الحجُّ وَأَحْكامُ الأُضْحِيَةِ
الخطبة الأولى :
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أما بعد.
فَاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، فَإِنَّكُمْ في مُوسِمٍ مِنْ مَواسِمِ البِرِّ العَظِيمِ، كَثِيرَةٌ خَيْراتُهُ وَرَحَماتُهُ، فِيهِ خَيْرُ أَيَّامِ الزَّمانِ وَأَفْضَلُها، العامِلُ فِيها بِالبِرِّ وَالإِحْسانِ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ الملِكِ الدَّيَّانِ مِنَ الجِهادِ، إِلَّا مُجاهِداً خَرَجَ في سَبِيلِ اللهِ، فَعُقِرَ جَوادُهُ، وَأُهْرِيقَ دَمُهُ للهِ العَظِيمِ الرَّحْمَنِ.
عِبادِ اللهِ، يا مَنْ تَرْجُونَ اللهَ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، يا مَنْ تُؤَمِّلُونَ جَنَّةً عَرْضُها السَّماواتُ وَالأَرْضُ، أَنْتُمْ في أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ المبارَكِ، الَّتِي قالَ فِيها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (ما مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالحُ فِيها أَحْبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ -يَعْنِي أَيَّامَ العَشْرِ- قالُوا: وَلا الجِهادُ في سَبِيلِ اللهِ؟ قالَ: وَلا الجِهادُ في سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمالِهِ، ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ) أَخْرَجَهُ البُخارِيُّ (969) مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
فاللهَ اللهَ أَيُّها المسْلُمُونَ، أَكْثِرُوا فِيها مِنْ الأَعْمالِ الصَّالِحَةِ، الَّتي تَرْفَعُ دَرَجاتِكُمْ وَتُقَرِّبُكُمْ مِنْ مَلِيكِكُمْ، فَإِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلا فَتَحَ لَكُمْ في هَذِهِ العَشْرِ أَبْوابَ الخَيْرِ كُلِّها، وَندَبَكُمْ إِلَى الاجْتهادِ في جَمِيعِها.
إِنَّ مِنْ أَخَصِّ ما تَمَيَّزتْ بِهِ أَيَّامُ العَشْرِ ذِكْرُ اللهِ تَعالَى في كُلِّ حالٍ وَحِينٍ، فَقالَ تَعالَى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ سُورَةُ الحَجِّ: 28. قالَ حَبْرُ الأُمَّةِ وَتَرْجُمانُ القُرْآنِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: "الأَيَّامُ المعْلُوماتُ هِيَ أَيَّامُ العَشْرِ".
فَمِنْ خَيْرِ أَعْمالِكُمْ -يا عِبادَ اللهُ- ذَكْرُ اللهِ تَعالَى في هَذِهِ الأَيَّامِ، فَعْنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (ما مِنْ أَيَّامٍ أَعْظمُ عِنْدَ اللهِ، وَلا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ العَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (5423) وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ شاكِر..
فَيا أَيُّها المؤْمِنُونَ.
اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً، وَسَبِّحُوهُ بُكْرةً وَأَصِيلاً، اذْكُروا اللهََ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ، اذْكُرُوهُ بِقُلُوبِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ، فَإِنَّ الذِّكْرَ حَياةُ القُلُوبِ وَنَعِيمُها، كَما قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَثَلُ الَّذي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُ رَبَّهِ كَمَثَلِ الحَيِّ وَالميَّتِ) أَخْرَجَهُ البُخارِيُّ (6407) مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَىَ الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ .
فَأَكْثِرُوا أَيُّها المؤْمِنُونَ مِنْ قَوْلِ: "اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ"، اجْهَرُوا بِهَذا الذِّكْرِ وَأَظْهِروهُ في مَساجِدِكُمْ وَمَجالِسِكُمْ وَأَسْواقِكِمْ وَبُيوتِكُمْ، وَعِنْدَ أَهْلِيكُمْ وَأَوْلادِكُمْ، فَاذْكُروا اللهَ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ، وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ، فَفِي البُخارِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَنَّهُما كانا يَخْرُجانِ إِلَى السُّوقِ في أَيَّامِ العَشْرِ، فيكبِّرانِ، ويكبِّرُ الناسُ بتكبيرِهما أخرجه البخاري معلقا في باب فَضْلِ الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيق..
فاحْرِصُوا أَيُّها المؤْمِنُونَ عَلَى ذَكْرِ اللهِ تَعالَى، وَاجْتَهِدُوا في ذَلِكَ، فَإِنَّ الذِّكْرَ في هَذِه الأَيَّامِ أَفْضَلُ مِنَ الجِهادِ بِالسَّيْفِ وَالسِّنانِ، قالَ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: "وَالذِّكْرُ في هَذِهِ الأَيَّامِ - أَيْ أَيَّامُ العَشْرِ - أَفْضَلُ مِنَ الجَهادِ غَيْرِ المتَعَيِّنِ" مَدارِجُ السَّالِكَينَ( 1/89)..
عِبادَ اللهِ، إِنَّ الذِّكْرَ في هَذِهِ الأَيَّامِ عَلَىَ نَحْوَيْنِ:
النَّحْوُ الأَوَّلُ: ذِكْرٌ مُطْلَقٌ، يَكُونُ في كُلِّ وَقْتٍ، وَلا يُقَيَّدُ بِما بَعْدَ الصَّلَواتِ، وَهَذا وَقْتُهُ مِنْ دُخُولِ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ إِلَى آخِرِ يَوْمٍ مِنَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
النَّحْوُ الثَّانِي: ذِكْرٌ مُقَيَّدٌ، وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ الصَّلَواتِ، يَكُونُ مِنْ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفةَ إِلَى عَصْرِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَفِي هَذِهِ الأَيَّامِ: يَوْمِ عَرَفَةَ، وَيَوْمِ النَّحْرِ، وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، يَجْتَمِعُ الذِّكْرُ المطْلَقُ وَالمقَيَّدُ، فَيَذْكُرُ المرْءُ رَبَّهُ في كُلِّ حِينٍ، كَما يَذْكُرُهُ بَعْدَ فَراغِهِ مِنَ الصَّلَواتِ، فَإِذا سَلَّمَ مِنَ الصَّلاةِ اسْتَغْفِرُ ثَلاثاً، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ، وَمِنْكَ السَّلامُ، تَبارَكْتَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ، يُكَرِّرُ ذَلِكَ ما شاءَ، ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ بِالأَذْكارِ المشْرُوعَةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، مِنَ التَّسْبيحِ وَالتَّحْميدِ وَالتَّكْبِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
فَيَتَلَخَّصُ مِنْ هَذا أَيُّها المؤْمِنُونَ: أَنَّ الذِّكْرَ المطْلَقَ يَكُونُ مِنْ دُخُولِ العَشْرِ إِلَى آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْريقِ، وَأَمَّا المقَيَّدُ فَيَكُونُ مِنْ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلَى آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فاغْتَنِمُوا الفُرْصَةَ يا عِبادَ اللهِ، وَأَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَالثَّناءِ عَلَيْهِ، وَأَبْشِرُوا فَإِنَّ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ قَدْ وَعَدَكُمْ عَلَىَ ذَكْرِهِ خَيْراً كَثِيراً، فَقالَ تَعالَى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) سُورَةُ البَقَرَةِ: 152 وَقَدْ قالَ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (سَبَقَ المفَرِّدُونَ، قالُوا: وَمَنِ المفَرِّدُونَ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتُ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (2676) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ..
أيها المؤمنون.
إِنَّ مِنَ الأَعْمالِ الصَّالِحَةِ، الَّتي نَدَبَ إِلَيْها أَهْلُ العِلْمِ في هَذِه الأَيَّامِ، الصَّيامَ، الَّذِي قالَ فِيهِ البَارِي جَلَّ ذِكْرُهُ وَعَزَّ جَنابُهُ: (الصِّيامُ لَي، وَأَنا أَجْزِي بِهِ) أَخْرَجَهُ البُخارِي (1894) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فاحْرِصُوا عَلَى الاسْتِكثارِ مِنْ صِيامِ هَذِهِ الأَيَّامِ، لا سِيَّما يَوْمُ عَرَفةَ، فَإِنَّهُ: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (1162) مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتادَةَ الأَنْصارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَقَدْ كَثُرَ السُّؤَالُ أَيُّها المؤْمِنُونَ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ: "إِنَّ مِنَ الأَخْطاءِ في هَذِهِ العَشْرِ صِيامَها كُلَّها"؟
فالجَوابُ: أَنَّ هَذا القَوْلَ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ صِيامَ هَذِهِ الأَيَّامِ مِنَ العَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي حَثَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عُمُومِ قَوْلِهِ: (ما مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ)، وَالصِّيامُ مِنْ خَيْرِ الأَعْمالِ وَأَعْظَمِها أَجْراً، وَلَعَلَّ مُرادَ صاحِبِ هَذِهِ المقالَةِ التَّحْذِيرُ مِنْ صِيامِ يَوْمِ العِيدِ، لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، أَمَّا غَيْرُ يَوْمِ العِيدِ مِنْ أَيَّامِ العَشْرِ، فَلا إِشْكالَ في أَنَّ صِيامَهُ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ في الجُمْلَةِ؛ إِذْ هُوَ مِنْ خَيْرِ الأَعْمالِ الصَّالِحَةِ.
الخطبة الثانية :
أما بعد.
فيا أيها المؤمنون.
إن ربَّكم جل وعلا قال فيما تقدِّمونه من الضحايا والهدايا: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) سورة الحج: 37. فاتقوا اللهَ عباد الله، واعلموا أن مقصودَ الشارعِ الحكيمِ من إراقةِ دم الهدايا والضحايا التقرُّبُ إلى اللهِ سبحانه وتعالى بِأجِلِّ ماتقدرون عليه من بهيمةِ الأنعامِ، أعلاها قدراً، وأغلاها ثمناً وأنفسها، فإنه جل وعلا لن يناله لحومُها ولا دماؤُها، وإنما يناله منكم تقواكم له، ومحبتُكم له، وإيثارُكم التقربَ إليه بأحبِّ الأشياءِ لديكم، وتعظيمُكم شعائرَه: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) سورة الحج: 32 وقد جعل اللهُ هذه الضحايا والقرابين من شعائرِه، فقال: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) سورة الحج: 36 فعظِّموها ياعباد الله، فإن أفضلَ الضحايا أغلاها ثمناً، وأنفسُها عند أهلها.
أيها المؤمنون.
إن من الشروطِ الواجبةِ في الضحايا أن تبلغَ السِّنَّ المعتبرةَ شرعاً، وهي ستةُ أشهر في الضأنِ، وسنةُ في المعزِ، وسنتان في البقرِ، وخمسُ سنوات في الإبلِ، قال صلى الله عليه وسلم : (لا تذبحوا إلا مُسنَّةً، إلا إن تعسَّر عليكم، فتذبحوا جَذَعةً من الضأن) أخرجه مسلم (1963) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، والمسِنَّة هي الثنية، فما فوقها من الإبلِ أو البقرِ أو الغنمِ.
أيها المؤمنون.
إن من الشروطِ في الضحيةِ أن تكونَ سليمةً من العيوبِ، فعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أربعٌ لا تجوز في الضحايا: العوراءُ البيِّنُ عورُها، والمريضةُ البيِّن مرضُها، والعرجاء البيِّن عرجُها، والكبيرة التي لا تنقي، أي: التي لا مُخَّ في عظمها) أخرجه أحمد (18071)، وأبو داود (2802)، والترمذي (1497)، والنسائي(4371) ، وابن حبان ( 1046 )، من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه ، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"..
فهذه العيوب مانعةٌ من صحة التضحية، ويلحق بها ماشابهها أو كان أشد منها، كالعمياء أو مقطوعة الرجل، ومما ينبغي تجنُّبُه في الضحايا والهدي عضباءُ الأذنِ، وهي التي قُطعَ نصفُ أذنِها، أو كان في أذنِها شقوقٌ أو خروقٌ؛ لحديث عليٍّ رضي الله عنه قال: (أمرَنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن نستشرِفَ العينَ والأُذنَ) أخرجه الترمذي (1498)، والنسائي (4376)، وابن ماجه (3143) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وصححه الترمذي. أي: أن نكشف ونفحص ونتأمل سلامةَ العينِ والأذنِ، وهذه العيوب من شقوقٍ أو خروقٍ أو قطعٍ في الأذنِ ليست مانعةً من صحةِ الأضحية، ولكنها تنقص من أجرِها.
فاحرصوا -ياعباد الله- على سلامةِ ضحاياكم وقرابينِكم؛ فإن اللهَ سبحانه وتعالى طيبٌ لا يقبلُ إلا طيباً، وعلى أهلِ سوقِ الماشيةِ أن يتقوا اللهَ سبحانه وتعالى، فلا يغلُّوا على الناسِ الأسعارَ، ولا يكذِبوا عليهم، ولا يدلِّسوا، ولا يخفوا شيئاً من العيوبِ، بل عليهم بالصِّدقِ والبيانِ، فإنهما من أعظمِ أسبابِ البركةِ في المالِ، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : (البيِّعان بالخيار مالم يتفرقا، فإن صدَقَا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محِقَت بركةُ بيعِهما) أخرجه البخاري (2110)، ومسلم (1532) من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه.
فاللهَ اللهَ، يا أهل المواشي بالصدقِ والبيانِ.
عباد الله، يا أمة محمد، أكثِروا من الأعمالِ الصالحةِ في هذه الأيامِ، وتعرَّضوا لنفحاتِ اللهِ ومواهبِه، وتزوَّدوا فإن خيرَ الزادِ التقوى، فاستكثِروا من الطاعاتِ، وتخفَّفوا من المعاصي والموبقاتِ، فإن الحسناتِ تضاعفُ في هذه الأيامِ، والسيئاتُ تعظَّم وتغلَّظ.
أيها المؤمنون.
احرصوا على ذبحِ ضحاياكم بعد صلاةِ العيدِ؛ فإن من ذبحَ قبلَ أن يصلِيَ فلا ذبيحةَ له، قال صلى الله عليه وسلم : (من ذبحَ قبلَ أن يصلِيَ فليذبحْ أخرى مكانها، ومن لم يذبحْ فليَذبحْ باسمِ الله) أخرجه البخاري (985) من حديث جندب رضي الله عنه.
أيها المؤمنون..
إن من الأعمالِ الصالحةِ في هذه الأيامِ صلاةَ العيدِ، فاحرصوا على صلاتِها وشهودِها، فإنها سنةُ نبيِّكم صلى الله عليه وسلم ، فاخرجوا أيها المؤمنون إلى صلاةِ العيدِ حيثُ تُصلى، اخرجوا بأنفسِكم وأولادِكم وأهليكم، فعن أمِّ عطيةَ رضي الله عنها قالت: (أمرَنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن نخرِجَ في العيدين العواتقَ وذواتَ الخدور، حتى نخرِجَ الحيّضَ، فيَكُنَّ خلفَ الناسِ، فيكبرنَ بتكبيرِهم، ويدعون بدعائِهم، يرجون بركةَ ذلك اليومِ وطهرته) أخرجه البخاري (324). ، فاخرجوا إلى المصليات، واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون.