الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، أحمده كما يحب ويرضى، لا أحصي ثناءً عليه، ولا يحيط العباد بثنائهم وتقديسهم وتمجيدهم ما يجب له ـ جل في علاه ـ لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجو بها النجاة من النار، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أيها الإخوة والأخوات وحياكم الله في حلقة جديدة من برنامجكم: فادعوه بها، هذا البرنامج الذي نتناول فيه أجلّ العلوم وأشرفها: إنه العلم بالله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، الذي قال في محكم كتابه: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾[محمد:19].
وها نحن وإياكم في هذه الحلقة، وفي حلقات هذا البرنامج نمتثل أمر الله ـ جل في علاه ـ ونتعلم ما له من الأسماء الحسنى، ما له من الصفات العلى، ما له من الكمالات ـ سبحانه وبحمده ـ لا يقدر العباد قدْره: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾[الزمر:67].
يقول الله ـ جل في علاه ـ في محكم كتابه: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾[الأعراف:180]، ويقول: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾[الإسراء:110]، فكيف ندعوه ـ جل وعلا ـ بأسمائه الحسنى؟ إن المؤمن يحتاج إلى هذا الدعاء ولذلك أمر الله به، وأنا أقول: أيها الإخوة والأخوات! لماذا أمرنا الله بعبادته؟ ما الفائدة؟ هل الله ـ جل في علاه ـ بحاجة إلى عباداتنا؟ إلى طاعاتنا؟ تعالى الله عن ذلك، فالله غني عنا وعن عباداتنا، ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾[آل عمران:97]، غني عن كل ما سواه ـ جل في علاه ـ عن الملائكة وعن الجن وعن الإنس، فعبادة العابدين وطاعة الطائعين لا تزيده ـ جل في علاه ـ فائدة ونفعاً، «يا عبادي! إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني ولن تبلغوا ضري فتضروني، يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن جد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه»صحيح مسلم (2577).
وهذا يبيّن أن ما أمرنا الله ـ تعالى ـ به من الطاعات والعبادات إنما نفعه لنا، ونحن المستفيدون، ونحن المنتفعون من عبادة الله ـ جل في علاه ـ وهذا من رحمة الله أن علَّمنا وبصَّرنا، وأرسل إلينا الرسل، ودلَّ الناس إلى عبادته، وأقام لهم الشواهد في السماوات وفي الأرض وفي الأنفس، وفي كل شيء حتى يعرف الناس ربهم فيقيموا عبادته.
﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾[يوسف:105]، كم من آية في السماوات وفي الأرض أقامها الله لنا نحن حتى نحقق عبوديته ـ جل في علاه ـ على أنه ـ سبحانه وبحمده ـ لا ينتفع من هذه العبادة شيء، «يا عبادي! إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد» يعني: لو كان الناس كلهم في التقوى على قلب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ «ما زاد ذلك في ملكي شيئاً» الله أكبر!
«يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً» الله أكبر! فالله ـ جل في علاه ـ غني عنا وعن عبادتنا، من رحمته أن عرَّفنا به، ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾[الأعراف:180]، فاسأل نفسك واسألي نفسكِ: هل نحن ندعو الله ـ عز وجل ـ بأسمائه؟ ثم كيف ندعو الله ـ عز وجل ـ بأسمائه؟ نحن نحتاج إلى أن نعرف هذا لنستفيد نحن، لننتفع، ليزيد إيماننا، لتنعم قلوبنا، لتبتهج نفوسنا، لتُسَر، لنخرج من هذا الضيق الذي يعيشه كثير من الناس، فإن أكثر الضيق الذي يعيشه الناس سببه الجهل بالله عز وجل، فلو علموا ما لله من الكمالات وعرفوه ـ جل في علاه ـ وتقربوا إليه بذكره لاطمأنت قلوبهم، وانشرحت أفئدتهم وابتهجت نفوسهم، ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[الرعد:28]، لهذا كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا ضاقت به الأمور قال: «الله ربي لا أشرك به شيئاً»سنن أبي داود (1525), وسنن ابن ماجة (3882)، هذا من الذِّكْر الذي كان يقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا حزبه أمر أو ضاق به شيء ذكر الله: «الله ربي لا أشرك به شيئاً».
ومن الذِّكْر المعروف في مقام الضيق: «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين».
إذاً: نحن بحاجة إلى أن نعرف كيف ندعو الله ـ تعالى ـ بأسمائه لننتفع نحن ونستفيد، ولهذا إذا شعرنا بأننا نحن المستفيدون من ذِكْر الله ـ عز وجل ـ من دعائه ـ جل في علاه ـ حمدناه أولاً أنه أمرنا، وأنه طلب منا ذلك لمصلحتنا، وعرفنا بذلك عظيم رحمته وجليل إحسانه وكبير مِنَّتِه، ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ﴾[الحجرات:17] الله غني عنا، فبأي شيء نَمُنُّ عليه بإسلامنا وإيماننا؟ ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ﴾[الحجرات:17]
والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
هنا يعرف الإنسان حقيقة العبادة، وأن العبادة بجميع صورها هي لنفعه هو، ولمصلحته هو، ليس فقط في الآخرة، بل حتى الدنيا، فالإنسان الذي يحقق العبودية يجد من لذة الدنيا وراحتها وطمأنينتها ما تختلف به حياته عن ذاك الذي غفل عن عبادة الله، وذكره فلم يحقق الغاية من العبودية، ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56].
كيف نتعبد لله ـ عز وجل ـ بأسمائه؟ هناك طريقان لتحقيق الدعاء بأسماء الله ـ تعالى ـ وصفاته، ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾[الأعراف:180]، ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ﴾[الإسراء:110].
الأمر الأول: دعاء المسألة والطلب، وهو أن يسأل الإنسان الله ـ عز وجل ـ بأسمائه ويتوسل إليه بما وصف به نفسه، فيقول: يا كريم أكرمني، يا غفار اغفر لي، يا تواب تب علي، يا رحمن ارحمني، يا عزيز أعزني، يا قوي انصرني، وهكذا ينتقي لكل طلب ما يناسبه من أسماء الله ـ عز وجل ـ وهذا يحتاج إلى أن تعرف وأن تعرفي أسماء الله ـ تعالى ـ بمعانيها وليس فقط بألفاظها دون معرفة المعنى.
الأمر الثاني: الذي يحقق دعاء الله بأسمائه: وهو دعاء العبادة والثناء، وهذا ليس فيه طلب، وإنما فيه تمجيد وتقديس باللفظ أو تمجيد وتقديس بالعمل، فذاك من دعاء الله ـ تعالى ـ بأسمائه، فلما تمتنع من الظلم وتعلم أن الله ينتقم منك وأنه ـ جل وعلا ـ عليٌّ كبير ولأجل هذا تكف عن ظلم الخلق، فأنت تعبَّدت لله بأسمائه، وأنت حققت ما أمرك الله ـ تعالى ـ به من دعائه بأسمائه ـ جل في علاه ـ ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾[الأعراف:180].
وسأذكر مثالاً لدعاء الله ـ تعالى ـ بالفعل والعمل، وذلك عندما رأى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحد الصحابة، وهو يضرب عبداً له، لعله أخطأ أو أساء أو قصَّر، فعاقبه بالضرب، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «أبا مسعود» يهتف باسمه، فلما سمع الرجل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعوه توقف قال: «اعلم أن الله أقدر عليك منك على هذا»صحيح مسلم (1659) يعني: أنت في قدرتك على هذا ترى أنك تستطيع أن توقع به العقوبة وتنال منه ما تشاء، لكن اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك من هذا. هذا من التعبد لله ـ تعالى ـ بصفاته، من التعبد لله ـ تعالى ـ باسم القدير العلي الكبير ـ جل في علاه ـ أن يقوم في قلبك تعظيمه فيكفك ذلك عن أن توقِع ظلماً على عباده. هذا من الدعاء بالأسماء العملي، ولذلك قلنا: الدعاء إما أن يكون طلباً وسؤالاً، وإما أن يكون ثناءً وعبادة، لما يقول القائل: سبحان الله، الحمد لله، الله أكبر، لا إله إلا الله العظيم الحليم، هنا يمجِّد الله ـ تعالى ـ بالثناء عليه، ويدعوه بالثناء عليه، قد لا يطلب طلباً؛ لكنه يدعوه بالثناء عليه، فدعاء الله ـ تعالى ـ يكون بأن تذكر أسماءه على وجه التعظيم والثناء والكف عما يغضبه، والقيام بما يأمر به أو أن تذكر ذلك في مقام السؤال والطلب، وأعظم السؤال أن تشتغل بالثناء على الله ـ تعالى ـ حتى تنشغل بذلك عن أن تطلب طلباً محدداً، ولذلك قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه أصحاب السنن: «من شغله ذكري» أي: الثناء علي وتمجيدي «عن مسألتي أعطيته خير ما أعطي السائلين»سنن الترمذي (2926)، يعطيك الله ـ تعالى ـ أفضل من ما تؤمل وأفضل من ما تطلب، وهذا لا يكون إلا بصدق إقبالك على الله ـ جل في علاه ـ حتى يستوعب قلبك الثناء عليه والتمجيد له، فتذهل عن أن تسأل مسألتك. يقول القائل:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك إن شيمتك الحياء
أي: العطاء، فهل أذكر حاجتي أم أن الثناء عليك يكفيني عن أن أسأل شيئاً، ولهذا قال: «أعطيه خير ما أعطي السائلين» لأنه انشغل قلبه بالثناء والتمجيد لربه حتى ذهل عن مسألته، فكان عطاء الله ـ تعالى ـ له أكبر مما يؤمله، وهنا يكون التحقيق الأكبر لسؤال الله ـ تعالى ـ بأسمائه وصفاته.
وعندما يقول القائل عند الكرب، كما جاء في السنة في الصحيح: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم»صحيح البخاري (6345)، وصحيح مسلم (2730) إنه دعاء الله ـ تعالى ـ بصفاته، لم يقل: يا الله، يا رب أغثني وفرّج كربتي، إنما ذكر الله بصفاته الموجبة لرفع الكرب وإزالة الضيق والكدر. هكذا نحقق الدعاء بأسماء الله.
من هذه اللحظة لننتبه إلى الدعاء بأسماء الله ـ تعالى ـ فإنه سبب عظيم من أسباب إجابة الدعاء، فيونس لم يتجاوز في سؤاله أن قال وهو في أعظم كربة وشدة: "لا إله إلا أنت سبحانك". مجَّد الله وذكره بصفاته ـ جل في علاه ـ ثم عاد إلى نفسه: "إني كنت من الظالمين". فتوسل إلى الله بالثناء عليه وتمجيد أوصافه ـ سبحانه وبحمده ـ وببيان حاله وفقره ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾[القصص:24].
إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة، أسأل الله ـ تعالى ـ أن يرزقني وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، في حلقة جديدة قريبة إن شاء الله تعالى نلقاكم مع برنامجكم: فادعوه بها، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.