السؤال:
هل يجوز للشخص إذا كان مرتبه قليلًا أن يدعو الله عز وجل أن يرزقه مليون ريال أو أضعاف ذلك؛ بناء على أن فضل الله واسع، أم أن هذا من التعدي في الدعاء؟
الجواب:
فضل الله واسع لا شك فيه، قال الله تعالى: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}سورة يس: الآية 83 ، فالعبد ينبغي في سؤاله الله تعالى أن يستحضر قضيتين:
القضية الأولى: أنك تسأل الربَّ الغنيَّ، الذي لو أعطى كل سائل مسألتَهُ ما نقص ذلك من ملكه شيئًا.
القضية الثانية: ألَّا يغيب عنك أثناء الدعاء والسؤال أن الله على كل شيء قدير، وهذا يعطيك الطمع في أن يلبِّي الله تعالى سؤالك مهما كان هذا السؤال مُستَبعدًا أو غريبًا بالنسبة إليك، فإن الله على كل شيء قدير.
ولكن لا يعني هذا أن تسأل محالًا، فمثلًا الذي يقول: اللهم إني أسألك أن تجعل القمر في يَدٍ، والشمس في يد! فهذا سأل أمرًا مستحيلًا قدرًا وكونًا، ولذلك كان هذا النوع من السؤال من التعدي في الدعاء، وليس معنى ذلك أن الله ليس على كل شيء قدير، بل الله على كل شيء قدير، لكن جرت سُنَّة الله سبحانه وتعالى في الكون على أمور لا تُخرَم، وكذلك مَن يقول: اللهم إني أسألك الخلد! فهذا أيضًا من التعدي في الدعاء، مع أن الله على كل شيء قدير.
والمقصود أنه ينبغي للداعي أن يستحضر أن الله على كل شيء قدير، وأنه سبحانه الغني الحميد، ثم ليسأل ما شاء، ما دام السؤال لا يتضمن محظورًا شرعيًّا، ولا مخالفةَ أمرٍ قدريٍّ كوني.
ويجوز أن يسأل لله الغنى، أما التحديدات فالذي أقترحه ألا يدخُل الإنسان في التحديدات، فمن الذي يدري أين الصالح؟! فَرُبَّ شخص فقير اغتنى فكان الغنى شرًّا عليه، ورب غني كان الفقر خيرًا له، فلذلك ينبغي ألا يسأل الإنسان شيئًا محددًا، بل يفوض الأمر إلى الله.
وأنا أنصح إخواني أن يستحضروا في الدعاء ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يردِّدُه ويُكثِر منه، كما في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: كان أكثرَ دعاءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ»رواه البخاري (6389)، ومسلم (2690).، فهذا دعاء يجمع خير الدنيا وخير الآخرة، فحسنةُ الدنيا هي ما تحسن بها حالك في الدنيا، وحسنة الآخرة هي ما تحسن بها حالك في الآخرة، بذلك تكون فوضت التحديد لله تعالى، الذي يعلم ما يصلح لك، وما يكون فيه الخير لك، ولا يعني هذا ألَّا يسأل الإنسان مسائل خاصة، بل يجوز أن يسأل مسائل خاصة، لكن الأفضل للعبد أن يفوض الأمر لله تعالى.
وننبِّهُ هنا إلى أن بعض الناس يقول: إنه لا ينبغي سؤال الله تعالى أمور الدنيا، بل يقتصر على أمور الآخرة فقط! وهذا غلط، بل الله يُسألُ خيرَ الدنيا وخير الآخرة، والدليل من القرآن أن أهل الإيمان يقولون: {رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}سورة البقرة: الآية 201 ، وسبق حديث أنس رضي الله عنه أن هذا كان أكثر دعاء النبي صل الله وعليه وسلم.
وصحَّ عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "سَلُوا اللهَ كلَّ شيءٍ، حتى الشِّسْع؛ فإنَّ اللهَ إن لم ييسِّرْه لم يتيسَّرْ"رواه أبو يعلى في مسنده (4560)، وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (1363): وهذا سند موقوف جيد، والشسع الخيط الذي يُربَطُ به النعل، وكان السلف يسألون الدقيق من الحوائج من أمر الدنيا، والله تعالى بيده الدنيا والآخرة، فليسأل الإنسان ربَّه من خير الدنيا ومن خير الآخرة، لكن لا يسرِف بالسؤال بأمور الدنيا، بل ينبغي أن تكون رغبته العظمى فيما يتعلق بالفضائل والخيرات الدائمة الباقية في الآخرة، ويسأل أعلى ما يكون من خير الآخرة، ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ»رواه البخاري (2790)، وهذا أعلى منازل الجنة، وهكذا ينبغي أن يكون الإنسان طموحًا في سؤاله لأعلى المنازل، أما ما يتعلق بأمر الدنيا، فيسأل الله تعالى أن ييسِّرَ له الخير، ويغنيَه من فضله، هذا أفضل مِن أن يحدِّدَ تحديداتٍ مِن الممكن أن تكون شرًّا له.
ثم الدعاءُ في نفسه عبادةٌ؛ لأنَّه ذلٌّ وانكسارٌ بين يدي الله تعالى، ولذلك جاء في السنن من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه ويروى من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ»رواه الترمذي (3571)، والطبراني في المعجم الكبير (10088)، والأوسط (5169)، وأشارا إلى ضعفه، وانظر: السلسلة الضعيفة (492)، وجاء في المسند وسنن الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ»رواه أحمد (9701)، والترمذي (3373)، وقال: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وصححه الحاكم (1807)، وانظر: السلسلة الصحيحة للألباني (2654)، وقد قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)سورة غافر: الآية 60 ، فالدعاء هو الصلة بين العبد وربه، وهو خضوع لله تعالى، وذلٌّ وانكسار بين يديه، وليس هناك طريق يفوزُ به العبد بعطايا لا حدود لها أفضل من هذا الطريق، والله أعلم.