السؤال:
بعض الناس وجيراني يقولون: إن الله معنا في كل مكان، وأنا قرأت في كتب عقائد المسلمين خلاف ذلك، وهم يسمعونك الآن ونريد من فضيلتك أن تشرح لهم إذا أحد الأطفال سألنا: أين الله؟ هل نقول لهم: إن الله في السماء مستوٍ على عرشه، أم نقول شيئًا آخر؟
الجواب:
نجيب بما جاء به الحديث الصحيح الذي رواه مسلمحديث رقم (537) عن مُعاوِية بن الحكم السُّلَمِي رضي الله عنه قال: كانت لي جارية ترعى غنمًا لي قِبَل أُحُد والجوانية، فاطَّلعتْ ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم، آسف كما يأسفون، لكني صككْتُها صكة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظَّم ذلك عليّ، قلت: يا رسولَ اللهِ، أفلا أُعتِقُها؟ قال: «ائْتِني بِهَا» فأتيته بها، فقال لها: «أَيْنَ اللَّهُ؟» قالت: في السماء، قال: «مَنْ أَنَا؟» قالت: أنت رسول الله، قال: «أَعْتِقْهَا؛ فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ»، هكذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا أجابت الجارية، وشهد لها بالإيمان بناء على جوابها على هذين السؤالين، فمن يقول: لا يجوز أن يسأل: أين الله؟! فهو يرد كلام النبي صلى الله عليه وسلم الذي سألها هذا السؤال، وأقرَّها على جوابها بأن الله في السماء، وهو جلَّ في علاه يقول: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} سورة الملك: الآية 16، أي: من في العلو، وقال سبحانه: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} سورة الأعلى: الآية 1 .
فالله جل وعلا له العُلُوُّ المُطْلَقُ، ولا يحيط به شيء من خلقه، وهو كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} استواء يليق بجلاله، ومعناه علوه على العرش عُلُوًّا خاصًّا لا يشبه ولا يماثل عُلُو المخلوقين، فيجب أن نستحضرَ في قلوبنا أن ما أخبر الله تعالى به عن نفسه، أو أخبر عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، يجب أن يقابل بالتسليم والاستسلام، أي: القبول وعدم المعارضة؛ فإن من دخل بذلك معارضًا برأيه أو بعقله، ردَّ دلائل النصوص، ولذلك يقول الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة، التي تلقاها العلماء بالقبول: "ولا يثبُت قَدَمُ الإسلامِ إلا على ظَهْرِ التسليمِ والاستسلامِ"، فلا تثبُت قَدَمُ أحد في الإسلام إلا أنْ يسلِّمَ لله تعالى ما أخبر به عن نفسه، وأنه على الوجه اللائق به، كما قال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} سورة الشورى: الآية 11، {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} سورة الإخلاص: الآية 4، فما أخبر الله به عن نفسه يجب أن يُثْبَتْ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، والله أعلم.