السؤال:
روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحهحديث رقم (2662) عن عائشة: دُعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة صبيٍّ من الأنصار، فقلت: يا رسول الله طوبى لهذا، عُصفورٌ من عصافير الجنة، لم يعمل السوء ولم يدركه، قال: «أو غَيْرَ ذَلِكَ، يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللهَ خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلًا، خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ، وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلًا، خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ»، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن أولاد المشركين فقال: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ»رواه مسلم (2659)، فهل يدخل أطفال المسلمين في المشيئة في هذه الحالة؟ أم أنهم يدخلون الجنة؟
الجواب:
كأن السائل فهم أن النبي صلى الله عليه وسلم مَنْعَ عائشة -رضي الله عنها- من اعتقاد أن أطفال المسلمين في الجنة، وهذا ليس بصحيح، وإنما النبي صلى الله عليه وسلم تعقَّب قول عائشة؛ لأنه شهادة لمُعَيَّنٍ، والإجماع منعقد على أنه لا يجوز الشهادة لمعين بالجنة أو بالنار، ما لم ليشهد له الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك، ولو كان صغيرًا، فإنه لا يجوز، لكن في الجملة نقول: أطفال المسلمين في الجنة، لكن هذا لا يعني أن كل طفل يموت من أطفال المسلمين نقول: إنه بعينه في الجنة، هذا الذي استدركه النبي صلى الله عليه وسلم، حتى لا نشهد لمعين؛ لأن من عقائد أهل السنة والجماعة أنهم لا يشهدون لمعيَّنٍ بجنة ولا بنار، ولكن يَرْجُون للمحسن الجنة، ويخافون على المسيء النار.
وأما أطفال المشركين فيُمْتَحنون يوم القيامة، كما جاء ذلك في مسند الإمام أحمد بإسناد جيد المسند (16301).
ثم أقول لإخواني: ينبغي في هذه المسائل ألا ندخل فيها بنوع من التعمُّق، يكفينا أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى قد قال: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} سورة فصلت الآية 46 ، فربُّ العالمين جل وعلا لا يُدخِلُ النار أحدًا إلا وهو مُقِرُّ على نفسه أنه مستحق لها، وأما الجنة فهي فضل الله التي يدخل فيها من يشاء من عباده، فنسأل الله من فضله، وينبغي أن تكون قلوبنا في غاية الثقة من تمام عدل الرب جلَّ وعلا، وأنه لا يظلم الناس شيئًا، فهو القائل: «يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا»رواه مسلم (2577) عن أبي ذر رضي الله عنه، والله أعلم.