×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

خطب المصلح / خطب مطبوعة / خطبة: حقوق القرآن العظيم

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

حقوق القرآن العظيم الخطبة الأولى : إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله. أما بعد.  فيا أيها المؤمنون. اتقوا الله واشكروه على نعمة إنزال القرآن، الذي جعله الله ربيع قلوب أهل البصائر والإيمان، فهو كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في وصفه: "هو كتاب الله، فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: ﴿ إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به)+++ سورة الجن:1-2--- من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم"+++ سنن الترمذي(2906)، وقال:" حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإسناده مجهول وفي الحارث مقال".---.  أمة القرآن هذه بعض أوصاف كتابكم الحكيم، وقد ذكر الله كثيرا من أوصافه في القرآن العظيم، بين في تلك الأوصاف وظيفة الكتاب ومهمته وعمله، وما يجب له من الحقوق والواجبات. فمن ذلك أيها المؤمنون: أن الله وصف كتابه الحكيم بأنه روح، قال تعالى: ﴿وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان)+++ سورة الشورى :52--- فالقرآن العظيم روح، يحيي به الله قلوب المتقين، فلله كم من ميت لا روح فيه ولا حياة، أحياه الله تعالى بروح الكتاب، قال تعالى: ﴿ أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها )+++ سورة الأنعام:122--- فاطلبوا أيها المؤمنون حياة قلوبكم من كتاب ربكم، فلا أطيب ولا أكمل من الحياة بروح القرآن.  عباد الله. إن من أوصاف القرآن العظيم: أنه نور، قال تعالى: ﴿ فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير )+++ سورة التغابن : 8---، وقال: ﴿ قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم )+++ سورة المائدة :15- 16--- فالقرآن يا عباد الله نور تشرق به قلوب المؤمنين، ويضيء السبيل للسالكين المتقين، وذلك لا يكون إلا لمن تمسك به، فعمل بأوامره وانتهى عن زواجره.  أيها المؤمنون. إن من أوصاف القرآن العظيم: أنه فرقان، قال الله تعالى: ﴿ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا )+++ سورة الفرقان : 1 --- فالقرآن فرقان، يفرق بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال، وبين الغي والرشاد، وبين العمى والأبصار، وهو فرقان، فرق الله فيه وبه بين المؤمنين الأبرار، وبين الكافرين الفجار، فاحرصوا عباد الله على التحلي بصفات المؤمنين، والتخلي عن صفات الكافرين والفاسقين.  أيها المؤمنون. إن من أوصاف القرآن العظيم: أنه موعظة وشفاء وهدى ورحمة للمؤمنين، كما قال الله تعالى: ﴿يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين)+++ سورة يونس : 57 ---. فالقرآن يا عباد الله أبلغ موعظة، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وهو أنجع الأدوية لما في القلوب من الآفات والأمراض، ففي كتاب الله تعالى شفاء أمراض الشبهات، وشفاء أمراض الشهوات، وهو هدى ورحمة لمن تمسك به، يدله على الصراط المستقيم، ويبين له المنهاج القويم، ويوضح سبيل المؤمنين.  أيها المؤمنون. هذه بعض الأوصاف التي وصف الله تعالى بها القرآن العظيم، وهي أوصاف عظيمة جليلة، تبين عظم قدر هذا الكتاب المجيد، الذي جعله الله خاتم كتبه إلى أهل الأرض، فهو أعظم آيات النبي  صلى الله عليه وسلم ، بل هو أعظم آيات الأنبياء، فلم يؤت نبي مثل هذا القرآن العظيم، الذي أعجز نظامه الفصحاء، وأعيت معانيه البلغاء، وأسر قلوب العلماء، فصدق والله ربنا حيث قال: ﴿ الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد )+++ سورة الزمر: 23 ---.    الخطبة الثانية : أما بعد.  فيا أيها المؤمنون. إن لهذا الكتاب العظيم حقوقا كثيرة، وله علينا واجبات عديدة، فاتقوا الله عباد الله، وأدوا حقوقه وقوموا بواجباته. فمن حقوقه أيها المؤمنون: وجوب الفرح به، فكتاب الله المجيد خير ما يفرح به، قال الله تعالى: ﴿يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين (75) قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)+++ سورة يونس: 57 – 58---. قال أبو سعيد  رضي الله عنه  في هذه الآية: " فضل الله القرآن، ورحمته أن جعلكم من أهله"+++ الجامع لأحكام القرآن 8/ 353---، ومقتضى هذا الفرح يا عباد الله هو تعظيم هذا الكتاب، وإيثاره على غيره، فإنه والله خير من كل ما يجمعه الناس من أعراض الدنيا وزينتها.  أيها المؤمنون. إن من حقوق هذا الكتاب المجيد: تلاوته، قال تعالى: ﴿إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور (29) ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور)+++ سورة فاطر: 29 -30.--- وقد قال  صلى الله عليه وسلم : (اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه)+++ أخرجه مسلم (804) من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه.--- ، فحافظوا أيها المؤمنون على تلاوة القرآن، واستكثروا من ذلك، فإن تلاوة القرآن تجلي القلوب وتطهرها وتزكيها، وتحمل المرء على فعل الطاعات، وترك المنكرات، وترغبه فيما عند الله رب البريات.  أيها المؤمنون. إن من حقوق هذا الكتاب العظيم، والفرقان المبين: تدبر معانيه، قال الله تعالى: ﴿كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب)+++ سورة ص: 29--- ، وقد ذم الله تعالى المعرضين عن تدبر كتابه، فقال جل وعلا: ﴿أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)+++ سورة محمد: 24---. فاتقوا الله عباد الله، وتدبروا كتابه العظيم، فإنه لا يحصل الانتفاع بالقرآن إلا لمن جمع قلبه عند تلاوته وسماعه، واستشعر أنه خطاب ربه جل وعلا إلى رسوله  صلى الله عليه وسلم ، وقد جاء عن بعض السلف رحمهم الله أنهم كانوا يقيمون الليل بآية واحدة، يرددونها ويتدبرون ما فيها.  أيها المؤمنون. إن من حق هذا القرآن المجيد تعظيمه وإجلاله وتوقيره، فإنه كلام ربنا العظيم الجليل، وقد أجمع العلماء على وجوب تعظيم القرآن العزيز، وتنزيهه، وصيانته، فمن استخف بالقرآن، أو استهزأ به أو بشيء منه فقد كفر بالله العظيم، وهو كافر بإجماع المسلمين، فعظموا هذا الكتاب يا عباد الله، واحفظوه من عبث العابثين.    عباد الله. وإن من تعظيم القرآن ألا يمسه إلا طاهر -أي: متوضىء-، ولا يقرأه جنب، أي: من كانت عليه جنابة، ولا يجوز استدباره، أو مد الرجل إليه، أو وضعه حيث يمتهن، فاتقوا الله وعظموا كتابه ﴿ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)+++ سورة الحج: 32 ---.  أيها المؤمنون. إن من حقوق هذا الكتاب الاستمساك به، كما أمر الله تعالى بذلك نبيه  صلى الله عليه وسلم ، فقال تعالى: ﴿فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم)+++ سورة الزخرف: 43 --- والاستمساك به يكون باتباعه، بإحلال حلاله وتحريم حرامه، والاقتداء به، والتحاكم إليه، وعدم الكفر بشيء منه، كما قال تعالى: ﴿اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم)+++ سورة الأعراف: 3---. فاتقوا الله عباد الله، وتمسكوا بكتاب ربكم تمسكا صادقا، ترى آثاره في أعمالكم وأقوالكم وأخلاقكم، وأقبلوا عليه تلاوة وحفظا وتدبرا وفكرا وعلما وعملا، فإنه من اعتصم به فقد هدي، فاعتصموا بحبل الله جميعا أيها المؤمنون. 

المشاهدات:17984
حقوقُ القرآنِ العظيمِ
الخطبة الأولى :

إن الحمد لله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أما بعد. 
فيا أيها المؤمنون.
اتقوا الله واشكُروه على نِعمةِ إنزالِ القرآنِ، الذي جعلَه اللهُ رَبيعَ قلوبِ أهلِ البصائرِ والإيمانِ، فهو كما قال عليُّ بنُ أبي طالب رضي الله عنه في وصفه: "هو كتابُ اللهِ، فيه نبأُ من قبلَكم، وخبرُ ما بعدَكم، وحكمُ ما بينَكم، هو الفصلُ ليس بالهزلِ، من تركَه من جبارٍ قصمَه اللهُ، ومن ابتَغى الُهدى في غيرِه أضلَّه اللهُ، وهو حبلُ اللهِ المتينُ، وهو الذكرُ الحكيمُ، وهو الصراطُ المستقيمُ، وهو الذي لا تزيغُ به الأهواءُ، ولا تلتبسُ به الألسنةُ، ولا يشبعُ منه العلماءُ، ولا يخلَق عن كثرةِ الرَّدِ، ولا تنقضي عجائبُه، وهو الذي لم تنته الجنُّ إذ سمعته حتى قالوا: ﴿ إنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ) سورة الجن:1-2 من قال به صدق، ومن عملَ به أُجر، ومن حكَمَ به عدلَ، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم" سنن الترمذي(2906)، وقال:" حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإسناده مجهول وفي الحارث مقال".
أمةَ القرآنِ
هذه بعضُ أوصافِ كتابِكم الحكيمِ، وقد ذكر الله كثيراً من أوصافِهِ في القرآن العظيمِ، بيّن في تلك الأوصافِ وظيفةَ الكتاب ومهمتَه وعمله، وما يجب له من الحقوقِ والواجباتِ.
فمن ذلك أيها المؤمنون: أن اللهَ وصفَ كتابَه الحكيمَ بأنه روحُ، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإيمَانُ) سورة الشورى :52 فالقرآنُ العظيمُ روح، يحيي به اللهُ قلوبَ المتقين، فللهِ كم من ميتٍ لا روحَ فيه ولا حياةَ، أحياه اللهُ تعالى بروحِ الكتابِ، قال تعالى: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ) سورة الأنعام:122 فاطلبوا أيها المؤمنون حياةَ قلوبِكم من كتابِ ربكم، فلا أطيبَ ولا أكملَ من الحياةِ بروحِ القرآنِ. 
عباد الله.
إنَّ من أوصافِ القرآنِ العظيمِ: أنه نورٌ، قال تعالى: ﴿ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) سورة التغابن : 8، وقال: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) سورة المائدة :15- 16 فالقرآنُ يا عبادَ اللهِ نورٌ تُشرِقُ به قلوبُ المؤمنين، ويُضيء السبيلَ للسَّالكين المتقين، وذلك لا يكونُ إلا لمن تمسَّكَ به، فعمِلَ بأوامرِه وانتهى عن زواجرِه. 
أيها المؤمنون.
إن من أوصافِ القرآنِ العظيمِ: أنه فرقانٌ، قال اللهُ تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ) سورة الفرقان : 1 فالقرآنُ فرقانٌ، يفرقُ بين الحقِّ والباطلِ، وبين الهدى والضَّلالِ، وبين الغيِّ والرَّشادِ، وبين العَمَى والأبصارِ، وهو فرقانٌ، فرَّقَ اللهُ فيه وبه بينَ المؤمنين الأبرارِ، وبين الكافرين الفجارِ، فاحرصوا عبادَ اللهِ على التَّحلِّي بصفاتِ المؤمنين، والتخلي عن صفاتِ الكافرين والفاسقين. 
أيها المؤمنون.
إن من أوصافِ القرآنِ العظيمِ: أنه موعظةٌ وشفاءٌ وهدى ورحمةٌ للمؤمنين، كما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) سورة يونس : 57 .
فالقرآنُ يا عبادَ اللهِ أبلغُ موعظةٍ، لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيدٌ، وهو أنجعُ الأدويةِ لما في القلوبِ من الآفاتِ والأمراضِ، ففي كتابِ الله تعالى شفاءُ أمراضِ الشبهاتِ، وشفاءُ أمراضِ الشهواتِ، وهو هدى ورحمةٌ لمن تمسَّكَ به، يدله على الصراطِ المستقيمِ، ويبيِّنُ له المنهاجَ القويمَ، ويوضِّحُ سبيلَ المؤمنين. 
أيها المؤمنون.
هذه بعضُ الأوصافِ التي وصفَ اللهُ تعالى بها القرآنَ العظيمَ، وهي أوصافٌ عظيمةٌ جليلةٌ، تبيِّن عِظمَ قدرِ هذا الكتابِ المجيدِ، الذي جعله اللهُ خاتمَ كتُبِه إلى أهلِ الأرضِ، فهو أعظمُ آياتِ النبيِّ  صلى الله عليه وسلم ، بل هو أعظمُ آياتِ الأنبياءِ، فلم يؤتَ نبيٌّ مثلَ هذا القرآنِ العظيمِ، الذي أعجَزَ نظامُه الفصحاءَ، وأعْيَت معانيه البلغاءَ، وأَسَرَ قلوبَ العلماءِ، فصدقَ واللهِ ربُّنا حيثُ قال: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) سورة الزمر: 23
 
الخطبة الثانية :
أما بعد. 
فيا أيها المؤمنون.
إن لهذا الكتابِ العظيمِ حقوقاً كثيرةً، وله علينا واجباتٍ عديدةً، فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، وأدّوا حقوقِه وقوموا بواجباتِه.
فمن حقوقِه أيها المؤمنون: وجوبُ الفرحِ به، فكتابُ اللهِ المجيدُ خيرُ ما يُفرَحُ به، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (75) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) سورة يونس: 57 – 58.
قال أبو سعيد  رضي الله عنه  في هذه الآية: " فضـلُ اللهِ القرآنُ، ورحمتُه أن جعلـَكم من أهلِهِ" الجامع لأحكام القرآن 8/ 353، ومقتضى هذا الفرحِ يا عبادَ اللهِ هو تعظيمُ هذا الكتابِ، وإيثارُه على غيرِه، فإنه واللهِ خيرٌ من كلِّ ما يجمعُه الناسُ من أعراضِ الدنيا وزينتِها. 
أيها المؤمنون.
إن من حقوقِ هذا الكتابِ المجيدِ: تلاوتَه، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) ليُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) سورة فاطر: 29 -30. وقد قال  صلى الله عليه وسلم : (اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه) أخرجه مسلم (804) من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه. ، فحافظوا أيها المؤمنون على تلاوةِ القرآنِ، واستكثِروا من ذلك، فإن تلاوةَ القرآنِ تجلي القلوبَ وتطهِّرُها وتزكيها، وتحملُ المرءَ على فعلِ الطاعاتِ، وتركِ المنكراتِ، وترغِّبُه فيما عندَ اللهِ ربِّ البريات. 
أيها المؤمنون.
إن من حقوقِ هذا الكتابِ العظيمِ، والفرقانِ المبينِ: تدبُّرَ مَعَانِيه، قال الله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) سورة ص: 29 ، وقد ذمَّ اللهُ تعالى المعرضين عن تدبُّرِ كتابِه، فقال جل وعلا: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) سورة محمد: 24.
فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، وتدبروا كتابَه العظيمَ، فإنه لا يحصلُ الانتفاعُ بالقرآنِ إلا لمن جُمعَ قلبُه عند تلاوتِه وسماعِه، واستشعرَ أنه خطابُ ربِّه جل وعلا إلى رسولِه  صلى الله عليه وسلم ، وقد جاءَ عن بعضِ السلفِ رحمهم الله أنهم كانوا يُقيمون الليلَ بآيةٍ واحدةٍ، يردِّدُونها ويتدبَّرون ما فيها. 
أيها المؤمنون.
إن من حقِّ هذا القرآنِ المجيدِ تعظيمَه وإجلالَه وتوقيرَه، فإنه كلامُ ربِّنا العظيمِ الجليلِ، وقد أجمع العلماء على وجوبِ تعظيم القرآن العزيز، وتنزيهِه، وصيانتِه، فمن استخفَّ بالقرآنِ، أو استهزأ به أو بشيءٍ منه فقد كفر باللهِ العظيم، وهو كافرٌ بإجماعِ المسلمين، فعظِّموا هذا الكتابَ يا عباد الله، واحفظوه من عبثِ العابثين. 
  عباد الله.
وإن من تعظيمِ القرآنِ ألا يمسَّه إلا طاهرٌ -أي: متوضىء-، ولا يقرأُه جُنُبٌ، أي: من كانت عليه جنابة، ولا يجوز استدبارُه، أو مدُّ الرِّجْلِ إليه، أو وضعُه حيث يمتَهَن، فاتقوا الله وعظِّموا كتابَه ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) سورة الحج: 32
أيها المؤمنون.
إن من حقوقِ هذا الكتابِ الاستمساكَ به، كما أمر الله تعالى بذلك نبيَّه  صلى الله عليه وسلم ، فقال تعالى: ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) سورة الزخرف: 43 والاستمساكُ به يكون باتباعِه، بإحلالِ حلالِه وتحريمِ حرامِه، والاقتداءِ به، والتحاكمِ إليه، وعدمِ الكفرِ بشيءٍ منه، كما قال تعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) سورة الأعراف: 3.
فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، وتمسكوا بكتابِ ربِّكم تمسُّكاً صادِقاً، تُرى آثارُه في أعمالِكم وأقوالِكم وأخلاقِكم، وأقبلوا عليه تلاوة وحفظاً وتدبُّراً وفِكراً وعِلماً وعَمَلاً، فإنه من اعتصمَ به فقد هُدِي، فاعتصموا بحبل الله جميعاً أيها المؤمنون. 
المادة السابقة
المادة التالية

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات85992 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80482 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74767 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات61836 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56369 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53355 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات50920 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50645 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات46026 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45573 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف