الحمد لله رب العالمين، أحمده حق حمده، لا أحصي ثناءً عليه كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مالك الملك، له الحمد كله جل في علاه، وله الملك كله سبحانه وبحمده، لا يحصي عباده ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أيها الإخوة والأخوات، وحياكم الله في حلقة جديدة من برنامجكم: فادعوه بها، وهي الأسماء الحسنى التي عرَّف الله ـ تعالى ـ بها نفسه في كتابه الحكيم وعلى لسان رسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه.
الأسماء الحسنى ذكرها الله ـ تعالى ـ في كتابه، فلم تخل منها سورة، بل لا تخلو منها آية في غالب ذكر الله الحكيم وآياته المبين.
إن الله ـ جل وعلا ـ ذكر في سورة الفاتحة جملة من أسمائه من ذلك قوله ـ جل وعلا ـ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾[الفاتحة:2-4]، وهذا إخبار عن اسم من أسمائه وعن وصف من أوصافه ـ جل في علاه ـ فهو الملك ـ سبحانه وبحمده ـ وهو المالك ـ جل في علاه ـ وهو المليك ـ سبحانه وبحمده ـ يقول ـ جل في علاه ـ: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾[طه:114] سبحانه، ويقول ـ سبحانه ـ: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ﴾[آل عمران:26]، ويقول ـ جل في علاه ـ: ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾[القمر:55]، فهذه الأسماء الثلاثة: الملِك والمالك والمليك كلها من أسماء الله ـ جل في علاه ـ وقد ذكرها الله في محكم آياته، جاءت مطلقة وجاءت مقيدة، فقال: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾[طه:114]، وقال ـ جل وعلا ـ: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ﴾[آل عمران:26]، وقال ـ سبحانه وبحمده ـ: ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾[القمر:55]، فكلها جاءت مطلقة، وجاء بعضها مقيداً كما ذكره الله ـ تعالى ـ في سورة الفاتحة حيث قال: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾[الفاتحة:4]، والتقييد ليس ملغياً للعموم أو الإطلاق، بل يبقى ملك الله شامل لكل شيء، فهو مالك الملك ـ سبحانه وبحمده ـ بيده ملكوت كل شيء، فهو المنفرد بالملك ـ سبحانه جل في علاه ـ وقد جاء في ذِكْر المُلْك أنه يتضح ويبدو جلياً في يوم الدين، أي: يوم الجزاء والحساب، ولذلك جاء مقيداً بيوم الدين، فقال ـ تعالى ـ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾[الفاتحة:4]، لا يعني أنه لا يملك إلا في ذلك اليوم، لكن تخصيص الملك بذلك اليوم إنما هو لظهور ذلك ووضوحه وجلائه وبيانه وأنه لا يلتبس، ولهذا جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «يقبض الله ـ تبارك وتعالى ـ الأرض يوم القيامة ويطوي السماوات بيمينه ـ سبحانه وبحمده ـ ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض»صحيح البخاري (4812)، فهو المليك المالك الملك ـ جل في علاه ـ الذي ملك كل شيء بقوته وحكم على كل شيء بعدله، فذلت ـ جل في علاه ـ لعظمته الرقاب، وخضعت لجبروته وملكه القلوب والألباب، إليه يلتجئ اللاجئون ويبتهل المبتهلون، ليس لهم عنه غنى ولا بهم عنه غنى سبحانه وبحمده، بل هم إٍليه فقراء، فهو مالكهم ومدبرهم.
يا أيها الملك القدوس رحماك |
|
ضاع الوجود وضل الخلق لولاك |
هذا الاسم الملك واسم المالك واسم المليك كله يد على معنىً واحد وإن اختلفت الصيغة في التعبير أو في الدلالة على هذا المعنى، فإن هذه الأسماء تدور على إثبات التصرف لله ـ جل وعلا ـ بلا ممانعة ولا مدافعة، فالملك هو الذي له مطلق التصرف في الشيء دون أن يمانعه أحد أو يدافعه أحد، فله الملكية المطلقة ـ جل وعلا ـ يحكم ما يشاء ويقضي ما يريد، ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ﴾[المائدة:120]، ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾[الشورى:49]، فالملك الثابت له ـ جل في علاه ـ يدل على كماله ـ سبحانه وبحمده ـ في صفاته وأفعاله ـ جل في علاه ـ ولذلك لا يمكن أن يكون ملك من لا كمال في صفاته، فدل ذلك على كماله في ذاته، فهو الحي القدير السميع البصير العليم ـ جل في علاه ـ كما أنه لا يمكن أن يكون ملكٌ من لا يأمر ومن لا ينهى ومن لا يثيب ولا يعاقب، ولا يعطي ولا يمنع، ولا يعز ولا يذل، ولا يمكن أن يكون ملك من لا يهين ولا يكرِم، ومن لا ينعم ولا ينتقم، ومن لا يخفض ولا يرفع، ومن لا يرسل الرسل إلى أقطار المملكة ليصلح أحوال مملكته، ومن لا يتقدم إلى عبيده بالأوامر والنواهي، فله الملك التام الكامل ـ جل في علاه ـ الذي لا ينازع في شيء منه ـ سبحانه وبحمده ـ لذلك حقيقة الملك التامة التي لا نقص فيها هي لله ـ جل وعلا ـ فله العطاء والمنع، وله الإكرام والإهانة، وله الإنابة وله الإثابة والعقوبة، والغضب والرضا، يعز من يشاء ويذل من يشاء، كما قال ـ جل وعلا ـ: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[آل عمران:26]، هو الملك ـ سبحانه وبحمده ـ يغفر ذنباً، ويفرج كرباً، ويكشف غماً، وينصر مظلوماً ويأخذ ظالماً، ويفك عانياً، ويغني فقيراً، ويجبر كسيراً، ويشفي مريضاً، ويقيل عثرة، ويستر عورة، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً ـ سبحانه وبحمده ـ هو الملك ـ جل في علاه ـ ويعطي سائلاً، ويغيث ملهوفاً، يذهب بدولة ويأتي بأخرى، ويداول الأيام بين الخلق، ويرفع أقواماً ويضع آخرين، هو الملك ـ جل في علاه سبحانه وبحمده ـ لا يقدر الخلق قدره ولا يحيطون بوصفه ـ سبحانه وبحمده ـ يسوق المقادير إلى آجالها، قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة سبحانه وبحمده، وقد أجرى ذلك القدَر على نظام دقيق لا يتقدم ولا يتأخر، بل أحصى كل شيء عدداً.
من عظيم ملكه ـ سبحانه وبحمده ـ أنه يعلم عدد الرمال وعدد القطرات، فما من حركة ولا سكون في الكون إلا بأمره ـ جل في علاه ـ هو المتصرف في الممالك كلها، ولا ينازعه في ذلك شيء، ملك قادر، قاهر، عادل، بر، رءوف، رحيم، ولا ينازع في مملكته، ولا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، وهو دائر في ملكه ـ جل وعلا ـ بين العدل والإحسان، وله في كل ما شاءه وقدَّره الحكمة البالغة والرحمة الواسعة، فله الحمد كله لا يحصي عباده ثناءً عليه ـ جل في علاه ـ مهما بالغ الناس في بيان ما له من الصفات وما له من الكمالات، فإنهم لا يحيطون بكماله ـ جل في علاه ـ وما له من كمال الوصف وجميع الفعل وحسن الأسماء سبحانه وبحمده.
هو الملك، هو المالك، هو المليك ـ سبحانه وبحمده ـ وقد دلت هذه الأسماء على أسماء كثيرة من أسمائه، فمن مقتضيات ملكه: أنه العزيز، من مقتضيات ملكه أنه الجبار، ومن مقتضيات ملكه أنه الحكم، ومن مقتضيات ملكه أنه الخافض الرافع، ومن مقتضيات ملكه أنه العظيم الجليل الكبير ـ سبحانه وبحمده ـ وكل هذه الأسماء يدل عليها بالتضمن والالتزام ما وصف الله ـ تعالى ـ به نفسه وسمى به نفسه من أنه الملك المالك المليك ـ جل في علاه سبحانه وبحمده ـ لا نحصي ثناءً عليه كما أثنى على نفسه.
هذا ما تيسر من الحديث عن أول هذا الاسم الكريم من أسماء الله ـ جل في علاه ـ وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا من أعلم عباده به، ومن أوفرهم نصيباً في طاعته، ومن أعظمهم حظاً في بره وإحسانه، وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم: فادعوه بها، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.