الحمد لله العظيم الحليم، الحمد لله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، أحمده حق حمده، لا أحصي ثناءً عليه كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله رب الأرض والسماوات، ورب الأولين والآخرين، وإله الأولين والآخرين، له الحمد كله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، بعثه الله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إليه بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق الجهاد حتى أتاه اليقين وهو على ذلك، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أيها الإخوة والأخوات في هذا البرنامج، برنامجكم: فادعوه بها.
إننا في هذه الحلقة سنتناول بقية ما يتصل باسم الله: العظيم، الذي جمع من أوصاف العز والكمال والجلال والجمال ما لا يحيط به بيان.
الله ـ تعالى ـ عظيم كما أخبر ـ جل في علاه ـ عن نفسه في كتابه الحكيم: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى﴾[الأعلى:1]، ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾[الواقعة:74]، هكذا يأمر الله ـ تعالى ـ بتنزيهه وإجلاله ـ سبحانه وبحمده ـ لعظمته وعلوه ـ جل في علاه ـ اسم الله العظيم عنوان السعادة والفلاح لمن آمن به وعمل بمقتضاه، اسم الله العظيم به النجاة من النار لم نحقق مقتضاه وأدرك ما تضمه من الآثار، اسم الله العظيم به الفوز لمن فهم ما فيه وعمل بما تضمنه، إنه يثبت لله ـ تعالى ـ كل الكمالات، وأنه لا نظير له، ولا مثيل، ولا شبيه ـ سبحانه وبحمده ـ لذلك هذا الاسم يتصل بمرتكز رئيسي من مرتكزات العبودية، والعبودية لا تتحقق لأحد إلا بكمال تعظيمه لله ـ جل وعلا ـ يقول الله ـ جل وعلا ـ في محكم كتابه في عتابه لمن عبد غير الله ـ جل وعلا ـ: ﴿مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾[نوح:13]، أي شيء يحملكم على أن لا تعظموه حق تعظيمه فتصرفوا العبادة إلى من سواه، أو تقبلوا على غيره بأنواع من القربات والالتفاتات.
يقول ـ جل وعلا ـ: ﴿مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾[نوح:13] قال الحسن: مالكم لا تعرفون الله حق معرفته. وقال مجاهد: لا تبالون عظمة ربكم. وقال ابن عباس: لا تعرفون حق عظمته. مالكم؟ أي شيء يحول بينكم وبين هذا؟ إنه الغفلة عن كمالات الله، الغفلة عن جلال الله، الغفلة عن كبير ما يتصف به ـ جل وعلا ـ من الصفات.
إن تحقيق التعظيم لله ـ عز وجل ـ الإيمان التام الكامل بأن الله عظيم يمنع الإنسان من الوقوع في أي نوع من الشرك، ويحقق له كمال التوحيد، وهذه قضية في غاية الظهور والبيان، فإن عظمة الله ـ تعالى ـ مقتضاها أن لا يسوى به غيره، والشرك بكل صوره سواء كان ظاهرة أو كانت باطنة، كل صور الشرك تعود وترجع إلى تسوية غير الله تعالى بالله، فلذلك من حقق التوحيد لله رب العالمين سَلِم من الشرك، ومفتاح ذلك: تعظيم رب العالمين. يقول ابن القيم رحمه الله:
وعبادة الرحمن غاية حبه ... مع ذل عابده هما قطبان
وعليهما فلك العبادة دائر ... ما دار حتى قامت القطبان
وعبادة الرحمن غاية حبه، أي: منتهى الحب. مع ذل عابده هما: أي: المحبة والتعظيم. قطبان، وعليهما: على المحبة والتعظيم، فُلْك العبادة دائر ما دار حتى قامت القطبان.
إن توحيد الله تعالى هو ثمرة تعظيمه ـ جل في علاه ـ ولذلك كل تقصير أو قصور في حق الله ـ تعالى ـ سببه ومصدره: غفلة الناس عن عظمة الله ـ تعالى ـ ولو عظم العباد ربهم حق تعظيمه لما عبدوا سواه، ولما سووا به غيره، لعرفوا أن المخلوق مهما كان جاهه ومهما كانت قوته فهو مخلوق مربوب مغلوب، يقول الله ـ تعالى ـ: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾[الزمر:67]، يقول ـ جل وعلا ـ لمن كذب الرسل وقال: إن الله ما أنزل كتاباً، هذا لم يعظم الله حق تعظيمه، ولذلك يقول ـ جل وعلا ـ: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾[الأنعام:91].
إذاً: كل تقصير في حق الله ـ عز وجل ـ إنما سببه ومصدره ومنشؤه هو ضعف تعظيم الله ـ عز وجل ـ ولو عظَّم العباد ربهم حق تعظيمه لما قصروا في عبوديته ـ جل وعلا ـ ولما قصروا في إجلاله ـ سبحانه وبحمده ـ وكذلك يثمر تعظيم الله ـ عز وجل ـ في قلب العبد أن يمتثل ما أمر الله ـ تعالى ـ فإن مقتضى التعظيم أن يقوم الإنسان بما يرضي الله ـ عز وجل ـ فيعظِّم ما عظَّمه الله ـ تعالى ـ ولذلك يقول الله ـ تعالى ـ: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾[الحج:32]، ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ﴾[الحج:30]، فتعظيم الشعائر هو ثمرة الإيمان به ـ سبحانه وبحمده ـ ثمرة الإيمان باسمه العظيم، ثمرة الإيمان بعظمة رب العالمين جل في علاه.
إن الله ـ سبحانه وبحمده ـ هو العظيم، وشواهد عظمته في خلقه وأمره ودينه كثيرة لمن أبصر واستبصر ونظر بعينيه: عين رأسه وعين قلبه لأنه يدرك جليل قدْر الله سبحانه وتعالى، وأنه لا يقدْر الخلق قدره، وذلك يثمر في قلبه خيرات عظيمة،
فهو العظيم بكل معنىً يوجب |
|
التعظيم لا يحصيه من إنسان |
والحمد لله السميع لسائر |
|
الأصوات من سر ومن إعلان |
وأنا أدعو نفسي وإخواني إلى أن نفتش عن عظمة الله ـ عز وجل ـ في قلوبنا، أم نحن فقط نعظمه بألسنتنا دون أن يكون لقلوبنا من هذا التعظيم نصيب؟ هنالك مشكلة إذا كان التعظيم في اللسان والقلب عن ذلك التعظيم في غياب وفي ذهول وفي بُعْد.
أدعو نفسي وإخواني إلى مراجعة قلوبنا، ونحن بحاجة إلى أن ننظر إلى هذه الأسماء، الأسماء لم تُذكر عبثاً، ليست أن يأتي بها الإنسان ويقول: الله، الرحمن، الرحيم، الملك، السميع، العليم، العظيم، الحليم، دون أن يتدبر ما فيها من المعاني، إن إحصاء الأسماء الحقيقي الذي ينفع هو أن تحصيها عملاً فتتعبد الله ـ تعالى ـ بها، هكذا يتحقق في كل أسماء الله ـ تعالى ـ ومنه اسم الله: العظيم، ونحن ألمحنا إلى شيء من آثار الإيمان بأن الله عظيم، وأنه العظيم ـ جل في علاه ـ وهكذا في سائر الأسماء استحضر هذا المعنى، فإن أسماء الله ـ تعالى ـ أعظم أسباب تحقيق الإيمان بالله وإجلاله والامتثال لشرعه والاستقامة على أمره في الدين والدنيا وفي أمر الخاصة والعامة هو أن تكون عالماً بالله ـ عز وجل ـ فالعلم بالله أشرف العلوم وأعلاها، وبقدر نصيبك منه تعلو في الدنيا ويعظم أجرك في الآخرة.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقني وإياكم حسن عبادته، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك واسلك بنا سبيلك المستقيم، وأعنِّا على الصراط المستقيم، وتوفنا ربنا مسلمين، وأحسن لنا العاقبة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أهلاً وسهلاً بكم وأستودعكم الله في هذه الحلقة حلقة برنامجكم الذي استمعتم إليه في حلقات مضت: فادعوه بها، وأسأل الله تعالى أن يجمعني وإياكم على خير، وأن يجعلنا وإياكم من حزبه وأوليائه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.