وعن الذيال بن عباد قال كتب أبو حازم الأعرج إلى الزهري: عافانا الله وإياك أبا بكر من الفتن فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك أصبحت شيخا كبيرا وقد أثقلتك نعم الله عليك فيما أصح من بدنك وأطال من عمرك وعلمت حجج الله تعالى مما علمك من كتابه وفقهك فيه من دينه وفهمك من سنة نبيه فرمى بك في كل نعمة أنعمها عليك وكل حجة يحتج بها عليك الغرض الأقصى ابتلى في ذلك شكرك وابدى فيه فضله عليك وقد قال عز وجل ﴿لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد﴾ فانظر أي رجل تكون إذا وقفت بين يدي الله عز وجل فسألك عن نعمه عليك كيف رعيتها وعن حججه عليك كيف قضيتها فلا تحسبن الله عز وجل راضيا منك بالتعذير ولا قابلا منك التقصير هيهات ليس ذاك أخذ على العلماء في كتابه إذ قال ﴿لتبيننه للناس ولا تكتمونه﴾ إنك تقول إنك جدل ماهر عالم قد جادلت الناس فجدلتهم وخاصمتهم فخصمتهم إدلالاً منك بفهمك واقتدارا منك برأيك فأين تذهب عن قول الله عز وجل ﴿ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة﴾. اعلم أن أدنى ما ارتكبت وأعظم ما احتقبت أن آنست الظالم وسهلت له طريق الغيّ بدنوك حين أدنيت وإجابتك حين دعيت فما أخلقك أن ينوه غدا باسمك مع الجرمة وأن تسأل عما أردت بإغضائك عن ظلم الظلمة إنك أخذت ما ليس لمن أعطاك جعلوك قطبا تدور عليه رحى باطلهم وجسرا يعبرون بك إلى بلائهم وسلما إلى ضلالتهم يدخلون بك الشك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم فلم يبلغ أخص وزرائهم ولا أقوى أعوانهم لهم إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم واختلاف الخاصة والعامة إليهم فما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك وما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك فانظر لنفسك فإنه لا ينظر لها غيرك وحاسبها حساب رجل مسئول وانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا وكبيرا وانظر كيف إعظامك أمر من جعلك بدينه في الناس مبجلا وكيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته مستترا وكيف قربك وبعدك ممن أمرك أن تكون منه قريبا مالك لا تتنبه من نعستك وتستقيل من عثرتك فتقول والله ما قمت لله عز وجل مقاما واحدا أحيى له فيه دينا ولا أميت له فيه باطلا أين شكرك لمن استحملك كتابه واستودعك علمه ما يؤمنك أن تكون من الذين قال الله عز وجل ﴿فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى﴾ الآية إنك لست في دار مقام قد أوذنت بالرحيل فما بقاء المرء بعد أقرانه طوبى لمن كان في الدنيا على وجل ما يؤمن من أن يموت وتبقى ذنوبه من بعده إنك لم تؤمر بالنظر لوارثك على نفسك ليس أحد أهلا أن ترد له على ظهرك ذهبت اللذة وبقيت التبعة ما أشقى من سعد بكسبه غيره احذر فقد أتيت وتخلص فقد وهلت إنك تعامل من لا يجهل والذي يحفظ عليك لا يغفل تجهز فقد دنا منك سفر بعيد وداو دينك فقد دخله سقم شديد ولا تحسبن أني أردت توبيخك وتعييرك وتعنيفك ولكني أردت أن تنعش ما فات من رأيك وترد عليك ما عزب عنك من حلمك وذكرت قوله تعالى وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك وبقيت بعدهم كقرن أعضب فانظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت به أو دخلوا في مثل ما دخلت فيه وهل تراه دخر لك خيرا منعوه أو علمك شيئا جهلوه فإذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا في كبر سنك ورسوخ علمك وحضور أجلك فمن يلوم الحدث في سنه الجاهل في علمه المأفون في رأيه المدخول في عقله ونحمد الذي عافانا مما ابتلاك به والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وعن محمد بن إسحاق الموصلي قال قال أبو حازم إن بضاعة الآخرة كاسدة فاستكثروا منها في أوان كسادها فإنه لو جاء يوم نفاقها لم تصل منها إلى قليل ولا إلى كثير.