السؤال:
قوله تعالى: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ}سورة يوسف: الآية 46 ، ما المقصود بأفتنا؟
الجواب:
الفتوى في اللغة هي البيان والإيضاح لأمر مشكل، فقول الرجل ليوسف عليه السلام: {أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ} معناه: بيِّن لنا شأنها، وهذا يدل على شرف مكانة تعبير الرؤى، وأنها مكانة كبيرة، ينبغي للإنسان أن يتقي الله تعالى فيها، ويستدل بهذا بعض أهل العلم على أن تفسير الرؤى من الفتاوى، وهي في الحقيقة كذلك؛ لأنها بيان لأمر ملتبس، فالرؤى والأحلام غالبًا تتضمن إشارات وإيماءات إلى معانٍ، لا يكتشفها ولا يقف عليها كل واحد، إنما تحتاج إلى بصر نافذ، وإلى نور من الله تعالى، فلهذا ينبغي لمن يتكلم في تعبير الرؤى أن يستحضر هذا المعنى، لا كما يفعله بعض الناس كلما طلب منه تعبير حلم قال: سيأتيك خير، سيحصل لك كذا، دون أن يكون مستندًا إلى معرفة وعلم، وهذا خلاف النصيحة للناس، والله تعالى يقول: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}سورة الإسراء: الآية 36. ، سواء ذلك فيما يتصل بالرؤى والأحلام، أو كان ذلك في سائر الأمور والشئون، ينبغي للإنسان أن يتحرى، وأن لا يتكلم بما لا يعلم.
ولا يلزم أن يكون من يتكلم في تعبير الرؤى عالمًا شرعيًّا، إنما يلزم أن يكون ذا معرفة وفراسة، وإدراك لدلالات المعاني، ودلالات المرائي الموجودة في الرؤيا، وكذلك حال الرائي، ولذلك كثير من التعبير الذي يحصل الآن عبر وسائل الإعلام ـ سواء كانت مرئية أو مسموعة أو مقروءة ـ غير مطابق للواقع؛ لأنهم لا يعتبرون حال الرائي، مع أنه مؤثر جدًّا، ولذلك تجد أن شخصين يريان أمرًا واحدًا، والتعبير مختلف، كما نُقل عن ابن سيرين أنه جاءه رجل فقال: رأيت كأني أؤذن، فقال: تحج، وأتاه آخر فقال: رأيت كأني أؤذن، فقال: تقطع يداك! قيل له: كيف فرَّقت بينهما؟! قال: رأيت للأول سيما حسنة فأوَّلت {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}سورة الحج من الآية 27. ، ورأيت للثاني سيما غير صالحة، فأوَّلت {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}سورة يوسف من الآية 70..
وأما ما يفعله بعض المعبرين من سؤال صاحب الرؤيا عن اسم أبيه، أو اسم أمه، ثم يقول: أنت تعمل العمل الفلاني، أو تسكن في البلد الفلاني! بل من غرائب ما سمعت أن بعض المعبرين في بعض اللقاءات جاءته ورقة فيها السؤال عن رؤيا فقال: صاحب هذه الورقة في الصف الخامس على يمين الصف! فما علاقة هذه الأمور بتعبير الرؤيا؟! بل هذا نوع من الكهانة! والواجب أن لا يسأل إلا عن الأشياء التي لها أثر في التعبير.
ثم لا بد أن يعلم أن تعبير الرؤيا أمر ظني وليس أمرًا يقينيًّا، ولهذا لما عبر أبو بكر الصديق ـ وهو أعلم الأمة وأفقهها ـ رؤيا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أصبت بعضًا، وأخطأت بعضًا»رواه البخاري (7046)، ومسلم (2269) عن ابن عباس رضي الله عنهما ، ومعنى هذا أنه لا يمكن لأحد أن يجزم بأن تعبيره وبيانه مطابق للواقع في كل الأحوال، بل قد يصيب أحيانًا، ويخطئ أحيانًا، والله أعلم.