الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ الرحمنِ الرحيمِ مالِكِ يومِ الدينِ أحمدهُ لا أُحصِي ثناءً عليهِ كَما أثْنَى علَى نفسهِ لهُ الحمدُ كُلُّهُ أولهُ وآخرهُ ظاهرهُ وباطنهُ, وأشهدُ أنْ لا إلهِ إِلَّا اللهَ إلهُ الأولِينَ وَالآخِرينَ ربُّ العالمينَ لا إلهَ إِلَّا هُوَ الرحمنُ الرحيمُ, وأشهدُ أَنَّ محمَّدا عبدُ اللهِ ورسولهُ صفوتهُ منْ خلقهِ بعثهُ اللهُ بِالهدَى ودينِ الحقِّ بينَ يَدي الساعَةِ بَشيرًا وَنَذيرًا، فصَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلهِ وصحْبِهِ ومنِ استمسَكَ بهديهِ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ, أَمَّا بعدُ:
فيقولُ اللهُ –جلَّ وَعَلا-في كِتابهِ: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾[القمر: 17] يا لَها مِنْ آيةٍ عظِيمةٍ بينَ اللهُ تَعالَى فِيها السمةَ العامَّةَ الَّتي تنتظمُ جميعَ هَذا القُرآنَ العظيمَ الَّذِي جعلهُ اللهُ تَعالَى هِدايةً للبشريةِ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾[يونس: 57-58] إنَّ اللهَ –جلَّ وَعَلا-يقولُ في محكمِ كِتابهِ: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾ [القمر: 17] كثيرٌ مِنَّا إِذا قرأَ هذهِ الآيةَ أَو سمعَها تبادرَ إِلَى ذهنهِ مُباشرةً أنهُ مُيَسَّرٌ قراءةَ أنهُ مُيسرٌ حفْظًا، وهَذا لا شكَّ أنهُ منْ دِلالاتِ الآيةِ لكنَّ أَعْلَى مِنْ هَذا وأكبرَ هُوَ تيسيرُ فهمهِ وَتيسيرُ مَعانيهِ وَوراءَ هَذا كلُّهِ مما تدلُّ علَيْهِ الآيةُ تيسيرُ العملِ بهِ.
ولهذا كانتْ هَذه الشريعةُ شريعةَ يسرٍ، شريعةَ سماحةٍ هَذا اليسرُ ليسَ مِنْ صُنعِ عالمٍ، وَلا مِنْ تفقُّهِ فقيهٍ، إنهُ وصْفُ الشريعَةِ الَّتي شَرَعَها ربُّ العالمينَ يَقولُ اللهُ –جلَّ وَعَلا-: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾[الحج: 79] ويقولُ –سبحانهُ وبحمدهِ-: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185] ويقولُ النبيُّ –صَلَّى اللهُ عليهِ وعلَى آلهِ وسلَّم-كما في الصحيحينِ مِنْ حَدِيثِ أَبي هريرةَ «إِنَّ الدِّينَ يُسرٌ»البُخاري(39).
إذًا دينُ ربِّنا الَّذي نتعبدُهُ –جلَّ وَعَلا-دِينٌ ميسَّرٌ ليسَ فيهِ عقدٌ، وَليسَ فيهِ صُعوباتٌ، وليسَ فيهِ ما يشقُّ علَى الناسِ ويقعدهمْ عنِ العَملِ كَما قالَ اللهُ تَعالَى فِيما ذكرهُ مِنْ أَوْصافِ ما ذكرهُ –جَلَّ وَعَلا-في آخرِ سورةِ البقرةِ في آياتِها الَّتي ختمتها يقولُ اللهُ –تَباركَ وتَعالَى-: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ [البقرة: 286] فاللهُ –جلَّ وَعَلا-أخبرَ في هذهِ الآيةِ الكريمةِ منْ أوجُهٍ عدةٍ عنِ اليسرِ الَّذِي تضمنتهُ الشريعةُ.
لكنْ ينبغِي أنْ يفهمَ وأَنْ يعلمَ أنَّ التيسيرَ الَّذِي في هذهِ الشريعَةِ لا يَعْني إِسْقاطَ التكليفِ، بَلْ لابدَّ مِنَ التكليفِ لأنهُ لَوْ لمْ يكلفِ اللهُ تَعالَى الخلقَ ما تبينَ الصادقَ مِنْ غيرهِ، وَالتكليفُ فيهِ نوْعُ مشقةٍ لكنْ هذهِ المشاقَّ وَهُنا سرَّ منْ أسْرارِ هذا التشريعِ الحكيمِ هذهِ التكاليفُ هيَ يُسرٌ في حقيقتِها وهِيَ يُسْرٌ في مآلِتها وَعاقبتِها للإِنْسانِ.
وَلهذا الصَّومِ الَّذي فرضهُ اللهُ تَعالَى علَى عبادهِ هُوَ نوعٌ مِنَ المشقِّةِ وَلوْلا المشقةِ سادَ الناسُ كلهُمْ الجودُ يفقرُ والإِقدامُ قتَّالُ.
إذًا لابُدَّ مِنْ مشقَّةِ لِتحقيقِ وَتحصِيلِ أَيْ نجاحٍ في الدُّنيا أوِ الآخرةِ، ولذلِكَ هذهِ المشقةُ الَّتي في الصيامِ هِيَ في الحقيقةِ تنغمرُ وتزولُ وتضمحِلُّ أمامَ الفوائِدِ والمصالحِ الَّتي يُدركُها الناسُ في صِيامهِمْ هَذا مِنْ حَيثُ أَصْلُ التشريعِ.
إذًا الصومُ رغمَ ما فيهِ مِنَ مشقاتِ وَمُعاناةِ إِلَّا أَنَّ ما فيهِ مِنَ المصالحِ أَعظمُ بِكثيرٍ مِنَ المشقَّةِ الَّتي تحصلُ هَذا مِنْ جِهةِ، مِنْ جِهةٍ ثانيةٍ أنَّ الناسَ لَوْ تركُوا الصَّومَ لكانَ عليهمْ مِنَ المشقاتِ وَالعُسرِ ما هُوَ أعظمُ بِكثيرٍ منْ مشقَّةِ الصَّومِ الَّذِي فرضهُ اللهُ تَعالَى علَيهمْ وَجعلهُ سَببًا مِنْ أَسبابِ دُخُولِ الجنةِ وَجعلهُ محلًا لحطِّ السيئاتِ ورفعةِ الدَّرجاتِ.
إِنَّ اللهَ –جلَّ وَعَلا-يسرَ لِلعبادِ فِيما فرضَ عليهِمْ، هَلِ المشقَّةُ الَّتي اتَّسمَتْ بِها هذهِ العبادةُ، هذهِ المشقَّةُ الَّتي تحدثَّنا عَنْها في أَصْلِ التشريعِ وَبينَّا أَنَّها محلُّ رِفقٍ ويسرٍ وسهولةٍ بِاعتبارِ المشاقِّ الَّتي تترتبُ لَوْ تَركَ العِبادُ الصَّوْمَ وَبِالنَّظَرِ إَلَى المصالحِ المجنيةِ مِنَ الصَّومِ لا تلْغِي تيسيرًا في التكاليفِ، فاللهُ تَعالَى كلفَ الناسُ وشرعَ لهمْ ما فيهِ يسرٌ وسهولةٌ ثمَّ إِذا طرأَ ما يُوجِبُ شيئًا مِنَ التيسيرِ فإنَّ الشريعَةِ تأْتي بِهِ علَى أَكملِ وجهٍ تحفظُ بِهِ المصالحِ وَتُدركُ بهِ المنافعُ وتتوقَّى فيهِ ما يمكِنُ أَنْ يكُونَ منَ المفاسِدِ اللهُ تعالَى يقولُ في فَرضِ الصومِ ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185] ثم يقولُ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾[البقرة: 184] هُنا وقفةٌ ذكرَ اللهُ تَعالَى في آياتِ الصِّيامِ هذهِ الجملةِ في موْضعينِ؛
أولًا في أصلِ الصيامِ الَّذي ذكرهُ اللهُ تَعالَى في قولِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 183-184] ثمَّ بعدَ أنْ جاءَ تقريرُ التشريعِ بِفرضِ الصيامِ علَى الناسِ كلهمْ ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185] هذهِ الآيةُ نسختْ كَما قالَ بعضُ أهلِ العلمِ الآيةُ السابِقةُ، فلَمَّا نُسخَتْ كانَ مِنَ المتبادرِ إِلَى الذهْنِ أنهُ هَذا أَيْضًا يجبُ في حالِ السفرِ، ويجبُ في حالِ المرضِ، لكنَّ اللهُ تَعالَى نفْيِ هَذا بِالنصِّ علَى الأعذارِ الموجبَةِ لِلتخفيفِ في الصومِ فَقالَ –جلَّ وعَلا-: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 184] .
إذًا اللهُ –جلَّ وَعَلا-في هذهِ الآيةِ بينَ الرخصِ المبيحةِ لِلفطرِ وهِيَ في الجملةِ أمرانِ؛ المرضُ، والسفرُ وَهُما أيْضًا لَيْسا علَى حدٍ سواءٌ، فمعلومٌ أنَّ المرضَ أمرٌ قهريٌّ قدريٌّ ليسَ للإنسانِ فيهِ اختيارٌ، فمرضُ الإنسانِ ليسَ بِاختيارهِ وَلذلكَ قالَ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ [البقرة: 184] فارق اللهُ تعالَى في طريقةِ الإِخْبارِ عنْ هَذهِ الرُّخصةِ فقالَ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا﴾ [البقرة: 184] وَفي السفَرِ لم يقُلْ مُسافِرًا إِنَّما قالَ: علَى سفرٍ لأنَّ السفرَ اخْتياري بِخلافِ المرضِ هَذا مِنْ أوجُهِ الفُروقِ اللُّغويةِ بيْنَ هَذيْنِ العذرينِ اللَّذيْنِ ذكرهُمُ اللهُ تَعالَى في هَذِه الآيةِ.
يقولُ اللهُ –جلَّ وَعَلا-: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ [البقرة: 184] .
إذًا عندَنا عذرانِ وهُما أصْلا أَوْ أُصولُ العذْرِ في تركِ الصِّيامِ؛ المرض، والسفرُ فَما هوَ المرضُ الَّذي يُبيحُ الفِطْرَ؟
العلُماءُ رحمهُمُ اللهُ قالُوا: إِنَّ المرضَ في أصلهِ ضِدَّ الصحَّةِ هَذا مِنْ حيثُ المعْنَى وهُوَ عِلَّةٌ تصيبُ البدنَ تخرجُهُ عنْ حالِ الاعتدالِ وَالسَّلامةِ وَالأَمْراضِ مَعْلُومٌ أَنَّها علَى دَرجاتٍ وأنواعٍ واللهُ تَعالَى يقولُ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا﴾ [البقرة: 184] ولهذا لابدَّ مِنْ معرفةِ ما هُوَ المرضُ الَّذي يُعدُّ عُذرًا في إباحةِ الفطرِ؟
قبل أنْ ندخُلَ في ذلِكَ وَنذكُرَ كلامَ العُلماءِ، نقولُ الاتفاقَ مُنعقِدٌ لا خِلافَ بينَ أهْلِ العلْمِ علَى أَنَّ المرضَ في الأَصْلِ مِنَ الأَعْذارِ المبيحةِ لِلفطرِ لكِنْ يبقَى ما هُوَ المرضُ الَّذي يبيحُ الفطرَ؟ أوْ ما هِيَ أقسامُ المرضِ بِالنظرِ إِلَى الصومِ؟
العلَماءِ منهُمْ وَهَذا ما جَرَى عليهِ بعضُ العُلَماءِ منهُمُ ابْنُ العربيِّ –رحمهُ اللهُ- ذكر ذلكَ في أَحْكامِ القُرآنِ لهُ (1/110), وَينظُرُ: المجموعَ(6/ 258)، وَالمغني (3/ 16)، والقوانينُ الفقهيةُ (82) ذكر أنَّ المرضَ ينقِسمُ إلَى ثلاثَةِ أَقْسامٍ؛ القسمُ الأولُ: ما يجبُ فِيهِ الفطرُ وهُوَ المرضُ الَّذي يترتبُ عليهِ مضرةٌ واضحةٌ بينةٌ ومفسدةٌ كبيرةٌ قدْ تُفضِي بِالإنسانِ إِلَى الهلاكِ هُنا يجبُ عليهِ أن يُفطرَ وَلا يجوزُ لهُ الصِّيامُ، وَإِذا صامَ قَدْ عرَّضَ نفسهُ إِلَى عُقوبةِ اللهِ تَعالَى وقَدْ قالَ اللهُ تَعالَى: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195] .
القِسمُ الثاني: مِنَ الأَمْراضِ هُوَ الأَمْراضُ الَّتي لا تبلُغُ إِلَى هَذا الحدَّ بمعْنَى أنهُ لا يحصُلُ بِالصومِ هَلاكَ، لكنْ قدْ يحصُلُ مَشقةٌ وقَدْ يحصُلُ تأخُّرٌ شفاءُ برءٍ وقَدْ يحصُلُ زيادةٌ في المرضِ.
إذًا عندَنا القِسْمُ الثاني مِنَ الأَمْراضِ هُوَ المرضُ الَّذي فيهِ مشقَّةٌ ويلحقُ الإِنسانَ فيهِ تعبٌ وإرهاقٌ.
الثاني مِنْ أَوْصافِ المرضِ في هَذا القسِمْ أَنْ يكونَ مُؤَخَّرًا للشفاءِ ولوْ لم يكُنْ فِيهِ مشقةٌ زائدَةٌ أَوْ ما فيهِ عنتٌ وتعبٌ لكنْ فيهِ تأخيرٌ للبرْءِ وَالشِّفاءِ.
الثالثُ: مِنْ الأمراضِ أَوْ مِنَ الَّذي يندرِجُ تحتَ هَذا القسمِ أنْ يكُونَ مِنْ أسبابِ زيادةِ المرضِ أَنْ يكُونَ الصومُ سَببًا لزيادَةِ المرضِ كُلُّ هذهِ الأَحوالِ الثلاثَةِ مِمَّا يُشْرَعُ فيهِ للإنسانِ أنْ يُفطِرَ، وقَدْ استحبَّ هَذا جماهِيرُ عُلماءِ الأُمَّةِ وَلهذا ينْبَغِي للإِنْسانِ أَنْ يأْخُذَ بِالرخْصَةِ واللهُ تَعالَى كَما جاءَ في الحديثِ الصحيحِ «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ» صَحيحُ ابْنِ حِبَّانَ(354) وَهَذا مِنْ رَحمةِ اللهِ تعالَى.
فينبغي للمؤمن ألا يكلف نفسه ما لا يطيق وأن يبادر إلى أخذ هذه الرخصة التي جاء النص عليها في آيات الصيام في موضعين تأكيدًا لمعناها وتأكيدًا للأخذ بالرخصة فيها.
وعلى هذا جماهير علماء الأمة وهنا فيما يتصل بهذا المرض أو الضرر الذي يغشى بالمرض وتأثير ذلك في الصوم الضرر العلماء يقسموه إلى قسمين؛ ضرر حسي يجده الإنسان بهذه الأشياء التي ذكرناها وهناك ضرر خبري بأن يخبره الطبيب مثلا أو المختص بأنه يضر كالصوم هذا الخبر إذا كان من ثقة فإنه كالمرض الحسي في الحكم الذي يحس به الإنسان، فإنه يبيح له الفطر.
هذه القضايا المتصلة بالقسم الثاني من أقسام الأمراض.
القسم الثالث من أقسام الأمراض وأثرها على الصيام الأمراض التي لا أثر لها على الصوم، فلا تزيد فيه ولا يشق معها الصوم ولا تؤخر البرء، هنا هذه الأمراض من العلماء من يقول: إن الله تعالى قد منح العباد الرخصة فقال: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ [البقرة: 184] وقال: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ [البقرة: 1856] فهذا يشمل كل مريض كل من تحقق فيه وصف المرض وصدق عليه اسم المرض فإنه يباح له الفطر، وهذا قول جماعة من أهل العلم منهم ابن سيرين ومنهم إسحاق بن راهويه ومنهم الإمام البخاري وهؤلاء يرون أنه مجرد المرض ولو لم يكن له تأثير على الصيام يبيح الفطر.
ولهذا ورد عن أبي عبد الله البخاري أنه مرض وزاره إسحاق وقال له يا أبا عبد الله أفطرت؟ قال: نعم قال: وفقت إلى الأخذ بالرخصة ثم ذكر البخاري له بإسناده عن ابن جريج عن عطاء أنه كان يرى الفطر من كل علة ولو لم تكن مؤثرة في الصوم هذا قول هذه الطائفة من أهل العلم أخرج القصة الحاكم في معرفة علوم الحديث ص(75), وينظر: فتح الباري(1/487), وبدائع الصنائع: 2/ 1017, المجموع: 6/ 258, والمغني: 2/ 133.
القول الثاني هو قول جماهير علماء الأمة وأنه لا يحل للصائم أن يفطر بهذا النوع من المرض لا يحل للمريض أن يفطر بهذا النوع من المرض لأن لا أثر له في الصيام ولا يعكر على الإنسان هذه العبادة وبالتالي فهذه العبادة لا تزيد في المرض ولا تؤخر البرء ولا فيها مشقة كمثلا بعض الأمراض الجلدية أو بعض الأمراض التي لا يترتب عليها أي نوع مشقة ولا يحتاج الإنسان أن يتعاطى علاجًا حتى يدفعها أو حتى يزيلها وبالتالي ما الموجب للفطر ومعلوم أن الأحكام الشرعية إنما جاءت لعلل وغايات وهذه العلل والغايات الأحكام تدور معها فالله تعالى إنما أباح الفطر للمريض لكون ذلك يشق عليه أو تلحقه به مضرة أو ما إلى ذلك من الأشياء التي سبق تفصيلها.
ولهذا نقول: من كانت أمراضه أو من كان مرضه لا أثر له على الصوم من أي وجه أو لا يؤثر عليه الصوم من أي وجه فإنه ينبغي له أن يأخذ بما ذهب إليه جماهير علماء الأمة، فلا يستبيح الفطر بل ينبغي له أن يصوم فهو داخل في عموم قوله –جل وعلا-: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185].
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشفي مرضى المسلمين وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يرزقنا وإياكم الفقه في التأويل والعلم بكلام العظيم الجليل رب العالمين، وأصلي وأسلم على البشير النذير نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.






