انتظارِ مُقارضَةٍ؛ فإنَّ ذلك مما تسودان به في عشيرتِكما، وتَعْظُمان به عندَ أهلِ بيتكما.
وصِلا رحِمَكما وإنْ ضَعُفَ سببُها، وقرِّبا ما بعُدَ منها، واجتهدا في القيام بحقِّها. وإياكما والتضييعَ لها؛ فقد رُوِيَ عن النبي ( أنه قال: "مَنْ أحبَّ النَّسَأ في الأجلِ، والسَّعَةَ في الرزقِ، فليَصِلْ رَحِمَهُ".
وهذا مِمَّا يَشْرُفُ به ملتزمُه، ويعظُمُ عند الناس مُعظمه. وما علمتُ أهلَ بيتٍ تقاطعوا وتدابروا إلا هلَكوا وانقرضوا، ولا علمتُ أهلَ بيتٍ تواصلوا وتعاطفوا، إلا نَمَوْا وكثُروا، وبُورِكَ لهم فيما حاولوا.
الوصية بالجار
ثم الجار؛ عليكما بحفظه، والكفِّ عن أذاه، والسَّتْرِ لعورتِه، والإهداءِ إليه، والصبْرِ على ما كان منه؛ فقد رُوِيَ عن النبي ( أنه قال: "لا يؤمن مَنْ لا يأمَنُ جارُه بوائِقَه". ورُوِيَ عنه ( أنه قال: "ما زال جبريلُ يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سَيُوَرِّثُه".
الجوار قرابة ونسب
واعلما أنَّ الجِوارَ قَرابةٌ ونسبٌ، فتحبَّبا إلى جيرانِكما كما تتحبَّبان إلى أقاربِكما. ارعَيا حقوقَهم في مشهدِهم ومَغيبِهم، وأحسِنا إلى فقيرِهم، وبالغا في حفظِ غيبهم، وعلِّما جاهلَهم.
صلة أصدقاء الأب
ثم مَنْ علمتما مِنْ إخواني وأهلِ مَوَدَّتي، فإنه يتعيَّنُ عليكما مراعاتُهم وتعظيمُهم، وبِرُّهم وإكرامُهم ومواصلتُهم؛ فقد رُوِيَ عن عبدِ الله بنِ عمر أنه حدَّث عن النبي ( أنه قال: "إنَّ أبرَّ البِرِّ أنْ يصلَ الرجلُ أهلَ وُدِّ أبيه".
إكرام الإخوان
ثم إخوانكما، عاملاهم بالإخلاص والإكرام وقضاء الحقوق، والتَّجافي عن الذنوب، والكتمانِ للأسرار.
وإياكما أن تُحدِّثا أنفسَكما أن تنتظرا مقارضة ممن أحسنتما إليه، وأنعمتما عليه؛ فإن انتظار المقارضة يَمسح الصنيعة، ويعيد الأفعال الرفيعةَ وضيعةً، ويقلب الشكر ذمَّاً، والحمد مقتاً.
الصبْر على أذى الناس
ولا يجب أنْ تعتقدا معاداةَ أحد، واعتمدا التحرُّزَ مِنْ كلِّ أحدٍ، فمنْ قصدَكما بِمطالبةٍ، أو تكرَّرَ عليكما بأذِيَّةٍ، فلا تُقارضاه جَهدَكما، والتزِما الصبْرَ له ما استطعتما، فما التَزم أحدٌ الصبْرَ والحِلمَ إلا عزَّ ونُصِرَ، {ومنْ بُغِيَ عليه لينصُرَنَّه الله} [الحج :60]. وقد استعملتُ هذا بفضلِ الله مراراً، فحَمِدتُ العاقبةَ، واغتطبتُّ بالكفِّ عَنِ المقارضةِ.
التوكل على الله
ولا تستعظِما مِنْ حوادثِ الأيامِ شيئاً، فكلُّ أمرٍ ينقرضُ حقيرٌ، وكلُّ كبيرٍ لا يدومُ صغيرٌ، وكلُّ أمرٍ ينقضي قصير، وانتظرا الفرجَ؛ فإنَّ انتظارَ الفرجِ عبادة، وعلِّقا رجاءَكما بربِّكما، وتوكلا عليه، فإنَّ التوكلَ عليه سعادةٌ.
الاستعانة بالدعاء
واستعينا بالدعاء، والجئا إليه في البأساءِ والضَّرَّاء؛ فإنَّ الدعاء سفينةٌ لا تعطَبُ، وحزبٌ لا يُغلَبُ، وجُنْدٌ لا يهربُ.
وإياكما أنْ تستحيلا عن هذا المذهبِ، أو تعتقدا غيْرَه، أو تتعلَّقا بسواه، فتهلَكا وتَخسرا الدينَ والدنيا. وربَّما دعوتُما في شيءٍ، فنالكما مع الدعاء معرَّةٌ، أو وصلت إليكما مضرَّةٌ، فازدادا حرصاً على الدعاءِ، ورغبةً في الإخلاصِ، والتضرُّعِ والبكاءِ، فإنَّ [ما] نالكما مِنَ المضرَّة بما سلف مِنْ ذنوبكما، واكتسبتماه مِنْ سيِّئ أعمالكما، ومع ذلك، فالذي ألهمَكما إلى الدعاء ووفَّقكما، لا بد أنْ يُحْسِنَ العاقبةَ لكما، وقد نَجَّاكما بدعائكما عن الكثيرِ، وصرف به عنكما مِنَ البلاءِ الكبيرِ.
شكر النعمة
وإذا أنعم عليكما ربُّكما بنعمةٍ، فتلقَّياها بالإكرامِ لها، والشكرِ عليها، والمسامَحةِ فيها، واجعلاها عوناً على طاعتِه، وسبباً إلى عبادتِه.
التحذير من إهانة النعم
والحذرَ الحذرَ مِنْ أن تُهينا نعمةَ ربِّكما، فتَتْرُكَكما مذمومَيْنِ، وتزول عنكما مَمقوتَيْن. رُوِيَ عن النبي ( أنه قال: "يا عائشةُ، أَحْسِني جِوارَ نِعَمِ الله تعالى؛ فإنَّها قلَّما زالتْ عن قومٍ، فعادت إليهم".
وإياكما أنْ تُطغِيَكما النعمةُ، فتُقَصِّرا عن شكرِها، أو تنسيا حقَّها، أو تظُنَّا أنكما نِلتماها بسعيِكما، أو وصلتُما إليها باجتهادِكما، فتعود نِقمةً مُؤذيةً، وبَليةً عظيمةً.