السؤال:
ما هو تفسير قول الله عز وجل: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً...} سورة ص: الآية 23. إلى آخر الآية؟
الجواب:
الذي يبدو لي أن السائل قرأ ما يذكره المفسرون من الإسرائيليات في قصة الذيْن تسورا المحراب على داود عليه السلام وأن أحدهم قال له: إن أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة، فقال: أكفلنيها وعزني في الخطاب. قال: لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرًا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم.. قال الله تعالى: {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ}سورة ص: الآية 24 والكلام في الإسرائيليات كثير وجزء منه لا يمكن أن يكون من نبي؛ لأن الأنبياء منزهون عن الخيانة، منزهون عن الخديعة، وهذه القصص تلصق بالأنبياء ألوانًا من الأوصاف التي لا تليق بعامة المؤمنين فضلًا عن الأنبياء الذين لهم من المقام والمكانة ما ذكر الله تعالى في كتابه؛ عليهم صلوات الله وسلامه. فمثل هذا ينبغي أن يُضرب عنه صفحًا، ولا ينظر إليه ولا يحتفى به؛ لأنه مما يخالف ما نعتقده في الأنبياء؛ أنهم منزهون عن مثل هذه الخيانات وعن الكذب وما أشبه ذلك من الأمور التي لا يمكن أن تتفق مع مقام النبوة.
الإشكال أن بعض المفسرين ينقلون مثل هذه القصص، لكنهم يكتفون بذكر الأسانيد ولا يحكمون عليها؛ لأنهم كانوا يرون أن ذكر الإسناد يكفي في العهدة. وهذا في الحقيقة كان في زمن يعرف فيه الناس الرجال والأسانيد، على عكس الناس في زماننا، فلابد من البيان والإيضاح.
وعلى كلٍّ؛ فالإسرائيليات ما كان منها معارضًا لما جاءت به النصوص فينبغي أن يكذَّب ويُترك. وما كان موافقًا نأخذ به؛ لأنه موافق لما في كتابنا. وما لم يوافق ولم يعارض - وهذا على نطاق واسع في أخبار بني إسرائيل - فإنه مندرج في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ» أخرجه البخاري (3461) ، فيُحدَّث ولكن لا يُصدَّق ولا يُكذَّب. والصحيح في هذه القصة أن الله عز وجل نبَّه داود عليه السلام إلى أمر بهذه الحادثة، فاستغفر ربه وخَرَّ راكعًا وأناب. والظاهر - والله أعلم - من سياق الآيات أن داود اعتزل في وقتٍ الناس يحتاجون إليه، وفيهم حاجة إلى أن يبرز إليهم، فتسوروا المحراب؛ أي: دخلوا عليه بطريقة أفزعته، ليس بطريق معتاد، وعرضوا عليه هذه القضية، فحكم فيها ثم استغفر ربه على تقصيره؛ ولذلك جاء في الآية التي بعدها: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى}سورة ص: الآية 26 ، فالتعقيب بهذا بعد القصة والاستغفار فيه إشارة إلى أن ما نبه إليه داود هو اعتزاله عن الناس واشتغاله بعبادة خاصة عن إدارة شئون الناس وقد جعله الله ملكًا يحكم ويدبر شئون الناس، فاعتزاله في هذا المقام هو من التقصير فيما وكل إليه من مقتضى الخلافة. ولا ينبغي أن يقال: إن في هذا إشارة إلى أن داود عليه السلام بعث رجلاً كان من جنده وله زوجة أعجبته، ورتَّب لقتله... إلى آخر هذا الكلام الذي لا يليق بعامة الناس من أهل الإيمان فضلًا عن الأنبياء، فينبغي أن يُعرض عن هذا.