أهِميَّةُ العِلْمِ الشَّرْعيِّ
الخُطْبَةُ الأُولَى :
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أما بعد.
فَيا أَيُّها النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، وَاعْلَمُوا أَيُّها المؤْمِنُونَ أَنَّهُ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكُمْ عِبادَةٌ صَحِيحَةٌ، وَلا تَقْوَىَ نافِعَةٌ، إِلَّا بِالعِلْمِ الشَّرْعِيِّ.
فَعِلْمُ الكِتابِ وَالسُّنَّةِ أَفْضَلُ ما اكْتَسَبَتْهُ النُّفُوسُ، وَعَمَرَتْ بِهِ القُلُوبُ، وَشَغَلْتَ بِهِ الأَوْقاتُ، فِبِهِ يَرْفعُ اللهُ أَقْواماً وَيَضَعُ آخِرينَ، قالَ اللهُ تَعالَى:﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ سُورَةُ المجادَلَةِ: 11، فَعِلْمُ الكِتابِ وَالسُّنَّةِ حَياةُ القُلُوبِ وَنُورُ البَصائِرِ وَشِفاءُ الصُّدُورِ، هُوَ الميزانُ الَّذِي تُوزَنُ بِهِ الرِّجالُ وَالأَقْوالُ وَالأَعْمالُ، بِِهِ يَتَمَكَّنُ الَعَبدُ مِنْ تَحْقِيقِ العُبُودِيَّةِ للهِ الواحِدِ الدِّيانِ، فَهُوَ الكاشِفُ عَنِ الشُّبُهاتِ وَالمهَذِّبُ لِلشَّهَواتِ، مُذَاكَرَتُهُ تَسبْيِحٌ، وَالبَحْثُ عَنْهُ جِهادٌ، وَطَلَبُهُ قُرْبَةٌ، وَبَذْلُهُ صَدَقُةٌ، وَدِراسَتُهُ تَعْدِلُ الصِّيامَ وَالقِيامَ.
فالحاجَةُ إِلَيْهِ فَوْقَ كُلِّ حاجَةٍ، فَلا غِنَى لِلعَبْدِ عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ، قالَ الإِمْامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ:"النَّاسُ إِلَى العِلْمِ أَحْوَجُ مِنْهُمْ إِلَى الطَّعامِ وَالشَّرابِ، فالرَّجُلُ يَحْتاجُ إِلَى الطَّعامِ وَالشَّرابِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَحاجَتُهُ إِلَى العِلْمِ بِعَدَدِ أَنْفاسِهِ" انْظُرْ "مَدارِجَ السَّالِكِينَ"(2/470)..
وَبِالعِلْمِ الشَّرْعِيِّ أَيُّها المؤْمِنُونَ تَعْرِفُونَ رَبَّكُمْ، أَسْماءَهُ، وَصِفاتِهِ، وَأَفْعالَهُ، وَبِهِ تَعْرِفُونَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَحُدُودَهُ وَشَْرعَهُ، وَبِهذا كُلِّهِ تَتَحَقَّقُ لَكُمْ خَشْيةُ اللهِ سُبْحانَهُ وَتَعالَى، قالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ سُورَةُ فاطِر: 28 قالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: "أَيْ إِنَّما يَخْشاهُ حَقَّ خَشْيَتِهِ العُلَماءُ العارِفُونَ بِهِ؛ لأَنَّهُ كُلَّما كانَتِ المعْرِفَةُ لَهُ أَتَمَّ وَالعِلْمُ بِهِ أَكْمَلَ؛ كانَتْ الخَشْيَةُ أَعْظَمَ وَأَكْثَرَ" تَفسْيرُ ابْنُ كَثِيرٍ 6/544. .
عِبادَ الله، وَبِالعِلْمِ تَخْرُجُونَ مِنَ الظُّلُماتِ، وَتُحِصِّلُونَ أَكْمَلَ السَّعاداتِ وَأَتمَّ اللذَّاتِ، قالَ اللهُ تَعالَى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ سُورَةُ الأَنْعامِ: 122 وَقالَ تَعالَى: ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ﴾ سُورَةُ الرَّعْدِ: 19.
فَيا بُشْرَى وَيا طُوبَى وَيا سَعادَةَ مَنِ اشْتَغَلَ بِالعِلْمِ الشَّرْعِيِّ تَحْصِيلاً وَطَلَباً، وَعِلْماً وَعَمَلاً، وَتَبْلِيغاً وَتَعْلِيماً، قالَ اللهُ سُبْحانَهُ وَتَعالَى: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الألْبَابِ﴾ سُورَةُ البَقَرَةِ: 269..
وَفي "الصَّحِيحَيْنِ" مِنْ حَدِيثِ مُعاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أَنَّ النَّبي صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ»"صَحِيحُ البُخارِيِّ" (71)، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (1037)، وَفي جامِعِ التِّرْمِذِيِّ بِسَنَدٍ لا بَأْسَ بِهِ: «الدُّنْيا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ ما فِيها، إِلَّا ذِكْرَ اللهِ تَعالَى، وَما وَالاه، وَعالِماً أَو ْمُتَعَلِّماً» سُنَنُ التَّرْمِذِيِّ" (2222) ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَالحَدِيثُ حَسَّنَهُ التَّرْمِذِيُّ..
وَمِنْ فَضائِلِ الاشْتِغالِ بِعِلمْ ِالكِتابِ وَالسُّنَّةِ يا عِبادَ اللهِ: ما رَواهُ أَصْحابُ السُّنَنِ عَنْ أَبِي الدَّرْداءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:«مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِى فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ العِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِى السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِى الأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِى الْمَاءِ وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ»"سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ"(2682) وَابْنِ ماجَهْ(223)، وَقالَ التِّرْمِذِيُّ:"وَلا نَعْرِفُ هَذا الحَدِيثَ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عاصِمِ بْنِ رَجاءِ بْنِ حَيْوَةْ وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي بِمُتَّصِلْ هَكَذا حَدَّثَنا مَحَمُودُ بْنُ خَدَّاشٍ بِهَذا الإسْنادِ"..
أيها المؤمنونَ.
إِنَّ أُمَّتَنا اليَوْمَ هِيَ أَشَدُّ ما تَكُونُ حاجَةً إِلَى العِلْمِ الصَّحِيحِ، المبْنِيَّ عَلَى الكِتابِ وَالسُّنَّةِ، وَهِيَ أَشَدُّ ما تَكُونُ حاجَةً إِلَى العُلَماءِ الرَّاسِخِينَ، الَّذِينَ هُمْ أَرْكانُ الشَّرِيعَةِ وَأُمُناءُ اللهِ مِنْ خَلْقِهِ، وَالوَاسِطَةُ بَيْنَ الأُمَّةِ وَنَبِيِّها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، العُلَماءُ المجْتَهِدُونَ في حِفْظِ مِلَّتِهِ، الَّذِينَ هُمْ بِالشَّرْعِ مُتَمَسِّكُونَ، وَلآثارِ السَّلَفِ مُقْتَفُونَ، لا يُصْغُونَ إِلَى الأَهْواءِ وَلا يَلْتَفِتُونَ إِلَى الآراءِ، يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهُ.
أيها المؤمنون.
إِنَّ طَلَبَ العِلْمِ الشًّرْعِيِّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ بِحَسْبِهِ، فَإِنَّ مِنْ عِلْمِ الشَّرِيعَةِ ما لا يُعْذَرُ العَبْدُ بِجَهْلِهِ وَتَرْكِهِ، وَذَلِكَ العِلْمُ الواجِبُ هُوَ الَّذِي يَسْتَقِيمُ بِهِ دِينُ العَبْدِ، وَيَتَمَكَّنُ بِهِ مِنَ القِيامِ بِحَقِّ اللهِ، سَواءٌ كانَ ذَلِكَ في العَقائِدِ أَوِ الأَحْكامِ.
وَيَجْمَعُ أُصُولَ هَذا العِلْمَ الواجِبِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ تَعَلُّمُهُ في العَقائِدِ وَالأَحْكامِ حَدِيثُ جِبْريلَ الطَّويلُ، وَالَّذِي سَأَلَ فِيهِ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الإِسْلامِ وَالإيمانِ وَالإِحْسانِ، وَعَنْ أَماراتِ السَّاعَةِ، وَفي آخِرِهِ قالَ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحابِهِ: (هَذا جِبْريلُ أَتاكُمْ يُعُلِّمُكُمْ دِينَكُمْ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (9) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
فَيا أُمَّةَ السُّنَّةِ وَالقُرْآنِ، هَلا شَمَّرْنا عَنِ سَواعِدِ الجِدِّ وَالاجْتِهادِ، وَهَجَرْنا السُّنَةَ وَالرِّقادَ، وَجَفَوْنا الملاهِيَ وَالملَذَّاتِ، وَبَذَلْنا خالِصَ أَوْقاتِنا وَنَفِيسَ زمانِنا في تَحْصِيلِ العِلْمِ النَّافِعِ وَبَذْلِهِ وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ، فَبِالعِلْمِ وَبَذْلِهِ وَنَشْرِهِ تُرْفعُ راياتُ الدِّينِ وَأَعْلامُهُ، وَتَنْقَمِعُ راياتِ الشُّبهاتِ وَالشَّهواتِ.
فَعَلَيْكُمْ يا عِبادَ اللهِ بِعِزِّ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، عَلَيْكُمْ بِمِيراثِ النُّبُوَّةِ وَتَرِكَةِ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، اطْلُبُوها مِنْ مَظانِّها وَاجْتَهِدُوا في تَحْصِيلِها اللَّياليَ وَالأَيَّامَ، وابْذُلُوا في سَبِيلِ ذَلِكَ الأَنْفُسَ وَالأَمْوالَ، فَإِنَّ العِلْمَ مِنَ الجِهادِ في سَبيلِ اللهِ، أَخلِْصُوا للهِ سُبْحانَهُ وَتَعالَى نِيَّاتِكُم،ْ فَإِنَّ اللهَ لا يَقْبَلُ مِنَ العَمَلِ إِلَّا ما كانَ خالِصاً وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ.
تعلَّمْ فإنَّ العِلمَ زَيْنٌ لأهلِه *** وَفَضْلٌ وَعِنْوانٌ لِكُلِّ المحامِدِ
تَفَقَّهْ فَإِنَّ الفِقْهَ أَفْضَلُ قائِدٍ *** إِلَى البِرِّ وَالتَّقْوَىَ وَأَعْدَلُ قاصِدِ
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعْد.
فَإِنَّ العِلْمَ الشَّرْعِيَّ يُعدُّ إِحْدَى أَهَمِّ الضَّرُوراتِ الَّتِي تَحْتاجُها الأُمَّةُ اليَوْمَ، فَبِالعِلْمِ الصَّحِيحِ المأْخُوذِ مِنَ الكِتابِ وَالسُّنةِ، وَبِالتَّعْلِيمِ وَالدَّعْوَةِ الخالِصَةِ المثابِرَةِ تَخْرُجُ أُمَّتُنا مِنْ أَنْفاقِ التَّعاساتِ وَالظُّلُماتِ وَالانْتِكاساتِ إِلَى ساحاتِ السَّعادَةِ وَالعِزِّ وَالانْتِصاراتِ، قالَ اللهُ سُبْحانَهُ وَتَعالَى:﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾ سُورَةُ النُّورِ: 55، وَلَنْ يَكُونَ إِيمانٌ صادِقٌ وَلا عَمَلٌ صالِحٌ وَلا عِبادَةٌ صَحِيحَةٌ وَلا سَلامَةٌ مِنَ الشِّرْكِ، إِلَّا بِالعِلْمِ النَّافِعِ الصَّحِيحِ، وَالدَّعْوَةِ المثابِرَةِ، وَالتَّعْلِيمِ النَّاصِحِ.
وَالعِلْمُ الشَّرْعِيُّ هُوَ السَّبِيلُ القَوِيمُ لإِصابَةِ نَهْجِ الوَسَطِيَّةِ وَالاسْتِقامَةِ، فَالعِلْمُ هُوَ الضَّمانَةُ الأُولَى الَّتِي تَحْفَظُ مَسِيرَةَ العَبْدِ مِنَ الغُلُوِّ في دِينِ اللهِ، أَوِ التَّقْصِيرِ فِيهِ، فَما أَمَرَ اللهُ تَعالَى بِأَمْرٍ إِلَّا وَلِلشَّيْطانِ فِيهِ نَزْغَتانِ: إِمَّا إِلَى تَفْرِيطٍ وَإِضاعَةٍ، وَإِمَّا إِلَى إِفْراطٍ وَغُلوٍّ، وَدِينُ اللهِ سُبْحانَهُ وَسَطٌ بَيْنَ الجافي عَنْه وَالغالي فِيهِ، وَكِلا الأَمْرَيْنِ خَطِيرٌ، فُكَما أَنَّ الجافيَ عَنِ الأَمْرِ مُضَيِّعٌ لَهُ، فالغالِي في أمْرِ اللهِ مُضيِّعٌ لَهُ كَذَلِكَ مَدارِجُ السَّالِكِينَ 2/496.
فَتَعَلَّمُوا العِلْمَ يا عِبادَ اللهِ، وَاجْتَهِدَوا في تَحْصِيلِهِ، وَعَلَيْكُمْ بِهَدْيِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، الَّذِينَ هُمْ خَيْرُ القُرُونِ، وَإِيَّاكُمُ وَالجَهْلَ، فَإِنَّ الجَهْلَ أَصْلُ كُلِّ انْحِرافٍ وَضَلالٍ، قالَ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ:
وَالجَهْلُ داءٌ قاتِلٌ وَشِفاؤُهُ *** أَمْرانِ في التَّرْكِيبِ مُتَّفِقانِ
نَصٌّ مِنَ القُرآنِ أَوْ مِنْ سُنَّةٍ *** وَطَبِيبُ ذاكَ العالِمُ الرَّبانِي القَصِيدَةُ النُّونِيَّةُ (265)
فَأَقْبِلُوا أَيُّها النَّاسُ عَلَى كِتابِ رَبِّكُمْ، وَعَلَى سُنَّةِ نَبِيِّكُمْ، وَاسْتَرْشِدُوا بِآراءِ أَهْلِ العِلْمِ الأَثْباتِ، وَخُذُوا عَنْهُمْ، فَإِنَّ هَذا العِلْمَ يَحْمِلُهُ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، وَخُذُوا العِلْمَ يا عِبادَ اللهِ قَبْلَ ذَهابِهِ، فَإِنَّ ذَهابَ العِلْمِ بِذَهابِ أَهْلِهِ وَحَمَلَتِهِ، قالَ أَبُو الدَّرْداءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "مالي أَرَى عُلَماءَكُمْ يَذْهَبُونَ وَجُهَّالَكُمْ لا يَتَعَلَّمُونَ، فَتَعلَّمُوا قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ العِلْمُ، فَإِنَّ رَفْعَ العِلْمِ ذهابُ العُلَماءِ" مُصَنَّفُ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ 13/313..
واحْذَرُوا ياعِبادَ اللهِ الَّذينَ يُزَهِّدُونَكُمْ في العِلْمِ الشَّرْعِيِّ وَأَهْلِهِ، وَيُهَوِّنُونَ مِنْ شَأْنِهِ بِأَقْوالِهْمْ أَوْ بِأَفْعالِهِمْ، فَإِنَّ الَّذِينَ يُزَهِّدُونَ في العِلْمِ وَأَهْلِهِ إِنَّما يُزَهِّدُونَ في الدِّينِ وَالدَّعْوةِ الَّتي يَحْملُها هَؤُلاءِ، وَهَذا الفِعْلُ لا يَكُونُ إِلَّا مِنْ جاهِلٍ أَوْ صاحِبِ هَوَى، فَإِنَّ عِلْمَ الشَّرِيعَةِ قالَ اللهُ، قالَ رَسُولُهُ، قالَ الصَّحابَةُ، فَمَنْ زَهِدَ فِيهِ أَوْ هَوَّنَ مِنْ شَأْنِهِ، فَقَدْ زَهَّدَ النَّاسَ في الكِتابِ وَالسُّنَّةِ وَهَدْيِ السَّلَفِ الصَّالِحِ.
فَحُثُّوا أَيُّها المؤْمِنُونَ أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ وَأَوْلادَكُمْ عَلَى طَلَبِ العِلْمِ، وَحُضُورِ حِلَقِهِ، وَقِراءَةِ كُتُبِهِ، وَسَماعِ أَشْرِطَتِهِ، قالَ أَبُو الدِّرْداءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "اغْدُ عالِماً أَوْ مُتَعَلِّماً أَوْ مُسْتَمِعاً أَوْ مُحبًّا، وَلا تَكُنِ الخامِسَ فَتَهْلِكَ جامِعُ بَيانِ العِلْمِ وَفَضْلِهِ 1/71..
اللَّهُمَّ وَفِّقْنا إِلَى العِلْمِ النَّافِعِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ.