جِناياتُ المَوضَةِ
الخطبة الأولى :
الحَمْدُ للهِ الَّذِي كَرَّمَ بَنِي آدَمَ ذَكَرَهُمْ وَأَنْثاهُمْ، وَفَضَّلَهُمْ عَلَىَ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ وَرَفَعََهُمْ، فَشَرَعَ لَهُمْ مِنَ الشَّرائِعِ ما يَصُونُهُمْ وَيَحْفَظُهُمْ وَيُحَقَّقُ في الدَّارَيْنِ سَعادَتَهُمْ، أَحْمَدُهُ تَعالَى وَأَشْكُرُهُ عَلَى عَظِيمِ فَضْلِهِ وَسابِغِ نِعَمِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ اللهُ بِأَحْسَنِ الشَّرائعِ وَأَكْمَلِها، فَبَلَّغَ الرِّسالَةَ وَأَدَّى الأَمانَةَ وَنَصَحَ الأُمَّةَ، وَجاهَدَ في اللهِ حَقَّ جِهادِهِ، حَتَّى أَتاهُ اليَقِينُ وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ، فَصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحابِهِ وَعَلَى سائِرِ عِبادِ اللهِ الصَّالِحينَ.
أما بعد.
فيا أيها الناس.
اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَنَّ عَلَيْكُمْ بِلِباسَيْنِ عَظِيمَيْنِ: لِباسٍ تُزَيِّنونَ بِهِ بَواطِنَكُمْ، وَهُوَ لِباسُ التَّقْوَىَ، وَلِباسٍ تُجَمِّلُونَ بِهِ ظَواهِرَكُمْ وَتَسْتُرُونَ بِهِ عَوْراتِكُمْ، وَهُوَ لِباسُ الظَّاهِرِ مِنَ الثِّيابِ وَغَيْرِها، قالَ اللهُ تَعالَى:﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ سُورَةُ الأَعْرافِ: 26 فَلِباسُ التَّقْوَىَ يَسْتُرُ عَوْراتِ القَلْبِ وَيُزَيِّنُهُ، وَلِباسُ الظَّاهِرِ يَسْتُرُ عَوْراتِ الجِسْمِ وَيُجَمِّلُهُ، فَعَنْ تَقْوَىَ اللهِ تَعالَى وَالحَياءِ مِنْهُ، يَنْبَثِقُ الشَّعُورُ بِاسْتِقْباحِ التَّعَرِيِّ وَالتَّكَشُّفِ، فَمَنْ لا يَسْتَحِي مِنَ اللهِ وَلا يَتَّقِيهِ، لا يُهِمُّهُ أَنْ يَتَعَرَّىَ وَأَنْ يَدْعُو إِلَى العُرْيِ.
وَقَدْ حَذَّرَ اللهُ سُبْحانَهُ بَنِي آدَمَ ذَكَّرَهُمْ وَأَنْثاهُمْ، مِنَ اتِّباعِ خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَأَعْوانِه، الَّتي تَسْعَىَ إِلَى تَحْطِيمِ حَياءِ النَّاسِ وَأَخْلاقِهِمْ، وَتَدْعُو إِلَى العٌرْيِ وَالتَّهَتُّكِ وَالتَّكْشُّفِ بِاسْمِ الزِّينَةِ وَالحَضارَةِ وَالتَّقَدُّمِ وَالموضَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الشِّعاراتِ البرَّاقةِ، قالَ اللهُ تَعالَى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا﴾ سُورَةُ الأَعْرافِ: 27، وَما هَذا إِلَّا وَسِيلَةٌ لإِشاعَةِ الفَسادِ وَالمعاصِي وَالرَّذائلِ، وَالتَّلَطُّخِ بِأَوْضارِ الدَّنايا وَالخَطايا، وَالمتأمِّلُ في واقِعِ النَّاسِ اليَوْمَ وَخاصَّةً النِّساءُ يُؤْمِنُ بِصْدقِ ما ذَكَرْنا، فَإِنَّ شَياطَينَ الإِنْسِ وَالجنِّ سَعَوْا بِكُلِّ وَسِيلَةٍ، وَأَخَذُوا بِكُلِّ سَبَبٍ لِنَشْرِ التَّعَرِّي وَالتَّهَتُّكِ بَيْنَ نِساءِ المسْلِمينَ، فَسَمَّوْا التَّكَشُّفَ أَناقَةً وَالعُرْيَ حَضارَةً، وَبَنُوا لَهُمْ صَنَماً جَعَلُوهُ قَبَلْتَهُمْ سَمُّوهُ الموضَةَ الَّتي هِيَ أَكْبَرُ ما يُفْسِدُ الأَدْيانَ وَيَهْدِمُ البُنْيانَ، فاسْتَباحُوا بِهَذِهِ الموضَةِ المحَرَّماتِ وَاسْتَحَّلُوا الموبقاتِ، فَاسْتَنْزَفُوا الأَمْوالَ وَاسْتَهْلَكُوا الأَوْقاتِ، وَضَيَّعُوا الأَهْدافَ وَالغاياتِ، حَتَّى صارَتْ الموضَةُ هَمَّ كَثِيرٍ مِنْ نِسائِنا وَشُغْلَها الأَوْحَدَ، يُلاحِقْنَها وَيُتابِعْنَها هُنا وَهُناكَ، وَقَدْ جاءَتْنا هَذِهِ الفِتْنةُ الكُبْرَىَ بِأَلْوانٍ مِنْ البَلايا وَالرِّزايا الَّتي ظَهَرَتْ في أَلْبِسةِ كَثِيرٍ مِنْ نِسائِنا، فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
فَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ هَذِهِ الموضَةَ الَّتي تُعَظِّمُها كَثِيرٌ مِنْ نِسائِنا، أَباحَتْ لَهُنَّ التَّعَرِّيَ وَالتَّكَشُّفَ وَإِظهارَ المفاتِنِ، فانَتْشِرَ بَيْنَ بِناتِنا وَنِسائِنا لُبْسُ الأَزْياءِ وَالثِّيابِ الَّتي تُظْهِرُ الصُّدُورَ وَالبُطُونَ وَالظُّهُورَ،وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ المفاتِنِ.
وشاعَ بينَ كثيرٍ مِنْ نِسائِنا وَأَخْواتِنا لُبْسُ القَصِيرِ الَّذِي يُعِرِّي أَكْثرَ السَّاقَيْنِ، وَقَدْ يُبْدِي ما فَوْقَ الرُّكْبَتَيْنِ، وَفَشا بَيْنِ نِسائِنا لُبْسُ الضَّيِّقِ الَّذِي يُحَجِّمُ الجِسْمَ وَيُفَصِّلُ مَقاطِعَ البَدَنِ وَيُظْهِرُ مَفاتِنَهُ، كالبَنْطَلُوناتِ وَغَيْرِها مِنَ الأَلْبِسَةِ الضَّيِّقَةِ.
وَظَهَرَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ نِسائِنا لُبْسُ الخَفِيفِ الَّذِي لا يَسْترُ ما خَلْفَهُ، فَيَنْكَشِفُ ما تَحْتَ الثِّيابِ، وَدَرَجَ كَثِيرٌ مِنْ نَسائِنا عَلَى لُبْسِ الثِّيابِ وَالأَزْياءِ الَّتِي تَكْثُرُ فِيها الفَتَحاتُ مِنَ الأَمامِ وَالخَلْفِ، فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
أيها المؤمنون.
اعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الأَلْبِسَةِ مُحَرَّمَةٌ لا يَجُوزُ لُبْسُها لِلنِّساءِ، لا عِنْدَ الرِّجالِ وَلا بَيْنَ النِّساءِ، بَلْ إِنَّ لابِسَتَها مَلْعُونَةٌ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «صِنفانِ من أهلِ النارِ لمْ أرَهُما: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِياطٌ كَأَذْنابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بِها النَّاسَ، وَنِساءٌ كاسِياتٌ عارِياتٌ مُمِيلاتٌ مائِلاتٌ رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ، وَلايَجِدْنَ رِيحَها، وَإِنَّ رِيحَها لِيُوجِدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذا وَكَذا» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ( 2128).
فَقَوْلُهُ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"كاسِياتِ عارِيات" يَنْطَبِقُ عَلَىَ جِميعِ الصُّوَرِ الَّتِي فَشَتْ وَشاعَت وَانْتَشَرَتْ في أَلْبِسَةِ كَثِيرٍ مِنْ نِسائِنا، فَالوَيْلُ الوَيْلُ لِمَنْ عَصَىَ اللهَ وَتَعَدَّىَ حُدُودَهُ.
وَمِنْ بَلايا هَذِهِ الفِتْنةِ العُظْمَىَ الَّتِي يُسَمُّونَها الموْضَةَ: أَنْ سَوَّغَتْ لِكَثِيرٍ مِنْ نِسائِنا وَبَناتِنا التَّشَبُّهَ بِالرِّجالِ، فَلَبِسَتْ كَثِيرٌ مِنَ النِّساءِ مَلابِسَ الرِّجالِ، كالبَنْطلُوناتِ الضَّيِّقَةِ أَوْ الواسِعَةِ وَغَيْرِها، وَقَصَّتْ بَعْضُ نِسائِنا شُعُورَهُنَّ عَلَى هَيْئةِ قَصَّاتِ الرِّجالِ، وَهَؤُلاءِ المتَشَبِّهاتُ باِلرِّجالِ مَلْعُوناتٌ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجالِ بِالنِّساءِ وَالمتَشَبِّهاتِ مِنَ النِّساءِ بِالرِّجالِ» أَخْرَجَهُ البُخارِيُّ ( 5885).
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ يَلْبِسُ لُبْسَةَ المرْأَةِ وَالمرْأَةَ تَلْبِسُ لُبْسَةَ الرَّجُلِ» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (8292)، وَأَبُو دَاوُدَ (4098) وَالحاكِمُ(4/215)ح(7415)، وَقالَ:"صَحِيحٌ عَلَىَ شَرْطِ مُسْلِمٍ".
وَمِنْ رَزايا مُتابَعَةِ الموُضَةِ وَالافْتِتانِ بِها: تَشَبُّهُ كَثِيرٍ مِنْ نِسائِنا بِالكافِراتِ الفاجِراتِ أَوْ بِالفاسِقاتِ مِنَ المسْلِماتِ، في الأَزْياءِ وَالمودِيلَّاتِ وَفي الأَلْبِسَةِ وَالقَصَّاتِ.
حَتَّى رَأَيْنا مِنْ بَعْضِ نِسائِنا، مَنْ تَلْبَسُ لِباساً فاضِحاً قَبِيحاً وَتَحْتَجُّ بِالموضَةِ، وَسَمِعْنا عَنْ بَعْضِ النِّساءِ المفْتُوناتِ بِالموضَةِ مَنْ تَقُصُّ شَعْرَها حَتَّى قَدْ تَبْدُو فَرْوَةُ رَأْسِها، أَوْ تَقُصُّ قَصَّةً يُسَمُّونَها الفِرْنَسْيَّةَ، وَتَبْلُغُ السَّفاهَةُ وَقِلَّةُ الدِّينِ وَالعَقْلِ مُنْتَهاها عِنْدَ بَعْضِ نِسائِنا فَيَسْتَسِغْنَ قَصَّ شُعُورِهِنَّ قَصَّةً تُسَمَّى قَصَّةَ كَلْبِ فُلانَةٍ، يُرِيدُونَ إِحْدَى الكافِراتِ!!
فَكُلُّ صَرْعَةٍ تُصْدِرُها دُورُ الأَزْياءِ الغَرْبِيَّةُ أَوْ الشَّرْقِيَّةُ يَتَلَقَفُّها بَعْضُ نِساءِ المسْلِمِينَ بِلا تَرَدُّدٍ وَلا تَفْكِيرٍ وَلامُراجَعَةِ قِيَمٍ وَلادِينٍ، بَلْ حالهُنَّ كَما قالَ الأَوَّلُ:
إِذا قالَتْ حَذامِ فَصَدِّقُوها *** فَإِنَّ القَوْلَ ما قالَتْ حَذامِ المسْتَقْصَىَ في أَمْثالِ العَرَبِ 1/340
وَلا شَكَّ أَنَّ التَّشَبُّهَ بِالكُفَّارِ أَمْرٌ خَطِيرٌ عَظِيمٌ قَدْ يُوصِلُ إِلَى الكُفْرِ بِاللهِ، قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيما أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: (مِنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (5093)، وَأَبُو دَاوُدَ (4031) مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، وَالحَدِيثُ صَحَّحَهُ العِراقِيُّ في تَخْرِيجِ الإِحْياءِ 1/218.
وَقَدْ تَعْتَذِرُ بَعْضُ المتَشَبِّهاتِ بِالكافِراتِ في لِباسِهِنَّ، بِأَنَّها لا تَقْصِدُ بِهذا الزِّيِّ، وَبِهذا اللِّباسِ التَّشَبُّهَ بِالكُفَّارِ، فَالجَوابُ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ ما قالَهُ شَيْخُ الإِسْلامُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ: "ما نُهِيَ عَنْهُ مِنْ مُشابَهَتِهِمْ - أَيِ الكُفَّارِ - يَعُمُّ ماإِذا قَصَدَتْ مُشابَهَتَهُمْ أَوْ لَمْ تَقْصِدْ" اقْتَضاءُ الصِّراطِ المسْتَقِيمِ 1/420.
فَالحَذَرَ الحَذَرَ مِنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ وَتَقْلِيدِهِمْ.
وَمِنْ وَيْلاتِ الموُضَةِ وَبَلائِها: أَنْ جَعَلَتْ بَعْضَ نِسائِنا يَلْهَثُ وَراءَ الاشْتِهارِ بَيْنَ النَّاسِ بِلِباسٍ مُمَيَّزٍ أَوْ بِقَصَّةٍ غَرِيبَةٍ مُلْفِتَةٍ، وَقَدْ وَرَدَ التَّحْذِيرُ عَنْ هَذا الفِعْلِ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ في الدُّنْيا؛ أَلْبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ القِيامَةِ، ثُمَّ أَلْهَبَ فِيهِ ناراً) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (4029) وَابْنُ ماجَهْ (3607) وَحَسَّنَهُ المنْذِرِيُّ، وَالأَلْبانِيُّ في صَحِيحِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ (2089) ، وَالمرادُ بِلباسِ الشُّهْرَةِ ما يَتَمَيَّزُ بِهِ لابِسُهُ عَنْ أَلْبِسَةِ النَّاسِ بِلَوْنٍ أَوْ بِشَكْلٍ أَوْ بِهَيْئَةٍ، بِحَيْثُ يَجْذِبُ انْتِباهَ النَّاسِ وَيَسْرِقُ أَنْظارَهُمْ إِلَى اخْتِيالِ لابِسِهِ وَعُجْبِهِ عَلَى النَّاسِ.
أَيُّها المؤْمِنُونَ! إِنَّنا لا نُحارِبُ التَّجَمُّلَ أَوْ نَنْهَى عَنِ التَّزِيُّنِ، وَلَكِنَّنا نَدْعُو إِلَى ضَبْطِ التَّجَمُّلِ وَالتَّزْيُّنِ بِضابِطِ الشَّرْعِ، فَإِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، وَلَكِنْ شَتَّان بَيْنَ التَّجمُّلِ وَالتَّزيُّنِ، وَبَيْنَ التَّكَشَُّفِ وَالتَعَرِّي وَالتَّهَتُّكِ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :
أما بعْدَ.
فَقَدْ سَمِعْنا شَيْئاً مِمَّا جَنَتْهُ الموُضَةُ عَلَىَ نِسائِنا، وَلا شَكَّ أَيُّها المؤْمِنُونَ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَطَرٌ داهِمٌ، يَجِبُ أَنْ نَتَعاوَنَ جَمِيعاً عَلَىَ سَدِّ مَنافِذِهِ وَإِغْلاقِ أَبْوابِهِ وَعِلاجِ أَعْراضِهِ وَقَمْعِ دُعاتِهِ، وَإِلَّا فَإِنَّ دَائِرَتَهُ سَتَتَّسِعُ وتَعَمُّ البَلْوَى بِهِ، وَهَذا يُهَدِّدُ بِفَسادِ المجْتَمَعِ وَخَرابِهِ؛ إِذ أَنْ المسْتَهْدَفَ الأَوَّلَ في هَذِهِ الفِتْنَةِ هُمْ نِساؤُنا وَبَناتُنا وَأَخَواتُنا، وَهَؤُلاءِ هُنَّ المصْنَعُ الأَساسِيُّ لِلرِّجالِ وَالأَجْيالِ، فَإِذا فَسَدَ هَؤُلاءِ فَسَدَتْ الأُسَرُ وَيَتْلُوها فَسادُ المجْتَمَعِ، وَهَذا هُوَ السِرُّ وَراءَ اهْتِمامِ كَثِيرٍ مِنْ أَعْداءِ الأُمَّةِ وَعُمَلائِهِمْ بِإِفْسادِ المرْأَةِ، وَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَسادِ النِّساءِ، فَقالَ:(فاتَّقُوا الدُّنْيا وَاتَّقُوا النِّساءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرائِيلَ كانَتْ في النِّساءِ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (2742) مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وقد جاء في بعضِ الآثار أن فتنتهن كانت المبالغةُ في التزيُّنِ وإغواءِ الرجالِ بذلك.
أيها المؤمنون.
إن من حقوق نسائنا علينا أن نصونهن من شرور الافتتان بالموضة، التي أفسدت كثيراً من النساءِ، فإن هذا من حقوقِهن على أوليائِهن، قال اللهُ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ سورة التحريم: 6.
ومن ضرورياتِ القيامِ بواجبِ الوقايةِ والحمايةِ لنسائِنا وبناتِنا: قطعُ أسبابِ الفتنةِ والفسادِ التي تغري بالوقوعِ في الرذائلِ والخطايا والموبقاتِ.
ومن أبرزِ هذه الأسبابِ: ما تبثُّه بعضُ وسائلِ الإعلامِ وقنواتُ البثِ المباشرِ التي تنشُرُ صورَ النساء المتبرجاتِ من الكافراتِ أو الفاسقاتِ.
ومن أسبابِ هذا البلاءِ: المجلاتُ التي تتصدَّر صفحاتِها صورُ النساءِ الفاتناتِ أو الفاسقاتِ، وخاصة ما يُسمى بمجلاتِ الأزياءِ الشرقيةِ منها أو الغربيةِ، فعلى أولياء الأمور أن يمنعوا ذويهم من هذه المجلاتِ، ومن تلك البرامجِ.
ومن أسباب هذه الفتنةِ أيضاً: بعضُ المحلاتِ التجاريةِ ومحلاتِ الخياطةِ التي تتسابقُ في عرضِ آخرِ التقليعاتِ وأحدثِ الموضاتِ، دون أن يراقبوا اللهَ تعالى فيما يحِلُّ من هذه المعروضاتِ وما يحرمُ، فعلى هؤلاء أن يتقوا اللهَ، وليعلموا أن فعلَهم هذا من إشاعةِ الفاحشةِ بين المؤمنين، وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ سورة النور: 19.
وَعَلَىَ أَوْلِياءِ الأُمُورِ أَنْ يَمْنَعُوا نِساءَهُمْ مِنَ التَّعامُلِ مَعَ هَؤُلاءِ، وَلِيُذَكِّرُوهُنَّ بِأَنَّ مَنْ تَرَكَ للهِ شَيْئاً عَوَّضَهُ اللهُ خَيْراً مِنْهُ، وَعَلَىَ الجِهاتِ المسْؤُولَةِ أَنْ تَأْخُذَ عَلَىَ أَيْدِي هَؤُلاءِ التُّجَّارِ حِمايَةً لِلمُجْتَمَعِ مِنْ أَخْطارِهِمْ وَشُرُورِهِمْ، وَمِنْ واجِبِ أَوْلِياءِ الأُمُورِ تِجاهَ أَبْنائِهِمْ وَبَناتِهِمْ: تَنْبِيهُهُمْ عَلَىَ الأَخْطاءِ وَتَفَقُّدُهُمْ في البُيوتِ وَعِنْدَ الخُرُوجِ، فَيَمْنَعُوا نِساءَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ عَنْ كُلِّ ما يُخالِفُ الحِشْمَةَ وَالحَياءَ، أَمَّا ما يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنَّا وَلِلأَسَفِ مِنْ عَدَمِ المبالاةِ بِمَلابِسِ نِسائِهِمْ، وَلَوْ كانَ عَلَيْهِ مُلاحِظاتٌ، فَإِنَّ هَذا مِنَ التَّفْرِيطِ وَالغِشِّ لَهُمْ، وَقَدْ تَوَعَّدَ النَّبِيُّ صَلَىَ للهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِحِرْمانِ الجَنَّةِ، نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الخُذْلانِ.
فَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمْعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:«ما مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ» أَخْرَجَهُ البُخارِيُّ (7151)، وَمُسْلِمٌ (142) وَفي رِوايِةٍ لِلبُخارِيِّ:«فَلَمْ يُحِطْها لَمْ يَجِدْ رائِحَةَ الجَنَّةِ » صَحِيحُ البُخارِيِّ (7150).
فاتقوا الله أيها المؤمنون.
وَقُومُوا بِما أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْكُمْ، مِنَ المحافَظَةِ عَلَى بَناتِكُمْ وَنِسائِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ، فَإِنَّكُمْ غَداً بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تَعالَى مَوْقُوفُونَ، وَعَنْ هَذِهِ الأَمانَةِ مَسْؤُولُونَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ حُسْنَ تَرْبِيَةِ البَناتِ سَببٌ لِلنَّجاةِ مِنَ النَّارِ، فَعَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِه البَناتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ؛ كُنَّ لَهُ سِتْراً مِنَ النَّارِ» أَخْرَجَهُ البُخارِيُّ (1418)، وَمُسْلِمٌ (2629).
وَأَعْظَمُ الإِحْسانِ إِلَيْهِنَّ: تَرْبِيتُهُنَّ عَلَى الطُّهْرِ وَالعَفافِ وَالحِياءِ وَالحِشْمَةِ وَالدِّينَِ، أَعانَنا اللهُ وَإِيَّاكُمْ عَلَىَ القِيامِ بِهَذِهِ الأَمانَةِ.