السؤال:
قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ»، بعض الناس يظن أن النطق بكلمة التوحيد كافٍ للنجاة؟
الجواب:
"لا إله إلا الله" كلمة عظيمة، فهي عنوان أهل الإسلام، وهي التي بعث الله بها الرسل جميعًا، من نوح عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وهي مفتاح الجنة، ولكن هذا المفتاح لا بد له من أسنان، قيل لوهب بن مُنَبِّه: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: "بلى، ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فُتِحَ لك، وإلا لم يُفْتَح لك"رواه البخاري معلقًا في صحيحه (2/71).، وقال النبي صل الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ آخِرَ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ»رواه أحمد (22127)، وأبو داود (3116) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، وصححه الحاكم (1299). .
لكن يجب أن يعلم أن كل فضيلة جاءت في هذه الكلمة، إنما هي ثابتة في حق مَنْ عَمِلَ بها، ولذلك كان المشركون يمتنعون من قولها لعلمهم بمعناها، وهو ألا يعبد إلا الله، ولا تُصْرَف العبادة بجميع صورها إلا لله، فلا يسجد إلا لله، ولا يُذْبَح إلا لله، ولا يُنْذَر إلا لله، ولا يُحَبُّ إلا الله، ولا يُتَوكَّل إلا على الله، فكل عبادة جاءت الشريعة بها فإنه لا تجوز أن تُصْرَفَ لغير الله تعالى، ولهذا قالوا فيما قصَّ الله تعالى عنهم: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} سورة ص: الآية 5.، فلم تكن المنازعة في التلفظ بهذه الكلمة، إنما المنازعة في معناها وهو أنه لا يستحق العبادة إلا الله.
فقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ آخِرَ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» أي: مَن تكلم بها مُعتقِدًا مضمونَها، وفي حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ»رواه البخاري (1186)، ومسلم (33).، وفي رواية «لَا يَشْهَدُهَا عَبْدٌ صَادِقًا مِنْ قِبَلِ قَلْبِهِ فَيَمُوتُ إِلَّا حُرِّمَ عَلَى النَّارِ»رواه النسائي في السنن الكبرى (10876).، فقيَّد النجاة بقولها على وجه الإخلاص، وبالإقرار بمضمونها، ولا يكون تمام الإقرار إلا بالانقياد لما أمر به الله تعالى من صلاة، وزكاة، وصيام، وحج، وغير ذلك، فمن قال: لا إله إلا الله وهو يعلم أنه يجب عليه أن يصلي، ولم يصلِّ فهذا ما أتى بهذه الكلمة على الوجه الذي ينجو به، لكن ينبغي أن يُفرَّق بين مَن بلغتْه هذه الكلمة، وبلغه ما يجب أن يعمل به، وبين من لم يبلغه إلا هذه الكلمة فأقرَّ بها، فمن أتته هذه الكلمة، ولم يعلم غيرها، كان في حكم الدنيا من أهل الإسلام، وفي حكم الآخرة من الناجين؛ لأنه أتى بهذه الكلمة، والنبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذًا رضي الله عنه إلى اليمن، قال له: «إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ»رواه البخاري (1395)، ومسلم (19) عن ابن عباس رضي الله عنهما.، فالدعوة إلى شهادة التوحيد هي أول مراتب الدعوة، فمن استجاب لها فهو من أهل الإسلام، ولذلك قال: «فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ»، فمن قالها ثم مات، ولم يأت بعمل فهو من أهل الجنة، ما دام قد قالها مصدِّقًا بها، ملتزمًا قابلًا لمقتضياتها من العمل الصالح، وأما من قالها وجَحَد وجوب الصلاة، فهذا لم يقُلْها مُصدِّقًا بها؛ لأنه لو كان مُصدِّقًا بها لقبل لوازمها من العمل الصالح، والله أعلم.