المقدم:فضيلة الشيخ المسلمون يدٍ واحدة وهم مجتمع واحد، سواء أن كانوا في بلاد بعيدة أم كانوا في مناطق قريبة من المناطق الحضرية، ومن المناطق التي يعني تعيش رغدًا في العيش، كان هناك مظلة للعمل الخيري، وكان هناك مشاريع كبيرة للعمل الخيري تصل إلى أبعد نقاط هذه المعمورة، وتمد المحتاجين وكذلك تغيث الملهوفين، وتعلم الجاهلين هذا العمل الخيري آت أكله، وآت ثماره، وكان من ثماره تطور بلاد، وكذلك يعني تطور البشر وتقدمهم والازدهار، وتعليمهم في المقام الأول أمور دينهم، هذا العمل الخيري ينبغي أن يكون يعني في الطليعة، وفي مقدمة اهتمام المسلمين، وفي مقدمة دعمهم حتى ينشر دين الله ـ عز وجل ـ وحتى يؤخذ بيد الضعيف، ويعلم الجاهل، وينصر المظلوم والمسكين.
هذا العمل الخيري يقوم في المقام الأول على جهد مالي، وكذلك على جهد بدني، وكذلك الجهود يعني كثيرة لابد أن تتضافر هذه سواء أن كانت اجتماعية أو رسمية حتى يؤتي ثمرها؛ لأنها هي الساحات إن لم تشغلها أنت شغلها غيرك سواء أن بباطل أو بحق، فالمفترض أن يكون هذا الهاجس لدى كل مسلم، لدى كل مجتمع، لدى كل دولة مسلمة، تفضيل فضيلة الشيخ.
الشيخ:الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد...
فلا يخفى على مطالع لما جاء به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الهدى ودين الحق أن الله ـ تعالى ـ بنى هذه الشريعة على أصلين:
- الأصل الأول إحسان الصلة به.
- والأصل الثاني إحسان الصلة بالخلق.
ولذلك يتردد في كلام الله ـ عز وجل ـ وفي توجيهات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأوامره: ﴿َأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾[النساء:77]، هذان عنوانان كبيران لما يتعلق بإصلاح حياة الناس؛ لأن حياة الناس لا تصلح إلا بصلاح أمرين: صلاح الصلة بالله ـ عز وجل ـ وصلاح الصلة بالخلق، فالله ـ تعالى ـ جعل الإحسان في عبادته أن يُعبد وحده لا شريك له، وأن يخلو القلب عما سواه محبة وتعظيمًا.
وفيما يتعلق بالصلة بالناس أن يُعمر القلب بمحبة الخير لهم: «لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»صحيح البخاري (13)، وصحيح مسلم (45)، ومن أحب أن يزحزح عن النار ويُدخل الجنة فلتأتيه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى. النصوص في الحث على الإنفاق وعلى إيصال الخير للناس أكثر من أن تحصر أصلًا، يمكن أن ننطلق من الركن الثالث في أركان الإسلام وهو إيتاء الزكاة، وعنوان لهذه القضية وهو إيصال النفع للناس، قد بينه الله فبين الأموال التي تجب فيها الزكوات، وبين مصارف الزكاة والأنصبة وسائر ما يتعلق بهذا الأصل، ثم فتح الباب مشرعًا لكل إحسان حتى في الحيوان فقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «في كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ»صحيح البخاري (2466)،الذي يتميز به الإنفاق والمشروع الخيري والعمل الخيري في الإسلام أنه لا يهدف إلى غاية محددة أكثر من أن توصل الإحسان إلى الناس، هذا هو الأصل قد يقترن به أمور أخرى كأن يعطي لأجل تأليف قلب، يد يعطي لأجل مصلحة من المصالح لكن ليس هذا هو السمة العامة في الإنفاق بل الإنفاق يكون مقصوده ومنشأه ومبدأه هو إيصال الخير للناس.
العمل الخيري منذ نشأة هذا الدين، ومنذ مجيء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبداية أوامره كان حاضرًا فقد كان يأمر بصلة الأرحام، وإغاثة المستغيثين، وإطعام المساكين،ورفع الظلم عن المظلومين وكل هذه أوجه من أوجه الخير، تنامى هذا وتقرر بالشريعة العظيمة التي اكتملت بما جاء من الوحي المبين في القرآن الكريم، وفي هدي خير النبيين ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ حتى أصبح العمل الخيري جزء لا يتجزأ من تعليم هذه الشريعة ابتداء بمن يعوله الإنسان، ثم تتسع الدائرة إلى الجيران، ثم تتسع الدائرة إلى ذوي الحاجات وهلم جر إلى أن تعم الناس كافة، ففي كل ذات كبد رطبة أجر كما قال صلى الله عليه وسلم.
العمل الخيري تنظم في السنوات الأخيرة وأصلح له مؤسسات وجهات ترعاه، انطلقت هذه الجهات في أصقاع المعمورة تنشر الخير وتغيث المستغيثين، وتعطي المحتاجين، وتسد حاجات المحتاجين إلى أن جرى ما جرى في أحداث سبتمبر وأصبح العمل الخيري تحت النظر، بل أصبح العمل الخيري الإسلامي محل اتهام، والأصل فيه أنه مشكوك فيه هذا ليس لأنه هذا هو واقعه لا أبدًا، والمتهمون يعرفون هذه الحقيقة، لكن كان هذا المقصود إعاقة للعمل الخيري حتى يتسع المجال ويتسع الفضاء للجهات التي توافق الرؤية الغربية في الدعم، ووفق شروط معينة، ومنظمات توصيلية، تحقيق مصالح اقتصادية، تحقيق مصالح سياسية فحصل تمدد لتلك الجهات إضافة إلى أنه حصل تمدد أيضًا من العمل الإيراني الذي سد كثير من الفراغات التي سببها انكماش العمل الإسلامي والعمل الخيري الذي سبق إلى مناطق كثيرة.
العجيب أنه يعني اتهام العمل الخيري الإسلامي بشتى توجهاته وصنوفه أنه متهم تحت مظلة الإرهاب، هذه التهمة لا تتوجه للدعم الإيراني الذي لا يخفي ولا يوارب في أنه يقصد ويريد تحقيق أجندات، وتحقيق مقاصد وأهداف وأنه الدعم مقابل ليس خيريًا محضًا، إنما هو مقابل نفوذ، ومقابل تحقيق مصالح، ومقابل انتشار لفكر وتصدير للثورة، ومع هذا لا يتهم العمل الخيري الإيراني بأنه عمل إرهابي، أو أنه عمل موجه، أو أنه عمل.. ما إلى ذلك من الاتهامات التي يتهم بها العمل الإسلامي بكل منظومته، العمل الإسلامي الذي يمثل الأمة وليس يمثل طائفة أو يسعى لتحقيق مصالح خاصة.
أنا أقول: نحن بحاجة إلى أن نعيد النظر في مؤسساتنا الخيرية، وأن نطلق لها المجال، وأن ندعمها فكل أمة يغيب عنها الجانب الخيري فهي أمة معطلة؛ لأن الجانب الخيري عماد يساند الحكومات، ويساند الجهات الحكومية التي تسد حاجة الناس لكن الحكومات لا يمكن أن تغطي حوائج الناس ولا يمكن أن تكتسب نفوذًا بمجرد قوتها، وقدرتها، وما مكنها الله من المصالح والأموال مهما عظمت؛ لأنه لابد أن يكون هناك رديف شعبي، ورديف مدني، ورديف جمهوري خالي من أي مصالح يمكن أن تصنف على أنها مصالح سياسية.
العمل الخيري حقق مقاصد كبيرة لكن هناك انتكاسات بسبب هذا التضييق، بسبب هذا التكبير لما يمكن أن يكون من خطأ، ما فيه عمل بشري ليس فيه خطأ، حتى المنظمات التنصيرية فيها خطأ، حتى المنظمات الإيرانية التي تعمل فيها أخطاء لكن يغض عن أخطائها في مقابل تضخيم ريال أو درهم أو دينار يمكن أن يصل أو يذهب هنا أو هنا، وند يخطأ طريقه فيصبح هذا هو الأصل وخلافه من الأعمال الخيرية الإنسانية التي عمرت بها البلدان، ونشطت بها الأوضاع الاقتصادية في كثير من جهات العالم بسبب هذه الريالات التي ضلت طريقها بنوع من الخطأ هنا أو هناك.
لابد من معالجة الخطأ، ولابد من المراقبة والنظر لكن لا يكون هذا محجمًا ومانعًا من أن نوصل خيرنا إلى الناس، من أن نوصل ما عندنا من إعانات للمحتاجين في الدنيا كلها؛ لأن هذا هو الذي يكسب قلوب الناس ويحقق انتشار الخير، ومزاحمة تلك التيارات التي تقصد جذب الناس إلى طريق غير الطريق المستقيم.
المقدم:بارك الله فيك، وأحسن الله إليك فضيلة الشيخ.