الحمد لله رب العالمين، أحمده حق حمده لا أحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم.
وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أيها الإخوة والأخوات في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم: فادعوه بها.
اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا، اللهم مُنَّ علينا بالعلم بك والمعرفة بحقك والقيام بما يرضيك عنا يا ذا الجلال والإكرام.
أسماء الله ـ تعالى ـ كلها حسنى، ليس ثَمَّة من أسمائه ـ جل وعلا ـ ما يخرج عن هذا الوصف، وقد ذكر الله ـ تعالى ـ هذا في محكم كتابه في أربعة مواضع يصف أسماءه بهذا الاسم، يقول الله ـ جل في علاه ـ: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[الأعراف:180]، ويقول ـ جل وعلا ـ: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾[الإسراء:110] سبحانه وبحمده.
ويقول ـ سبحانه وبحمده ـ: ﴿وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾[طه:7-8].
ويقول ـ تعالى ـ في سورة الحشر بعد أن ذكر جملة من أسمائه منها: ﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾[الحشر:24].
فكل أسماء الله حسنى في ألفاظها، وحسنى في معانيها، والحسنى: أي التي بلغت في الحسن المنتهى والغاية، ولذلك هي أفعل تفضيل؛ لكنه بصيغة التأنيث، مثل: كبرى هي بمعنى الأكبر لكنها صيغة تأنيث، وحسنى هي الأحسن لكنها بصيغة تأنيث.
فأسماء الله ـ تعالى ـ كلها حسنى؛ لأنها طيبة في ألفاظها، جميلة في معانيها، ومن حسنها أنها تدل على الله ـ جل وعلا ـ وقد أمر الله ـ تعالى ـ بالدعاء بكل أسمائه ولم يستثن من ذلك اسم، بل قال: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾[الأعراف:180] والضمير يعود إلى كل تلك الأسماء الشريفة الكريمة العظيمة التي تسمى الله ـ جل في علاه ـ بها، إلا أن أسماء الله ـ تعالى ـ متفاوتة في دلالتها على الكمالات، فمنها ما يدل على كمال معين، أي: كمال في أمر من الأمور، كالكريم أو السميع أو البصير، فهذا يدل على كمال في هذه المعاني المذكورة على وجه الانفراد، وإن كانت تدل على صفات أخرى بالالتزام والتضمن؛ لكن مهما كان هي في دلالتها مستفادة هذه الأسماء من معاني محددة. هذا القسم الأول وضربنا له أمثلة بالسميع والبصير وما أشبه ذلك من الأسماء التي استُفيدت من معنىً واحد ودلت عليه.
هناك أسماء في أسماء الله ـ عز وجل ـ واسعة الدلالة على الكمال، ولم يثبت ذلك الاسم من معنىً واحد أو من صفة واحدة، بل ذلك الاسم جاء من مجموع أسماء ومن كثير من الأوصاف التي أثبتت هذا المعنى العظيم، وهذا الاسم الكريم لله ـ جل وعلا ـ من أمثلة ذلك: العظيم، والحميد، والمجيد، والله، والرب، كل هذه الأسماء لم يُستفد معناها من صفة واحدة، بل ثبت معناها وثبت هذا الاسم من مجموع صفات اتصف الله ـ تعالى ـ بها، ولذلك أسماء الله متفاوتة في حسنها وإن كانت في مجموعها دالة على كمال الرب ـ عز وجل ـ بل في أفرادها دالة على كمال الله ـ عز وجل ـ إلا أنها متفاوتة في دلالتها على الكمالات، فليست على درجة واحدة، بل هي متفاوتة تفاوتاً عظيماً.
بين هذه الأسماء ما يُعرف بالاسم الأعظم، والاسم الأعظم تتوق النفوس إلى معرفته؛ لأنه قد جاء عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال في الاسم الأعظم: }هو الذي إذا دعي به الله ـ جل وعلاـ أجاب، وإذا سئل به أعطى{سنن الترمذي (3475)،وسنن أبي داود (1495). ومعنى هذا: أن هذا الاسم له تأثير في حصول المطلوبات والأمن من المرهوبات والسلامة من المكروهات، هذا الاسم ينبغي أن يُعلَم أنه لا يمكن أن يتوصل إليه بالاقتراح، ولا بالفِكْر ولا بالتوهم والظن، بل لابد أن يكون مستنداً إلى نص، ولهذا فالذين يعطون لهذا الاسم هالة من حيث خفاؤه وعدم العلم به ويجعلونه من الأسرار التي لا يُعرف الوصول إليها ولا تُدرك إلا بطريق من الطرق التي يقترحونها؛ لاشك أنهم متوهمون، الشريعة ليست بهذا الخفاء ولا بهذا العبث الذي يفعله بعض الناس فيقول: الاسم الأعظم له خادم، والاسم الأعظم له سر، والاسم الأعظم هو غيب مكنون وسر مصون لا يتوصل إليه إلا من طريق الولاية. ثم يقال لهم: طيب، ما الولاية التي تقولون؟ هل هي ولاية كانت معروفة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؟ هل نالها أحد من الصحابة رضي الله عنهم؟ وتأتيك عدة إجابات لا توصلك إلى حقيقة، إنما حقيقتها الجهل والعبث بهذه المعاني الشريفة العظيمة.
الاسم الأعظم: ينبغي أن يُعلم أن تلقيه إنما يكون من قِبَل من لا ينطق عن الهوى، إما فيما أوحاه الله إليه في كتابه الحكيم أو فيما أوحاه إليه في سنته فإنه لا ينطق عن الهوى ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما عدا هذا فليس طريقاً لمعرفة الاسم الأعظم، وليست الولاية المخترعة المدعاة هي الطريق لمعرفة الولاية، فمنهم من يقول: نحن نأخذ من المصدر ولا نأخذ من الطريق والسند الذي تأخذون منه، يقصد بذلك أنه تلقى العلم من الله، ويسمونه في بعض تسمياتهم: العلم اللدني، الذي يكتسبه الإنسان بنفسه ولا يتوصل إليه من طريق الوحي. هذا كله عبث وكله نوع من الخروج عن الصراط المستقيم في معرفة الله جل وعلا.
الله ـ تعالى ـ إنما بعث الرسل إليهم داعين وبه معرِّفين ـ جل في علاه ـ فهل يسوغ بعد هذا أن يقال إن الاسم الأعظم مستفاد من طريق الولاية المكذوبة أو من طريق الكشف أو من طريق التلقي في المنامات وما إلى ذلك؟ كل هذا نوع من العبث، ينبغي أن يُرجع في معرفة الاسم الأعظم إلى وحي الله ـ عز وجل ـ وقد جاء عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عدة أحاديث، ففي السنن من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رجلاً قال في دعائه: «اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد» فقط، سمعه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: «والذي نفسي بيده! لقد سألت الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى»سنن الترمذي (3475)،وسنن أبي داود (1495)، هكذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الحديث.
في حديث آخر عند الترمذي وابن ماجه من حديث أنس أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سمع رجلاً يقول: «اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت، المنان، بديع السماوات والأرض، ذو الجلال والإحرام، يا حي يا قيوم، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: والذي نفسي بيده! لقد دعا الله باسمه الأعظم»سنن الترمذي (3544), وسنن ابن ماجة (3858)، وهو حديث آخر واختلفت فيه الصيغة.
وجاء في السنن وغيرها من حديث أبي أمامة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «ثلاث سور فيها اسم الله الأعظم: البقرة وآل عمران وطه»سنن ابن ماجة (3856)، وقد تكرر هذه السور اسما الله ـ عزو جل ـ: الحي القيوم، فقال بعض أهل العلم: إن الاسم الأعظم هو الحي القيوم. هكذا قال بعض أهل العلم، وقال آخرون: إن الاسم الأعظم هو رب العالمين، تبارك الله رب العالمين. وقال آخرون: الاسم الأعظم هو الله، فهو الاسم الذي ذكره الله أولاً في كتابه، وهو الاسم الذي تنبثق عنه الأسماء وتتبعه الأسماء، وذكروا لذلك عدداً من الأمور التي استدلوا بها على أنه الاسم الأعظم.
يتبين من هذا أن الاسم الأعظم فيه عدة أقوال، وقد أوصلها بعضهم إلى ما يزيد على عشرة أقوال أو أكثر من ذلك خمسة عشر قولاً.
ما هو الاسم الأعظم؟ ما هو الراجح من ذلك كله؟ الراجح هو أن الاسم الأعظم ليس بمعيَّن من هذه الأسماء على وجه التحديد، بل الاسم الأعظم هو كل اسم واسع الدلالة على الكمالات الإلهية، كالحميد والمجيد والعظيم والله والحي القيوم وما أشبه ذلك من الأسماء التي تدل على الكمال المطلق لله ـ عز وجل ـ وتدل على سائر الصفات، فإنه كلما اتسع الاسم في دلالته على كمال الله ـ عز وجل ـ عظُم وعلا وارتفع، ولذلك سمى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دعاء من دعا في حديث بريدة بأنه دعاء الله باسمه الأعظم والذي دعا في حديث أنس بأنه دعا الله باسم الأعظم، وجاء عنه أن الاسم الأعظم هو الحي القيوم على أن أكثر ما يرد من الأحاديث في ذلك ضعيفة، لكن الاسم الأعظم على الراجح هو كل ما دل على عظمة الرب ـ جل وعلا ـ العامة الشاملة لكل أسمائه وصفاته ـ سبحانه وبحمده ـ ولهذا ينبغي للمؤمن أن ينوع في سؤاله، وأن يوسع الدائرة في ما يذكره من الأسماء حتى يصيب الاسم الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب.
ومن المهم أن يُعلَم أن كل من قال: اللهم إني أسألك باسمك الأعظم، فقد سأل الله باسمه الأعظم على وجه الوصف لا على وجه التعيين، وقد جاء نظير هذا في حديث عبد الله بن مسعود في حديث الهمّ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجه في دعاء الهمّ إلى أن يقول: «وأسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك»مسند الإمام أحمد (3712)، فهنا سأل بكل اسم ومنه الاسم الأعظم، لذلك ينبغي أن نقتصد في ذلك على ما جاءت به السنة دون زيادة أو خروج عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أسأل أن يرزقني وإياكم العلم النافع، أسأله باسمه الأعظم أن يتولاني وإياكم، وأن يجعلنا من عباده المتقين وحزبه المفلحين وأوليائه الصالحين، أن ينير قلوبنا بنور كتابه، وأن يجعلنا ممن سعد به في هذه الدنيا وفي الآخرة.
وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم: فادعوه بها، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.