المقدم:صاحب الفضيلة هنا سؤال من إحدى الأخوات تقول: نريد كلمة توجيهية لطلبة العلم الشرعي بتفعيل دور المسجد بتدريس الناشئة على العلم الشرعي، حفظكم الله.
الشيخ:الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد...
تعليم العلوم الشرعية من أجل الأعمال وأفضلها، هو من أكبر ما يقرب إلى الله تعالى، وييسر سبل الخير للإنسان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَمَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ له به طَرِيقًا إلى الجَنَّةِ»صحيح مسلم (2699)، كما في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وهذا يدل على عظيم الفضل المترتب على تعليم العلم وتعلمه، وأن سلوك هذا الطريق يوصل إلى خير عظيم.
من مواطن تدريس العلوم الشرعية بالتأكيد المساجد، فإنها لذكر الله ـ عز وجل ـ وذكر الله ليس محصورًا فقط بقراءة القرآن أو بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير ونحو ذلك من أنواع الأذكار، إنه تعليم العلم أيضًا بل قد قال جماعة من أهل العلم مجالس الحلال والحرام، هي مجالس ذكر الله ـ عز وجل ـ ذلك أن المجالس التي يتعلم فيها الناس كلام الله ـ تعالى ـ وكلام رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما دل عليه الكتاب والسنة هي من أفضل ما يشتغل به المشتغلون وهو الاشتغال بفهم كلام الله، اشتغال بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
فلذلك كان من أعلى الذكر أن يشتغل الإنسان بطلب العلم، وتعليم العلم ذاك من الفضل الكبير والأجر العظيم. نحن في زمان قل فيه العلماء، وقل فيه تعلم العلم، وقلت الرغبة في العلم، هذا طبيعي يعني نحن عندما نشاهد كثرة المنصرفين عن العلم وجدنا أن أكثر الناس لا يعلمون، كثير من الناس لا يعلمون، ولا يعلمون أنهم لا يعلمون أو لا يرفعون بهذا العلم رأسًا بمعنى أن هو يتعلم الأشياء الجيدة من المسلمين ويتعلم ما يحتاجه، وهذا هو الجزء الذي يجب على كل مسلم أن يتعلمه، القدر الذي يقيم به عبادته في عقيدته ومعرفته بالله ـ عز وجل ـ وسيره إليه، وفيما يتعلق أيضًا بمعرفة الطريق الموصل إلى الله من الصلاة، والزكاة، والطهارة وسائر الأعمال التي يحتاجها الإنسان حتى في معاملته في البيع، وفي النكاح، وفي الطلاق، وسائر المعاملات التي يحتاجها الناس، هذا مما ينبغي أن يحرص عليه المؤمن، وهذا القسم، هذا القدر من التعلم فرض عين لا يجوز لأحد أن يخل به ذكرًا كان أو أنثى.
النوع الثاني من العلوم: العلم الذي يُقصد منه حفظ الشريعة وصيانتها ونشرها بين الناس، وقضاء حاجة الناس، هذا هو العلم الكفائي الذي يجب على من كان عنده قدرة ومكنة أن يتوجه إليه؛ لأنه الحاجة إليه ماسة، ومن علامات آخر الزمان وهي علامة قد ظهرت منذ أزمان، كثرة الجهل وقلة العلم يكثر الجهل ويقل العلم كما في الصحيحين في وصف النبي صلى الله عليه وسلم لأحوال آخر الزمان فأنا أوصي بكثرة التعلم، والإقبال عليه.
طبعًا المساجد لها ميزة؛ لأنها هي الأماكن التي يُذكر الله ـ تعالى ـ: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ[36]رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ﴾[النور:36-37]. فالتعلم في المساجد هو أنسب مكان لكن إذا لم يتيسر كما هو الشاهد في بعض البلدان لا يتمكن الإنسان من التعليم إلا وفق آليات معينة فهو لا يُعلم في بيته، في سوقه، في محله حيث يتيسر في مدرسته، في مكان وظيفته يبذل العلم.
وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر: «بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً»صحيح البخاري (3461)،آية واحدة تشتغل بتعليمها أنت تمتثل بذلك وجه ما وجه إليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من تعلم العلم وتعليمه. لذلك أنا أوصي بالحرص على التعلم، وللأسف أن هذا المجال قليل من يسلكه لكن ـ سبحان الله العظيم ـ من سلكه مخلصًا فيه وفق وفتح له خير عظيم في دنياه وفي أخراه.
كثير من الناس يزهد في العلوم الشرعية يقول: وش يمثل يعني؟ ماذا سأكون؟ وإلى أي شيء سأنتهي في العلم الشرعي؟
أنت تكون عند الله خير من أن تكون لك الدنيا كلها، تكون لك الدنيا كلها في كفة وتكون لله وعند ما عنده في كفة أخرى، بالتأكيد أنه ما عند الله خير وأبقى فلذلك على أنه ما فيه تعارض يعني الإنسان إذا تعلم العلم سينفع الناس، وسيقبل عليه الناس، وقد ينفع الناس في تفرغ مقابل ما يستفيده من أموال لكن المقصود من تعلم العلم الشرعي هو أن يقصد بذلك حفظ الشريعة لا التكسب؛ لأن التكسب هذا يمكن النجار، والحداد، والعامل، وكل أحد يمكن أن يدرك الكسب يعني ليس العلم لم يُجعل للتكسب، العلم جُعل لإصلاح النفس وتزكيتها، وإصلاح الخلق وهدايتهم، لكن قد يتيسر للإنسان من المكاسب التي تغنيه إذا كان يحمل هم الدنيا ما يكفيه عن أن ينظر إلى فلان أو فلتان أو يطلب يمنة أو يسرة.
طبعًا الدراسة في المساجد غالبًا ما تكون مرتبطة بشهادات أو مرتبطة بأطماع يدركها الناس ولذلك يعني الإخلاص فيها أظهر من الدراسة الأكاديمية التي يرجو فيها الإنسان إما ترقية، وإما وظيفة، وإما شهادة فمظان الإخلاص في المساجد أكبر ولذلك يجد الإنسان بالتجربة أن التعليم قد يكون فيه من البركة أكثر من غيره على أن الجميع مبارك، وكل بذل للعلم حيثما كان ففيه خير ونفع للأمة إن شاء الله.
وصيتي لإخواني أن يقبلوا على العلم، وأخواتي أن يقبلن على العلم، «خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ»صحيح البخاري (5027)،وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «يحملُ هذا العِلمَ مِن كلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ»رواه الإمام أحمد، لسان الميزان (1/312)، فهذه تزكية لمن اشتغل بالعلم وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «نضَّرَ اللَّهُ عبدًا سمِعَ مَقالَتي، فحفِظَها ووَعاها وأدَّاها، فرُبَّ حاملِ فِقهٍ غيرِ فقيهٍ، ورُبَّ حاملِ فِقهٍ إلى مَن هو أفقَهُ مِنهُ»سنن الترمذي (2658)، فدعا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمن يسمع الحديث ويبلغه وينقله دعا له بالنضارة في وجهه، وهي نضارة تعكس ما في قلبه من طيب وذكاء.
المقدم:أحسن الله إليكم يا شيخ.