المتصل:كثر الأيام هذه سب العلماء.
المقدم:صاحب الفضيلة الأخ نائف من السعودية، سؤاله الأول بعثت به أختنا وفاء وبعثت به الأخت هدى الحربي وهو إيذاء العلماء والتعرض لهم وسب هؤلاء العلماء وتنقصهم، ما توجيهكم حفظكم الله يا شيخ ونصيحتكم؟
الشيخ:والله يا أخي أنا أنصح نفسي وإخواني بأن نعمل بما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة: «ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُت»صحيح البخاري (6018)،وصحيح مسلم (47)، فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صنف الكلام إلى ثلاثة أصناف:
- أن يكون القول خيرًا فهنا تكلم وقل ما شئت، أن يكون من الخير.
- الثاني أن يكون غير خير وهذا يشمل نوعين: أن يكون محرمًا فهذا يجب الصمت عنه، الثاني أن يكون مباحا لكنه لا خير فيه، ولا شر فيه ففي هذه الحال لو سكت عنه الإنسان كان أولى به وأكمل. فإذا كان القول خير فقله وهنا القول واجب أو مستحب، إذا كان القول شرًا فالواجب الصمت، وإذا كان القول لا خير ولا شر فإنه يُكره الحديث بناء على قوله صلى الله عليه وسلم: «ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُت»صحيح البخاري (6018)،وصحيح مسلم (47)فيكون الأمر بالصمت هنا على وجه الاستحباب، والكلام في هذه الحال مكروه، هذا ما يفيد الحديث.
ما يتعلق بأعراض المؤمنين، أعراض المؤمنين محترمة وهذا لحق ليس لفئة من الناس بل للجميع، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلُّ المسلمِ علَى المسلمِ حرامٌ: عِرضُهُ ومالُهُ ودمُهُ»صحيح مسلم (2564)، والواجب على المؤمن أن يتقي الله في أعراض المسلمين عمومًا، وفي أعراض إخوانه، وفي أعراض والديه وأقاربه إذا كان يتكلم في أقاربه، وبالتأكيد أن عرض الوالد والقريب أعظم من عرض البعيد في الحق، لأنه يكون انتهك أمرين، مثله أنا ذكرت الوالد والقريب، لنتصور أن العالم الذي له علم بالشريعة وهو من حملتها له حق زائد على الوصف العام المشترك، كما أن للوالد حق زائد على الوصف العام المشترك فأهل العلم بالذكر لهم حق زائد على الوصف المشترك، هذا الحق ليس لذواتهم وأشخاصهم إنما لكونهم حملة الشريعة حتى لا يستثار من يقول يعني يتندرون في كلام فيما ينقل عن بعض أهل العلم: لحوم العلماء مسمومة، يقولون: يعين العلماء مسمومون وغيرهم فواكه؟!
لا كل اللحوم مسمومة لكن هناك تفاوت في قدر الضرر الحاصل بالوقيعة في الناس، متى يقع في شخص لا تأثير في الوقيعة فيه هو يعيش لنفسه، ولا أثر له ولا ثمر في المجتمع، ليس كما لو وقعت في شخص الناس يأخذون عنه دينهم، ويكون هناك تأثير في هذه الحال أكبر وأشد. فينبغي أن يُنظر إلى الأمر من هذه الناحية لا من ناحية والله ويعني هي كهنوت، وأن هذه منزلة يعني هي مباح كله، مين قال لك لا تصير عالم!
يا أخي العلم مفتوح، الله ـ تعالى ـ ندبنا إلى العلم ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾[محمد:19]كل من سلك طريق العلم، فإنه يفوز بفضائل العلم والعلماء، هذا ليس حكرًا لأحد «مَن سلَكَ طريقَ علمٍ يتعلَّمهُ سلكَ اللَّهُ بِهِ طريقًا إلى الجنَّةِ»سنن الترمذي (2682)،سنن ابن ماجة (223)، هذا مهم لفلان أو للعرق الفولاني أو للجنس الفولاني أو للعائلة الفولانية؟
لا هذا لكل من سلك وبالتالي من كان يرغب في مثل هذه الفضائل وهذه المنازل، ما فيه شك أن العلماء منزلتهم لم يرفعها عالم، ولم يرفعها مجتهد إنما رفعها الله ـ تعالى ـ: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[المجادلة:11]فلماذا نحن نأتي ونقول: لا العلماء فيهم ويخطيهم وتنتهك أعراضهم ويصبحون في الحرمة يعني يمكن واحد مرة أتكلم عن أقل الناس منزلة في التأثير والنفع للمجتمع، ولكنه لا يتورع عن أن يتكلم عالم أو عن صاحب فضل أو صاحب نفع. هؤلاء ليسوا معصومين بالتأكيد، وكوننا نقول: فلان أخطأ لا بأس أن نقول للمخطئ أخطئت، لكن فرق بين أني أقول: فلان أخطأ أو اجتهاده غير صائب، وبين أني استهزأ به، وأتناول عرضه بالسوء والشتم والمنقصة، اتهمه في دينه، بل يطال الأمر حتى الاستهزاء بالشكل والصورة، ثم تزداد القضية فورة وغضبًا ويوسع هذا على كل من كان من العلماء، أو كل من كان من المشايخ، وكل من كان من الأئمة، وكل من كان في مجال من مجالات نفع الناس.
ينبغي أن يتقي الإنسان ربه فيما يقول، هذه الكلمة التي يطلقها الإنسان ويتكلم بها ينبغي يا أخي أنه يعلم أنه هذه ليست طائرة في هواء ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾[ق:18]، قول نكرة في سياق النفي فتعم كل قول حتى لو قال: آه فهي مسجلة، ولذلك لما قيل للإمام أحمد وهو في مرض الموت: إن طاووس يقول: يكتب على الإنسان حتى الأنين، توقف رحمه الله، توقف عن الأنين خشية أن يكتب عليه ما يحاسب عليه، إذا كان هذا المريض الأنين اللي الأنين قد يكون طبيعيًا يتوقف عنه خشية أن يؤاخذ به، وأن يحاسب عليه، وأن يكون هذا نوع من الشكوى أو الجزع من قدر الله وقضائه، فكيف بهؤلاء الذين ألسنتهم مشارط يتكلمون في القريب والبعيد، وبعلم وبجهل، ويتكلمون بنوايا صادقة، وبنوايا الله أعلم بها يا أخي ما يسوغ خطأ المخطئ أن تنتهك عرضه.
كم من رجل أخطأ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؟
أعظم المخطئين اخطئوا في عرضه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونالوه في بيته حتى قام من أصحابه فقال: من يعذرني في رجل –ما سماه- بلغني آذاه في أهلي، يعني لم يسمه، ولم يستطل في عرضه، ولم يتكلم إنما قال: من يعذرني؟ يعني كأنه يقول: بلغ السيل الظبي والأمر تجاوز حدود الكلام المعقول والمقبول إلى نوع من الوقيعة التي لا يمكن السكوت عليها. فنقول: يا إخواني ويا أخواتي أحفظوا ألسنتكم.
«احفظْ لسانكَ ، ثكلتكَ أمكَ معاذٌ وهلْ يُكَبّ الناسُ على وجوههِم إلا ألسنتهُم»سنن الترمذي (2616)، وسنن ابن ماجة (3973)، فيجب على المؤمن أن يتقي اللسان، إذا كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمسك لسانه لمعاذ، وهو يمسك لسانه تأكيد للمعنى: كف عليك هذا، كف عليك هذا يعني أحبسه واسجنه وامنعه من الانطلاق، فكيف بهؤلاء الذين لا يقفون على خطأ أو ذلة، أو كلمة أو تصرف إلا ويستطيلون، يعني هؤلاء يا أخي أنا لا أدري، يعني أنا أعجب حقيقة وأقف مندهشًا مشدوهًا أمام هؤلاء الذين يعني لا يرغبون فيما يكتبون ولا فيما يقولون لله حقًا ولا للمؤمنين حرمة، ولا يظن الواحد أنه لن يُحاسب ولن يؤاخذ!
يا أخي لك أن تنتقد الخطأ ما شئت، ولك أن تعلق على الموقف بما شئت، لكن اتق الله أن يتجاوز الحديث عن الخطأ إلى المخطئ ثم إلى شريحة الذين يماثلون المخطئ جميعهم، فإن هذا من الظلم وهو من ظلم العباد، وهو مما لا يُغفر بقول: استغفر الله فقط، بل لابد من استباحة الناس واستحلالهم، هذا فيك حق لأحد وكل من ازداد إيمانًا وتقوى، عالم، عابد، تقي، صالح نافع في الأمة له حق أعظم من غيره، ينبغي أن يكون هذا واضحًا؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أناط الحكم بالوصف، «كلُّ المسلمِ علَى المسلمِ حرامٌ»، ومعلوم أن الأحكام المنوطة بالأوصاف كلما ازداد الوصف وسوخًا ازداد الحكم ثبوتًا، وهذه قاعدة يغفل عنها كثير من الناس.
كلما ازداد الحكم رسوخًا، الآن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: «كلُّ المسلمِ علَى المسلمِ حرامٌ»صحيح مسلم (2564)، عندنا مسلم إسلامه ضعيف، وعندنا مسلم إسلامه قوي، وهذا ما هو بتصنيف منا هذا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: «الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ»صحيح مسلم (2664)هذا تصنيف نبوي وتمييز نبوي، والله ـ تعالى ـ لا يمكن أن يسوي هذا بذاك لكن هم في الأصل حق المسلم على المسلم هذا لكل المسلمين لكن هذه الحقوق تزداد وتثبت وترسخ وتعظم بازدياد الوصف الذي أنيطت به.
هنا قال: «كلُّ المسلمِ علَى المسلمِ حرامٌ»صحيح مسلم (2564)فمن كان إسلامه أعلى كانت حرمة دمه أعظم، ومن كان إسلامه أقل فحرمة دمه أقل، لكن هل هذا يرفع عنه الحرمة؟
الجواب: لا حرمته ما زالت باقية ولو كان معه من الإسلام أدنى ما يكون من خصاله.
المقدم:فتح الله عليكم يا شيخ.