×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / محاضرات المصلح / محاضرة حريق الشهوات

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:13957

الحمد لله رب العالمين، نحمده جل في علاه، وأثني عليه الخير  كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته بإحسان ٍ إلى يوم الدين، أما بعد:

فحياكم الله أيها الإخوة، ومرحبًا بكم في هذه الكلمات الموجزة، حول قضيةٍ من القضايا التي تهم الصغير والكبير، ويعنى بها الذكر والأنثى، فهي قضية يعيشها الناس في مشاهدهم ومجامعهم، كما أنهم يعيشونها في خلواتهم وانفرادهم، فلا يخلو حيٌّ من شهوة ورغبة، وهذه الشهوة هي ميل نفسه إلى ما يشتهي ويحب، ولا شك أنما تميل إليه النفوس من المحبوبات قد يكون نافعًا، كما قد يكون ضارًّا، والإنسان قد يعمى بسبب شدة الرغبة وقوة الداعي، عما ممكن أن يكون من الأبرار، وما ينجم من آثار، وبالتالي فإنه يخفى عليه ما لهذه الرغبات، وتلك الأطايب المستلذة في نفسه من آثار ٍ قد يكون فيها هلاكه، استمع إلى هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه قال: «إياكم ومحقَّرات الذنوب» تحذير نبوي شريف، يخاطب فيه أمته، أصحابه ومن وراءهم ومن يأتِي بعدهم، «إياكم ومحقرات الذنوب؛ فإنهن يجتمعن على الرجل فيُهْلِكنه».[ أخرجه أحمد في مسنده(3818)، وقال الهيثمي في المجمع(17462):ورجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب]

إذًا موطن الإشكال في الذنب أنه سببٌ في الهلاك، ولو كان هذا الذنب صغيرًا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يحذر لا من الكبائر وعظائم الإثم، وجليل الخطأ، إنما يحذر أمته صغائر الذنوب، محقرات الذنوب التي تراها شيئًا غير مؤثر، ما يهم ولا يؤثر أنك تفعل كذا، أفعل وأستغفر، هذا الحيز من العمل، هو الذي يقول فيه نبيك، الذي دلك على الخير وحذرك من كل شر، إياكم وهى كلمة تحذير وتهييب وتنفير من العمل، إياكم ومحقرات الذنوب، طيب يا رسول الله ما السبب؟ قال: «فإنهن يجتمعن على الرجل فيهلكنه»، الرجل هنا أي الإنسان ذكرًا كان أو أنثى، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم يقرب هذا المعنى لأذهاننا بصورة حية يعاشرها الناس ويعيشونها، يقول فإن مثلها يعني (محقرات الذنوب) كمثل قوم ٍ في سفر، نزلوا واديًا، أرادوا أن يطبخوا طعامهم، فتفرقوا، فجاء هذا بعود، وهذا جاء بعود، وذاك جاء بعود، وهذا جاء بعود، احتطبوا حتى جمعوا كومةً، فأوقدوا فيها النار، فأنضجوا طعامهم، إن عودًا واحدًا لا يمكن أن يؤدي إلى نتيجة، فلا يمكن أن ينضج طعامًا، لكن عود يتلوه عود يتلوه عود تحصل به النتيجة والمقصود، من إنضاج الطعام، كذا الآثام والذنوب، فذنب قد لا تهلك به، لكن يتبعه آخر ثم يعقبه ثالث، ثم رابع ثم خامس، ثم تحصل النتيجة المهدِّدة، التي هدد النبي صلى الله عليه وسلم بها وخوَّف منها ألا وهي الهلاك، إن الذنوب يا إخواني شأنها خطير، وشؤمها كبير، والشهوة هي القائد الذي يجرُّنا إلى مواقعة السيئات، هي الحافز الذي ينشِّطنا على مواقعة ما يغضب الله تعالى، ولا يرضيه، فلهذا من الرشد والعقل، أن نعرف موقفنا من هذه الشهوة.

الشهوة يا إخواني كما أنها تكون مأثمًا، قد تكون مغنمًا، لكن عندما تسخر وتسرف في طاعة الله تعالى، بهذا جاء عن النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، في حديث أبي ذر، جماعة من الصحابة جاءوا إلي إلى نبيهم صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور، والدرجات العلى من الجنة، يصومون ويتصدقون ويصلون ولهم فضل مال يتصدقون منه ونحن الفقراء ليس عندنا ما نتصدق به، فدلهم النبي صلى الله عليه وسلم، على جملة من الأعمال، ثم قال:« وفي بُضع أحدكم صدقة»، يعني في شهوته صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتِي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟ قال: «نعم، أرأيتم إن وضعها في إثم أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم، قال: فكذلك إذا وضعها في حلال، فإن له فيها أجرًا».[صحيح مسلم(1006/53)]

هكذا تكون الشهوة سببًا لاكتساب الأجر، لكنها في غالب الأحوال، تكون مبعثًا لخطايا وآثام، لهذا يقول الله -جلَّ وعلا- في التحذير من الشهوات: )زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ(سورة آل عمران، الآية:14.

 هذا الخبر من رب العالمين، لأن هذه الشهوات مزينة، تنجذب لها النفوس، وتميل إليها القلوب، ويندفع لها الإنسان، لكن هذا ينبغي أن يحجز، وليس له حاجز غير شيء واحد وهو أن ينفذ الإنسان ببصره من هذه الدنيا إلى الآخرة.

هذا أكبر حاجز يحجز الإنسان عن أن يواقع السيئات، هناك أسباب لحضور الآخرة في ذهنك، خشية الله تعالى، خوف الله سبحانه وبحمده، تذكر عاقبة وشؤم المعاصي، كل هذه من أسباب أن يقف الإنسان عند ما أحل الله له، ويترك سيء العمل.

يا إخواني!

الشيطان يعمل معنا عملينِ رئيسين:

العمل الأول: أنه يمنعنا من كل طاعة، يأتينا من الطاعات، ويضعفها في أعيننا، يصغرها في قلوبنا، صلاة لا تخاف أصبر، صدقة غير لازم، إحسان غير ضروري، صحبة طيبة غيرهم مثلهم مثل اللي عندها أولاد، وهلم جرًّا في أبواب الخير كلها، يقعد لنا في أبواب الخير ليصدنا، في المقابل يأتينا في جانب السوء من العمل، ماذا يصنع؟ يقول لك: أقدم، ما يهمك، لن يضرك، زنا غير مشكلة، تب والله يتوب عليك، سيئة، سرقة، أكل مال، اعتداء، عقوق، ربا، كل هذا يمكن أن تقول: أستغفر الله، ربي إني أذنبت ذنبًا فاغفره لي، واستغفر الله، هكذا يأتينا الشيطان بهذين العملين، تزهيد في الطاعات، وتجرأة وتقوية على السيئات من العمل، كما قال الله تعالى: )لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (الأعراف، الآية:17.

هذا العمل معنا، فينبغي لنا أن ندرك خطورة المعصية، المعصية هي الشهوة، التي يضعها الإنسان حيث أمره الله تعالى بأن يكف نفسه عنها.

 هذه الشهوة يا إخواني! ليست محصورة في صورة واحدة، من الناس من شهوته  في بطنه، ومنهم من شهوته في فرجه، ومنهم من شهوته في نفسه أن يكون ذا منصب، ذا مكانة، ذا منزلة، ومنهم من يكون في كذا أو في كذا، ألوان وأصناف من الشهوات.

 الله تعالى في آية آل عمران، ذكر أصول الشهوات، لكن أصول الشهوات ليس حصرًا لها، اليوم لما تأتي إلى الخيل المسومة، والأنعام، والحرث، قد لا تجد في ذلك رغبة عند كثير من الناس، لكن تجد رغبة في المال، تجد رغبة في متابعة الشهوات، بشتى صنوفها سواء كانت مسموعة أو مرئية، أو متنعم بها في البدن، تجد من هذا شيئًا كثيرًا؛ ألوان، وأطياف، وأصناف من الشهوات كلها تقول: هيت لك، فما الذي يحجزك عنها، يحجزك عنها تقوى الله جلَّ وعلا وخشيته ومراقبته، ثم العلم بعاقبة هذه السيئات.

يا إخواني!

كل سيئة تقترفها فهي نار نوقدها، وهذا هو حريق الشهوات، الذي عنونا به هذه المحاضرة، إنه كل معصية تقع فيها في حريق.

 استمع إلى قول الله تعالى: )الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا(سورة النساء، الآية:10، إذًا هناك حريق، فأدرِك نفسك قبل أن يشتعل بك ثم تفنى وتهلك، وعند ذلك لا ينفع أن تقول ليتني وليتني.

قال تعالى: )وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً(سورة الفرقان، الآية:27، ما ينفع هذا الندم، عندما يمضى ويطوى القيد، ويغلق الكتاب وترفع الأقلام، عند ذلك لا ينفع ندم.

 قال تعالى )رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ(سورة المؤمنون، الآية: 99و100، ما ينفع، كم هم الذين يتمنون أن يرجعوا ليصلحوا، ولو بتسبيحة أو استغفار، أو بدرهم أو بدينار أو صدقة يسيره من المال؟، لكنه حيل بينه وبين ما يشتهيه من الإصلاح، إذًا نحن بحاجة إلى أن نطفئ هذا الحريق، وذلك بالتقلل من المعاصي، والاستكثار من الطاعات، نحن قد نقول نشاهد أهل المعصية، كلنا أهل عصيان، نسأل الله أن يعفوا عنا، ويسترنا وأن يعاملنا بعفوه، لكن نشاهد المعصية، قد لا نرى أثرها في الواقع لكن أثرها في القلوب عظيم، أثرها فيما يكون به القلب من البعد، والحرمان عن الله تعالى، وعن لذة مناجاته وعبوديته عظيم، وهذا هو الحريق، ليس الحريق فقط هو نار تشتعل.

إن الحريق هو أن يهلك ويتلف القلب بسبب المعصية والإساءة، ولذلك من المهم لكل مؤمنٍ، أن يعرف أنه لا سبيل من النجاة من النار، إلا بحجز نفسه عن الشهوة.

ولهذا جاء في الصحيحين، من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «حُفَّت النار بالشهوات«[صحيح مسلم(2822)]، أي أحاطت الشهوات بالنار من كل جانب، فكل خطوة تخطوها في شهوة، إنما تقربك إلى حريق، حريق الدنيا يسير، لكن حريق الآخرة نار تلظى، لا يصلاها إلا الأشقى، نسأل الله السلامة والعافية منها.

إذًا يا أخي ما الذي يحجزك من هذا الحريق؟ هو أن تتخفَّف ما استطعت من سيء العمل، تنظر إلى عاقبة هذا الحريق، عاقبة هذا الحريق نار وهلاك وبوار وحبوط لكل ما يمكن أن يكون راشدًا في حياتك، وأنت تشاهد أولئك الذين أسرفوا على أنفسهم، لماذا خرجوا من الدنيا؟ هل خرجوا بملذاتهم؟ هل خرجوا بشهواتهم؟ هل خرجوا بمتعهم؟ لا والله، يستوي الطائع والعاصي في المخرج صورةً، فهذا وذاك يكفن ويوضع في قبره، لكن شتان بين المصيرين، يبدأ الافتراق تمامًا عندما تخرج الروح، يظهر الفارق بينهم، فالجنازة الصالحة تقول لحامليها: عجلوني عجلوني لما يرى من رحمة الله، ونعمته وفضله الذي يقدم إليه، والأخرى تلك التي أسرفت وعصت تقول: أخروني أخروني لما يرى مما يقدم عليه من الأهوال، والعذاب الأليم، نسأل الله السلامة والعافية.

إنه حريق يا إخوة لكننا نغفل عن هذا الحريق لأننا لا نبصره بأعيننا، وإن كنا نحس به في قلوبنا، فكل معصية يقع فيها الإنسان لابد أن تترك في قلبه أثرًا هذا بشرط أن يكون القلب فيه حياة، أما القلب الميت فهي معصية تلو معصية لا يمكن أن يتحرك، أرأيتم ميتًا ترميه بسهم هل سيتحرك؟ أعقبه بسهم ٍ آخر بثالث برابع بعاشر لا يتحرك الميت، ويمكن أن لا ينزف، لجمود دمه في عروقه، لكن تعالى لحي واخدشه بإبرة، انظر ماذا سيحصل، أنه سيتأثر وينتفض وقد يسيل منه الدم فينزعج، هذا فرق ماثل بين القلب الحي، والقلب الميت، فالقلب الحي أدنى ما يكون من سيء العمل يزعجه ويقلقه، ويشعره بكآبة، يحاول أن يخرج من هذا الضيق، باستغفار بتوبة برجوع فإن لم يوفَّق ويرجع فإنه ستتوالى عليه السيئات، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء»[صحيح مسلم(144/231)]، يعني قبلها وركن إليها، مثل الإسفنج تمامًا إذا شرب الماء، لا ترى ماء لأن الماء دخل في داخله، فكذلك المعصية إذا قبلها القلب، انطبعت فيه فأصبح قلبًا فيه نوع موت وهلاك، فإذا أعقبه بسيئة أخرى، زاد ذلك حتى يظلم القلب، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «حتى تصير القلوب على قلبين؛ على أبيض مثل الصفا»، بياض نصاعة في اللون، والصفا هي الحصاة، وقوة وصلابة في الجرح فلا يؤثر عليه سوء، ولا يؤثر عليه ذنب لقوته وصفائه، «وآخر قلب أسود مرْبادًا كالكوز مُجخيًا»، يعني كالكوب مقلوبًا، «لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه».[صحيح مسلم(144/231)]

يا إخواني!

هذه القلوب هي قلبي وقلبك، النبي صلى الله عليه وسلم ما يصف قلبًا في كوكب زحل، يصف قلوبنا وتأثير الذنوب عليها، فينبغي لنا أن نبصر أين موقعنا من هذه الذنوب.

هل نحن من أصحاب القلوب البيضاء؟ القوية التي ترد بقوتها ما يرد عليها من الشبهات والشهوات، ويبصر من خلالها الإنسان مواقع الخير، فيقدم عليها ومواقع الشر يبعد عنها؟

أم تلك القلوب التي أظلمت وأصبحت متلججة في سيئاتها، فلا تبصر خيرًا، تجد الخيرات تمضي ولا يقدر عليها، وفي المقابل السيئات تتوالى، وهو إليها مسابق، بسبب غفلته عن الله، كما قال الله -جل وعلا-:)اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَاللَّهِ(سورة المجادلة، الآية:19.

أصبح القلب مركبًا للشيطان، يصل به إلى كل ما يريد، ويقعده عن كل خيرٍ ورشاد، وما من عاصٍ إلا وهو من جنود إبليس، بل لو كانت هذه الجندية مؤقتة، يعني لا يلزم أن يكون الإنسان على طول جندي دائم العمل، لا، قد يكون جنديًّا في عملٍ من الأعمال، في وقتٍ من الأوقات، ولهذا كل صاحب معصية ينبغي أن يتذكر أنه في استمراري هلاكي، في استمراري بواري، في استمراري إقادي لهذه النار، تمامًا مثل البيت الذي توقد فيه نار مشتعلة، إننا نسعى إلى إطفائها، وهذا للسعي هو السعي الراشد الذي ينبغي أن يتكاتف فيه الناس ويتعاونون، لكن ذاك الذي وضع على النار نفطًا فازداد اشتعالا، هو ذاك الذي أتبع الشهوة بشهوةٍ أخرى، حتى يقع فيما يهلكه ويوبقه.

أيها الإخوة!

     إن هذا الحريق أعظم ما يطفؤه، أعظم ما يطفي هذا الحريق "الاستغفار" استغفار العبد وهو أن يقول: "أستغفر الله" أو "ربي اغفر لي" أو "اللهم إني أتوب إليك وأستغفرك"، أو ما أشبه ذلك من الكلمات، أعظم ما يطفئ به الإنسان حريق الشهوة التي تحيط به من كل جانب فتورده المهالك، وقد تكون سببًا لفساد أخراه، وقد يقول الإنسان: أنا صاحب معصية عادية ليست مؤثرة، ما يحصل إني أطالع أفلام خبيثة، ما يحصل أني أعاكس، ماذا ينتج عن كذا وكذا، أن يأكل مثلًا مالًا حرام، الإنسان قد ما يتصور عاقبة ما ينتهي إليه المقال، الله تعالى حذرك، وبين لك خطورة المسار في هذا الطريق، وهذا المسار مجهول العاقبة.

قد يقول القائل: والله فلان زنا وتاب، وفلان أكل الربا وتاب، نعم فلان زنا وتاب لكن أنت ما الذي يضمنك أن تكون نهايتك التوبة؟ ثم لماذا يتلطخ الإنسان بالقذر ثم يتطهر؟ أيهما أطيب وأطهر أن تكون سليم الثياب من الأقذار، أم أن تدخل إلى الأقذار ثم تقول أتطهر وأتطيب، قد لا تجد من يطيبك، قد لا تجد من يطهرك، قد لا تعان ويحال بينك وبين ما تشتهي من التطهير، ولهذا من الأصل أنقى بنفسك عن الخطيئة، وأبعد عن الوزر والإثم ما استطعت، وفِرَّ من الخطأ فرارك من الأسد، فإنه هلاكك، والنبي صلى الله عليه وسلم بيَّن لنا أنه هلاك ولو كان صغيرًا من الذنوب، هذا لا يعني أن لا نخطأ، فكل ابن أدم خطَّاء، لكن ينبغي لنا أن نبادر إلى التصحيح إذا أخطأنا، ولا نسوف ولا نبرر الخطأ المستقبلي، الذي يقع فيه كثير من الناس هو تبرير أخطائهم، وتبرير ما يكون من استمرار في البعد عن الله تعالى، هذا هو الإشكال، أما أن يقع الإنسان ثم يفيق فهذا كلنا فيه، وكلنا صاحب خطيئة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح لأصحابه، لما جاءوا وقالوا يا رسول الله: إنا نكون عندك ونذكر ما تذكر من خير، نكون على أحسن ما نكون من الطاعة والإيمان والإقبال والصدق، ثم إذا ذهبنا وخالطنا الأموال والأهل نسينا، ووقعنا في مواقعنا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: « وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ»[صحيح مسلم(2750/20)]، وفي الحديث الآخر قال صلى الله عليه وسلم: « وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ »[صحيح مسلم(2749/11)]، هذا ليس تشريعًا للخطأ والمعاصي، هذا في معالجة لقومٍ جاءوا يبكون من خطاياهم، وأقلقتهم معاصيهم، وأصبحوا في إشكال وضيق مما اقترفته أيديهم، أما ذاك الذي أسرف على نفسه، نقول له: قف أنت على شفير هلاك، وأنت على هاوية إن لم تدرك نفسك فستقع في ما هو أعظم، والمعصية تجر أختها، وهذا من سيئاتها وشؤمها، وكل ما اقترب الإنسان من النار، ازداد كيد الشيطان عليه، ليوقعه في شرٍّ أكبر، وفي فسادٍ أعظم، وينتقل إلى خطوة ومرحلة جديدة يدعوك إليها، فينبغي لنا أن نفرِّق بين حالين، ونفهم نصوص النبي صلى الله عليه وسلم على الوجه الذي أراده، ليس قوله:«لو لم تذنبوا لذهب بكم وأتى بقوم ٍ يذنبون ثم يستغفرون» تشريعًا للخطأ، إنما هذا فيه خطاب لقوم أحرقت قلوبهم معاصيهم، وبكوا وعرفوا أنهم قصروا حتى بلغ بهم أن يخشى بعضهم على نفسه القنوط واليأس.

فيقال له: «لو لم تذنبوا لذهب بكم وأتى بقوم يذنبون ثم يستغفرون»، أما شخص ماش ٍفي السيئة، وبعد المعصية معصية، ويخطط للمعاصي ويرتب لها لا يقال له مثل هذا القول، يقال له: إياك ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل فيهلكنه، هنا ينبغي أن نفقه ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وأن نميِّز، إذًا أول وأعظم ما نطفئ به هذا الحريق هو أن نتوب إلى الله تعالى بالاستغفار.

والاستغفار يا إخواني! شرعه الله تعالى في مواطن عديدة، ففي السجود استغفر، الرسول صلى الله عليه وسلم، في أدبار الصلوات استغفر الرسول صلى الله عليه وسلم، في الأسحار استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم، في موقف عرفة والخروج منها، أذن الله وشرع جلَّ وعلا الاستغفار.

قال تعالى: )فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ(سورة البقرة، الآية:198، من جملة ما ذكر من أعمال الحجاج الاستغفار.

إذًا يا إخواني!

نحن بحاجة إلى الاستغفار، وهو مشروع ينبغي أن نهتم به، ونبتدأه بأن نعرف ضرورتنا وحاجتنا بأن يغفر الله لنا، والله لو لم يغفر الله لنا لنهلك يا إخواني، الله تعالى لو يأخذنا، ونحن على صلاح بأعمالنا وما أنعم علينا، لا تكافئ هذه الأعمال ما يستحقه الله تعالى من العبودية، ولهذا جاء في الصحيح أن النبي صل الله عليه وسلم قال: «واعلموا أن أحدًا منكم لن يدخل الجنة بعمله»، يخاطب من؟ يخاطب المسرفين أمثالي؟ لا، أنه يخاطب خيرة الخلق، يخاطب أصحابه، واعلموا أن أحدًا منكم لن يدخل الجنة بعمله، يخاطب أبا بكر وعمر وعثمان وعلى وسائر الصحابة المبشرين بالجنة وبقية الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ما في أحد منكم يدخل الجنة بعمله، «قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة»[صحيح البخاري(5673)، ومسلم(2816/76)]، يعني لو أن الله أنصف عبده بمجازاته على ما يكون من عمله وما يستحق من العبودية لما بلغ العبد حق ربه، ولذلك قال بعض العلماء: لو أن عبدًا قدم إلى الله جل وعلا بأعمال الثقلين، بأعمال الإنس والجن، بأعمال الأنبياء والصالحين، وكل من عبد الله ما أوفى الله حقه، حق الله علينا عظيم وجليل وكبير، ولكنه برحمته جل وعلا، يمن علينا أن جعل هذه الأعمال سببًا لتبويئنا الجنان، وعتقنا من النار برحمته وفضله، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: «واعلموا أن أحدًا منكم لن يدخل الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته».

 إذا لابد يا أخي أن تتخفف من المعاصي، إذا كان العمل الصالح لا يستوجب الجنة، فكيف إذا كانت الأعمال صالحة وفاسدة، لا شك أن الموضوع خطير جدًّا، ويستوجب أنك تفيق وتعي أنه أنت بحاجة إلى أن تتخفف من الذنوب، أبرز ما يخفف عنك الذنوب، أن يكون الاستغفار على لسانك، النبي صلى الله عليه وسلم شرع الاستغفار للمؤمن في كل صباح ومساء، فمن الأذكار التي يرددها المؤمن في صباحه "سيد الاستغفار" ما معناه: يعني أعلى ما يكون من صيغ الاستغفار، الذي في حديث شداد بن أوس في صحيح البخاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللَّهمَّ أنتَ ربِّي لا إلَهَ إلَّا أنتَ، خَلقتَني وأَنا عبدُكَ ،وأَنا على عَهْدِكَ ووعدِكَ ما استطعتُ ، أعوذُ بِكَ من شرِّ ما صنعتُ ، أبوءُ لَكَ بنعمتِكَ عليَّ(يعني أقر بنعمتك) وأبوءُ لَكَ بذنبي(يعني أقر بذنبي) فاغفِر لي ، فإنَّهُ لا يغفرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ قالَ : ومَن قالَها منَ النَّهارِ موقنًا بِها ، فماتَ من يومِهِ قبلَ أن يُمْسيَ ، فَهوَ من أَهْلِ الجنَّةِ ، ومن قالَها منَ اللَّيلِ وَهوَ موقنٌ بِها ، فماتَ قبلَ أن يُصْبِحَ ، فَهوَ من أَهْلِ الجنَّةِ».[صحيح البخاري(6306)]

 هذا نموذج من الاستغفار الذي شرعه، والاستغفار في اليوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر في اليوم أكثر من سبعين مرة، وكان يحسب له في المجلس الواحد كما في حديث ابن عمر أكثر من سبعين مرة «رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ».[سنن أبي داود(1516)، وصححه الألباني]

وجاءت أحاديث كثيرة في الحث على الاستغفار، لماذا؟ لأننا بحاجة إلى أن نتخفف من آثار هذه المعاصي.

إذا لم تحاصر الحريق بالاستغفار فإنه سينتشر ويتسع دائرة الحريق، تمامًا لو أن هذه المنصة في هذا المسجد اشتعلت نارًا، لو لم يبادر الحاضرون إلى إطفائها بوسائل الإطفاء، انتشرت حتى أكلت المسجد كله وأهلكته، وممكن لو أهمل الأمر يتسع إلى دائرة أوسع، فكذلك الذنوب إذا لم تحاصر بالتوبة والاستغفار، فإنها تنتشر، والتوبة والاستغفار لها مقام كبير عند رب العالمين.

 لهذا جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ذكر رجلًا أذنب ذنبًا، فما كان منه إلا أن رفع يديه قال: رب في مناجاة وانكسار بين يدي الله تعالى ويقول: «رب إني أذنبت ذنبًا فاغفره لي»، يعني شكوى من نفسه، يقول:« يا رب إني أذنبت ذنبًا وأنت البصير بي فاغفره ليَّ وعلى كلمات موجزة، ما في إنشاء وتعبير وديباجة ومقدمة، يعني كلمات مختصرة، كلنا نحسن أن نقولها، تحتاج منا إلى صدقٍ في العزم والنية، مع لفظ صادق يخرج من القلب، يقول ربي إني أذنبت ذنبًا فاغفره لي، فماذا يكون من الله تعالى؟ ماذا كان من رب العالمين؟ يقول النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا الله تعالى، الله جل وعلا في علوه -سبحانه وبحمده- يقول:«علم عبدي (هذا المذنب المسرف) علم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب»، يعني يعاقب على الذنب ويغفر الذنب، «اغفروا لعبدي»، هذا يقع في سيئة أخرى، هي أو غيرها، الحديث لم يبين نوع السيئة الأخرى، فيكون منه ما كان منه في المرة الأولى، يأتي ويشكو إلى الله ضعفه وقلة حيلته وإسرافه على نفسه، يقول: «ربي إني أذنبت ذنبًا فاغفره لي، فيقول الله رب السماوات والأرض: «علم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اغفروا لعبدي»، ثم ثالثة يقع في سيئة إما الأولى أو غيرها، ثم يقول: «رب إني أذنبت ذنبًا فاغفروه لي، فماذا يكون من الرب جل في علاه؟ يقول: اغفروا لعبدي، ولعبدي ما سأل»[صحيح البخاري(7507)]، يعني له ما يفعل مغفورًا إذا كان على هذه الحال، حال أنه يسعى في إطفاء السيئة، بالأوبة والرجعة إلى الله تعالى، ليست حال ذاك الذي يستكثر من الخطايا، وكل ما فرغ من مشروع إساءة انتقل إلى مشروع آخر، وكل ما انتهى من بلية خطط لأخرى، هذا لا يمكن أن يفيق، وهذا بعيد عن المغفرة.

والله تعالى يقول:)إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ(سورة الأعراف، الآية:56، وأعظم الإحسان أن تقرَّ بذنبك، وتشكو نفسك إلى رب العالمين الذي بيده ملكوت كل شيء، ولذلك يا إخواني أقول: من الضروري، من الضروري جدًّا أن نسعَى إلى إطفاء هذا الحريق، وإطفاء هذا الحريق أول مراتبه وأولى خطواته الاستغفار، بكثرته وترداده، ثم ثانيًا باتباع الحسنة السيئة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن»[أخرجه الترمذي في سننه(1987)، وحسنه]، إذا أخطأت في خطيئة لا تقل: والله خلاص، أستغفر الله وبس، لا، احرص أن تمسح تك الخطيئة، وتمحو ذلك السيئ من العمل.

 ولهذا جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال:«يا رسول الله إني أصبت امرأة في بعض طرق المدينة، وأتيت منها كل شيء إلا ما يأتي الرجل من امرأته»، يعني قبَّلها وضمها وما إلى ذلك، لكنه لم يجامعها، «وها أنا ذا يا رسول الله فاقض ِ فيَّ ما ترى»،  سمع النبي صلى الله عليه وسلم مقالته، بين أصحابه، سكت ما قال شيئا، قال عمر الفاروق رضي الله عنه:« لقد سترك الله لو سترت نفسك»،  سكت النبي صلى الله عليه وسلم، ما قال شيئا، موقف يعني مهيب، الرجل بقي واقفًا وانتظر جواب النبي، صلى الله عليه وسلم، جالسًا ما أجاب النبي بشيء فخرج الرجل، ولعله وجد في نفسه ضيقًا وحرجًا أنه ما جاءه بيان من النبي، ما قال له: الله يغفر لك، ولا قال: له العقوبة الفلانية، سكت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما خرج الرجل أمر به فدعي، فجاء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم، نبي الرحمة قال له كلمات، قال له: «أقم الصلاة طرفي النهار، وزلفًا من الليل، إن الحسنات يذهبن السيئات»[ أخرجه البخاري (526)، ومسلم (2763)]، ما تجاوز النبي صلى الله عليه وسلم، هذه الآية القرآنية، في بيان معالجة هذا الخطأ، الذي الآن أكثر الناس يقعون فيه، متابعة أم مباشرة أو غير مباشرة، للنساء أو البلايا المتعلقة بالشهوات، شهوات الفرج بشكل ما يتصور، هذه معالجة نحن بحاجة إليها، النبي اختصرها لهذا الرجل، )أقم الصلاة طرفي النهار(، طرفي النهار يعني صلاة الفجر وصلاة العصر حافظ عليهما، أقم الصلاة، يعني حافظ على هاتين الصلاتين، طرفي النهار الفجر والعصر، وزلفًا من الليل، يعني بعد صلاة الليل، إن الحسنات يذهبن السيئات، فأعظم ما تذهب به سيئاتك، هو أن تحرص على هذه الصلاة فإنها من أجل الأعمال التي يمحو الله بها الخطايا.

ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: « الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ »[صحيح مسلم(472)]، والنبي صلى الله عليه وسلم، مثَّل بمثال واقعي وحسي لأثر الصلاة في تطهير الإنسان، وحط هذا الأثر السيئ من قلبه وعمله.

قال صلى الله عليه وسلم في تمثيل الصلاة: « أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا، مَا تَقُولُ: ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ " قَالُوا: لاَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا »[صحيح البخاري(528)، صحيح مسلم (667/283)]، الصلوات تطهر، ولهذا ينبغي لنا أن نحرص على العمل الصالح، إذا وقعت سيئة مباشرة استغفر الله تعالى، وابحث عن مخرج، بأي نوع من العمل الصالح؛ صلاة، استغفار، صدقة، إحسان، يا أخي ولو بدمعة صادقة تشكو فيها إلى الله، تقول: يا ربي يا حي يا قيوم، أعني على نفسي، أعني على أصحاب السوء، أخرجني يا الله يا ربي، إني أستجير بك فأنقذني، دعاء صادق من القلب، والله يا إخواني، لا يخيب الله عبدًا لجأ إليه بصدق، والله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}سورة العنكبوت، الآية:69،

فينبغي لنا يا أخواني أن نسارع في استنقاذ أنفسنا، ولا يسوف الإنسان يقول اليوم بكرة، فترة طيش شباب، فترة قوة، فترة فرصة مسافر عندي بعض الإجازة أو ما إلى ذلك من التسويفات الكثيرة التي يقع فيها، خلى الصفقة هذه تنتهي وما إلى ذلك من ألوان وأصناف لا مباشرة، بادر أنت ما تدري هل يمكنك أن ترجع وتأوب وتستغفر أو لا، فلا تضيع الفرصة بأن تتبع السيئة الحسنة ولو كانت هذه الحسنة صغيرة، ولكن يكفيك أن الله تعالى علم منك الصدق، غير لازم شيء كبير.

الله تعالى يقول:)مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ(سورة النساء، الآية:147.

ويقول فيما يتقرب به العباد: )لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ ۚ(سورة الحج، الآية:37 .

يكفي النية الصادقة في الإصلاح، هي كفيلة في أن تجب ما كان من خطأ، وكفيلة في أن تعينك على التصحيح، إذًا ثاني ما نطفئ به الحريق، أن نتبع السيئة الحسنة، فإنها تمحو ما يكون من سيء العمل، مما ينبغي أن يحرص عليه الإنسان، في محاصرة السيئات أن ينأى عنها، يبعد عنها ما استطاع، فإن من الناس من يمشي بقدميه واثقًا من نفسه بأنه لن يقع في السيئات، ثم لا يدري فإذا هو قد هلك.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في أيام الفتن في نموذج ينبغي أن يرتسم في أذهاننا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: « يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ وَمَوَاقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ »[صحيح البخاري(19)] ، وهو زمان الفتن بأنواعها فتن الشبهات العلمية بالبدع والضلالات وفتن الشهوات بأشكالها وألوانها، يعني لم يذهب هواية لرغبته في تسلق الجبال ولكن أراد أن يفر بدينه من الفتن، يخشى على دينه الفتنة والضلال والهلاك،  فلم يجد ملاذًا ومنجى له إلا أن يفر لرؤوس الجبال.

 إذن يا أخي!!! أنت اجعل بينك وبين المعصية حاجزًا، ابتعد عنها، إذا هناك صاحب يقول لك ما تخاف وتعالى، فك نفسك منه، هذا يا أخي يقودك إلى النار، كل من دعاك وزين لك السيئة فإنما يقودك إلى النار، ففك نفسك ما استطعت، ولو بذلت ما بذلت من أشياء فهو خير لك، ومما يجب أن نعرفه وهذه مسألة لا تخفى على كثير من الناس، اليوم المعصية ميسَّرة، فالواحد على فراشه وهو حتى على مكتبه، أو أمام التلفزيون بل وهو على فراشه يجد من أسباب الفساد والشر ما يصله إلى فراشه، ما محتاج أن يقوم ويبحث عنها، هذا التيسر للمعاصي هو بلاء وفتنة، بعض الناس يقول الحمد لله الأمور ميسرة، تروح البلد الفلاني والمكان الفلاني لترى السوء، أو تشهد السوء، أو تفعل السوء ،بل يأتي لحد عندك هذا بلاء ونقمة  وهذا ونوع من الاختبار.

 الله تعالى يقول عن الصيد، الصحابة منعوا من الصيد: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ(سورة المائدة، الآية:95، الله تعالى أراد أن يختبر الصحابة في صدق التزامهم بهذا النهي الذي نهاهم عنه وهو أن يصيدوا وقت الإحرام، فماذا كان؟ كان الصيد يأتيهم إلى منازلهم ويحوم حول خيامهم حتى قال الله تعالى في كتابه في وصف قرب الصيد لهم: )لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍمِنَ الصَّيْدِ(سورة المائدة، الآية:94، لنبلونكم أي نختبركم بشيء من الصيد، ما حاله تناله أيديكم ورماحكم، ما تحتاج تركب وتلاحقه بل تمسكه بأيدك،  تناله أيديكم ورماحكم، لماذا هذا التسهيل؟ ليعلم الله من يخافه بالغيب، فتيسر المعصية لك هو ابتلاء واختبار، فأري الله من نفسك خيرا، وانظر ذاك الرجل إذا أنت ذكرت حديث «سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله» منهم «رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال»[صحيح البخاري(660) ، ومسلم(1031/91)]، جمعت سلطة تمنع أن يقع به الشر، وجمعت جمال يدعوه إلى أن  يقدم، يعني لو كانت ذات سلطة، لكن مشينة يمكن لا يروح ويجد حاجز نفسي، لأنه لا يبغاها ما هي مشجعة ما هي مغرية، لكن جمعت  بين سلطة تعطيه الأمان وجمال يدعوه للإقدام، ومع هذا رجل دعته امرأة ذات سلطة ومنصب وجمال فماذا قال؟ قال: إني أخاف الله رب العالمين، حجزه عن ذلك خوفه من الله ، مع شدة الداع ِ الذي يدعوه إلى الإقدام.

ثم ذلك الرجل أيضًا الذي جاءته ابنة عمه، تطلبه إعانة في مال فكان يحبها أشد ما يحب الرجال النساء، أرادها امتنعت جاءت مرة ثانية امتنعت، ثم جاءت مرة ثالثة أصابتها فاقة يعني حاجة شديدة, فأبى إلا أن تمكِّنه من نفسها، فلما أمستها الحاجة أتته، فلما أعطاها واستوى بين رجليها، تصور هذا المشهد يعني رجل بين رجلي امرأة لا يحول بينه وبينها شيء، مكنته من نفسها قالت له كلمة واحدة فقط، قالت له اتقِ الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، يعني إلا بطريق مباح حلال، فماذا كان منه؟ قام عنها بعد أن تمكن منها، لماذا؟ لله، لا يرجوا من غيره شيء، فكان هذا سببًا في علوه، أنه يوم رفع يده لربه في أزمة وضائقة، رب إني كانت لي ابنة عم، وسويت معها كذا وصار كذا ففرج عنا ما نحن فيه، توسل إلى الله بهذا العمل الصالح، فكان سببًا لكشف الكربة، وهي الصخرة التي أطبقت على الغار[أخرج الحديث البخاري في صحيحه(2215)].

 العمل الصالح يجني المرء ثمرته في الدنيا قبل الآخرة، كثير من الناس يظن أن العمل الصالح ما له أجر إلا في الآخرة لا والله، الأعمال الصالحة فيها من الأجور والخيرات، ما يشهده الإنسان في حياته وفي معاشه، قبل أن يدركه في قبره أو عند نشوره وبعثه.

 ولذلك يا إخواني!!! أنا أقول من المهم أن ندرك أن تيسر المعاصي اليوم، سهولة الشهوات ليست مغنمًا بل هي ابتلاء واختبار لنا، ليرى الله تعالى صدقنا فلنري الله من أنفسنا خيرًا، وأعظم ما يعيننا على الثبات، ويدفع عنا الشر أن نكون على حسن صلة بالله بذكره وكثرة الأوبة إليه، استحضر الله جل وعلا وأكثر من الذكر، فالذكر يثبت القلب في مواطن الزلل والخطأ.

 ولذلك يقول تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(سورة الأنفال، الآية:45، ثم يذكر لنا سبيل الثبات فيقول:)وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(، أي لعلكم تسلمون ويتحقق لكم ما ترجون وتفوزون بما تحبون، فالفلاح هو إدراك المحاب والأمن من المخاطر.

 

 إذن يا إخواني أنا أقول إننا بحاجة إلى أن ندرك أن تيسر هذه البلايا إنما هو اختبار لنا فلنري الله من أنفسنا خيرًا.

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا، وإنك بر رءوف تواب كريم، أن تمن علينا بتوبة صادقة، اللهم من علينا بتوبة صادقة يا حي يا قيوم، اللهم اجعلنا من أوليائك وحزبك، وأعنا على طاعتك اللهم استعملنا فيما تحب وترضى، اللهم اغفر لنا زلاتنا كله دقه وجله صغيره وكبيره علانيته وسره، اللهم إنا نسألك أن تأخذ بنواصينا إلى البر والتقوى، اللهم خذ بنواصينا إلى البر والتقوى يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.    

المادة السابقة
المادة التالية

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94000 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف