المقدم: الآن حتى تتضح المشكلة للمشاهد عندنا اللحوم المستوردة من أهل الكتاب، الأصل في طعام أهل الكتاب حل لنا، لكن المشكل في هذا الموضوع أن هناك أخبار من أكثر من جهة أنهم يذبحون بالصعق الكهربائي، ويذبحونها بالتدويخ، ويذبحونها ب... مما تعتبر لو ذبحها مسلم تعتبر ميتة، فما العمل في مثل هذا؟ يعني هل نأخذ بهذه الأخبار ونعتبرها ميتة؟ أو نبقى على الأصل؟
الشيخ: هذه المسألة هي في الحقيقة محور الإشكال في اللحوم المستوردة لكن ينبغي أن نعلم أن اللحوم المستوردة لا يمكن أن تطبق على جهة واحدة، بمعنى أن الاستيراد يكون من جهات عديدة، قد يكون الاستيراد من بلد مسلم كأن يستورد مثلًا أهل مصر من السودان، أو السعودية من السودان أو الصومال فهذا خارج محل النزاع، أن يكون الاستيراد مثلًا من بلد غير أهل الكتاب كالبلاد الوثنية أو اللاتينية أو ما أشبه ذلك من البلدان التي لا تدخل في قول الله ـ تعالى ـ: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾[المائدة:5]فهذه خارجة عن محل النزاع لكونها محرمة وإن كانت مستوردة، وعلى هذا جماهير العلماء بل حكي الإجماع على ذلك، ومن خالف انتقدت مخالفته.
المحور الذي يدور عليه الإشكال هو في اللحوم المستوردة من بلاد أهل الكتاب أي من اليهود والنصارى، هل هذه اللحوم مباحة أو لا؟
يعتريها ما ذكرت من إشكالات، إذا نظرنا إلى الأصل فالله ـ تعالى ـ يقول: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾[المائدة:5]، وإذا نظرنا إلى أن هناك ما يشكل على هذا الأصل من كونهم لا يذكون الزكاة الشرعية هنا جاء الخلاف بهذا التنازع الذي حصل بين الأصل وبين الواقع المعمول به أو المشهور أو المسموع وجد الإشكال في اللحوم المستوردة.
المقدم: ومزيدًا من التوضيح في تحرير محل النزاع كما هو في الرسم التوضيحي، أنه محل اتفاق صحت ذبيحة المسلم والكتابي، أنه أهل لئن يذبح الذبيحة، أهلية المسلم والكتابي لأن يكون...
الشيخ: فالمسلم والكتابي ذبيحتهم مباحة حلال، هذا هو الأصل يقول الله ـ تعالى ـ: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾[المائدة:5].
المقدم: والمعنى الآخر المتفق عليه وجوب انهار الدم.
الشيخ: نعم لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «ما أنْهَرَ الدَّمَ وذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلْ»صحيح البخاري (5506)، وصحيح مسلم (1968).
المقدم: والمعنى الثالث هو تحريم ذكر اسم غير الله ـ سبحانه وتعالى ـ على الذبيحة، وما أهل به؟
الشيخ: هذا في حق المسلم لا إشكال أنه إذا ذكر غير اسم الله ـ تعالى ـ فالذبيحة محرمة ولا تجوز، لكن الكتابي هناك خلاف بين العلماء فيما إذا ذكر غير الله ـ تعالى ـ هل تحل أو لا؟
جماهير العلماء وعليه المذاهب الفقهية المشهورة أنه لا يحل، وذهب الإمام مالك ـ رحمه الله ـ إلى أنه مكروه، وذهب طائفة من السلف منهم الحسن والعطاء وعطاء وغيرهما من فقهاء السلف إلى أنها مباحة لعموم قول الله ـ تعالى ـ: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾[المائدة:5].
المقدم: لكن ذكر اسم غير الله ـ سبحانه وتعالى ـ كعمل يعني لا يُختلف في أنه محرم، لكن هل صحة الذبيحة أو لا تصح الذبيحة، هذا معنى آخر. لكن أن يُذكر اسم غير الله ـ سبحانه وتعالى ـ سواء أن كان مسلم أو من أهل الكتاب لا شك أنه محرم، هذا محل اتفاق.
الشيخ: في الذبح مُختلف فيه.
المقدم: بقي الخلاف في إذا لم تتوافر الشروط التذكية في ذبيحة الكتابي، وهذا ما يُثار الآن أنه بالصعق الكهربائي، بالتدويخ... أيش موقفنا نحن الآن من كلمتين من رأيين موجودين في الساحة؟ ما أهم الأقوال ابتداء في هذه المسألة؟
الشيخ: من العلماء من يرى أن اللحوم المستوردة من أهل الكتاب مباحة استنادًا إلى الأصل: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾[المائدة:5]، هذا قول.
والقول الثاني: يرى أن اللحوم المستوردة لما ورد عليها هذا الإشكال الكبير في كون أهل الكتاب جرى من عملهم الآن أنهم لا يزكون الزكاة الشرعية؛ بل يذبحون بالصعق أو بالتدويخ أو بالمطارق أو بغير ذلك من وسائل الذبح التي لا تخرج عن كونها ميتة، فإنه لا تحل ذبائحهم ويجب تركها.
وهناك قول ثالث الذي هو الاحتياط يعني لما ورد الاشتباه فإن الأحوط تركها، وكأنه الاحتياط يعني تردد بين الأصلين.
المقدم: هو الاحتياط متردد في الجزم برأي أو الاحتياط هو فرع عن الاشتباه، والاشتباه ليس قولًا يمكن أن يُقال، يعني في النهاية هو المنع أو الإباحة.
الشيخ: هذان القولان الرئيسان.
المقدم: يعني ما هو الذي ترجحونه فضيلة الشيخ؟
الشيخ: الحقيقة أن اللحوم المستوردة لا تخلو من أحوال: أن يتيقن الإنسان أنها لم تذبح الذبح الشرعي فهنا لا يجوز أكلها لكونها من الميتة على الراجح من الأقوال وإن كان في هذا خلاف.
المقدم: لكن اختلاف ضعيف يعني؟
الشيخ: على كلًا لابد من الإشارة من أن هناك خلاف وإن كان ضعيفًا لنخرج من قول أن هذا إجماع أو ليس إجماع، إذًا الحالة الأولى أن يكون الذبح غير شرعي.
الحالة الثانية أن يكون الذبح شرعي بمعنى أنه استوفى الصفات الشرعية للذبح فهذا لا إشكال في إباحته، موطن الإشكال والتنازع هو فيما إذا اشتبه هل ذُكي أو لم يُذكى؟
المقدم: يعني أنا الآن موجود هنا في مصر، في السعودية تأتيني لحوم من بلاد الدنمارك، البرازيل.. من مناطق معينة، أيش موقفي منها؟
الشيخ: في هذا الحال موطن الاشتباه هنا تنازع، الذي يترجح لي أنه لا بأس من الأكل من اللحوم الواردة منهم وإن كان إذا جهل الإنسان طريقة الذبح.
المقدم: إذًا هي المسألة التي فيها الاشتباه إذا جهل؟ إذا تيقن بتوافر الشروط لا إشكال.
الشيخ: خارج محل النزاع.
المقدم: إذا تيقن بعدم توافر الشروط الخلاف فيه ضعيف والراجح اللي ترجحونه التحريم.
الشيخ: نعم.
المقدم: لكن إذا جهل توافر الشروط هل توافرت أو لم تتوافر، هنا محل الإشكال والترجيح لفضيلة الشيخ أنه مباح، طيب بناء على ماذا؟
الشيخ: بناء على أن الأصل فيمن تصح ذبيحته الصحة، يعني إذا تولى الذبيحة مسلم، أنا لا أحتاج أن أذهب وابحث هل ذكر اسم الله عليها؟ هل قطع ما يجب قطعه في الذبح؟ لماذا لا آتي بسلسلة هذه الأسئلة؟
لأن من تولى الذبح هو ممن تصح ذبيحته، الكتابي دل القرآن على أنه تصح ذبيحته، قال الله ـ تعالى ـ: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾[المائدة:5]. ذبائحهم، فإذا كان هو من أهل الزكاة، من أهل الذبح، ممن يصح ذبحه وتزكيته فعند ذلك يجب أن نُعمل الأصل، ودليل هذا الإعمال وهو أن من صحت ذبيحته لا نتوقف عند الطريقة ولا نحتاج إلى التفتيش في طريقة الذبح هو ما في الصحيحين من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: إن أقوامًا كانوا يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليها أو لا، سألت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «سَمُّوا عليه أنتُمْ وكُلُوهُ»، وفي بعض الروايات: «وكَانُوا حَديثِي عَهْدٍ بالكُفْرِ»صحيح البخاري (5507)، يعني إسلامهم قريب، ومن كان إسلامه قريبًا يشير إلى أنه قد يخفى عليه الأوصاف الشرعية للذبح، فالنبي صلى الله عليه وسلم أعمل الأصل.
المقدم: نخلص من هذا أنه الأصل في ذبيحة من تصح زكاته الحل وعدم التفتيش؟
الشيخ: نعم.
المقدم: ونحن الآن في مرحلة جهل فلا نفتش، ودليل ذلك حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ في سموا الله ـ سبحانه وتعالى ـ وكلوا.
الشيخ: وعليه فإن الذبائح المستوردة من أهل الكتاب لا نحتاج أن نفتش إذا جهلنا حالها، وهذا الجهل حاصل؛ لأنه الآن هناك جهات تتولى الاستيراد في وزارة التجارة في بعض الدول، وفي المؤسسات التي تستورد في بعض الدول الأخرى الإسلامية. هذه الجهات تقول: نحن تأكدنا، ونحن نقوم بوضع مواصفات وشروط للمذابح التي نستورد منها اللحم، هذه الجهات جهات اختصاص فيجب قبول قولها وقولها في الحقيقة هو نوع من الإخبار بأن الشروط قد توافرت.
قد يقول قائل: إن هذه الجهات قد لا تعتني أو قد تفرط أو قد يُضحك عليها كما أشرت في المقدمة أن هناك سمكًا قد أورد إلى البلاد الإسلامية كُتب عليه: ذُبح على الطريقة الإسلامية. أنا أقول: قد يكون هذا لكن نحن لا نحتاج إلى أن نبذل أكثر من هذا الجهد الذي تقوم به هذه الجهات في الاكتفاء بهذه الجهات أن تكون راعية وصائلة لما يستوردونه من لحوم.
المقدم: فضيلة الشيخ الأخبار الآن يعني هناك أخبار تقول بأنه والله مذبوح على الطريقة الشرعية وهذه التي ترتب الشهادات، وهناك أخبار تقول: لا ليس مذبوحًا على الطريقة الشرعية ونحن رأينا وعلمنا ووصفوا ذلك، لما نأتي إلى نصوص الشريعة من النصوص التي وردت حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ لكن من الأدلة التي يستدل بها المانعين حديث عدي بن حاتم المتفق عليه أنه أرسل كلبي ويذكر اسم الله عليه فأجد معه كلبًا غيره فهل آكل؟
فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانت فتواه في هذه المسألة المشتبهة لا تأكل فإنما ذكرت اسم الله على كلبك ولم تذكره على آخر في الحديث المتفق عليه، أليست حالتنا الآن هي تقريبًا حالة عدي بن حاتم في هذه القصة؟
الشيخ: الجواب لا ليست هي، وذلك أن حديث عدي بن حاتم وجد سببان سبب مبيح وسبب محرم بأشخاص، كلب ذكر اسم الله عليه، وكلب لم يذكر اسم الله عليه، فهنا وجد شخصان أو سببان للإباحة والتحريم فالنبي صلى الله عليه وسلم غلب جانب التحريم؛ لوجود السبب أما هذه الحال فنحن ليس عندنا سببان، عندنا من هو أهل للتزكية، وعندنا جهات مشرفة تقول: أننا نشرف، ونتابع، وننظر في طريقة الذبح، هذا مما يندرج وهو أقرب إلى حديث عائشة ـ رضي الله عنه ـ من حدث عدي بن حاتم لأن الذي في حديث عائشة هم شكوا في وجود التسمية هل وجدت أو لم توجد، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: سموا أنت وكلوا.
الموجود هنا هو شك في هل من تصح ذبيحته توافرت فيه الصفات المبيحة للذبح في فعله، هل توافر في فعله الصفات المبيحة للذبح أو لا، هل ذبح أنهر الدم أو أنه صعق؟
فعند ذلك واقع اللحوم المستوردة أقرب إلى حديث عائشة منه إلى حديث عدي بن حاتم ـ رضي الله عنه ـ ويمكن أن نقول: يعني لو أتانا لحم مستورد لا ندري أهو مستورد من بلاد أهل الكتاب أو من بلاد غير أهل الكتاب والبلاد وثنية مثلًا فهنا يأتي حديث عدي بن حاتم؛ لأنه الآن عندنا اجتمع سبب مبيح وسبب مانع هنا تتنزل على قضية الكلب المذكور اسم الله عليه والكلب الذي لم يذكر اسم الله عليه.
المقدم: الشافعي ـ رحمه الله ـ نص على أنه هذا الحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ الدليل على أن التسمية، تسمية المسلم عند الذبيحة سنة وليست... بهذا يستقيم الحديثين يعني.
الشيخ: لا نحن لا نحتاج إلى أن نوجد تعارض حتى نقيم الحديثان واردان على قضيتين مختلفتين، قضية وجود مبيح ومانع في حديث عدي بن حاتم، وقضية عدم تحقق سبب المنع في حديث عائشة، لكن ما عندنا سبب مبيح وسبب مانع.
المقدم: عدم تحقق ذكر الله أو شروط التزكية ألا تستلزم المنع والحظر فتعود المسألة إلى تعارض مبيح وحاضر؟
الشيخ: لا إذا كنا نريد أن نحشر الحديثين في زاوية واحدة وفي معنى واحد يمكن أن نقول هذا.
المقدم: هو مؤداهما واحد؟
الشيخ: لا هناك فرق بّين بين الحديثين يتبين بالنظر والتأمل، حديث عدي عندنا سبب مبيح وسبب مانع، المبيح الكلب المذكور أسم الله عليه والمانع وجود كلب آخر لم يذكر اسم الله عليه، هنا كالحل ذكرناه فيما إذا ورد لحم من بلاد أهل الكتاب وبلاد غير أهل الكتاب. هنا حديث عائشة تمامًا هو في واقع الذبائح التي تردنا من أهل الكتاب لا ندري هل هم أهل الزكاة أو ليسوا أهلًا للزكاة، هل هم ممن تحل ذبائحهم أم لا؟
المقدم: نعم.
الشيخ: إذا كان كذلك عندنا أصل الآن نجعلها في أيدينا وننطلق منه ولا نطلق هذا الأصل إلا ليقين، أو لغلبة ظن راجح؛ لأنه لو كنا سنعمل بالشكوك فنحن نشكك حتى في اللحم الذي يذبح في مسالخ المسلمين، أنت الآن إذا ذهبت إلى مسالخ المسلمين لا تجري من يتولى الذبح، هل هو يصلي أو لا يصلي على القول بكفر طريق الصلاة؟ هل هو يذكر اسم الله؟ هل يستوفي...؟
سندخل في سلسلة طويلة من الأسئلة التي مآلها في الحقيقة حتى إذا انتهينا من الذبح سننتقل إلى هذا المذبوح هل هو مسروق أو غير مسروق؟ هل هو مباح؟ لا منتهى له، فتح باب الشكوك يعكر على حياة الإنسان، هل النتيجة في الحديثين واحدة أو مختلفة سؤال؟
المقدم: النتيجة في الحديثين مختلفة.
الشيخ: إذا كانت النتيجة مختلفة فلابد من اختلاف المقدمة، وإذا اختلفت المقدمة فهذا الذي نريد أن نصل إليه، هل مقدمة اللحوم المستوردة الآن هي مقدمة حديث عائشة أو هي مقدمة حديث عدي؟
المقدم: أقرب إلى حديث عائشة.
الشيخ: إذا كان كذلك فنحن نستمسك بهذا الأصل ويقول: إن الأصل فيمن تحل ذبيحته أن لا نسأل هذا هو الأصل، أن لا نسأل على طريقة الذبح.
المقدم: ولو جاءتنا أخبار، وجاءتنا أشياء؟
الشيخ: الآن جاءتنا أخبار وشاع أنهم لا يستعملون هذه الطريقة في الذبح لكن نعلم أن الجهات المستوردة تطالبهم بطريقة ذبح معينة، وتتابعهم في هذا، وتشرف عليهم في هذا، عند وجود هذا المطمئن نحن نعمل بهذا الأصل مع أنه يمكن أن يقال أنه كل ما يردنا من بلاد أهل الكتاب نقبله ونأكلها ما دمنا لم نتيقن أنهم ذبحوه على غير الطريقة الشرعية، هذا الذي قال به جماعة من أهل العلم لاسيما وأن من أهل العلم وإن كان قولًا يعني ضعيفًا في وزن أقوال أهل العلم والنظر إلى قول الجمهور يبيح كل ما يأكله أهل الكتاب.
المقدم: من الأدلة التي استدل بها القائلون بالتحريم قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «دَع ما يَريبُكَ إلى ما لا يَريبُكَ»سنن الترمذي (2518)، وسنن النسائي (5711)،والأحاديث المتعلقة بترك المشتبهات؟
الشيخ: الاستدلال بهذا الدليل في الحقيقة أنه يمكن أن توسع دائرته فيفعل في جميع المسائل الخلافية، وإذا فعلناه في جميع المسائل الخلافية التي يختلف فيها العلماء بين الإباحة والتحريم أو بين المنع والحل، معنى هذا أننا سنضع في حياة الناس من القيود والموانع ما يلحقهم الحرج الذي جاءت الشريعة برفعه.
إنما ينبغي أن نعرف أن مسألة الاشتباه ليست مسألة عامة يمكن أن تصدر في فتوى، إنما هي مسألة خاصة وذلك أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذكر فيما رواه البخاري ومسلم من حديث النعمان بن البشير: «الحَلالُ بَيِّنٌ، والحَرامُ بَيِّنٌ»ثم بعد أن ذكر المنطقتين المتقابلتين ذكر حيز وهو منطقة الاشتباه فقال صلى الله عليه وسلم: «وبيْنَهُما أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ»صحيح البخاري (52)، وصحيح مسلم (1599)، بين هذين هذه المساحة التي بين الحلال والحرام مساحة تضيق وتتسع، ضيقها واتساعها له أسباب كثيرة، من أسبابها العلم بالنصوص، النظر في معاني النصوص، إدراك مقاصد الشريعة، أسباب عديدة.
ولذلك ينبغي الحقيقة أن لا تذكر هذا في الاستدلال، لكن يمكن أن يذكر هذا في التوجيه عند من لم تتضح له الرؤية أن يقال له: بما أنك أنت لم تتضح لك الرؤية فلك على وجه الخصوص، لكن في مقام الفتوى ينبغي أن يكون الأمر بينًا واضحًا، وفي المنطقة المشتبهة يه منطقة خاصة وليست منطقة عامة.
المقدم: هو هذا كلام جميل يا شيخ أنه أن يصدر الاشتباه والورع، وترك دع ما يريبك إلى ما يريبك في كل مسألة يختلف فيها بين الحل والحرمة ستحول سماحة هذا الدين إلى مساحة ضيقة جدًا؛ لأنه كثير من المسائل مختلف فيها ومحفوظة وخلافه لكن السؤال: متى نستخدم هذا المعنى: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك؟ أيش المسائل التي يمكن أن نصدرها، النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن الحلال بين والحرام بين، يعني تبقى لا تذكر في الفتوى؟
الشيخ: لا أقول: عند من لم يتضح له ،الآن أنا أقرر مثلًا.
المقدم: أنا كعالم مثلًا استمع إلى هذه الحلقة.
الشيخ: أن تسم، عالم تقتنع برأيه، بدليله، بثقتك فيه عند ذلك تأخذ قوله، لكن لو أنك مثلًا شعرت أن دليل الشيخ والعالم الذي يبين لك القول أو أنه لم يذكر أدلة وسمعت قولًا آخر لم تستبن أيضًا أدلته، وحصل عندك نوع ريبة وشك وحاك في صدركن وشعرت بنوع من الاضطراب، عند ذلك يمكن في الحيز الشخصي أن تقول: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
المقدم: لكن هو عمليًا حتى لو أنا عندي ثقة بالعالم أو بالشيخ الذي سمعت فتواه بالجواز مثلًا، يبقى مجرد القول بالتحريم وما يذكرونه من أدلة يوجد في النفس شيء يعني حسكة معينة ويوجد يعني شيء من التردد، هل كل تردد مثل هذا يوجد دع ما يريبك إلى ما يريبك؟
الشيخ: لا كونه هناك قول بالتحريم يبقى ما وزن هذا القول في نفسك، هل هو قوي إلى درجة أن يلحق حرج وضيق وريبة؟ عند ذلك دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
المقدم: أم أنه مجرد احتمال.
الشيخ: مجرد احتمال أو ظن أو والله أنه قول من الأقوال، هنا في الحقيقة إذا فعلنا هذا في كل قول، وفي كل مسألة ورد فيها خلاف مثل ما ذكرت قبل قليل ستتسع دائرة الاشتباه، حتى يعيش المسلم في بحر من المشتبهات التي يعني توقعه في المحرم، والشريعة ما جاءت بهذا، إن الدين يسر كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث أبي هريرة في الصحيحين، بل القرآن: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾[الحج:78]، ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾[البقرة:185].
لكن أنبه فرق بين اليسر الذي هو روح الشريعة واليسر الذي يلصقه بعض الناس بالشريعة للتحلل من قيودها والخروج من أحكامها، أنا لا أقول بهذا اليسر.
المقدم: اليسر ما فصلته الشريعة.
الشيخ: فما تبين تحريمه تجنبناه، وما تبين حله أخذنا به، وما اشتبه نطلب كشف هذا الاشتباه بالرجوع إلى أهل العلم. ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾[النحل:43]، إن انكشف حزمنا إلى القول بالإباحة أو إلى القول بالتحريم وعند ذلك تضيق دائرة الاشتباه.
المقدم: بعد أن نخلص من هذا النقاش أنه ترجيحكم فضيلة الشيخ القول بالإباحة ما لم يتيقن الإنسان أن هذه الذبائح المستورة يعني هي صعقت بالكهرباء أو هي من قبيل الميتة. طيب بعد هذا النقاش وهذا الخلاف الذي هو بين العلماء، لماذا اختلف العلماء في هذه المسألة؟ ما هو سبب الخلاف العملي؟
الشيخ: أشرنا إلى هذا في ثنايا الحديث المتقدم، وهو أن الخلاف هو في وجود المبيح والحاضر، يعني هذه ذبائح اشتهر عن أهل البلاد التي ترد منها أنهم لا يذبحون على طريقة الزكاة الشرعية، وعندنا أصل وهو قول الله ـ تعالى ـ: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾[المائدة:5]، فتجاذب عندنا هذه المسألة طرفان.
المقدم: هو يعني تجاذب أصلان أو أصل وظاهر؟
الشيخ: أصل الإباحة وما هو معروف ومشهور بل هو متيقن في بعض الأحيان في بعض البلاد التي لا تستعمل الذبح بل تعد الذبح نوع من تعذيب الحيوان.
المقدم: فمن غلب هذا أباح، ومن غلب هذا منع. طيب يا شيخ ألا ترى أنه الآن في طريقة التعامل مع مثل هذه المسائل الخلافية، الواقع الآن العمل الآن في هذه المسألة أننا لا نعمد إلى واقع مشتبه ثم نختلف بناء على اشتباه هذا الواقع، ألا ترى أنه المفترض أن لا نكتفي بذلك، وإنما تكون هناك خطوات عملية لتحويل هذا الواقع المشتبه إلى واقع منكشف وبين حله، لو كان هناك خطوات عملية تساهم في توضيح أنه يكون هناك جهات موثوقة في إصدار شهادات، في التعامل مع... يعني اليهود هم أقل منا عددًا وأقل شأنًا، مرتبين ترتيب لمصالح لا يشكون فيها، يعني أريد منك يعني ألا ترى أنه نحن أغرقنا في مسائل الخلاف النظري دون الحديث العملي والمساهمات العملة لتصحيح الواقع؟
الشيخ: ما فيه شك لكن هذا جزء من العجز، إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يتقدم بخطوات عملية فسيشتغل بما هو في مقدوره، إذا لم تستطع شيئًا فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع، الذي يستطيعه كثير من الناس وأهل العلم والمشتغلون في مسائل العلم هو البحث النظري أما البحث الإجرائي والعملي والتطبيقي فهو الحقيقة أنه منوط بجهات ينبغي أن تقوم بدورها، وينبغي أن تمارس الحق الذي يحفظ ويصون المسلمين من هذه اللحوم التي كما ذكرنا في أول الكلام لا تؤثر فقط مسألة حل اللحوم إنما تؤثر على أبدانهم وقلوبهم وفي سيرهم إلى الله تعالى.
المسألة لها وزن كبير في التأثير ينبغي أن يتناسب مع هذا الوزن الاهتمام من الجهات المسئولة بالرقابة، والمتابعة، والإشراف، وإشاعة الطمأنينة بين المسلمين حتى يزول هذا النوع من الارتياب والشك الذي يرتاب المسلمين في لحوم يأكلونها في أسواقهم وبيوتهم لاسيما إذا كان هذا الشك لهم موجب.
من حيث الأخبار التي توحي بأن هناك من يذبح ذبحًا غير شرعي، هنا مسألة أنا أنبه إليها وهو ينبغي أن لا يغيب عنا الهاجس التجاري في هذه القضية؛ لأن هناك نوع من الترويج مثلًا الشركة الفولانية لا تذبح ذبحًا شرعيًا بناء على إشاعة، بناء على زيارة.