السؤال:
كيف نحقِّقُ التوكُّلَ التام على الله؟
الجواب:
التوكل على الله جل وعلا هو أن يُفرِّغَ المرءُ قلبه من غير الله جل وعلا؛ اعتمادًا واستنادًا وركونًا، فليس في قلبه إلا الله ، فلا يكون في قلبه ثقة ولا ركونٌ ولا اعتمادٌ إلا على الله جل في علاه، فإذا فرَّغ الإنسان قلبَه من التعلق بالأسباب، ومن التعلق بالخلق، وأيقن أنه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، فقد حقق التوكل. لكن هذا لا يعني أنه لا يأتي بالأسباب، فالأسباب لا بد منها؛ لأن المسببات مرتبطة بأسبابها، والنتائج مقترنة بمقدماتها، وبالتالي لا بد من أخذ الأسباب وبذل الممكن، ثم بعد ذلك السبب قد يأتي بنتيجة وقد لا يأتي بها، فلذلك املأ قلبك ركونًا إلى الله جل في علاه، {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} سورة غافر: الآية (44)، فاجعل أمرك إلى الله جل في علاه، وحقِّقْ وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: «وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ»رواه أحمد (2669) والترمذي (2516)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/462) في طريق الترمذي: حسنة جيدة.
فالوسائل والأدوات لا تتعدى كونها أمورًا قد تأتي بالنتائج وقد لا تأتي بها، وقد تأتي النتائج في بعض الأحيان من دون أسباب، لكن هذا ليس مُسَوِّغًا لترك الأسباب، والجلوس في البيوت وانتظار رزق الله تعالى؛ فالسماء لا تمطر ذهبًا ولا فِضَّةً، كما يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إنما نحتاج إلى أن نبذل السبب الممكن وألَّا نتعلق به، إنما الأمر لله، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} سورة يس: الآية (82)، والله أعلم.