السؤال:
ما معنى الآية: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}سورة هود : الآية 114 ؟
الجواب:
قال الله جل وعلا: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ}سورة هود : الآية 114 طرفَا النهار هما الفجر والعصر، وزلفَا الليل: المغرب والعشاء، فأمر الله تعالى بإقامة المكتوبات، ثم أخبر أن ثواب ذلك (أن الحسنات) جمع حسنة، وهي كل عمل صالح يُطلَب ثوابه عند رب العالمين، في القول، أو في الاعتقاد، أو في العمل، فمحبة الخير للناس حسنة، والتسبيح حسنة، والصلاة حسنة، وإطعام المساكين والفقراء حسنة، والابتسامة في وجه أخيك حسنة، كل هذه الحسنات سواء كانت واجبةً أو مستحبةً، فإنها مندرجة في قول الله عز وجل: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}سورة هود: الآية 114 ، أي: يُذهِبْنَ أثرها وعقوبتها، ويذهبن أيضًا في الدنيا ما يكون من آثار المعاصي وشؤمها، ولهذا جاء في حديث الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى اثنين من أصحابه أبا ذر ومعاذًا -رضي الله عنهما- فقال لكل واحد منهما: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا»حديث أبي ذر رضي الله عنه أخرجه أحمد (21354)، والترمذي (1987) وقال: حديث حسن صحيح، وحديث معاذ رضي الله عنه أخرجه أحمد (22059)، وانظر: جامع العلوم والحكم (1/395) أي: تُزيلُها.
ثمَّ إن من الحسنات ما يمحو السيئة بالكلية، ومنها ما يمحو السيئات الصغائر، فمثلًا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ، إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ»رواه مسلم (233) عن أبي هريرة رضي الله عنه،فهذه كفَّارةٌ يومية، وأسبوعية، وسنوية، وهناك حسنة تهدم كل سيئة يستطيع الإنسان أن يأتي بها في أيِّ ساعة من ليل أو نهار، وهي أن يتوب إلى الله عز وجل، فالتوبة تهدِمُ ما كان قبلها، كما في السنن من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ»رواه ابن ماجه (4250) عن ابن مسعود رضي الله عنه، وحسَّنه ابن حجر لشواهدِه، كما نقله عنه السخاوي في المقاصد الحسنة (313)، وهذا معناه يزول عنه الذنب ويُمْحَى من صحيفته، ولا يُسأَل عنه، فلذلك ينبغي أن يبادر المؤمن إلى الاستكثار من الحسنات، وإذا أخطأ فليبادر بالتوبة، فهي أعظم الحسنات الماحية، ثم يتمُّ توبته بأن يكثِر من الأعمال الصالحة التي تُرَجِّحُ كِفَّة حسناته -فيما لو لم تقبل توبته- فتنغمر تلك السيئة في الحسنات الكثيرة التي مَنَّ الله تعالى بها.
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى تطبيقيًّا، كما في الصحيح أن رجلًا قال: يا رسول الله إني أصبت امرأة في أطراف المدينة، فأتيت منها كل شيء، من تقبيل وضم وما إلى ذلك، إلا ما يأتي الرجل امرأته، يعني: لم يجامعها، فها أنا ذا، فاقضِ فيّ ما ترى. يعني إذا كان هناك عقوبة فأنزلها عليّ، بقي الرجل لحظة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم لم يجبْه، فلما شقَّ عليه انصرف، فقال لما انصرف: أين السائل؟ فذهبوا في أثره، فاستدعوه ثم لما جاء قرأ عليه قول الله عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}سورة هود : الآية 114 ، قال: يا رسول الله، أهذا لي خاصة، قال: «بَلْ لِلْأُمَّةِ عَامَّةً»رواه البخاري (526)، ومسلم (2763) عن ابن مسعود رضي الله عنه، ولهذا على المؤمن أن يجتهد ويجد في الأعمال الصالحة، وأن يستكثر منها؛ فإن كل حسنة تمحو ما يكون من سيئة، لا سيما إذا صدَق مع الله، وأضاف إلى الحسنات توبة إلى الله؛ فإن التوبة أعظم حسنة تمحو السيئة.