يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ.
إِنَّ الحَمْدَ للهِ, نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ إِلَهُ الأَوِّلِينَ وَالآخِرِينَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيم,ُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ, أَمَّا بَعْدُ:
فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنينَ؛ اتَّقُوا اللهَ أَمَرَ اللهُ لِلأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النَّساء: 131] فَاتَّقُوهُ في السِّرِّ وَالعَلَنِ وَالغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَالمنْشَطِ وَالمكْرَهِ، وَفِيما بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ, وَفِيما بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ عِبادِهِ, ثُمَّ أَبْشِرُوا؛ فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ فَوْزُ الدُّنْيا وَنَجاةُ الآخِرَةِ،﴿ويُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْ ا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ + ++[الزمر: 31].
أَيُّها المؤْمِنُونَ, تَقْوَى اللهِ لا تَتَحَقَّقُ لِواحِدٍ مِنَّا إِلَّا بِسَلامَةِ قَلْبِهِ، أَشارَ النَّبِيُّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-إِلَى ذَلِكَ فِيما رَواهُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ حَيْثُ قالَ: «التَّقْوَى هاهُنا، التَّقْوَى هاهُنا، التَّقْوَى هاهُنا، وَأَشارَ إِلَى صَدْرِهِ» مُسْلِمٌ(2564), وَأَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ(8722), وَلَفْظُهُ لَهُ ثُمَّ لَفَتَ النَّظَرَ إِلَى خُطُورَةِ غِيابِ التَّقْوَى عَنِ القَلْبِ وَإِنِ ارْتَسَمَ بِها الشَّكْلُ وَالظَّاهِرُ فَقالَ:«بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ» يَعْنِي يَكْفِي الواحدَ مِنَ الشَّرِّ «أَنْ يَحْقِرَ أَخاهُ المسْلِمَ» مُسْلِمٌ(2564), وَأَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ(8722), وَلَفْظُهُ لَهُ يَكْفِي الواحِدَ مِنَّا مِنَ الشَّرِّ في إِفْسادِ حَياتِهِ وَتَعَثُّرِ سَيْرِهِ وَفي خَيْبَتِهِ وَعَدَمِ فَوْزِهِ يَوْمَ الميعادِ وَالنُّشُورِ أَنْ يَكُونَ في قَلْبِهِ هَذا العَمَلُ هَذِهِ الخَصْلَةُ أَنْ يَحْتَقِرَ أَخاهُ المسْلِمَ.
لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَسْأَلَ وَكَتَبْنا قائِمَةً وَوَزَّعْناها عَلَى الحُضُورِ اكْتُبْ أَخْطَرَ ما يَكُونُ في نَظَرِكَ مِنَ الأَعْمالِ وَالسَّيِّئاتِ وَالخَطايا وَالذُّنُوبِ وَالمخالَفاتِ.
النَّتِيجَةُ فِيما يَظْهَرُ سَتَكُونُ تَرْكُ الصَّلاةِ نَعَمْ هِيَ خَطَرٌ، الزِّنا نَعَمْ هُوَ خَطَرٌ، السَّرِقَةُ نَعَمْ هِيَ خَطَرٌ، لَكِنْ قُلْ مَنْ سَيَكْتُبُ شَيْئًا يَتَعَلَّقُ بِأَعْمالِهِ فَتَجِدُ أَنَّ غالِبَ ما يَحْضُرُ في أَذْهانِنا عِنْدَما نَقُولُ: اتَّقُوا اللهَ وَابْتَعِدُوا عَنِ السَّيِّئَةِ مُباشَرَةً الَّذِي يَقْفِزُ في أَذْهانِ كَثِيرٍ مِنَّا: السَّرِقَةُ، الزِّنا, يَعْنِي إِذا نَشَطْنا وَصِرْنا ما شاءَ اللهُ قُلْنا الغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ, لَكِنَّ: الحَسَدَ، العُجْبُ، الرِّياءُ، التَّعالِي عَلَى الخَلْقِ، ضَعْفُ المحَبِّةِ للهِ –عَزَّ وَجَلَّ-ضَعْفُ التَّعْظِيمِ, كُلُّ أَعْمالِ القُلُوبِ وَأَغْلَبُها غائِبٌ عَنْ أَذْهانِنا في قائِمَةِ فَضائِلِ الأَعْمالِ وَفي قائِمَةِ سَيِّئِها.
رَوَىَ الإِمامُ أَحْمَدُ –رَحِمَهُ اللهُ-في مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قالَ: كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ النَّبِيِّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فَقالَ لَهُمْ وَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ ، فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصارِ» لَمْ يُذْكَرْ مَنْ هُوَ وَلا اسَمُهُ، القَضِيَّةُ نَفْسَها لَيْسَتْ بِالاسْمِ بِقَدْرِ ما تَتَعَلَّقُ بِالخَبَرِ المتَضَمَّنِ بِوَصْفِ هَذا الشَّخْصِ «فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصارِ تَنْطُفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وَضُوئِهِ» يَتَقاطَرُ الماءُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِنْ وَضُوئِهِ «قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ بِيَدِِهِ الشِّمالِ، فَلَمَّا كانَ الغَدُ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَسلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ فَطَلعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ المرَّةِ الأُولَى، فَلَمَّا كانَ في اليَوْمِ الثَّالثِ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَقالَتِهِ أَيْضًا، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حالِهِ الأُولَى، فَلَمَّا قامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ العاصِ» حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ ما الَّذِي مَيَّزَ هَذا؟ لَيْسَ مِنْ أَعْيانِ الصَّحابَةِ لَيْسَ هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَلا هُوَ عُمَرُ وَلا هُوَ عُثْمانُ وَلا هُوَ عَلِيٌّ وَلا هُوَ مِنَ السَّابِقينَ الأَوَّلِينَ مِنْ أَصْحابِ النَّبِيِّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فَماذا خَصَّ هَذا بِهَذِهِ الفَضِيلَةِ؟ فَجاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ العاصِ إِلَى هَذا الرَّجُلِ«فَقالَ: إِنِّى لاحَيْتُ أَبي» أِيْ وَقَعَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي شَيْءٌ مِنْ سُوءِ التَّفاهُمِ«فَأَقْسَمْتُ أَنْ لا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتُ» أَرَأَيْتَ إِنْ تُدْخِلَنِي مَعَكَ لِئَلَّا أَجْلِسَ في عَراءٍ بِدُونِ مَأْوَي فَجَزاكَ اللهُ خَيْراً فَقالَ لَهُ الرَّجُلُ: «قالَ: نَعَمْ، قالَ أَنَسٌ: فَكانَ عَبْدُ اللهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ باتَ مَعَهُ تِلْكَ الثَّلاثِ اللَّيالِي فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ إِذا تَعارَّ وَتقلَّبَ عَلَى فِراشِهِ ذَكَرَ اللهَ وَكَبَّرَ حَتَّى يَقُومَ لِصَلاةِ الفَجرِ، قالَ عَبْدُ اللهِ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْه يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا» عَبْدُ اللهِ شَخَّصَ حالَ هَذا الرُّجِلِ: ما في صَلاةِ زائِدَةٍ في اللَّيْلِ، إِنَّما هُوَ ذِكُر اللهِ عِنْدَ التَّقَلُّبِ في المنامِ لَكِنَّهُ قالَ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا ما سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةَ سُوءٍ لا في حَقِّ أَوْلادِهِ وَلا أَهْلِهِ وَلا نَفْسِهِ وَلا أَصْحابِهِ وِلا غائِبٍ وَلا حاضِرٍ، إِلَّا أنَّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلاثُ لَيالٍ وَكِدْتُ اقْتَرَبْتُ مِنْ أَنْ احْتَقِرَ عَمَلَهُ ما شُفْت فِيِهِ شَيْء ما اَّلذي يُخَلِّيهِ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ وَيَجْعَلُ النَّبِيَّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يَذْكُرُهُ بَيْنَ أَصْحابِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ في ثَلاثِ مَجالسَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، فَقال َلهُ عَبْدُ اللهِ بْنِ عَمْرٍو لهَذا الرَّجُلِ: «قُلتُ: يا عبدَ اللهِ لَم يكُنْ بيني وبينَ أبى غَضبٌ ولا هَجرٌ، ولكنْ سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ يقولُ لكَ ثَلاثَ مرارٍ: يطلعُ عليكم الآنَ رجلٌ من أهلِ الجنَّةِ، فطلعتَ أنتَ الثَّلاثَ المِرارَ، فأردتُ أن آوِيَ إليك لأنظرَ ما عَملُكَ فأقتدِيَ بهِ، فلم أرَكَ تعمَلُ كثيرَ عملٍ، فما الَّذي بلغَ بكَ ما قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ؟ قالَ: ما هوَ إلَّا ما رأيتَ، فلمَّا ولَّيتُ دعانِي فقالَ: ما هوَ إلَّا ما رأيتَ غيرَ أنِّي لا أجِدُ في نَفسي لأحَدٍ من المسلمينَ غِشًّا، ولا أحسُدُ أحدًا على خَيرٍ أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ»سَلِيمُ القَلْبِ مِنْ هاتَيْنِ الخَصْلَتَيْنِ لا يَخْدَعُ وَلا يَخُونُ وَلا يُدَلِّسُ وَلا يَغُشُّ لا يَغُشُّ أَحَدًا مِنَ المسْلِمينَ الدِّينُ النَّصِيحَةُ لَيْسَ لأَحَدٍ في قَلْبِهِ مِنَ المسْلِمينَ غِشًّا وَلا حَسَدًا وَهُوَ أَنْ لا يَقَعُ في قَلْبِي كَراهَةٌ أَنْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَى فُلانٍ بِمالٍ، أَنْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَى فُلانٍ بِوَلَدٍ، أَنْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَىَ فُلانٍ بِوَظِيفَةٍ، بِمَنْصَبٍ، بِجاهٍ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنَ أَنْواعِ العَطايا الَّتي يَمُنُّ اللهُ تَعالَى عَلَى عِبادِهِ، لَيْسَ في قَلْبِهِ عَلَى أَحَدٍ حَسَدٌ, ثُمَّ قالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ مُعَلِّقًا عَلَى هَذِهِ الخِصالِ«هَذِهِ الَّتي بَلَغَتْ بِكَ وَهِيَ الَّتي لَا نُطِيقُ» مُسْنَدُ أَحْمَدَ(12697) بِإِسْنادٍ صَحِيحٍ يَعْنِي يَصْعُبُ عَلَيْنا بُلُوغُها وَلا يَعْنِي هَذا أَنَّهُ لَمْ يُوَصَلْ إِلَيْها؛ لَوْ لَمْ تَكُنْ مُمْكِنَةَ الحُصُولِ مَقْدُورَةَ الوُصُولِ لما وَصَلَ إِلَيْها هَذا الرَّجُلُ ما فِيهِ مِيزَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى غَيْرِهِ لَكِنَّهُ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ.
أَقُولُ هَذا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمْدُ للهِ حَمْدَ الشَّاكِرينَ أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ لا أُحْصِي ثَناءً عَلَيْهِ هُوَ كَما أَثْنَي عَلَى نَفْسِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرينَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ, أَمَّا بَعْدُ.
فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ وَفَتِّشُوا عَنْ تَقْواهُ في قُلُوبِكُمْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ زَادُ التَّقْوَى كَما قالَ اللهُ: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ [البقرةُ: 197] فَتِّشُوا عَنِ التَّقْوَى في قُلُوبِكُمْ في حُبِّكُمْ للهِ وَتَعْظيمِكُمْ لَهُ وَتَوَكُّلِكُمْ عَلَيْهِ في سَلامَةِ قُلُوبِكُمْ عَلَى الخَلْقِ، فَلَيْسَ في قُلُوبِكُمْ غِشٌّ وَلا حَسَدٌ وَلا غِلٌّ وَلا كِبْرٌ وَلا عُجْبٌ عَلَى أَحَدٍ, هُنا تَكُونُ قَدْ رَكِبْتَ التَّقْوَى وَدَخَلْتَ فِناءَ المتَّقِينَ مِنْ أَوْسَعِ الأَبْوابِ، فَلَيْسَ أَقْرَبُ إِلَى اللهِ تَعالَى مِنْ قَلْبٍ خاشِعٍ قَلْبٍ مُتَّقٍ قَلْبٍ سَلِيمٍ طاهِرٍ.
لِذَلِكَ كانَ الفَوْزُ يَوْمَ العَرْضِ ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشُّعَراءُ: 88-89] هَذا لَيْسَ شَيْءٌ يُولَدُ مَعَكَ يَوْمَ القِيامَةِ وَيَخْرُجُ مَعَكَ يَوْمَ القِيامَةِ، إِنَّما هُوَ للهِ تَعالَى فَمَنْ كانَ سَلِيمَ القَلْبِ في الدُّنْيا كانَ سلِيمَ القَلْبِ يَوْمَ العَرْضِ، وَمَنْ كانَ مَرِيضَ القَلْبِ بِالأَحْقادِ وَالآفاتِ وَالأَمْراضِ في هَذِهِ الدُّنْيا فَقَلْبُكَ سَيَكُونُ كذَلِكَ يَوْمَ القِيامَةِ, وَالجَنَّةُ لا يَدْخُلُها صاحِبُ قَلْبٍ مَرِيضٍ لا يَدْخُلُها إِلَّا أَصْحابُ القُلُوبِ السَّلِيمَةِ.
لِذَلِكَ قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «لا يَدْخُلُ الجنَّةَ مَنْ كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» مُسْلِم(91) يَعْنِي وَزْنَ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ؛ فَاحْرِصْ وَاحْذَرْ احْرِصْ عَلَى سَلامَةِ قَلْبِكِ, وَاحْذَرْ مِنَ الآفاتِ وَاحْرِصْ عَلَى أَلَّا يَكُونَ في قَلْبِكَ شَيْءٌ مِمَّا يُفْسِدُهُ وَيُذْهِبُ سَلامَتَهُ.
وَقَدْ قالَ النَّبِيُّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فِيما رَواهُ زَيْدُ بْنُ ثابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: «ثلاثٌ لا يُغَلُّ عليهنَّ قلبُ امرئٍ مسلمٍ» أَحْمَدُ(13350), وَهُوَ صَحِيحٌ لِغَيْرِهِ ثَلاثَةُ خِصالٍ، ثَلاثَةُ أَخْلاقٍ، ثَلاثَةُ أَعْمالٍ لا يُصِيبُ صاحِبَها غِلٌّ في قَلْبِهِ, وَالغِلُّ مَعْناهُ آفَةُ مَرَضٍ شَرُّ يَكُونُ في قَلْبِكَ، فَإِذا أَرَدْتَ أَنْ تُسَلِّمَ قَلْبَكَ تَحَقَّقَ بهذِهِ الخِصالِ الثَّلاثَةِ تَكُونَ مِنَ الفائِزِينَ قالَ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ثلاثٌ لا يُغَلُّ عليهنَّ قَلْبُ امْرئٍ مُسْلِمٍ إِخْلاصُ العَمَلِ للهِ» وَالمسْأَلَةُ سَهْلَةٌ في الإِخْلاصِ لا تَبْتَغِي بِعَمَلِكَ إِلَّا اللهُ وَضَعْ في بالكَ قَوْلُ اللهِ تَعالَى: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا﴾ [الإنسان: 9] كُلُّ عَمَلٍ تَتَقَرَّبُ بِهِ فَاقْصُدْ بِهِ اللهَ وَلا تَرْجُو مِنَ النَّاسِ ثَناءً وَلا مَدْحًا وَلا ذِكْرًا، هَذا يَأْتِي بِدُونِ طَلَبٍ؛ فاللهُ تَعالَى يَحْفَظُ الصَّالحينَ وَيُعْلِي مَنازِلَهُمْ ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشَّرْح: 4] فَرَفْعُ الذِّكْرِ يَكُونُ مِن عاقِبَةِ العَمَلِ الصَّالِحِ لا أَنْ تَقْصِدَ ذَلِكَ وَلا أَنْ تَطْلُبَهُ.
الثَّانِيَةُ يَقُولُ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «ومُناصَحَةُ وُلاةِ الأَمْرِ» أَيْ الصِّدْق في دِلالَتِهِمْ عَلَى الخَيْرِ وَتَحْذِيرِهِمْ مِنَ الشَّرِّ.
وَهَذا لَيْسَ فَقَطْ لِمَرْتَبَةٍِ مِنَ النَّاسِ هُنا يَقُولُ: «امرئٍ مُسْلمٍ» يَعْنِي كُلُّ أَحَدٍ وَلَيْسَ فَقَطْ فِئَةٌ مِنَ النَّاسِ أَوْ مَرْتَبَةٍ أَوْ مَنْزِلَةٍ أَوْ وَظِيفَةٍ مُعَيَّنَةٍ، بَلْ كُلُّ مَنْ تَمَكَّنَ فَسلامَةُ قَلْبِهِ بِمُناصَحَةِ وُلاةِ الأُمُورِ.
وَوُلاةُ الأُمُورِ هُنا لَيْسَ فَقَطْ مَحْصُورًا وَمَحْدُودًا في صُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ بِالملِكِ أَوْ وَلِيَّ العَهْدِ أَوِ المنْطَقَةَ أَوْ فُلانٌ مِنَ النَّاسِ؛ وُلاةُ الأُمُورِ: كُلُّ مَنْ وَلَّاهُ اللهُ أَمْرًا مِنَ أُمُورِ المسْلِمينَ حَتَّى مُدِيرِ الدَّائِرَةِ، الفَرَّاشِينَ مُدِيرُهُمْ هَذا مِنْ وُلاةِ الأَمْرِ بِالنَّسْبَةَ لَهُمْ فَيَدْخُلُ في قَوْلِهِ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَمُناصَحَةِ وُلاةِ الأُمُورِ».
فَكُلُّ مَنْ لَهُ وِلايَةٌ فَهُوَ وَلِيُّ أَمْرٍ سَواءٌ عَلا أَوْ دَنا ارْتَفَعَتْ مَنْزِلَتُهُ وَكَبُرَتْ مَسْؤُولِيَّتُهُ أَوِ انْخَفَضَتْ وَضاقَتْ دائِرَةُ مَسْؤُولِيَّتِهِ فَلا نُقْصِرْ هَذا عَلَى صُورَةٍ أَوْ نَمَطٍ مُعَيَّنٍ بِلْ هُوَ شامِلُ لِكُلِّ شَيْءٍ مِمَّنْ تَناصَحَ بِهِ مَنْ لَهُ وِلايَةُ لَكِنَّ المناصَحَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عَلَى طَرِيقِ النَّبِيِّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَفْقَ الشَّرِيعَةِ عَلَى عِلْمٍ وَحِلْمٍ وَصَبْرٍ وَحُسْنِ أَداءٍ؛ لِتَحَقُّقِ الغايَةِ والمقْصُودِ.
ثُمَّ قالَ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لُزُومُ جَماعَةِ المسْلِمينَ» هَذِهِ الخَصْلَةُ الثَّالِثَةُ الَّتي يَسْلَمُ بِها القَلْبُ عَلَى الخُرُوجِ عَنْ دائِرَةِ أَهْلِ الإِسْلامِ ما اسْتَطاعَ الإِنْسانُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا؛ فَإِنَّ يَدَ اللهِ مَعَ الجَماعَةِ وَالخَيْرِ في السَّوادِ الأَعْظَمِ.
وَلَكِنْ هَذا لا يَعْلَمُ أَنْ يَتْرُكَ الحَقَّ لِكَثْرَةِ الواقِعِ لِلباطِلِ؛ فَالكَثْرَةُ لَيْسَتْ مِعْيارًا لِلصِّحَّةِ وَالسَّلامَةِ؛ أَنْتَ جَماعَةٌ إِذا كُنْتَ عَلَى الحَقِّ وَلَوْ كُنْتَ وَحْدَكَ كَما قالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لأَحَدٍ سَأَلَهُ فَقالَ: "أَنْتَ جَماعَةٌ وَلَوْ كُنْتَ وَحْدَكَ" أَخْرَجَهُ اللَّالِكائِيًّ في شَرْحِ أُصُولِ اعْتِقادِ أَهْلِ السُّنَّةِ ح(160) , وِابْنُ عَساكِرَ في تاريخِ دِمَشْق(46/409) وَرُوِيَ بِأَلْفاظٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْها:" إِنَّمَا الْجَمَاعَةُ مَا وَافَقَ طَاعَةَ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتَ وَحْدَكَ " فَلُزُومُ الجَماعةِ لا يَعْنِي أَنْ تَطْلُبَ الأَكْثَرَ في كُلِّ قَضِيَّةٍ وَفي كُلِّ مَسْأَلَةٍ، إِنَّما مَعْناهُ أَنْ تَحْرِصَ أَنْ تَلْزَمَ ما كانَ عَلَيْهِ خَلِيلُنا –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَخَيْرُ القُرُونِ فَهُمُ الجَماعَةُ الَّذِينَ مَنْ لَزِمَهُمْ لَزِمَ الهُدَى وَاسْتَقامَ العَمَلُ وَحَصَلَ لَهُما قالَ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-مِنْ لُزُومِ جَماعَةِ المسْلِمينَ الَّذِينَ يَنْتَفِي بِها الغِلُّ عَنَّا.
اللَّهُمَّ أَلْهِمْنا رُشْدَنا وَقِنا شَرَّ أَنْفُسِنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ, اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفافَ وَالرَّشادَ، اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا, وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أُمُورِنا، وَاجَْعْل وِلايَتَنا فِيمَنْ خافَكَ وَاتَّقاكَ وَاتَّبَعَ رِضاكَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعافِيَةَ وَالمعافاةِ الدَّائِمَةَ، رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ، اللَّهُمَّ أَبْرِمْ لِإخْوانِنا في سُورِيَّا نَصْرًا عاجِلا وَفَرَجًا قَرِيبًا، اللَّهُمَّ كُنْ لَهُمْ مُعِينًا وَظَهِيرًا، اللَّهَُّمَّ كُنْ لَهُمْ مُعِينًا وَظَهِيرًا، اللَّهمَّ احْقِنْ دِمائَهُمْ, اللَّهُمَّ مَكِّنْهُمْ مِن ْعَدُوِّهِمْ وَعَدُوِّنا يا قَوِيُّ يا عَزِيزُ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرادَنا وَأَرادَ المسْلِمينَ بِشَرٍّ أَوْ فَسادٍ أَوْ ضُرٍّ فَعَلَيْكَ بِهِ؛ فَإِنَّهُ لا عَزيزُ غَيْرُكَ، اللَّهُمَّ أَفْسِدْ سِلاحَهُمْ، اللَّهُمَّ أَبْطِلْ سَعْيَهُمْ وَكَيْدَهُمْ وَمَكْرَهُمْ وَرُدَّ كَيْدَهُمْ في نُحُوِرَهُمْ يا قَوِيُّ يا عَزِيزُ، اللَّهُمَّ عافِ إِخْوانَنا في مِصْرَ يا قَوِيُّ يَا عزيزُ اللَّهُمَّ اجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَأَصْلِحْ ذاتَ بَيْنِهِمْ، اللَّهُمَّ اكْفِهِمْ شَرَّ الفِتَنِ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ، اللَّهُمَّ اكْفِهِمْ شَرَّ المتَرَبِّصِينَ بِهِمْ أَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْفِهِمْ شَرَّ كُلِّ ذَيِ شَرٍّ يا قَوِيُّ يا عَزِيزُ، وَاكْتُبْ ذَلِكَ لِسائِرِ بِلادِ المسْلِمينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.