السؤال:
ما أنواع التوسل المشروع؟
الجواب:
أولًا: التوسُّل بأسماء الله جل وعلا، وبصفاته وبأفعاله.
ثانيًا: التوسل لله تعالى بالعمل الصالح، كما في قصة الثلاثة الذين حَبِستْهم صخرة في الغار، ومنه التوسل بحب النبي صلى الله عليه وسلم، كأن يقول: اللهم إني أسألك بحبِّي لنبيِّك أن تفعل كذا وكذا.
ثالثًا: التوسل لله تعالى بالحال، وإظهار الافتقار، كقول موسى عليه السلام فيما قصَّه الله تعالى عنه: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} سورة القصص: الآية (24)، ومنه أيضًا قوله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} سورة الأنبياء: الآية (83)، ومنه قول يونس عليه السلام: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}سورة الأنبياء: الآية (87)، ومنه أيضًا ما جاء في سيد الاستغفار: «اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي» هذا يتعلق بأوصاف الله تعالى وأسمائه، «وَأَنَا عَبْدُكَ» هذا توسُّل بالحال، «وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ»رواه البخاري (6323) عن شداد بن أوس رضي الله عنه هذا توسُّلٌ بالعمل الصالح.
رابعًا: التوسل إلى الله تعالى بدعاء الصالحين، بأن يسأل صالحًا أن يدعوَ له، ثم يتوسل بدعائه إلى الله تعالى، كما في قصة الأعمى، فعن عثمان بن حنيف رضي الله عنه أن رجلًا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادعُ الله أن يعافيني قال: «إِنْ شِئْتُ دَعَوْتُ، وَإِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قال: فادعُه، فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه، ويدعو بهذا الدعاء: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى لِي، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ»رواه أحمد (17240)، والنسائي في الكبرى (10419)، والترمذي (3578)، وابن ماجه (1385)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وصححه ابن خزيمة (1219)، والحاكم (1180)، فقوله: «تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي» يعني: توجهت إليك بدعاء نبيك.
وأما التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم أو جاهه، فهذا مما وقع فيه خلاف بين العلماء، وعامة العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية يرون أنه لا يجوز التوسل بهذه الصيغة؛ لعدم ورود ذلك، ولأنه ليس من كسب الإنسان، فجاهُ النبي صلى الله عليه وسلم إنما يَنْتَفِعُ به هو صلى الله عليه وسلم دون غيره.
وذهب الإمام أحمد -رحمه الله- إلى جواز التوسل بجاهِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والأقرب مذهب الجمهور.
وأما سؤال النبي صلى الله عليه وسلم قضاء الحوائج ـ وهذا يسميه بعضُهم توسُّلًا -فيقول: يا رسول الله أغثْنِي، يا رسول الله اقض حاجتي، فهذا توسُّلٌ شِرْكي، داخل فيما نهى عنه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، بل فيما نهت عنه الرسل، فالرسل جاءوا بالنهي عن الشرك؛ {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} سورة الجن: الآية (18)، والله أعلم.
وإني لأعجب من الذين يزيِّنون للناس مثل هذه الطرائق، ويقولون: ثبت أن فلانًا من العلماء ذهب إلى قبر فلان، وسأل الله أن تُفرَّج همومُه، فاستجاب الله له! ولنفرض أن هذه القصة ثابتة، فهل كان هذا العالم يذهب إلى ذلك القبر ويقول: يا فلان أغثني! إذا كان كذلك فإن هذا ليس بعالم؛ لأن هذا لا يمكن أن يصدر من عالم يعلم حقيقة التوحيد الذي جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، إنما قد يكون دعا الله تعالى في هذه البقعة؛ ظنًّا منه أنها مباركة، وأنها تجاب عندها الدعوة، وهذه بدعة وليست شركًا، وهي من وسائل الشرك، وما يستدل به بعضهم لتجويز سؤال غير الله، كقول الذهبي في سير أعلام النبلاء: إن العالم الفلاني قبره تِرْياقٌ مُجرَّب! فهذا ليس فيه أنهم كانوا يأتون إلى هذا القبر ويسألون الميت من دون الله! ولم يقصد الذهبي وغيره ذلك، ولو فرضنا ذلك -وحاشاهم أن يقصدوه- لما قُبِل منهم، فالعلم قال الله، قال رسوله صلى الله عليه وسلم، وقال الصحابة هم أولو العرفان، ولكن من الناس من يتشرب قلبه فكرة معينة، ويصبح عنده رغبة فيه، ثم يبحث ويلتقط من هنا وهناك شواهد لتقرير هذا الذي في قلبه، وليس هذا طلبًا للحقِّ، ولا سعيًا في إصابة الهدى، والبحث عن مرضاة الله عز وجل، بل هو من باب اعتقد ثم استدل! والمطلوب أن تسلم قيادك لله، كما دلت عليه النصوص، وتقول: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} سورة البقرة، الآية 285، وموضوع التوسل في غاية الخطورة، ومَزَلَّةُ قدَمٍ، وهو البوابة التي يلج منها كثير من الناس في الشرك من حيث لا يشعرون، والمشركون إنما سوغوا شركهم، وتورطوا في أنواع صرف العبادة لغير الله؛ بسبب التوسل، نسأل الله أن يرزقنا البصيرة في الدين، وأن يَمُنَّ علينا بالإخلاص الصادق، وأن يجعلنا من عباده المخلصين، وحزبه المفلحين، وأوليائه المتقين، آمين والله أعلم.