المقدم:الأخ حسن عسيري يسأل عن كيفية يقول: كيف يمكن للإنسان ويسأله عن الثبات على هذا الدين مع كثرة هذه الفتن التي تحيط بنا ـ يا شيخ ـ من كل جانب؟ ما الذي يعين الإنسان على ذلك؟
الشيخ:أعظم ما يعين الإنسان على الثبات هو خشيته على نفسه من الهلاك، فإن الإنسان إذا فطن بقلب، وعلم خطورة الغفلة عن الطاعة والإحسان والغفلة عن القلب كان ذلك من أسباب حرصه على استمساكه بما معه من خير، عجبًا لتمثيل أحد الإخوان كنت معه في الطائرة لا أعرفه إنما وافقته في الطائرة فقال لي: الواحد منا في هذه الأيام كالذي يمسك مصباحًا يخشى أن يؤخذ منه، هكذا نحن في استقامتنا كالذي معه كشاف في ليلة ظلماء، كيف سيكون حرصه على هذا المصباح الذي يضيء له في هذه الظلماء؟
سيستمسك به، وسيوفره، ولا يبدده بالنظر في أشياء تافهة بأنه هذا سبب نجاته من هذه المعاطب التي تحيط به في هذه الصحراء. كذلك الإنسان في هدايته وإيمانه وتقواه، هذا الإيمان نور والتقوى نور في القلب، سببها الإقبال على الله ـ عز وجل ـ ومحبته وتعظيمه، فإذا حرص على هذا النور واستمسك به كان ذلك من دواعي بقائه على الحق، وثباته، وحرصه على أن يجنب نفسه كل ما يمكن أن يحرفه عن الجادة.
الإنسان يسير في هذه الدنيا لكن لا يدري ما تكون عليه عاقبته إنما الأعمال بالخواتيم، فينبغي له أن يحرص على أن تكون خاتمته حسنة، الخاتمة الحسنة ليست خبطة عشواء إنما هي نتيجة مقدمات من الخوف، من الانحراف، الحرص على الطاعة، البدل لأسباب الهدلاية، اجتناب كل ما يمكن أن يحرفه أو أن يبعده عن الصراط المستقيم، هذه الأمور ينبغي أن تكون في بال المؤمن وأن يحرص عليها.
هم الاستقامة، هم الثبات هو من أكبر ضمانات البقاء على الحق، النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: «اللهم يا مقلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلبِي على دينِك»سنن الترمذي (2140)كما في الترمذي، وفي صحيح مسلم كان أكثر أيمان النبي صلى الله عليه وسلم: مصرف القلوب، وكان يقول: «يا مُصَرِّفَ القُلوبِ ثَبِّتْ قلبِي على طاعتِك»صحيح مسلم (2654)، في يمينه يقول: يا مصرف القلوب، وفي خبره، وفي دعائه يقول: اللهم يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك.
فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فمن أشاء قام ومن أشاء خذل، أقام أي حفظه وحفظ إيمانه وهذا لابد أن يكون بأسباب، من أسبابه الدعاء، من أسبابه كثرة الذكر، من أسبابه المحافظة على الواجبات، من أسبابه القيام بحقوق الله ـ عز وجل ـ وحقوق الخلق، من أسبابه الخوف من الضلال، ومن أسبابه البعد عن كل ما يضله من صاحب أو سماع أو مشاهدة، كل هذا ينبغي أن يحرص عليه المؤمن.
إذا حرص على هذا فإنه يحفظ إيمانه، الإيمان غالي في غاية الارتفاع في القيمة والعلو عند أصحاب البصائر، ولذلك خير ما للمسلم في آخر الزمان غنم يتبع بها شعف الجبال، رؤوس الجبال، لماذا؟
ليفروا بدينهم من الفتن، يفر بدينه، وها تصور كيف هذا الذي خرج وترك الناس، وترك كل هذه المحبوبات والملهيات خوفًا على نفسه من الهلاك. طبعًا نحن لا نقول للناس: يلا عليكم بالجبال، أقول: أنا أريد أن أبين أنه الخوف على الإيمان قد يحمل الإنسان على هذه الحال التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم عندما تشتد الفتن، ويفسد الزمان فسادًا لا يكون معه صلاح إلا بالفرار بهذه الصورة التي ذكرها صلى الله عليه وسلم: «يُوشِكُ أنْ يَكونَ خَيْرَ مالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بها شَعَفَ الجِبالِ ومَواقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ»صحيح البخاري (19)، المؤمن مبتلى في إنفراده وفي اجتماعه، الفتنة لا يسلم منها أحد، ليس هناك والله أحد سالم من الفتنة كلنا مبتلى ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾[الملك:2]، ﴿بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾[الأنبياء:35].
فالبلاء عام للجميع كلنا في اختبار وامتحان، لكن منا من يفطن فتجده يسابق إلى طاعة الله عز وجل ويحرص على النجاة من المهالك، وإذا وقع في خطأ وكلنا ذو خطأ ما منا أحد إلا ويخطأ تجده يفزع إلى ربه ويقول: رب أغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم، يكثر من الاستغفار، يكثر من ذكر الله عز وجل، يكثر من الإقبال عليه، الإطراح بين يديه يقول: يا ربي أشكو إليك نفسي غلبتني، وأوقعتني في المهالك، لا يهلك مثل هذا، مثل هذا لا يهلك، ينجو لأنه مقبل على الله عز وجل.
لكن الذي تجده يتبع السيئة أخرى، ويغفل عن الإيمان، ويبخس حقوق الله، ويبخس حقوق الخلق، ولا يبالي، ولا يستغفر ولا يطلب من الله العتبى، فإنه لابد أن تدركه هذه السيئات فتوقعه في سوء الخاتمة، ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾[الأعراف:99]، أسأل الله أن يصلح القلوب، وأن يعيننا على طاعته، وأن يرزقنا الثبات على الحق، اللهم ثبتنا بالقول الثابت حتى نلقاك على ما ترضى وما تحب يا ذا الجلال والإكرام.
المقدم:اللهم آمين، جزيتم خير يا شيخ.