عَاشوراءُ يَوْمٌ صالِحٌ، هَكذا وَصفَهُ بَنُو إسْرائيلَ عِنْدَما سَألَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-: لِماذا تَصومونَهُ؟ قالُوا: هَذا يَوْمٌ صالِحٌ، هَذا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ بَنِي إسرائيلَ مِنْ عَدوِّهِم فصامَهُ مُوسَى، فقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ»، فصامَهُ وأمَرَ بصيامِهِ. أخرجَهُ البُخاريُّ(2004)
عاشوراءُ يَومٌ صالِحٌ أظهَرَ اللهُ تَعالَى فِيهِ الحَقَّ وأزهَقَ الباطِلَ، كما قالَ تَعالَى: {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} سُورَةُ الأعرافِ:118، كَيْفَ لا يَكونُ يَوْمًا صالِحًا وظُهورُ الحقِّ بِهِ صَلاحُ العالَمِ وسَعادَةُ البَشريةِ؟.
عاشوراءُ يَومٌ صالِحٌ نَصرَ اللهُ أولياءَهُ وأنجاهُم، نَجَّى اللهُ فِيهِ كَليمَهُ مُوسَى وقَومَهُ، وخَذلَ أعداءَهُ وأخزاهُم، فأغرَقَ فِرعونَ وجُندَهُ، كما قالَ تَعالَى: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} سُورَةُ غافِرٍ:45
عاشوراءُ يَومٌ صالِحٌ يَتذكَّرُ فِيهِ أهلُ الإيمانِ فَضْلَ اللهِ عَلَيْهِم بنَصْرِ إخوانِهِمُ المُؤمِنينَ وصُنعِهِ لَهُم، فأخوَّةُ الإيمانِ تَتجاوزُ كُلَّ حُدودِ الزَّمانِ والمَكانِ، فتَجمَعُ أهلَ الإيمانِ عَلَى اختِلافِ أُمَمِهِم وأنبيائِهِم وأنسابِهِم وأزمانِهِم، {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} سُورَةُ الأنبياءِ:92 ، فيَفرَحُ المُؤمِنُ بنَصرِ إخوانِهِ، ولو تَباعَدَ ما بَيْنَهُما مِنْ زَمانٍ، فهُوَ أحقُّ بِهِم مِنْ أيِّ أحَدٍ، فرابِطَةُ الإيمانِ فَوْقَ كُلِّ رابِطَةٍ، فهَذا رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- يَقولُ لبَنِي إسرائيلَ لَمَّا قالُوا لَهُ: هَذا يَومٌ صالِحٌ نَجَّى اللهُ فِيهِ مُوسَى: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ».
نَعمْ هُوَ -بأبي وأُمِّي- أحقُّ بمُوسَى مِنَ اليَهودِ، عاشوراءُ يَومٌ صالِحٌ، مَنْ صامَهُ كَفَّرَ ذُنوبَ السَّنَةِ الَّتي قَبْلَهُ، ففي "صَحيحِ مُسلمٍ" مِن حَديثِ أبي قَتادَةَ أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- قالَ: «وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ»"صَحيحُ مُسلمٍ"(1162) .
عاشوراءُ يَومٌ صالِحٌ تُدرَكُ فَضيلَتُهُ بصَومِ اليَوْمِ العاشِرِ مِنْ مُحرَّمِ ولو بصيامِهِ مُنفرِدًا، فالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- لَمَّا قَدِمَ المَدينةَ وَجدَ اليَهودَ يَصومونَهُ، فسَألَهُم وقالَ: «مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟»، فقالُوا: هَذا يَومٌ عَظيمٌ، أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وقَومَهُ، وأغرَقَ فِرعونَ وقَومَهُ، فصامَهُ مُوسَى شُكرًا فنَحنُ نَصومُهُ، فقالَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ـ:«فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ» أخرجَهُ مُسلمٌ(1130) ، فصامَهُ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- وأمَرَ بصيامِهِ.
عاشوراءُ يَومٌ صالِحٌ، كانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَصومُهُ قَبْلَ هِجرَتِهِ مُوافَقةً لقَوْمِهِ، حَيثُ كانَ يَومًا تُعَظِّمُهُ قُرَيشٌ، فيَكسُونَ فِيهِ الكَعبَةَ ويَصومونَهُ.
عاشوراءُ يَومٌ صالِحٌ أكَّدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- عَلَى صَومِهِ، فكانَ الصَّحابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- يَصومونَهُ ويُصَوِّمُونَ صِبيانَهُم وصِغارَهُمُ المُطيقِينَ للصِّيامِ، كما جاءَ ذَلِكَ في "صَحيحِ البُخاريِّ" مِنْ طَريقِ خالِدِ بنِ ذَكوان، عَنِ الرَّبيعِ بِنتِ مُعوِّذٍ قالَتْ: أرسَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- غَداةَ عاشوراءَ إلى قُرَى الأنصارِ: «مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيَصُمْ»صَحيحُ البُخاريِّ (1960)، قالَتْ: فكُنَّا نَصومُهُ بَعْدُ، ونُصَوِّمُ صِبيانَنا، ونَجعَلُ لَهُمُ اللُّعبَةَ مِنَ العِهْنِ، فإذا بَكَى أحدُهُم عَلَى الطَّعامِ أعطَيْناهُ ذاكَ، حَتَّى يَكونَ عِنْدَ الإفطارِ.
عاشوراءُ يَومٌ صالِحٌ قَضاءً وقَدَرًا بِما أجراهُ اللهُ تَعالَى فِيهِ مِنْ نَجاةِ مُوسى وقَومِهِ وهلاكِ فِرعونَ وجُنودِهِ، وهُوَ يَومٌ صالِحٌ دِيانةً وشَرعًا مِنْ صِيامِهِ وبما تَفضَّلَ فِيهِ عَلَى صُوَّامِهِ مِنْ حَطِّ ذُنوبِ عامٍ قَبْلَهُ، أصلَحَ اللهُ لي ولَكُمُ الأيَّامَ والأعمالَ.. آمين.