السؤال:
ما معنى قول ابن القيم: عبودية مخالفةِ العدوِّ؟
الجواب:
النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بمخالفة جماعات من الناس، وليس فقط الكفار، فعلَّل أحكامًا بمخالفة الكفار، وعلَّل أحكامًا بمخالفة الأعراب، وعلَّل أحكامًا بمخالفة الحيوان، وهذا يدل على أن الشريعة جاءت آمرة بالبعد عن مشابهة كل ناقص، سواء كان النقص في الدين، أو النقص في المسلك، أو كان النقص في الخلقة، ولهذا لما وصف النبي صلى الله عليه وسلم من يؤخر الصلاة عن وقتها قال: «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا»رواه مسلم (622) عن أنس رضي الله عنه، والمراد بالنقر سرعة الحركات كنقر الطائر، وهذا تشبيه بالحيوان على وجه الذم؛ لأن الحيوان ناقص، وعلى كل حال فعبودية مخالفةِ العدو هو أن يخالف الإنسان العدو في كل ما يكون مغيظًا له، ولكن هذا في حال قيام العداوة، وأما إذا لم يكن هناك عداوة، فإنه لا يكون هناك مخالفة للإغاظة، إنما هناك مخالفة للتميز، فعندنا مخالفة لتميز المجتمع المسلم عن غيره، وهذا الذي علل به النبي صلى الله عليه وسلم جملة من الأحكام، مثلا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «صَلُّوا فِي نِعَالِكُمْ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ»رواه الطبراني في المعجم الكبير (7164) عن شداد بن أوس رضي الله عنه، وهو في صحيح الجامع الصغير (3790)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ، فَخَالِفُوهُمْ»رواه البخاري (3462)، ومسلم (2103) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وهذا يدل على أن هذه المخالفة من أجل التميز.
وأما مخالفة الإغاظة، وهي أن لا يترك سبيلًا من السُّبُل التي يسلكها العدو إلا جانَبه فيها، وهذا ما كان يقصده النبي صلى الله عليه وسلم، وفهمه اليهود عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخالفهم عندما هاجر إلى المدينة، وكان من باب دعوتهم يحب موافقتهم حتى يتألفهم، لكن لما رأى صدودَهُم إعراضَهم، أصبح يخالفهم، حتى قالوا: "ما يريد هذا الرجل أن يدَعَ من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه"رواه مسلم (302) عن أنس رضي الله عنه، فهذا نوع من المخالفة التي يُقْصَد بها إغاظة أعداء الله تعالى، وأعداء رسوله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.