المقدم: هل من علاج لمن يشعر أنه لا يخلص العمل لله سبحانه وتعالى؟
الشيخ: نعم، العلاج في أن يحقق التوحيد لله، وأن يعرف أن كل قصد لغير الله ـ عز وجل ـ فإنه يذهب هباءًا منثوراً، كل عمل لا يراد به الله، فإنه لا يعود لصاحبه بنفع، لا يدرك شيئًا مهما عظم هذا العمل وكبر، إذا كان يريد به غير الله فإنه عائد بالخسارة، أعظم الأعمال مشقه على النفوس، الجهاد، تُذهب فيه الأرواح، وتتلف فيه الأبدان، وتهلك الأموال، ومع هذا؛ إذا لم يكن لله خالصًا فإنه لا ينفع الإنسان، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما في الصحيحين من حديث أبي موسى لما سُئل: «عَنْ الرَّجُلِ: يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً» أي ليرى الناس مكانه، ومنزلته، ويقال إنه شجاع جريء،«أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ الله؟»أي ذلك معدود محسوب أنه لأجل الله، هكذا السؤال وجه إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ "الشجاعة، الحمية، النخوة، والغيرة للقبيلة أو للجماعه أو للجنس"، أو ليُرى مكانه، أي ليرى منزلته وما هو فيه من مكان، أي ذلك في سبيل الله، قَالَ ـ صلى الله عليه وسلم ـ:«مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ الله«[صحيح البخاري(123)، ومسلم(1904/150)]، هذا هو الوحيد من هؤلاء الذي يفوز بأنه في سبيل الله، ويفوز بفضل المجاهدين في سبيل الله.
في حديث أبي أمامة سُئل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سأله أبو أمامة، فقال: الرجل يقاتل يريد الأجر والذكر، يعني يقصد من هذا الخروج والقتال، أشدِّ الأعمال مشقة على النفوس ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾]البقرة: 216[، أي شيء له؟، قاتل لله وللذكر، أي ذلك في سبيل الله؟ قال: «لا شيء له»، قال:" يا رسول الله! الرجل يقاتل يريد الأجر والذكر، ماله أي شيء له؟ كرر السؤال قال: «لا شيء له»، ، كرر الرسول مرة ثالثه "الرجل يقاتل يريد الأجر والذكر ما له؟ يعني أي شيء له؟ قال: «لا شيء له، إنما يتقبَّل الله من العمل ما كان خالصًا وابتُغي به وجه الله»[أخرجه النسائي في الصغرى(3140)، وصححه الألباني في الصحيحة(52)]، هذا ضابط لكل عمل تعمله، أن يكون لله لا لسواه، فأخلصت له وابتغيت به وجه الله أي ما عنده وقصدت به الله ـ عز وجل ـ كما قال الله ـ تعالى ـ عن الأبرار الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله، وينفقون أموالهم ويطعمون الطعام ويسقون الماء ويفعلون الخير، قال ﴿إِنَّما نُطْعِمُكم لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكم جَزاءً ولا شُكُورًا﴾]الإنسان: 9[الله أكبر، الإخلاص له أثر عظيم على العمل، فكم من قليل كثّره الإخلاص، وكم من صغيرٍ كبّره الإخلاص، وكم من كثيرٍ أذهبه عدم الإخلاص، والله ـ تعالى ـ يقول ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ﴾]الفرقان: 15[.
مهما كان هذا العمل عظيمًا وكبيرًا له بالمليارات صدقه، أو أوقاف، أو خيرات لكنها لغير الله، فجعلناه هباءًا منثورًا، الهباء هو المتطاير في الأشعه، أشعة الشمس والأشعه الشديدة، هذا هو الهباء، هذا إذا أردت أنت أن تمسكه هل تجد منه شيئاً؟ أبداً، يعني لو تقعد من اليوم إلى غدٍ وتحاول تمسك في أشعة الشمس، تريد أن تمسك شيئًا ستعود صفر اليدين، كذلك هي أعمال من لم يخلص، وقد جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة في صحيح الإمام مسلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «يقول الله: أنا أغْنَى الشُّرَكاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ فيه مَعِي غيرِي، تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ.«[صحيح مسلم(2985/46)]
ترك له العمل، وترك له ما أشرك، فهو غني عن عمل المشركين الذين اشركوا معه غيره، فلذلك من المهم أن نخلص النيه لله ـ عزوجل ـ وأن تكون أعمالنا خالصة، ومن الدعاء المأثور عن عمر ابن الخطاب -رضي الله عنه- أنه كان يقول: " اللهم اجعل عملي كله صالحًا، واجعله لك خالصاً" وهذان شرطا قبول العمل، أن يكون العمل صالح، وأن يكون خالصاً، "ولا تجعل فيه لأحدٍ نصيبًا"[أخرجه أحمد في الزهد(617)]، انظر هذه الثلاثه هي حقيقة تعود إلى أمرين أن يكون العمل صالحًا، وأن يكون مخلصُا، لأنه قال: "اللهم اجعل عملي صالحًا، واجعله لك خالصاً" ثم قال: "ولا تجعل فيه لأحد نصيبًا" هذا تأكيد الإخلاص، ما أريد بهذا العمل أحدًا، لا أريد دنيا، لا أريد مكانه، لا أريد منزله، إنما أريد يا ربي رضاك، ومن رضي الله عنه انفتحت له أبواب السعادة، وانشرح صدره، واستنار قلبه، وبلغ أمانيه، وجَمُل عند الناس ذكره، الذي يريد من عمل أن يمدح ويثنى عليه، قل له: يا أخي! هناك طريق أسهل من أن تنظر إلى الخلق ومدحهم، إلى الخلق ومدحهم وثنائهم، فإن المدح الحقيقي هو مدح الله وثناؤه ورضاه، فإن الله إذا رضي عن العبد وقَبِله، نادى في السماء يا جبريل إني أحب فلانًا فأحِبَّه، فينادي جبريل في أهل السماوات، أين أنتم وأين أهل السماوات؟ بعيدون عنك، ولكن بينهم اتصال مباشر فيحبه أهل السماء، إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فإذا أحبه أهل السماء وُضع له القبول في الأرض[صحيح مسلم(2637/157)]، وهذا القبول ترجمته هو في أن القلوب تنجذب إليه دون سبب، ما أحسنت، ولا أنت صاحب جاه، ولا عندك مكانة، ولا لك مصلحه، لكن يجدون حبًّا، إنجذابًا غير واضح العلامة ولا السبب، لا يرجون منك نفعًا ولا ضرا، إنما هذا لأجل ما منّ الله ـ تعالى ـ به عليك من القبول، ولهذا: أقول كل ما تريده بغير الإخلاص، فإنك ستحصله بالإخلاص، ولكن ما تريده من الله ـ عز وجل ـ بغير الإخلاص، لن تدركه، بل؛ سيقلب الله ـ تعالى ـ عليك الأمر، وتذهب كل أعمالك بلا فائدة ولا نفع، الإخلاص قضية تحتاج إلى مزيد عناية، هي معنى "لا إله إلا الله"، هي أصل الإسلام، كما قال الله ـ تعالى ـ:﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾]البينه:5]، حنفاء، أي: مائلين عن كل شرك، ثم جاءت الأعمال ﴿ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة﴾، فالعمدة والأصل هو أن يكون هذا القلب مائلًا عن كل شرك، متخليًا عن غير الله.
املأ قلبك بأمرين، بمحبة الله كمال الحب، وبتعظيمه كمال التعظيم، عند ذلك سيتلاشى من قلبك كل التفات إلى غير الله.