×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / فادعوه بها-1 / الحلقة (3)إن الأبرار لفي نعيم.

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، أحمده حق حمده، لا أحصي ثناء عليه كما أثنى على نفسه، أشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فأهلا وسهلا ومرحبا بكم أيها الإخوة والأخوات في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم: فادعوه بها.

إننا في هذه الحلقة سنقف مع قول الله جل وعلا : ﴿إن الأبرار لفي نعيم﴾+++[الانفطار:13]---، اللهم اجعلنا من الأبرار يا رب العالمين، كلنا نصبوا أن نكون من الأبرار، وكلنا نرجو ونأمل أن نكون من الأبرار، فإن الأبرار في نعيم، يتبادر إلى الأذهان أن هذا النعيم هو ما أعده الله لأوليائه من جنة عرضها السماوات والأرض، لكن هذا بعض النعيم وليس كل النعيم، فالنعيم أوسع من هذا، ﴿إن الأبرار لفي نعيم﴾+++[الانفطار:13]--- في الدنيا، و﴿إن الأبرار لفي نعيم﴾ في البرزخ، و﴿إن الأبرار لفي نعيم﴾ في العرض والنشور، و﴿إن الأبرار لفي نعيم﴾ عندما يدخلون الجنة، نسأل الله أن يجعلنا من أهل النعيم إنه ولي ذلك والقادر عليه.

إن أعظم ما يتنعم به الناس في الدنيا هو علمهم بالله عز وجل ومعرفتهم بها أي: معرفتهم بالعلوم الموصلة إليه، أعظم نعيم الدنيا هو العلم بالله، وأطيب ما اكتسبته الناس والنفوس في الدنيا هو معرفتهم بالله جل وعلا فإن حياة القلوب وطمأنينتها، بهجتها وسرورها، ولذتها وانشراحها لا يتحقق إلا لمن كان بالله عالما، فبقدر ما معك من العلم بالله بقدر ما يكون نصيبك من النعيم، هذه قاعدة، يعني: إذا زاد علمك بالله عز وجل زادت معرفتك به جل في علاه وعرفت عنه أكثر كنت أنعم، فهذا ميزان عدل وقسط، فعلو المعرفة بالله علو السعادة والطمأنينة والفرح والبهجة في هذه الدنيا.

لذلك ينبغي للإنسان أن يسأل نفسه: كم في قلبي من معرفة الله عز وجل؟ لأن العلم مقره القلب، ﴿الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم﴾+++[النور:35]---، هذا المثل الذي ذكره الله تعالى هو مثل العلم في قلب العبد المؤمن، لذلك إذا أردت أن تعرف مدى ما معك من النعيم، فاسأل نفسك: ما هو قدر معرفتك بالله عز وجل؟ فالقلوب لا تسكن ولا تطمئن إلا بذكر الله؛ لأن ذكره فرع معرفته، فلا يمكن لإنسان يذكر شيئا لا يعرفه، والله تعالى يقول: ﴿ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾+++[الرعد:28]---، ذكر الله هو ثمرة المعرفة، وذكر الله هو الذي يطيب القلوب ويسكنها ويهدي روعها ويسكن قلقها، فلذلك كان القلب محتاجا إلى معرفة الله عز وجل مضطرا إلى العلم به، يقول الله تعالى : ﴿يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد﴾+++[فاطر:15]--- ويقول الله جل في علاه سبحانه وبحمده في محكم كتابه: ﴿فاعلم أنه لا إله إلا الله﴾+++[محمد:19]---، لأن القلوب لا تسكن إلا بالعلم به.

ولما جاء هذا القرآن الكريم بشر الله به ناس، وجعله شفاء لما في الصدور؛ لأنه علم به سبحانه وبحمده ومعرفة بالله جل وعلا قال الله تعالى :﴿يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين﴾+++[يونس:57]---، لذلك من الضروري لكل إنسان يريد النعيم في الدنيا أن يعرف قدر معرفته بالله، ما هو نصيبك من العلم بالله؟ سؤال نطرحه على المائدة، ونطرحه في مجالسنا، كم عندنا من المعرفة بالله عز وجل؟ هل نحن عالمون به؟ وكم معنا من العلم به؟ سؤالان مهمان بهما تنال السعادة، وبهما تنال النعيم في الدنيا قبل الآخرة.

القلب مضطر إلى محبوبه الأعلى

 

فلا يغنيه عنه حب ثاني

 

فمهما طلب الناس سكونا لقلوبهم وطمأنينة لها في غير حب الله، وفي غير معرفته، وفي غير العلم به، فإنهم لا ينالون راحة ولا طمأنينة ولا سكنا ولا لذة ولا بهجة، لذلك صلاح القلوب وطمأنينتها، وبهجتها ولذتها هو في معرفتهم بالله جل في علاه والعلم بالله ليس علما صعب المنال ولا علما لا يحصله إلا الخواص من الناس، إنه علم مبثوث في هذه الدنيا، ميسر الحصول، لا فيما نشاهده ونبصره فحسب، بل حتى فيما أخبرت به الرسل، الله تعالى يقول: ﴿ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر﴾+++[القمر:17]---، فكل من قرأ القرآن ينبغي أن يكون همه الأول هو أن يكون القرآن معرفا له بالله عز وجل فإن القرآن إنما أنزله الله للعلم به سبحانه وبحمده.

أيضا: ذاك الذي يسير في هذه الدنيا ويتنقل فيها ويبصر ويرى ينبغي أن يكون رابطا هذه المرائي وهذه المناظر، وهذه السماء الواسعة وهذه النجوم وهذا الليل وذاك النهار، وما يبصره في الأرض من آلاء الله عز وجل كلها آيات ﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾+++[الرحمن:13]---، إنها آيات قائمة شاهدة على عظيم قدر الرب جل في علاه وإنما ينال الإنسان العلم به ومعرفته إذا انتبه إلى ذلك، فجهلك بالشيء يجعله لا قيمة له، إذا جهلت أهمية العلم به، فإنك لن تتعلم ما يفيدك في معرفة الله عز وجل وستمر عليك آيات ويمر عليك مناظر ويمر عليك مرائي كثيرة، وأنت عن الإدراك لما فيها من الأسرار والمعرفة ولما فيها من الحكم والآيات والعبر معرض.

صلاح قلبك، فلاحه، نعيمه

 

تجريد هذا الحب للرحمن

 فإذا تخلى عنه أصبح حائرا

 

ويعود في ذا الكون ذا هيمان

 

إن العلم بالله عز وجل يستنير به القلب، وإن العلم بالله تعالى تزكو به القلوب وتزكو به الأفئدة، وتصلح به الأعمال فليس هناك أعلى من العلم به جل في علاه.

إن العلم بالله عز وجل هو أصل المعارف، هو أصل الإيمان، لذلك لا يتحقق الإيمان إلا بالعلم بالله عز وجل ﴿فاعلم أنه لا إله إلا الله﴾+++[محمد:19]---، هذا أول المعارف، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث من يعلم أمرهم بأن يعلموا أنه لا إله إلا الله، فلما بعث معاذا على اليمن قال: {إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله}+++صحيح البخاري (1496)، وصحيح مسلم (19)---، فهذا هو الأصل، وهذا هو المنطلق الذي ينبغي أن يستحضر في كل عمل وفي كل قول أنك تعبد الله، فلابد أن تكون عالما به جل في علاه فإنك إن لم تعلم به سبحانه وبحمده فاتك خير كثير، وإذا قر في قلب العبد العلم بالله عز وجل كان هذا من أسباب الحصول على معرفته جل في علاه أسباب الحصول على تقواه، على خشيته، فإن العلم به يثمر خشيته، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : {أما والله إني لأعلمكم بالله وأتقاكم له}، وفي رواية: {وأخشاكم له}+++صحيح مسلم (1108)---، فتمام العبودية إنما يكون ثمرة المعرفة بالله عز وجل فإذا عرفت أن الله سميع، وأن الله بصير، وأن الله قدير، وأن الله كبير، وأن الله علي؛ عظم قدر الرب في قلبك، أليس كذلك؟ لما تعرف هذه الصفات أنها صفات ربك، وأنها أسماؤه كان هذا موجبا مثمرا، ينتج أن قلبك يصبح لله معظما، وإذا عظم الله العبد بقلبه انقاد لأمره واتبع شرعه، ولم يخرج عما أمره به، ولم ينتهك ما نهاه عنه، لذلك كان العلم بالله أصل العمل، فمن لم يعلم لم يعمل، ولذلك قال الله جل وعلا لرسوله صلى الله عليه وسلم : ﴿فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك﴾+++[محمد:19]---، العلم بالله عز وجل يوجب الخشية ويوجب التعظيم ويثمر السعادة، ولهذا كلما زدت بالله علما ازددت له قربا، يكمل ذلك عندما يرى المؤمنون الله عز وجل يوم القيامة في رؤية التعريف في أرض المحشر يسجدون له جل وعلا لعظمته سبحانه وبحمده إذا رأوه جل في علاه وفي الآخرة إذا رأوه نعيما في الدنيا كان ذلك أعلى ما تهفوا إليه نفوسهم، فكلما زاد علمك بالله زادت عبادتك له، هذه قاعدة اجعلها في بالك، لهذا الملائكة الذي يحضرون مجالس الذكر مثل هذا المجلس -نسأل الله أن نكون من الذاكرين- إذا حضروا مثل هذه المجالس، مجالس الذكر وصعدوا إلى الله عز وجل فسألهم: {ما يقول عبادي؟ قالوا: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويكبرونك ويمجدونك، فيقول: هل رأوني؟} لأن الرؤيا أعظم وسائل العلم وأكبر وسائل المعرفة، {قالوا: لا، قال: ما رأوك, فيقول: وكيف لو أروني؟ قال الملائكة: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدا وأكثر تسبيحا}+++صحيح البخاري (6408)---.

إذا: كلما زدت في العلم ازداد الذكر لله عز وجل وازداد العمل، وازداد الصلاح، وازدادت التقوى، وازدادت السعادة، وتحقق لك قول الله جل وعلا : ﴿إن الأبرار لفي نعيم﴾+++[الانفطار:13]---.

إن المؤمن في علمه بالله عز وجل وعلمه بالطريق الموصل إليه ينبغي أن يعرف مراتب العلم، وأن العلم به هو جنة الدنيا، في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، وإن جنة الدنيا هي علمك بالله عز وجل تنعمك بمعرفته جل في علاه عند ذلك تكون مؤهلا للدخول في جنة الآخرة، أقبل على القرآن، أقبلي على كتاب الله عز وجل لكن ليست التلاوة التي يكون الغرض منها والقصد هو الوصول إلى نهاية السورة، النهاية للختمة، إنما المقصود هو التدبر، لذلك كانت سورة واحدة في كتاب الله عز وجل تعدل ثلث القرآن؛ لأنها بالله معرفة، وأوجبت محبة الله لمن يتلوها ومن يكثر قراءتها، كما جاء في قصة الرجل الذي كان يصلي بأصحابه، وكان كلما انتهت قراءته في الركعة، يعني: يقرأ مثلا: ﴿الحمد لله رب العالمين﴾+++[الفاتحة:2]---، وبعد ذلك يقرأ ما شاء ما تيسر من القرآن، ولما يختم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿قل هو الله أحد* الله الصمد* لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد﴾+++[الإخلاص:1-4]---، فكان يختم القراءة في كل ركعة بسورة الإخلاص، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الرجل، فلما أخبر قال لهم صلى الله عليه وسلم : {سلوه لما يصنع هذا} أي لماذا يفعل ذلك؟، {فقالوا له: لم تصنع ذلك؟ قال: إنها صفة الرحمن وأنا أحب أقرأ بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر بجوابه: أعلموه أن الله يحبه}+++صحيح البخاري (7375)، وصحيح مسلم (813)--- لأنه أحب صفاته، إن التنعم لا يمكن أن يصفه الإنسان، التنعم بمعرفة الله لا يصفه لسان، لا يحيط به بيان، مهما وصفنا فإنه ما راء كمن سمع، من يرى ويحس بتلك الذلة والبهجة والطمأنينة التي يدركها العالم بالله عز وجل أكبر بكثير من كل بيان، وكل وصف يصف لك ذلك النعيم، لهذا جربوا تجدوا، ولا يلزم أن يكون الإنسان قد بلغ أعلى مراتب التعليم حتى يكون عالما بالله، بل {رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره}+++صحيح مسلم (2622)---، الله أكبر! إنه أدرك هذه المنزلة بقلب عرف الله، لا بشهادة يحملها ولا بمرتبة يتسنمها ولا بمنصب يتبوؤه، إنه تبوأ هذا بقلب كان بالله متصلا وله عارفا وبه عالما فتبوأ هذه المنزلة، كلنا نستطيع أن نصل إلى تلك المرتبة، فنتقدم خطوة إلى العلم بالله لنكون من الأبرار الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿إن الأبرار لفي نعيم﴾+++[الانفطار:13]---.

نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم: فادعوه بها، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:3426

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، أحمده حق حمده، لا أحصي ثناءً عليه كما أثنى على نفسه، أشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أيها الإخوة والأخوات في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم: فادعوه بها.

إننا في هذه الحلقة سنقف مع قول الله ـ جل وعلا ـ: ﴿إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ[الانفطار:13]، اللهم اجعلنا من الأبرار يا رب العالمين، كلنا نصبوا أن نكون من الأبرار، وكلنا نرجو ونأمل أن نكون من الأبرار، فإن الأبرار في نعيم، يتبادر إلى الأذهان أن هذا النعيم هو ما أعده الله لأوليائه من جنة عرضها السماوات والأرض، لكن هذا بعض النعيم وليس كل النعيم، فالنعيم أوسع من هذا، ﴿إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ[الانفطار:13] في الدنيا، و﴿إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ﴾ في البرزخ، و﴿إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ﴾ في العرض والنشور، و﴿إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ﴾ عندما يدخلون الجنة، نسأل الله أن يجعلنا من أهل النعيم إنه ولي ذلك والقادر عليه.

إن أعظم ما يتنعم به الناس في الدنيا هو علمهم بالله ـ عز وجل ـ ومعرفتهم بها أي: معرفتهم بالعلوم الموصلة إليه، أعظم نعيم الدنيا هو العلم بالله، وأطيب ما اكتسبته الناس والنفوس في الدنيا هو معرفتهم بالله ـ جل وعلا ـ فإن حياة القلوب وطمأنينتها، بهجتها وسرورها، ولذتها وانشراحها لا يتحقق إلا لمن كان بالله عالماً، فبقدر ما معك من العلم بالله بقدر ما يكون نصيبك من النعيم، هذه قاعدة، يعني: إذا زاد علمك بالله ـ عز وجل ـ زادت معرفتك به ـ جل في علاه ـ وعرفت عنه أكثر كنت أنعم، فهذا ميزان عدل وقسط، فعلو المعرفة بالله علو السعادة والطمأنينة والفرح والبهجة في هذه الدنيا.

لذلك ينبغي للإنسان أن يسأل نفسه: كم في قلبي من معرفة الله عز وجل؟ لأن العلم مقره القلب، ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[النور:35]، هذا المثل الذي ذكره الله ـ تعالى ـ هو مثل العلم في قلب العبد المؤمن، لذلك إذا أردت أن تعرف مدى ما معك من النعيم، فاسأل نفسك: ما هو قدر معرفتك بالله عز وجل؟ فالقلوب لا تسكن ولا تطمئن إلا بذكر الله؛ لأن ذكره فرع معرفته، فلا يمكن لإنسان يذكر شيئاً لا يعرفه، والله ـ تعالى ـ يقول: ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ[الرعد:28]، ذكر الله هو ثمرة المعرفة، وذكر الله هو الذي يطيب القلوب ويسكنها ويهدي روعها ويسكن قلقها، فلذلك كان القلب محتاجاً إلى معرفة الله ـ عز وجل ـ مضطراً إلى العلم به، يقول الله ـ تعالى ـ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ[فاطر:15] ويقول الله ـ جل في علاه سبحانه وبحمده ـ في محكم كتابه: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ[محمد:19]، لأن القلوب لا تسكن إلا بالعلم به.

ولما جاء هذا القرآن الكريم بشر الله به ناس، وجعله شفاءً لما في الصدور؛ لأنه علم به ـ سبحانه وبحمده ـ ومعرفة بالله ـ جل وعلا ـ قال الله ـ تعالى ـ:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ[يونس:57]، لذلك من الضروري لكل إنسان يريد النعيم في الدنيا أن يعرف قدر معرفته بالله، ما هو نصيبك من العلم بالله؟ سؤال نطرحه على المائدة، ونطرحه في مجالسنا، كم عندنا من المعرفة بالله عز وجل؟ هل نحن عالمون به؟ وكم معنا من العلم به؟ سؤالان مهمان بهما تنال السعادة، وبهما تنال النعيم في الدنيا قبل الآخرة.

القلب مضطر إلى محبوبه الأعلى

 

فلا يغنيه عنه حب ثاني

 

فمهما طلب الناس سكوناً لقلوبهم وطمأنينة لها في غير حب الله، وفي غير معرفته، وفي غير العلم به، فإنهم لا ينالون راحة ولا طمأنينة ولا سكناً ولا لذة ولا بهجة، لذلك صلاح القلوب وطمأنينتها، وبهجتها ولذتها هو في معرفتهم بالله ـ جل في علاه ـ والعلم بالله ليس علماً صعب المنال ولا علماً لا يحصله إلا الخواص من الناس، إنه علم مبثوث في هذه الدنيا، ميسر الحصول، لا فيما نشاهده ونبصره فحسب، بل حتى فيما أخبرت به الرسل، الله ـ تعالى ـ يقول: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ[القمر:17]، فكل من قرأ القرآن ينبغي أن يكون همه الأول هو أن يكون القرآن معرفاً له بالله ـ عز وجل ـ فإن القرآن إنما أنزله الله للعلم به سبحانه وبحمده.

أيضاً: ذاك الذي يسير في هذه الدنيا ويتنقل فيها ويبصر ويرى ينبغي أن يكون رابطاً هذه المرائي وهذه المناظر، وهذه السماء الواسعة وهذه النجوم وهذا الليل وذاك النهار، وما يبصره في الأرض من آلاء الله ـ عز وجل ـ كلها آيات ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ[الرحمن:13]، إنها آيات قائمة شاهدة على عظيم قدر الرب ـ جل في علاه ـ وإنما ينال الإنسان العلم به ومعرفته إذا انتبه إلى ذلك، فجهلك بالشيء يجعله لا قيمة له، إذا جهلت أهمية العلم به، فإنك لن تتعلم ما يفيدك في معرفة الله ـ عز وجل ـ وستمر عليك آيات ويمر عليك مناظر ويمر عليك مرائي كثيرة، وأنت عن الإدراك لما فيها من الأسرار والمعرفة ولما فيها من الحكم والآيات والعبر معرض.

صلاح قلبك، فلاحه، نعيمه

 

تجريد هذا الحب للرحمن

 فإذا تخلى عنه أصبح حائراً

 

ويعود في ذا الكون ذا هيمان

 

إن العلم بالله ـ عز وجل ـ يستنير به القلب، وإن العلم بالله ـ تعالى ـ تزكو به القلوب وتزكو به الأفئدة، وتصلح به الأعمال فليس هناك أعلى من العلم به جل في علاه.

إن العلم بالله ـ عز وجل ـ هو أصل المعارف، هو أصل الإيمان، لذلك لا يتحقق الإيمان إلا بالعلم بالله ـ عز وجل ـ ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ[محمد:19]، هذا أول المعارف، ولذلك كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا بعث من يعلِّم أمرهم بأن يعلموا أنه لا إله إلا الله، فلما بعث معاذاً على اليمن قال: {إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله}صحيح البخاري (1496)، وصحيح مسلم (19)، فهذا هو الأصل، وهذا هو المنطلق الذي ينبغي أن يستحضر في كل عمل وفي كل قول أنك تعبد الله، فلابد أن تكون عالماً به ـ جل في علاه ـ فإنك إن لم تعلم به ـ سبحانه وبحمده ـ فاتك خير كثير، وإذا قر في قلب العبد العلم بالله ـ عز وجل ـ كان هذا من أسباب الحصول على معرفته ـ جل في علاه ـ أسباب الحصول على تقواه، على خشيته، فإن العلم به يثمر خشيته، ولذلك قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: {أما والله إني لأعلمكم بالله وأتقاكم له}، وفي رواية: {وأخشاكم له}صحيح مسلم (1108)، فتمام العبودية إنما يكون ثمرة المعرفة بالله ـ عز وجل ـ فإذا عرفت أن الله سميع، وأن الله بصير، وأن الله قدير، وأن الله كبير، وأن الله عليّ؛ عظم قدر الرب في قلبك، أليس كذلك؟ لما تعرف هذه الصفات أنها صفات ربك، وأنها أسماؤه كان هذا موجباً مثمراً، ينتج أن قلبك يصبح لله معظماً، وإذا عظم الله العبد بقلبه انقاد لأمره واتبع شرعه، ولم يخرج عما أمره به، ولم ينتهك ما نهاه عنه، لذلك كان العلم بالله أصل العمل، فمن لم يعلم لم يعمل، ولذلك قال الله ـ جل وعلا ـ لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ[محمد:19]، العلم بالله ـ عز وجل ـ يوجب الخشية ويوجب التعظيم ويثمر السعادة، ولهذا كلما زدت بالله علماً ازددت له قرباً، يكمل ذلك عندما يرى المؤمنون الله ـ عز وجل ـ يوم القيامة في رؤية التعريف في أرض المحشر يسجدون له ـ جل وعلا ـ لعظمته ـ سبحانه وبحمده ـ إذا رأوه ـ جل في علاه ـ وفي الآخرة إذا رأوه نعيماً في الدنيا كان ذلك أعلى ما تهفوا إليه نفوسهم، فكلما زاد علمك بالله زادت عبادتك له، هذه قاعدة اجعلها في بالك، لهذا الملائكة الذي يحضرون مجالس الذكر مثل هذا المجلس -نسأل الله أن نكون من الذاكرين- إذا حضروا مثل هذه المجالس، مجالس الذكر وصعدوا إلى الله ـ عز وجل ـ فسألهم: {ما يقول عبادي؟ قالوا: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويكبرونك ويمجدونك، فيقول: هل رأوني؟} لأن الرؤيا أعظم وسائل العلم وأكبر وسائل المعرفة، {قالوا: لا، قال: ما رأوك, فيقول: وكيف لو أروني؟ قال الملائكة: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدا وأكثر تسبيحا}صحيح البخاري (6408).

إذاً: كلما زدت في العلم ازداد الذكر لله ـ عز وجل ـ وازداد العمل، وازداد الصلاح، وازدادت التقوى، وازدادت السعادة، وتحقق لك قول الله ـ جل وعلا ـ: ﴿إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ[الانفطار:13].

إن المؤمن في علمه بالله ـ عز وجل ـ وعلمه بالطريق الموصل إليه ينبغي أن يعرف مراتب العلم، وأن العلم به هو جنة الدنيا، في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، وإن جنة الدنيا هي علمك بالله ـ عز وجل ـ تنعمك بمعرفته ـ جل في علاه ـ عند ذلك تكون مؤهلاً للدخول في جنة الآخرة، أقبل على القرآن، أقبلي على كتاب الله ـ عز وجل ـ لكن ليست التلاوة التي يكون الغرض منها والقصد هو الوصول إلى نهاية السورة، النهاية للختمة، إنما المقصود هو التدبر، لذلك كانت سورة واحدة في كتاب الله ـ عز وجل ـ تعدل ثلث القرآن؛ لأنها بالله معرِّفة، وأوجبت محبة الله لمن يتلوها ومن يكثر قراءتها، كما جاء في قصة الرجل الذي كان يصلي بأصحابه، وكان كلما انتهت قراءته في الركعة، يعني: يقرأ مثلاً: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الفاتحة:2]، وبعد ذلك يقرأ ما شاء ما تيسر من القرآن، ولما يختم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ[الإخلاص:1-4]، فكان يختم القراءة في كل ركعة بسورة الإخلاص، فأُخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن هذا الرجل، فلما أُخبر قال لهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ: {سلوه لما يصنع هذا} أي لماذا يفعل ذلك؟، {فقالوا له: لم تصنع ذلك؟ قال: إنها صفة الرحمن وأنا أحب أقرأ بها، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما أخبر بجوابه: أعلموه أن الله يحبه}صحيح البخاري (7375)، وصحيح مسلم (813) لأنه أحب صفاته، إن التنعم لا يمكن أن يصفه الإنسان، التنعم بمعرفة الله لا يصفه لسان، لا يحيط به بيان، مهما وصفنا فإنه ما راء كمن سمع، من يرى ويحس بتلك الذلة والبهجة والطمأنينة التي يدركها العالم بالله ـ عز وجل ـ أكبر بكثير من كل بيان، وكل وصف يصف لك ذلك النعيم، لهذا جربوا تجدوا، ولا يلزم أن يكون الإنسان قد بلغ أعلى مراتب التعليم حتى يكون عالماً بالله، بل {رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره}صحيح مسلم (2622)، الله أكبر! إنه أدرك هذه المنزلة بقلب عرف الله، لا بشهادة يحملها ولا بمرتبة يتسنمها ولا بمنصب يتبوؤه، إنه تبوأ هذا بقلب كان بالله متصلاً وله عارفاً وبه عالماً فتبوأ هذه المنزلة، كلنا نستطيع أن نصل إلى تلك المرتبة، فنتقدم خطوة إلى العلم بالله لنكون من الأبرار الذين قال الله ـ تعالى ـ فيهم: ﴿إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ[الانفطار:13].

نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم: فادعوه بها، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94001 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف