×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

رمضانيات / برامج رمضانية / فإني قريب / الحلقة (19) الاعتداء في الدعاء

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:342

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيهِ، كَما يحبُّ رُبُّنا ويَرْضَى، أحمدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ، لا أُحْصِي ثَناءً عليْهِ هُوَ كَما أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ، وأَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ إلهُ الأوَّلِينَ والآخرِينَ، لا إلهَ إِلَّا هُوَ الرحْمنُ الرحيمُ، وأَشْهَدُ أَنْ محمَّداً عبْدُ اللهِ ورسولُهُ صَفِيُّهُ وخليلهُ، خيرتُهُ مِنْ خَلقهِ، اللهُمُّ صَلِّ عَلَى محمدٍ وَعَلَى آلِ محمدٍ كَما صلَّيْتَ عَلَى إبراهيمَ وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ.

أمَّا بعْدُ:

فالسلامُ علَيْكُمُ وَرحْمَةُ اللهِ وَبركاتُهُ، وَحَيَّاكُمُ اللهُ أَيُّها الإخْوَةُ واَلأَخَواتُ، وأَهْلاً وسهْلاً بكُمْ  في هذهِ الحلَقَةِ الجديدَةِ مِنْ بَرْنامجكُمْ فَإِنِّي قريبٌ.

في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى سنتحدث عن الاعتداء في الدعاء، قال الله جل في علاه: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾[الأعراف:55]، قال ابن عباس رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾[الأعراف:55]: في الدعاء وغيره، أي: لا يُحبُّ اللهُ تَعالَى المعتدِينَ في دُعائهِمْ، ولا يحبُّ المعتدِينَ في غيرِ الدُّعاءِ مِنْ سائِرِ الشأْنِ، فالاعْتِداءُ وَهُوَ التجاوُزُ لِلحدِّ أمرٌ يبغضُهُ اللهُ تَعالَى، فَاللهُ تَعالَى يَأْمُرُ بِالعدْلِ وَالإِحْسانِ وَإيتاءِ ذِي القُرْبَى، وينهَى عَنِ الفَحْشاءِ وَالمنكرِ وَالبَغْيِ، وَالاعتداءُ مما نهَى اللهُ تَعالَى عنْهُ فِيما يَتعلَّقُ بمعاملَةِ الخلْقِ، وَفِيما يتعَلَّقُ بِمعاملَةِ الخالقِ جَلَّ في عُلاهُ، وَإِنَّهُ سُبْحانَهُ وَتَعالَى عندَما قالَ: ﴿ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾[الأعراف:55] أخبرَنا سُبْحانَهُ وَبحمْدِهِ أنَّ الاعْتداءَ في الدُّعاءِ محرمٌ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ ومؤمنَةٍ الحذرُ منَ الاعْتِداءِ في الدُّعاءِ فإنَّهُ مِنْ أَسْبابِ مَنْعِ إِجابَتِهِ، بَلْ مِنْ أَسْبابِ العُقُوبَةِ عَلَيْهِ.

أيُّها الإِخْوةُ والأَخواتُ! إِنَّ حَقِيقَةَ الاعْتداءِ في الدُّعاءِ هُوَ أَنْ يَتَجاوَزَ الدَّاعِي ما شرعَ اللهُ تَعالَى لهُ في الدُّعاءِ، إِمَّا في صِيغةِ الطلَبِ وَصِفَتِهِ، وَإما في المطْلُوبِ والمسئولِ.

وإنَّ للاعْتِداءِ في صِيغَةِ الطلبِ وَصِفَتِهِ صُوراً مِنْ ذَلِكَ: أَنَّ لا يَعْزِمَ الدَّاعِي في المسأَلَةِ، وَجاءَ في الصحيحيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: « إِذا دَعا أحدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ المسأَلَةَ »، أَيْ: لِيَسْأَلَ سُؤالَ العازمِ الجازمِ في مَسْألتِهِ وَطَلبِهِ، وَلا يَقُولُ: اللهُمَّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِني، فَإِنَّهُ لا مُسْتَكْرِهَ لَهُ.

ومِنْ صُورِ الاعْتِداءِ في الدُّعاءِ في صِفَتِهِ وَصُورَتِهِ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِالدُّعاءِ فَإِنَّ اللهَ تعالَى قَدْ نهَى عنْ ذَلِكَ فَقالَ: ﴿ وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ﴾[الإسراء:110]، وقال جل في علاه: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾[الأعراف:55]، فأمرَ اللهُ تَعالَى بِالدُّعاءِ وَقَرَنَ بِهِ ما يُوجِبُ قَبْولَهُ ويحسِنُهُ ويجملهُ فقالَ جَلَّ وَعَلا: ﴿ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾[الأعراف:55]، والتضرعُ هُوَ الخُشُوعُ والاستكانةُ والذُّلُّ.

وقولهُ: ﴿ وَخُفْيَةً ﴾[الأعراف:55]، أيْ: سِراً في النَّفْسِ لِيبعُدَ عنِ الرِّياءِ.

وقَدْ أَثْنَى اللهُ تَعالَى عَلَى نبيهِ زكريا إِذْ قالَ مخبراً عنْهُ في صِفَةِ دُعائِهِ: ﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ﴾[مريم:3]، والنداءُ الخفيُّ هُوَ دُعاءُ اللهِ تَعالَى بخفاءٍ وَسِرٍ دُونَ جهْرٍ ولا رَفْعِ صَوْتٍ، وَالشريعةُ قَرَّرَتْ أَنَّ السرَّ في العَمَلِ أَفْضَلُ مِنْ الإِعْلانِ إِلَّا إنِ اقْتَضَى الإِعْلانُ مَصلَحَةً، فينبغِي اسْتحضارُ ذَلِكَ في الدُّعاءِ، قالَ الحسنُ بْنُ أبي الحَسَنِ: وَلَقَدْ كانَ المسلِمُونَ يجتهِدُونَ في الدُّعاءِ فَلا يسْمَعُ لهمْ صَوْتُ، إِنْ هُوَ إِلَّا الهمْسُ بينهُمْ وبينَ ربِّهِمْ وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ تَعالَى قالَ: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾[الأعراف:55].

وقد جاءَ في الصحيحينِ مِنْ حَدِيثِ أَبي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عنهُ أَنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ قالَ لأَصْحابِهِ: « أَرْبِعُوا عَلَى أنفُسِكُمْ إِنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أصمَّ وَلا غائِبا، إنكمْ تَدْعُونَ سَمِيعاً بَصِيرا »، فإنَّ الأَدَبَ في دُعاءِ اللهِ عزَّ وَجَلَّ خفْضُ الصَّوْتِ بِالدُّعاءِ إِظْهاراً لِلذُّلِّ وَالضَّراعَةِ وَالانْكِسارِ بينَ يدَيْهِ جلَّ في عُلاهُ، وَهَكَذا كانَتْ أدْعِيَةُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ، فلمْ يُنْقَلْ عنهُ أَنَّهُ رَفَعَ صَوْتَهُ بِدُعاءٍ.

ومِنْ صُورِ الاعْتداءِ في الدُّعاءِ فِيما يتعلقُ بِصُورتِهِ وأُسْلُوبِهِ وَأَلْفاظِهِ: أَنْ يَفْصِلَ الدَّاعِي فِيما يَكْفِي فِيهِ الإِجْمالُ، فَإِنَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم قالَ: « أَجْمِلُوا في الطلبِ »، وَالإجْمالِ في الطَّلَبِ يَقْتَضِي الاعتدال والتوسطَ وعدمَ الزيادةِ والنقصِ، فقدْ روتْ عائِشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْها في بَيانِ هَدْي النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ في دُعائِهِ قالَتْ: فينبغِي لِلؤمنِ أَنْ يتخيَّرَ الجوامِعَ مِنَ الدُّعاءِ، فَهكذا كانَ هديهُ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ.

رَوى أَبُو داودَ في سننهِ مِنْ حَدِيثِ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قالَتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّم يُستحبُّ الجوامعُ مِنَ الدُّعاءِ وَيَدعُ ما سُوَى ذَلِكَ.

ومنْ أَمْثلَةِ هَذا النوعِ منَ الاعْتِداءِ: ما رَواهُ أَصْحابُ السننِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بنْ الغفاريِّ رَضِيَ اللهُ عنْه أنهُ سمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ: اللهُمَّ إِني أَسْأَلُكَ القَصْرَ الأَبْيضَ عَنْ يمينِ الجنةِ إذا دخلْتُها، فقالَ: أَيْ بُنيَّ، سلِ اللهَ الجنةَ، وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنَ النارِ، فإنِّي سمعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « إنهُ سَيكُونُ في هَذِهِ الأُمَّةِ قوْمٌ يعْتَدُونَ في الطُّهُورِ وَالدُّعاءِ ».

وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضاً ما رواهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيرُهُ عَنِ ابْنِ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنْهُ أنهُ قالَ: سمَّعْني أَبي وَأَنا أَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الجنَّةَ وَنَعِيمَها وَبهْجَتَها وَكَذا وكَذا، فقالَ: يا بُنَيَّ إِنِّي سمعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « سيكُونُ قوْمٍ يَعْتَدُونَ في الدُّعاءِ »، إِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ إِنْ أُعْطِيتَ الجنةَ أُعْطِيتُها وَما فِيها مِنَ الخيرِ، وَإِنْ أُعِذْتَ مِنَ النارِ أُعِذْتَ مِنْها وَما فِيها مِنَ الشَرِّ.

فينبغِي للؤْمِنِ والمؤمنةِ إِذا دَعا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يحرِصَ عَلَى الاقْتِصارِ في سُؤالِهِ وطلبهِ فَإِنَّهُ يُناجِي رَبَّ العالمينَ، وَمَعْلُومٌ أنَّ الإِنْسانَ إِذا ناجَى شَرِيفاً أَوْ كَبِيراً أَوْ عظِيماً تحرزْ فِيما يقُولُ، وانْتَقَى كلَماتِهِ لأَنَّ لا يَقَعُ في زلَلٍ أَوْ خَطَأٍ أوْ اعْتِداءٍ، فكَذَلِكَ ينْبَغِي أَنْ نَكُونَ في مُناجاتِها وَدُعائِنا رَبِّ العالمينَ سُبحانَهُ وبحمْدِهِ.

ومِنْ صُورِ التكلفِ في الدعاءِ في صِيَغِهِ وَأَلْفاظِهِ: تكَلُّفُ السجْعِ في الدُّعاءِ، رَوَى البُخارِيُّ في صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما في وَصِيَّتِهِ لمولاهُ عكْرَمَةَ قالَ: فانظُرِ السجعَ مِنَ الدُّعاءِ فاجتنبهُ فإني عهدتُ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْهِ وسلَّم وأَصْحابَهُ لا يفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ الاجتناب، فينبغِي للمؤْمِنِ أَنْ يُبْعَدَ نَفْسَهُ عن ِالسجعِ المتكلَّفِ المذْمُومِ.

أما ما حصل من ذلك من دون تكلف ولا إعمال فكر إنما جرى به اللسان دون قصد وإرادة وطلب فإنه لا بأس به ولا يعاب ذلك، بل المعيب هو أن يحرص على أن يكون الدعاء مسجوعاً ولو أخل ذلك بالمعنى والمقصود.

والمقصود بالسجع الذي نهى عنه ابن عباس رضي الله عنه: أن يتحرى المتكلم أن يكون أواخر كلامه على نسق واحد، كما تتألف القوافي في الأشعار فتكون الكلمات على وصف واحد متوازن تسرق الأسماع وإن كانت فارغة المعنى خاوية المضامين.

وقد جاء السجع في بعض أدعية النبي صلى الله عليه وسلم وأذكاره، إلا أنه سجع محمود غير متكلف، وإنما ذم العلماء ونهو عن السجع المتكلف المذموم الذي يشبه سجع الكهان لزخرفة قول وإحقاق باطل، وقد ذم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم في قوله: حمل ابن النابغة الهذلي حين قال: يا رسول الله كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل هذا يطل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « إنما هذا من إخوال الكهان »، من أجل سجعه الذي سجع، فينبغي للداعي أن ينصرف عن كل ما يشغله عن حضوره قلبه في دعائه، لذلك قال العلماء: ينبغي للداعي إذا لم تكن عادته الإعراب أن لا يتكلف الإعراب، بل قال بعض السلف: إذا جاء الإعراب ذهب الخشوع.

أيها الأخوة والأخوات هذه بعض صور الاعتداء في الدعاء التي ينبغي للؤمن أن يتحرز منها، وأن يحتاط من الوقوع فيها، فإن الاعتداء في الدعاء سبب لرده وعدم إجابته، بل قد يكون سبباً لمعاقبة صاحبه، كما قال تعالى: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾[الأعراف:55]، فإن إخباره تعالى عن شيء أنه لا يحبه دليل على أنه يبغضه، وما يبغضه الله تعالى جدير أن يعاقب أهله.

اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شر أنفسنا، خذ بنواصينا إلى ما تحب وترضى، واصرف عنا السوء والفحشاء، واجعلنا من حسبك وأوليائك، أعذنا من الاعتداء في الأقوال والأعمال والدعاء وسائر الحال.

وإلى أن نلقاكم في حلقة قامة من برنامجكم فإني قريب، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات95804 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات91591 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف