المقدم: صاحب الفضيلة حديثنا في مستهل هذه الحلقة سيكون حديثا استثنائيًا إن صح التعبير يعني بعد ما طالعتنا إحدى الصحف اليوم الكل شاهد وقرأ واطلع وتناقل الناس مقالا ـ يا شيخ ـ مقززًا إن صح التعبير تشمئز منه النفوس يعني هو مقال فيه تزلف مقيت، فيه جرأة، يعني هو الكاتب تحدث عن خادم الحرمين الشريفين، وكلنا نجمع على محبته وعلى جهوده وعلى ما يقوم به وما ذكره عنه أو بعض ما ذكره هو لا يقره عليه خادم الحرمين نجزم بهذا ونعرفه يقينًا ـ يا شيخ ـ عندنا قام هو وذكره بأنه تميّز بعمق الرؤية ووضوح في المواقف هذا أمر يتفق عليه الجميع؛ لكن عندما قال ـ يا شيخ ـ : وإبصار ما كان وما هو كائن وما هو سيكون، كلنا نعلم أنه لا يعلم الغيب إلا الله ما تعليقكم حفظكم الله؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.
فالصلاة على التوفيق والسداد في الجواب وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح فيما يتعلق بهذه الكلمات التي يطلق بعضها في ثناء الناس على ملوكهم وأمرائهم ورؤسائهم.
فالحقيقة أنه يحصل في كثير من هذه الإطلاقات تجاوزات لا تليق ولا يقرها دين ولا عقل ولا واقع ولا أيضًا من قيل فيهم ذلك أيضًا قد لا يقر مثل هذه الكلمات.
النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-سمع رجلًا كما في الصحيحين من حديث أبي بردة عن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال سمع رسول الله –صلى الله عليه وسلم-رجل يثني على رجل ويطريه في المدح فقال له –صلى الله عليه وسلم-: «أهْلَكْتُمْ، أوْ: قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ»صحيح البخاري (2663)، وصحيح مسلم (3001) على أنه كان يثني عليه بما هو مقبول من صفات البشر فكان –صلى الله عليه وسلم-يحذر من الإسراف في المدح، ويعد ذلك قطعًا لظهر الرجل بمعنى قطع لظهر الرجل أي: إصابة بليغة لأنه إذا قطع ظهر الرجل انقطع سعيه وكف عمله ولم يكن منه نتاج لماذا؟ لأن المدح والإسراف فيه يفضي إلى الاضطرار ويوقع في سيء الظن بالنفس والإعجاب ورؤية العمل حتى يعمل الإنسان عن مزيد تقدم، كما أنه يصيب الإنسان بالعجب الذي يحبط العمل، وقد يدعو إلى التسميع بالعمل، فيكون ذلك مما يدخل في كبائر الذنوب «من سَمَّع سَمَّع اللهُ به»صحيح البخاري (6499)، وصحيح مسلم (2986).
فالمدح والإسراف فيه حتى فيما إذا كان ذلك في الصفات البشرية هو مما جاء ذمه والنهي عنه، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه أن رجلًا جاء إلى عثمان بن عفان الخليفة الراشد ـ رضي الله عنه ـ فأثنى عليه، فقام المقداد بن الأسود، وكان رجلًا ضخمًا فجثى على ركبتيه، وأخذ من الحصبة التي في المكان الذي كان فيه وجعل يحثو في وجه الرجل بين يدي عثمان ـ رضي الله عنه ـ وهو من بشره الله بالجنة، وهو الذي تستحيي منه الملائكة ـ رضي الله عنه ـ وهو الذي قال فيه النبي –صلى الله عليه وسلم-«ما ضرَّ عثمانَ ما عمل بعد اليومِ»سنن الترمذي (3701) لما جهز جيش العسرة ـ رضي الله عنه ـ وهو خير الأمة بعد النبي –صلى الله عليه وسلم-بعد أبي بكر وعمر.
ومع ذلك أنكر المقداد بن أسود ـ رضي الله عنه ـ بهذه الطريقة فقال له عثمان: ما بالك؟ يعني ما شأنك لما تصنع هذا؟ فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-«احْثُوا في وُجوِه المَدَّاحينَ التُّرابَ»صحيح مسلم (3002) وهذا تطبيق عملي لكف أن يتزلف إلى من له ولاية أو سلطة بكثرة المديح الذي يوقعه في الإسراف، ويوقعه في مدح بما ليس فيه، هذا إذا كانت في الصفات البشرية بأن تمدح من لم يقم بالعمل بعمل لم يقم به، فهذا مدح باطل، فكيف إذا كان المدح مما لا يليق إلا بالله –عز وجل-لا شك أن الأمر يعظم والخطب يكبر والنفوس تشمئز من مثل هذا الذي يكون فيه إسراف.
والنبي –صلى الله عليه وسلم-يقول لأصحابه «لا تُطروني كما أطرتِ النصارى عيسى بنَ مريمَ، وقولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه»صحيح البخاري (3445) فأمر النبي –صلى الله عليه وسلم-بالكف عن إطرائه ومدحه هو بأبي هو وأمي –صلى الله عليه وسلم-وهو أحق من مدح وأثني عليه من البشر، ذاك أن المدح فيه من المزار على السامعين، والمزار على القائل وقد يكون هناك مزار على المقول فيه إذا كان يسمع ذلك وبحضرته ما ينبغي أن تكف الألسن عن الإسراف فيه.
لهذا من الواجب أن يقتصد الناس في المدح في الجملة حتى في مدح من فيه هذه الصفات والخصال الاقتصاد في المدح منقبة، واليوم الناس يتسارعون إلى من يمدحهم، ويتسابقون إلى من يثني عليهم، ولا يفرقون بين أن يكون هذا فيهم أو أن يكون هذا ليس فيهم، لكن فيما ذكرت من هذه المقالة التي أشرت إليها المدح تجاوز الحدود؛ حيث جعل ما لله –عز وجل-للبشر طبعا هذه الجملة إبصار ما كان وما يكون وما سيكون هي جملة قد يفسرها من يفسرها بمعنى يمكن أن يكون مقبول في مثل مثلا أن يقال إبصار ما كان مما علمه يحتاج إلى تقييد لكن هكذا الإطلاق هذا لا يليق إلا بالله عز وجل.
ولذلك كل التبريرات التي تقال في توجيه هذا الكلام وأنه هذا الكلام مقبول يعني يقال لو كان مقبولًا لكان لابد له من تقييد تقييدات إذا كان في الماضي والحاضر وما سيكون في المستقبل هذا يعني أيضًا لا يمكن أن يفهم إذا كان الإبصار بمعنى العلم، فهذا لا يعلمه إلا الله –عز وجل-وأما إذا كان الإبصار بمعنى الفهم، فهذا أيضًا لا يجزم به أحد؛ لأنه قد يأتي على الإنسان ما لا يستطيع أن يفهمه أو أن يدركه، وهذه حال البشر في كل مستوياتهم وطبقاتهم، لذلك أنا لا أشك أن هذه العبارة عبارة ينبغي أن تمحى ولا يجوز أن تقال في حق البشر مهما بلغوا، يعني لو قالها أحد في مقام النبي –صلى الله عليه وسلم-لقيل له قد غلوت وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-في ما وجه الأمة إليه «لا تُطروني كما أطرتِ النصارى عيسى بنَ مريمَ»صحيح البخاري (3445) مع كونه –صلى الله عليه وسلم-قد فتح له من معرفة المستقبل والعلم به ما فتح؛ لكنه –صلى الله عليه وسلم-لا يجوز أن يقال فيه مثل هذا الإطلاق، فإذا كان لا يجوز أن يقال في الممدود بالوحي من السماء، فلا يجوز أن يقال في غيره مهما بلغ فطنة وفهمًا وعلمًا وإدراكًا وإحاطة البشر لا يصح أن يوصفوا بهذا الوصف.
ولهذا نقول: مثل هذه العبارة يعني هي عبارة يعني أنا لا أريد أن أتكلم عن القائل، لأن القائل لا تدري ما هي الظروف التي قالها فيها أو عنده إحاطة هناك فرق بين القائل وبين القول، هناك فرق بين الجملة وبين قائلها ينبغي أن نوجد مسافة بين هذين؛ لكن هذه الكلمة لا يصح إطلاقها في وصف بشر كائن من كان ذاك أنها لا تليق إلا بالله ـ عز وجل ـ على وجه الإطلاق ومهما قيل في التأويلات، فهي تأويلات لابد فيها من تقييدات وليست تأويلات تفهم من إطلاق هذه الكلمة.
وأنا ادعو الصحف الحقيقة الصحف تحتاج إلى أن تكون لجان تراقب وتدقق في مثل هذه الجوانب، أما أن يطلق الأمر هكذا دون أن يكون هناك حسيب ولا رقيب ولا مراجعة، وتمضي المسألة تلو المسألة والقضية تلو القضية دون أن يعني تحاسب هذه الجريدة بأي نوع من المحاسبة التي تطمئن بها النفوس، يعني أنا أقول الجرائد توقف عندما تخطئ في حق مسئول وتوقف إذا أخطأت في حق دولة وإذا خالفت السياسة العامة يعني هناك مخالفات تقتضي ما تقتضيه المصلحة من إيقاف هذه المجلات أو هؤلاء الكتاب أو تقدم اعتذار.
يا أخي في حق الله وفي حق النبي –صلى الله عليه وسلم-وفي حق الدين وفي حق الشريعة الأمر أعظم وأكبر هذا أعظم ما نحافظ عليه وأعظم ما يميز هذه البلاد المباركة هو ما فيها من ديانة، وما فيها من علم، وما فيها من هداية للبشرية كلها حق هذه البلاد أن تكون صحفها مميزة، وأنا اجزم يقينًا أن خادم الحرمين لا يرضى بهذه العبارة وذاك أنه إذا كان لا يرضى بما دون ذلك من تقبيل اليد، وينهى الناس عن تقبيل اليد ـ وفقه الله ـ وأيضًا توقف عند بعض العبارات وقال: هذه لا تصلح ملك القلوب مثلا اذكر كان له موقف من ملك القلوب وقال: هذه لا تصلح وهو صادق هذه لا تصلح إلا لله –عز وجل-هو ملك الملوك ـ جل في علاه ـ يملك الظاهر والباطن سبحانه وبحمده.
فينبغي كبح جماح هذه الصحف التي لا تراعي مثل هذه الضوابط، وتظن أنه هذا بما أنه يعني يمكن أن يمشي الكلام هذا ما في مشكلة انشره لا يا أخي يجب الوقوف عند الكلمات ومحاسبة الجريدة القائل طبعا هذا ليس إغلاقًا لباب التوبة، يعني قد يخطئ الإنسان ويقول: كلامًا عن خطأ عن جهل عن سهو عن عدم علم لا بأس يعني المسألة قريبة؛ لكن الكلام على أنه لابد من إظهار اعتذار، أو نوع من التراجع عن مثل هذه العبارات سواء من الكاتب أو من الصحيفة، وأتوقع أن الكاتب سيكتب شيء يبين أنه جازف في استعمال عبارة لا تليق إلا بالله –عز وجل-والموضوع ينتهي في حدود هذه المعالجة إذا كان هذا في حق الكاتب، أما في حق الجريدة، الجريدة أنا أقول لابد من محاسبة من أذن بنشر مثل هذا المقال، لابد من محاسبته والاعتذار عن مثل هذا لأن هذا مما تطمئن به النفوس؛ لأن فعلا أنت ما ذكرت من أنه حصل لغط وكثرة تداول حتى يعني خطاب للشيخ صالح الفوزان ـ وفقه الله ـ في كلمات نيرات علق على هذا العنوان وأبدي ما فيه من ملاحظة، يعني نشر قبل أن يطبع بقلم الشيخ –وفقه الله وحفظه ـ وشاع وانتشر في وسائل التواصل بين الناس مما يدل على أن القضية يعني أثرت ولها صدى يجب أن يراعى الناس وأن تطمن نفوسهم بأن يقال المخطئ أخطأت، وأنا أقول مثل هذه المعالجة تقطع الطريق على أولئك الذين قد يتمادون في القول بأكثر من هذا من أمور قد لا تحمد عقابها وليست حسنة في حق إما تكفير أشخاص أو إتهام يعني ما إلى ذلك من الأشياء التي قد يعني يحمل الحماس بعض الناس على ممارستها بوجه يمكن قطعه ببيان الموقف الشرعي بوضوح وجلاء ومعالجة أمر وفق هذا.
أسأل الله الهداية وأن يرزقنا السداد في القول وأنا أقول لكل مؤمن ومؤمنة أن يحذر هذا فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «كف عليك هذا» وأنا أقول كف عليك هذا وكف عليك هذا، فالنبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «إنَّ العبدَ لَيتكلَّمُ بالكلمةِ ينزِلُ بها في النَّارِ أبعدَ ما بيْنَ المشرقِ والمغربِ» صحيح مسلم (2988) وقال لمعاذ: «قلتُ يا رسولَ اللهِ أنؤاخذُ بكلِّ ما نتكلمُ به فقالَ ثَكِلتْك أمُّك يا معاذُ بنَ جبلٍ وهل يكُبُّ الناسَ على مناخرِهم في جهنمَ إلا حصائدُ ألسنتِهم»سنن الترمذي (2616) أسأل الله الهداية للجميع، وأن يعيذنا وإياكم من ذلل القول والعمل، وأن يوفقنا إلى الصواب والهدى، وأن يجعلنا على التقوى والصلاح، وأن يعيذنا من نزغات الشياطين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
المقدم: أحسن الله إليكم يا شيخ وجزاكم خيرًا.