(الحلقة الثامنة والعشرون)
زكاة الفطر
الحمد لله رب العالمين، أحمده جل في علاه وأثني عليه الخير كله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وعليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أيها الإخوة والأخوات! وأسأل العظيم رب العرش الكريم أن يختم لنا بالصالحات، وأن يتقبل منا ومنكم، وأن يجعل خير أعمالنا خواتمها.
أيها الإخوة والأخوات، شرع الله تعالى في نهاية هذا الشهر الكريم جملة من العبادات: من أبرزها ما يكون في ختم هذا الشهر من الصدقة التي يخرجها المؤمن قربة لله تعالى وهي: ما يعرف بزكاة الفطر، فزكاة الفطر هي الزكاة الصدقة التي يتقرب بها العبد لله تعالى في نهاية هذا الشهر المبارك.
زكاة الفطر سميت بهذا من باب إضافة الشيء إلى زمانه، أو إلى سببه يعني الزكاة التي وقتها الفطر الزكاة التي سببها الفطر، فذاك شرع شرعه الله تعالى للمؤمنين، وأخبر به النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير على الصغير والكبير، والحر والعبد، والذكر والأنثى من المسلمين.
هكذا فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا المقدار الذي يتقرب به المؤمنون لله تعالى وهي فرض عام كما هو واضح فإنه لا يخص فئة دون فئة، بل على الحر والعبد، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، فهي قربة لله تعالى يشترك فيها الجميع حتى من لم يكن من أهل الصيام؛ لأنها شعيرة مفروضة على المسلمين كافة، ولذلك لم يميز صغيراً من كبير غنياً من فقير، بل جعلها فرضاً على كل هؤلاء، والحكمة من فرض زكاة الفطر في ختم هذا الشهر تلمس العلماء لذلك عدة حكم، وانطلقوا في ذلك مما جاء في المسند وغيره من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في زكاة الفطر: «طهرة للصائم من الرفث، واللغو، وطعمة للمساكين».
هكذا بين النبي صلى الله عليه وسلم العلة والحديث في إسناده مقال، لكن اعتضد به أهل العلم واستدلوا به على حكمة مشروعية هذه الزكاة في آخر الشهر، وأنها طهرة للصائم من الرفث واللغو.
طهرة: أي تطهير له مما يمكن أن يكون من نقص حصل في أثناء صومه، وهذه من منّة الله تعالى على عباده أن شرع لهم من العبادات ما يكملون به النقص، وهذا الشرع أي: ما يكمل به نقص العبادة: إما أن يكون منها وذلك بالنوافل، فإن الله تعالى شرع وفرض فرائض، وجعل لهذه الفرائض من جنسها ما يتقرب به من النوافل لتكميل ما يمكن أن يكون من النقص في الفرائض، وقد يكون التكميل من غير جنس المفروض كما هو الحال في زكاة الفطر، فإنه لم يجعل التكميل الذي يحصل به الطهرة للصائم من الرفث واللغو من الصوم، بل جعله من الصدقة التي يتقرب بها إلى الله تعالى.
هذه الزكاة زكاة الفطر مشروعيتها واضحة بينة في كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك أجمع عليها علماء الأمة من حيث الأصل، وقد وقع في بعض مسائل وتفاصيل هذه الشعيرة خلاف، فنبدأ بذكر بعض ما يتعلق بهذه الشعيرة من الأعمال، أو من الأحكام:
أولاً: من أي شيء يخرج المسلم زكاة فطره؟ يخرج ذلك من غالب قوت بلده، فالنبي صلى الله عليه وسلم شرعها صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، لأن هذا الغالب في الطعام الذي يأكله الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث أبي سعيد ذكر جملة من الأطعمة فقال: كنا نخرجها على زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من تمر، صاعاً من زبيب، صاعاً من أقط، صاعاً من بُر، صاعاً من شعير. هكذا ذكرها جملة من الأصناف الخمسة، وهي غالب قوت أهل ذلك الزمان.
ففي زماننا هذا ينظر الإنسان إلى غالب قوت بلده، فإذا كان غالب القوت الرز فإنه يخرج من الرز، وإذا كان غالب القوت الفول أو العدس أو ما أشبه ذلك مما يأكله الناس فإنه يخرج من غالب قوت البلد، ما المقدار الذي يخرجه؟ صاعاً من طعام كما فرضها النبي صلى الله عليه وسلم، والصاع معيار من معايير القياس هو يشبه المعايير التي يستعملها الناس لقياس الأشياء، الآن أكثر الناس يستعمل الوزن في عملية القياس، وفي البيع والشراء، ولكن الصاع ليس قياساً بالثقل والوزن، إنما هو قياس بالسعة والحجم، ولهذا صاع البر يختلف من حيث الوزن عن صاع الزبيب عن صاع التمر، بل التمر نفسه يختلف صاع التمر الرطب عن صاع التمر اليابس، المقصود أنه صاع، ومقدار الصاع على وجه التقريب يتراوح في كلام العلماء ما بين اثنين كيلو وأربعين غرام كما هو قول شيخنا رحمه الله من البر الرزين إلى ثلاث كيلوات، هكذا بعضهم يزيد ثلاث كيلوات ونصف، المقصود أنه يتراوح ما بين هذا، فإذا أخرج الإنسان ثلاث كيلوات من الرز أو خرج كيلوين وأربعين غراماً تكون قد برئت ذمته بإخراج ما يجب عليه فيما يتصل بزكاة الفطر.
مما يتصل بزكاة الفطر وقت إخراجها، الأصل في وقت إخراجها أن يكون كما قال ابن عمر: وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة. هذا أفضل أوقاتها وهو أن يؤديها قبل خروجه لصلاة العيد حتى يكتفي بها الناس ويستغنون بها عن السؤال في ذلك اليوم.
ولكن جاءت الرخصة بأن يتقدم في إخراجها يوماً أو يومين أو ثلاثة كما جاء في بعض الأقوال، فإذا أخرجها في يوم التاسع والعشرين، في يوم الثامن والعشرين فإنه يجزئ وزكاته مقبولة خرجت في وقتها ومحلها.
وينبغي أن يحرص المؤمن أن يوصلها إلى مستحقها، فالذي يأخذ زكاة الفطر هو الفقير، وليس كل أنواع الذين يأخذون الزكاة الذين ذكرهم الله تعالى من أهل الزكاة: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾[التوبة:60] إنما يأخذها من يأخذ الصدقة لحاجته، وذلك لقوله في حديث ابن عباس: طعمة للمساكين.
فالمقصود هو إطعام المساكين، المقصود هو إغناؤهم عن السؤال في ذلك اليوم.
أفضل أوقاتها: هو عند الخروج إلى الصلاة، من خشي أن يضيق عليه الوقت ولا يتمكن فليخرجها قبل ذلك بيوم أو يومين كما جاء ذلك عن ابن عمر فيما قصه وحكاه عن فعل الصحابة رضي الله عنهم.
لو أخر بعد ذلك العلماء لهم قولان:
منهم من يقول: إنه إذا أخر فإنها لا تجزئه، ويكون قد فاتت وهو قد ترتب عليه فإخراجه بعد ذلك غير مجزئ.
ومن أهل العلم من يرى أنه مجزئ، وما دام في يوم العيد، وهذا قول الجمهور، والمسألة في هذا قريبة ما دام أنه في يوم العيد، لكن ينبغي أن يخرجها وأن يبادر إلى إخراجها قبل صلاة العيد كما جاء في حديث ابن عمر من قوله رضي الله عنه وأمره بأن تؤدى قبل خروج الناس للصلاة , هذه الصدقة صدقة يتقرب بها العبد لله جل وعلا , فهل يجزيء أن يخرجها من النقود ؟
من أهل العلم من يرى أنه يجوز أن يخرجها من النقد , ومنهم من يرى ( وهذا قول عامة أهل العلم )أنه لا يجزيء إخراجها إلا من الطعام كما كان يخرجها النبي صلى الله عليه وسلم , وهذا أقرب ما لم يكن هناك حاجة أو مصلحة في إخراجها من النقود كالبلاد التي لا يقبل فيها الطعام أو لا يوجد فيها من يقبل الطعام , فعند ذلك يعتاض عن الطعام بإخراج قيمة الطعام الواجب , فهذا عند المصلحة أو الحاجة , أما الأصل عند وجود من يقبل هذه الزكاة طعاما فالواجب إخراجها طعاما كما هو قول عامة علماء الأمة .
أسأل الله تعالى أن يطهرنا وإياكم من الذنوب والسيئات, وأن يتقبل منا ومنكم الصالحات, وأن يجعلنا وإياكم من عباده المتقين وحزبه المفلحين وأوليائه الصالحين .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .