المقدم: مجموعة من الإخوة يا شيخ يستفسرون، ويسألون عن حكم مصادرة كما يقولون بعض مسؤولي الجهات لجهودهم، يقولون هم يستغلون بعض الموظفين ويجعلونهم مطية لهم، تجدهم يصادرون هذه الجهود وينسبونها لهم يا شيخ، وهم المستفيد الأول يقولون: يعني هل من نصيحة لهم؟ هل هذا المال الذين هم يأخذونه مقابل هذا العمل الذي من المفترض أن يقوموا به وقام به غيرهم يعد أيضًا مالًا حلالًا لهم يا شيخ وليس حرامًا؟ ما توجهيك لهم حفظك الله؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.
فيما يتعلق بالإدارة هي مسئولية يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-بل يقول الله ـ تعالى ـ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾[النساء: 58] فأمر الله بأداء الأمانات والأمانات تشمل كل الحقوق والواجبات التي أؤتمن على الإنسان فيما يتعلق بحق الله ـ تعالى ـأو فيما يتعلق بحق الخلق، وفي الصحيح من حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ»صحيح البخاري (893)، وصحيح مسلم (1829) فحق على من تولى شيئًا من أمور الناس أن يتق الله ـ تعالى ـ في هذه الولاية وأن يعلم أنه محاسب ومسئول، وقد جاء أحاديث كثيرة في بيان خطورة الولاية سواء كانت صغيرة أو كانت كبيرة لأن بعض الناس لا يفهم من أحد التحذير والتأكيد على وجوب حفظ الولاية إلا فيما يتعلق بالولاية الكبرى الولاية العظمى، وهذا غلط لأن الولاية تشمل ما يتولاه الإنسان «كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ» فلا يخلو الإنسان من نوع ولاية يسأل عنها كل من زاد ذاك كان ذلك أكبر في المساءلة وأكبر في الحقوق التي تجب عليه.
فيما يتعلق بولاية الإنسان على ناس يعمل معهم يدير أعمالهم يرتب وظائفهم هذا نوع من الولاية وحق هذه الولاية أن يعطي كل ذي حق حقه بالتأكيد إن الإنجاز في الأعمال غالبًا يكون جماعيًا لا ينسب لواحد، لكن ليس من الحق ولا من العدل ولا من المروءة أن يصادر جهد شخص وينسب إلى نفسه، وهذا يحصل مثل ما ذكر الأخ أن رئيس الدائرة أو مدير القسم أو المسئول عن العمل أو الوزير أو اختلاف المراتب قد ينسب إلى نفسه شيئًا من العمل لم يكن من جهده بل كان من جهده غيره، بالتأكيد أن الإدارة لها أثر، لكن الإدارة لا تستأثر بالإنجاز ولو قدم هذا على أنه إنجاز منه ومن فريقه ومن مجموعته وأعاد الفضل إلى الجميع أو على الأقل إلى من هو أهله، فهذا لا بأس به وإن هو بالتأكيد ستكون له بصمة بحكم أنه مشرف ورئيس لهذه الدائرة لكن أن يلغي الجميع، وأن يقول هذا إنتاجي وهذا من صدر عني سواء كان ذلك في إنتاج مهني أو إنتاج تنموي أو إنتاج علمي حتى في الكتب والمؤلفات بعض الباحثين يكلف مجموعة من الكتبة يكتبون من الباحثين يكتبون ما شاءوا ثم بعد ذلك يقوم بصفه وترتيبه بنحو معين أو في بعض الأحيان يطلع عليه فقط ثم يصدر اسمه على هذا الكتاب.
لا شك أن هذا من التشبع بما لم يعطي وإذا كان تشبع المرأة في نطاق ضيق عند زوجها بما ليس فيها هو من موجبات الذم ففي الصحيح قال –صلى الله عليه وسلم-كما جاء في حديث أسماء «المُتَشَبِّعُ بما لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ»صحيح البخاري (5219)، وصحيح مسلم (2129) أي الذي يتشبع بشيء ليس من كسبه ولا من عمله ليظهر على أنه منه كلابس ثوبي زور أي كذب وتضليل وباطل.
وسرعان ما تنقشع هذه الثياب، وسرعان ما يبدو العوار وتنكشف الحقائق، لذلك من المهم أن يتق الإنسان ربه، فهو سيكون ذلًا له في الدنيا قد يجني كسبه، لكنه في النهاية سيعرف أنه ظلم، وأنه بخس الناس حقوقهم، وأنه تشبع بما ليس فيه وبما لن يعطى، وأيضًا في الآخرة هو متوعد بهذا الوعيد الذي ينبئ عن أنه يرد يوم القيامة ليس عليه ثياب؛ لأنه قد لبس ثوب زور، ويجزى به يوم القيامة على هذا الكذب الذي كذبه وضلله هذا في النطاق الضيق الذي جاء فيه الحديث.
لكن الدلالة أوسع من هذا يعني المرأة إذا قالت لضرتها: إن زوجي أعطاني وذهب بي ووادني وجابني وفعل بي كذا وأكرمني وهو لم يفعل ذلك كان كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «المُتَشَبِّعُ بما لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ» فكيف بمن تشبع بإنتاج غيره وألغى دور المجتهدين العاملين حتى لو دفع لهم مكافأة حتى لو أخذوا مكافأة على عملهم لكنه نسب لنفسه هذا العمل فهو كاذب وكفى بالمرء إثمًا أن يكون من جملة الكاذبين فإنه قد قال –صلى الله عليه وسلم-: «ولا يَزالُ الرَّجُلُ يَكذِبُ حتى يُكتَبَ عندَ اللهِ كذَّابًا»صحيح مسلم (2607) فينبغي للمؤمن أن يتقي الله ـ تعالى ـ وأن ينصب الفضل إلى أهله.
المقدم: أحسن الله إليكم يا شيخ وجزاكم خيرًا.