السؤال:
ما تفسير قول الله عز وجل: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}سورة البقرة الآية 284؟
الجواب:
هذه الآية العظيمة في خواتيم سورة البقرة: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}سورة البقرة الآية 284، أول ما نزلت شق الأمر على الصحابة رضي الله عنهم، فجاءوا للنبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، كلفنا من الأعمال ما نطيق، الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، ونزلت علينا آية لا نطيقها وهي: أن الله تعالى سيحاسب العباد على ما يدور في قلوبهم وما تحدثت به نفوسهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير»، قالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم، أنزل الله تعالى قوله: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ...}سورة البقرة الآية 285 إلى آخر الآيات، وفيها {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}سورة البقرة الآية 286 ، فجاء التخفيف من رب العالمين، ونسخ حكم الآية السابقة بالآيتين في آخر السورةرواه مسلم (125) عن أبي هريرة رضى الله عنه.، وجاء تأكيد هذا النسخ بما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم»البخاري (5269)، ومسلم (127)، فلا بد من ترجمة ما يدور في الخاطر حتى يحاسب به الإنسان، لكن معلوم أن ما يقوم في القلب ليس أمرًا واحدًا، هناك أعمال ربما لا تترجم أعمالاً، لكن إذا سكنت في القلب واستقرت فيه فعند ذلك يحاسب عليها، فإذا فكر بزلة أو دار في خياله مخالفة، ثم عدل عنها، فهذا لا يحاسب عليه الإنسان، ولكن يحاسب على ما عزم عليه، ولو حيل بينه وبينه.
على أن بعض العلماء كشيخ الإسلام ذهبوا إلى أن الآية أفادت وضع المؤاخذة عما يدور في الخلد، لكنها لا تنفي المحاسبة، وهو عرض هذه الأشياء على الإنسان، فهذه ستكون، ولذلك ينبغي للإنسان أن يكون مراقبًا لخواطره وأفكاره؛ لأنها ستعرض عليه، لكنه لا يأثم إلا إن تكلم أو عمل، والله أعلم.