الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، أحمده حق حمده لا أحصي ثناءً عليه كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك كله وله الحمد كله، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أيها الإخوة والأخوات في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم: فادعوه بها.
إنها الأسماء الحسنى التي تعرفنا بها على الله ـ عز وجل ـ وعرَّفنا الله بها نفسه، فإنها أسماء تدل على الملك الجبار، الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض.
فالمؤمن يفرح بهذه الأسماء، ويتقرب إلى الله ـ تعالى ـ بمعرفتها، ويتقرب إلى الله ـ تعالى ـ بذكره وتمجيده بها ـ سبحانه وبحمده ـ فلذلك أمرنا الله ـ تعالى ـ بدعائه بها، ودعاؤه بها: تمجيده وتقديسه بذكر هذه الأسماء والتعبد له بها، كما أنه يكون أيضاً بسؤال الله ـ تعالى ـ بهذه الأسماء ودعائه بها وذِكْرها في المطالب والحاجات.
من أسمائه ـ جل في علاه ـ: الملك، والمالك، والمليك ـ سبحانه وبحمده ـ وقد دلت الأدلة على هذه الأسماء الثلاثة، وكلها تدل على معنىً واحد وهو أن الله ـ جل في علاه ـ هو المتصرف الذي لا ممانعة لتصرفه ولا دافع لما أراد، ولا معقب لحكمه ولا راد لقضائه ـ جل في علاه سبحانه وبحمده ـ فكان من دلالات هذا الاسم أنه الكامل في صفاته، الكامل في أفعاله.
وقد جرى الله ـ تعالى ـ في ملكه أن يصير خلقه بين عدله وإحسانه وفضله ـ سبحانه وبحمده ـ من تمام ملكه ـ جل في علاه ـ أنه لا منازِع له، فالأمر لله، كما قال ـ جل في علاه ـ: ﴿لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ»[الروم:4]، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾[يوسف:21]، ﴿أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾[الأنعام:62]، فله الملك ـ جل في علاه ـ لا ينازعه أحد ملكه ـ سبحانه وبحمده ـ ولا يقوم له شيء ـ جل في علاه ـ فله التصرف المطلق في الكون، وتدبير أمر العالم كله بيده سبحانه وبحمده.
كما أن من دلالات ومعاني هذه الأسماء: أنه ـ سبحانه وبحمده ـ لا يخرج شيء من الكون عن تدبيره وتصرفه، يقول الله ـ تعالى ـ: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ﴾[لقمان:16] جل في علاه سبحانه وبحمده. وهذا من تمام ملكه، فلا يفوته شيء، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾[لقمان:16].
ومن تمام ملكه ـ جل في علاه ـ ومعاني هذا الملك ومظاهره: أنه إليه تصمد الخلائق، أي: تنزِل حاجاتها به ـ سبحانه ـ فالخلق كلهم يلوذون به لا غنى بهم عنه، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾[فاطر:15]، فإليه يلوذ الناس، فلا غنى به لأحد من الخلق عن الله ـ عز وجل ـ يلوذ به أولياؤه ويعوذ به خلقه، فله الملك ـ سبحانه وبحمده ـ ولذلك يكون أهل الإيمان عند نزول الكربات والمضايق فزعين إلى ربهم ـ جل في علاه ـ بل هذه حال الناس عند الاضطرار، فإنهم يلجئون إلى الله ـ جل في علاه ـ في الاحتماء والحفظ والصيانة والتوفيق إلى توقي الشرور، يعني: أنا وأنتم كلنا إذا أرادنا شيئاً في تحصيله نلجأ إلى الله ـ تعالى ـ إذا أردنا أن نتوقى شيئاً ونأمن منه لجأنا إلى الله عز وجل.
يا من ألـــــــــوذ به فيما أؤمله ومن أعوذ به مما أحـــــــــــــــــــاذره
لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره ولا يهيضون عظماً أنت جابره
فمن مقتضيات ملكه أن يفزع الخلق إليه ـ سبحانه وبحمده ـ أن يلجئوا إليه ـ جل في علاه ـ فهو ربهم الذي منه تقضى الحوائج.
إن ملك الله ـ تعالى ـ وسع كل شيء، فلا يخرج عنه شيء لا ملك ولا مملوك، ولا صغير ولا كبير، في الدنيا قد يتوهم أحد أنه ليس مملوكاً لا سيما إذا ملك أشياء كثيرة واغتنى بأنواع من الغنى قد يظن ويتصور أنه خارج عن ملك الله ـ عز وجل ـ كما توهم فرعون وعلا على الناس وارتفع أن له ملك مصر، فأذله الله ـ تعالى ـ وأغرقه بما اعتز به، فقد قال في سياق ذكره لعزه وارتفاعه أن له ملك مصر وأن الأنهار تجري من تحته، فأغرقه الله بما اعتز به، أغرقه بالماء الذي ظن أنه سبب عزه فأذله الله عز وجل.
فكل شيء ذليل بين يدي الله ـ عز وجل ـ حتى أشرف الخلق الرسل والأنبياء يذلون بين يدي ربهم لتمام ملكه ـ جل وعلا ـ فكل الخلق إليه فقير ينزلون به حاجتهم.
هذا إبراهيم خليل الرحمن يقول: ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾[الشعراء:83].
وهذا موسى كليم الرحمن يقول: ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي﴾[طه:25-26].
وهذا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسأل الله ـ عز وجل ـ ويقول كما أمره الله ـ تعالى ـ: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ* وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ﴾[المؤمنون:97-98]، كل هذا من مقتضيات أنه الملك المليك المالك سبحانه وبحمده.
إن مُلْك الله ـ تعالى ـ لا يحيط به عقل، فملكه عظيم ـ جل في علاه ـ لا تدرِكه العقول ـ سبحانه وبحمده ـ ونحن عاجزون عن إدراك شيء من صفاته ـ سبحانه وبحمده ـ كما قال ـ جل في علاه ـ: ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ﴾[البقرة:255]، وعلمه أحاط بملكه ـ سبحانه وبحمده ـ ووسع ملكه ـ جل في علاه ـ فالعباد يقصرون عن أن يحيطوا بملك الله ـ جل وعلا ـ لكن ملكه ـ سبحانه وبحمده ـ تام، ليس له فيه شريك ولا له فيه معين وظهير، ولا له فيه شفاعة، ولذلك كان ملكه ـ سبحانه وبحمده ـ تاماً، فكل الخلق إليه فقراء، وهم مربوبون على حد سواء في عبوديتهم لله ـ عز وجل ـ ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾[مريم:93]، فكلهم عِباَد لله ـ تعالى ـ عبودية قهرية لا يخرجون عن شيء من ملكه أو أمره جل في علاه.
إن الله ـ جل وعلا ـ يبغض أولئك الذين ينازعونه ملكه، أو يتكبرون على ما جعله من خصائصهم وهي العبودية، فيرتفعون على الخلق ويستكبرون على الله ـ تعالى ـ ويستنكفون عن عبادته حتى ولو كان ذلك بالأسماء ولو لم يكن بالقلوب، الأسماء التي تشعِر بأن العبد خارج منازع لملك الله ـ تعالى ـ يكرهها الله ـ تعالى ـ ولذلك جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة: «إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك»صحيح مسلم (2143) لأنه ينازِع الله ـ تعالى ـ ما اختص به وما له من الانفراد بالملك، فقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ:«لا مالك إلا الله»صحيح مسلم (2143) ، ولذلك كل من نازع الله ـ تعالى ـ في ملكه ولو باللفظ، فإنه ذليل حقير مبغَض من الله جل وعلا.
أما أولئك الذين توهموا أنهم يعبدون من له ملك أو من له شركة، فقد نفى الله ـ تعالى ـ ذلك وقال: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلا يَسْتَطِيعُونَ﴾[النحل:73]، ﴿قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾[المائدة:76]، وهذا من أدلة إبطال عبودية غير الله ـ عز وجل ـ كل من توجه إلى أحد بسؤال أو بطلب أو بعبادة أو بقربة، فإنه يجني على نفسه ويجني على من توجه إليه إذا استجاب له وقَبِل عبادته، فإن ذلك من الضلال المبين والفساد الكبير الذي يتورط فيه بعض الناس.
إن الله ـ تعالى ـ مالك الملك، ومن مقتضى ملكه ـ جل في علاه ـ أن لا يُعبد سواه وأن لا يُتوجَّه إلى غيره، ﴿قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾[المائدة:76].
إذا أيقن العبد بأنه الله هو الملك الحق ـ جل في علاه ـ لم يكن في قلبه التفات إلى سواه؛ لأنه يعرف أن الطاعة إنما تكون للملك، والملك قد نهاك عن أن تشرك به شيئاً، فلا تتوجه إلى سواه ـ سبحانه وبحمده جل في علاه ـ له الملك كله ـ سبحانه وبحمده ـ بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه وذلك لتمام ملكه، ولا أحد يمتنع منه ـ سبحانه وبحمده ـ بل هو القاهر فوق عباده ـ سبحانه وبحمده ـ لا نحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه.
نكتفي بهذا القدر مما يتعلق بهذا الاسم الكريم من أسماء الله ـ عز وجل ـ: مالك الملك، وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم: فادعوه بها، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.