المقدم:- شيخ خالد عودة إليك ونحن نتتابع في سرد القصص والمواقف والعبر التي نأخذها مما نتلوه في كتاب الله تعالى وانتهى بنا المطاف عند قصة نبي الله موسى مع فرعون تلك القصة الغريبة والعجيبة والتي امتلأت بالأحداث والوقائع والتي قصها الله –سبحانه وتعالى- في أكثر من موضع من المواضع التي وردت في كتاب الله تعالى.
الشيخ:- الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين أما بعد..
موسى عليه السلام من خير أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم جميعًا، هو من أولي العزم من الرسل وأنت إذا تأملت الأحداث ترى أن هذا الوصف قد استحقه رضي الله عنه وصلوات الله وسلامه عليه لما كان من عظيم ما واجهه وحصل له في دعوته سواء كان في دعوته لفرعون أو في دعوته لقومه، فموسى عليه السلام هو من أولوا العزم من الرسل يقول الله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ الأحزاب: 7 ويقول –جل وعلا- في محكم كتابه ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى﴾ الشورى: 13 .
الآيات الكريمات التي ذكر الله تعالى فيها خبر رسالة موسى إلى فرعون، فرعون وموسى علاقاتهم كانت من النشأة والبداية ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ القصص: 8 ومر هذا الاتصال بين موسى وفرعون في مراحل عمره كلها، إلا بضع سنوات قرابة عشر أو أكثر من هذه السنوات التي غاب فيها موسى عن فرعون ذلك لما خرج فارًا من فرعون وقومه خشية أن يقتله أو أن يصيبه بأذى بسبب ما جرى من قتل القبطي ﴿فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾ طه: 40- 41 اذهب إلى فرعون هنا علم موسى أنه لابد أن يلقى فرعون لأن الله أمره في إيحاءه وبعثته ورسالته أن يذهب إلى فرعون أنه طغى هذا سبب الرسالة، وطغيان فرعون وبطشه وخروجه عن كل مألوف في معاملة الله –عز وجل- وفي معاملة الخلق في معاملة الله قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾ النازعات: 24 ، ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ القصص: 38 وهذا غاية الاستكبار والبطش في الأرض، وأما في الخلق فقد طغى كما قال –جل وعلا-: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا﴾ القصص: 4 فرق قسمهم ليتم ملكه وتسلطه عليهم.
الله –جل وعلا- لما بعث موسى إلى فرعون طبعا موسى ليس غافلًا من هو فرعون ولا جاهلًا بحاله يعرفه تمام المعرفة فقد غذاه ورباه ونشأ في بيته، ولذلك لما أوحي إليه ﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾ النازعات: 17 ، ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾ الشعراء: 12 فتوقع منهم التكذيب ﴿وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ﴾ الشعراء: 13 وهذا اعتذار وطلب إعانة وتقدير للمسئولية بعد هذا يقول موسى لربه في طلب العون ﴿وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ﴾ الشعراء: 14 أخاف أن ينتقم مني بسبب ما تقدم من قتل، فوعده الله تعالى بالنصر والتقديم كما تقدم في آيات عديدة: ﴿قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ﴾ الشعراء: 15 الله اكبر معية الله –جل وعلا- ملئت قلب موسى عليه السلام يقينًا ورسوخًا وثباتًا وتصديقًا.
ولذلك قابل هذه الطاغية مع كونه سبق له جرم يوجب المعاقبة هذا واحد، وكونه أيضًا ضعيف لا حول له ولا قوة لم يكن معه سلطة ولا ما يمكن أن يثبته إنما معه رب العالمين ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ طه: 46 وهنا قال: ﴿إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ﴾ الشعراء: 15
المقدم:- ويخاطب أكبر طاغية في ذلك الوقت في هذا الزمن.
الشيخ:- نعم الذي له من البطش والقوة والقدرة ما قال: وهذه الأنهار تجري من تحتي فله من القدرات والملك والسلطة ما يخاف ويهاب.
المقدم:- أنا استأذنك شيخ خالد في أخذ هذه المداخلة من الأخ مسلم السحيمي معلقًا ومشاركًا أتفضل مسلم.
المعلق:- شيخنا ذكر الله –عز وجل- أو وصف الله –عز وجل- فرعون بالطغيان توافرت فيه جميع صور الطغيان التي قد يتصورها الإنسان الطغيان في حق الله –عز وجل- والاعتداء عليه بإدعاء الربوبية، الطغيان على الخلق بسلب حقوقهم وإدعاء عبوديتهم له، الطغيان في التفريق الاجتماع بين الناس بأن فرق بين بني إسرائيل فهذه صورة جزئية طغيان فرعون أنه شمل جميع الصور التي قد يتصورها الإنسان.
الأمر الثاني أو تعليقك عليه طلب موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم ببعث هارون معه لتسبيح الله –عز وجل- وذكره كثيرًا، إشراقة حول أهمية التسبيح والذكر لله –عز وجل- وأنه مقصد من مقاصد الرسالات.
الشيخ:- إي نعم هذا ما يتعلق بالاستعانة بالله تعالى، ذكرت أنه من أسباب ثبات موسى عليه السلام وكذلك ثبات أخيه هارون في مقابلة هذا الطغيان هو ما من الله تعالى به عليهم من هذه المعية التي ثبتتهم هي ليست معية عامة فقط، بل هي معية خاصة ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ طه: 46 وذلك أن معية الله تعالى لعبده نوعان؛ معية عامة وهي التي تكون مع كل الخلق ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ﴾ المجادلة: 7 فالله معنا –جل وعلا- بعلمه وشهوده وسمعه وبصره –سبحانه وبحمده-.
لكن هناك معية خاصة لأوليائه معية التأييد ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ النحل: 128 وقد ذكر الله تعالى هنا معيته لموسى عليه السلام وهارون ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ طه: 46
هذه المعية لها موجبات، لها دواعي لها أسباب منها ما ذكر هنا مسلم في اشتغال موسى عليه السلام وأخيه بالذكر، فإن الذكر من أعظم أسباب الثبات، ولذلك قال الله –جل وعلا-: ﴿وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي﴾ طه: 42 أي ولا تتأخر ولا تتباطأ في ذكري، فالذكر من أعظم تثبيت القلوب وهذا ما جرى، فإن موسى لما جاء إلى فرعون وقال له ما قال من الدعوى قال له كلمات موسى قال لفرعون من الكلام الذي يتعلق بالدعوة ما آثاره لكن موسى لم يدخل معه في مجادلة كبيرة في أول الأمر قال: ﴿فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ الأعراف: 105 فهذا طلب يعني إذا أنت لم تقبل هذه الدعوة أرسل معي بني إسرائيل أتركهم أرفع جبروتك وظلمك عنهم.
قال له ﴿قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾ الشعراء: 18 وهذا إدلال ومن باليد السابقة كيف تقول هذا؟ كيف تتجرأ أن تتكلم بهذا الكلام وأنا قد أحسنت إليك؟ وزيادة على هذا وفعلت فعلتك التي فعلت وهي قتله للقبطي وأنت من الكافرين أي لنعمتي وجميل ما أحسنت إليك قال: فعلتها موسى عليه السلام لم ينكر وهنا فيه الإقرار بما يكون بسابق الخطأ، وأن سابق الخطأ ليس سببًا لعدم قبول الحق قال: ﴿قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾ الشعراء: 20 أي قبل أن يمن الله تعالى علي بالرسالة والهداية ثم قال: ﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ الشعراء: 21 بعد أن أخبر برسالته قال: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ﴾ الشعراء: 22 تتفضل بها علي إنك ربيتني وأنا وحيد ورعيتني وأنا وحيد، ما وزن هذا الإحسان الذي تذكر في مقابل ما أنزلته ببني إسرائيل من الأذى والبطش والظلم قال: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ الشعراء: 22 جعلتهم عبيدًا واستحييت نسائهم وقتلت رجالهم ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ الشعراء: 23 فرعون ألقم الحجة ولوحظت شبهته فلم يجد جوابًا عن هذا الذي قال له موسى فانتقل إلى المناقشة إلى أصل الدعوة ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ الشعراء: 23 هذا الذي تدعون إليه يا موسى سؤال فرعون لن يكن سؤال استعلام، إنما كان سؤال استكبار واستهزاء ما رب العالمين يعني ما هذا الذي تقول ما هذا الكلام الذي تقول؟
موسى عليه السلام لم يستخفه هذا الاستخفاف وهذا الاستهزاء من فرعون، ﴿قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنتُمْ مُوقِنِينَ﴾ الشعراء: 24 فأثبت الربوبية لكل مشاهد سموات والأرض، سموات بأفلاكها وكواكبها ونجومها والأرض بكل ما فيها حتى أنت يا فرعون لكنه ما نص عليه، إنما جاء بالربوبية العامة التي تشمل كل شيء، وهذا لا يمكن أن يدعي إن كنتم موقنين ﴿قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ﴾ الشعراء: 25 يعني ما استغربتم هذا الكلام ﴿قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ﴾ الشعراء: 26 جاء التخصيص إذا كنت أنت لم يرق لك الكلام السابق فهناك كلام أشد وربوبية الله لك وليست لك فقط بل لك ولآبائك الأولين ﴿قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ الشعراء: 27 وتلك شنشينة معهودة من أهل الفساد والشر.
المقدم:- يقولها مخاطبًا حاشيته الذين معه.
الشيخ:- نعم ﴿قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ الشعراء: 27 مجنون حيث اجترأ بهذا الكلام الذي سمعتموه موسى عليه السلام لم يتوقف فعاد لإثبات الربوبية العامة الواسعة ﴿قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ الشعراء: 28 جاء التهديد التسفيه والاستهزاء لم ينفعه ولم يوقف موسى عند هذا الحد، بل استمر في تبيين الرسالة، فلذلك جاء التهديد ﴿قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ الشعراء: 29 تهديد بالسجن ﴿قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ﴾ الشعراء: 30 موسى يقول له حتى تستمر على هذا الطغيان وهذا الاستكبار حتى لو جئتك بشيء مبين يصدق دعواي ويصدق ما أنا عليه من حق ﴿قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ الشعراء: 31 فألقى عصاه أمام فرعون والملأ ولك أن تشاهد هذا الموقف تتصور كيف تكون، ﴿فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾ الشعراء: 32 واضح غير ملتبس يمكن أن يقال هذا ثعبان من ثعابين الصحراء، لا كان مبينًا يعني لا يشتبه بفعل السحرة والمشعوذين إنما هو ثعبان حقيقي قال للملأ حوله: ﴿إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ قَالُوا أَرْجِه وَأَخَاهُ﴾ الشعراء: 34- 36 أمهله وأخاه الذي جاء معه وابعث في المدائن أي المدن التي تحت سلطانك حاشرين يأتوك بكل سحار عليم جاء السحرة من كل مكان وكان ما كان من اجتماع سحرة فرعون بجميع ما يملكون من القدرات والإمكانات ووعدهم فرعون بالهبات والعطيات ﴿فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ﴾ الشعراء: 38- 39 أي لمشاهدة كذب موسى لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبون حتى هنا في تردد قال: سنتبع السحرة إنما جعل ذلك معلقًا بظهورهم حتى لو لم يظهروا لن نتبع موسى، لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبون ﴿فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ﴾ الشعراء: 41 وعدهم بما وعدهم اختصارًا وإجمالًا ﴿فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ﴾ الشعراء: 45 لما جاء السحرة وألقوا شعوذتهم وأسحارهم التي قمروا بها أعين الناس وشبهوا عليهم ﴿فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾ الشعراء: 45 تجمع كل ما أتوا به من السحر ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ﴾ الشعراء: 46 والسحرة لا يمكن أن يضللوا في صنعتهم وعملهم لم يسجد سحرة فرعون إلا ليقينهم بأن هذه العصا التي انقلبت إلى ثعبان مبين كان انقلابًا حقيقيًا، وليس انقلابًا شكليًا ووصوليًا أو تخيريًا، إنما هو انقلاب حقيقي جماد انقلب إلى حيوان بقدرة الله الذي بيده ملكوت كل شيء إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون.
المقدم:- وكان الله –سبحانه وتعالى- أراد أن يقيم الحجة والبرهان في هذا المجمع الذي جمعه فرعون جمع جميع السحرة وجميع القوم وجميع الناس في ذلك المشهد فكان ما كان فأقام الله الحجة على فرعون.
الشيخ:- أمن سحرة فرعون وهددهم ووعدهم وخوفهم لكنهم استمروا على إيمانهم وقالوا مقولتهم لا ضير وما تقضيه إنما هو تقضيه في الحياة الدنيا بعد ذلك جرى ما جرى من خروج موسى وقومه لما تهددهم فرعون بالقتل والذبح وأراد إيقاع الشر بهم فأرسل فرعون في المدائن حاشرين.
المقدم:- وقبل أن نبدأ في هذا الموضع شيخ خالد عندما قامت الحجة الآن على فرعون وعلى قومه بما أظهره الله –سبحانه وتعالى- بموسى يبدو أن الأخ مسلم عنده تساؤل أو إضافة.
المعلق:- حقيقة شيخ خالد ما ترك لنا شيء، لكن شيخنا كانت مناقشة ومناظرة فرعون لموسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم هي مناقشة متكبر كما قلت لا بحث عن حقيقة، وهذه رسالة لنا جميعًا أن المتكبر يحرم من نور الرسالات يقول الله –عز وجل- بعد أن ذكر هذا الحوار بين موسى وفرعون قال: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ﴾ الأعراف: 146 يحرمون من نور الرسالات تعليقكم يا شيخ.
الشيخ:- بالتأكيد الكبر أعظم ما يصرف الإنسان عن الحق مسلم حقيقة الكبر تدور على أمرين أختصرهم النبي –صلى الله عليه وسلم- بطر الحق وغمت الناس، بطر الحق رده وغمت الناس احتقارهم وهاتان الصفتان من أعظم أسباب عدم القبول، لأنك إذا احتقرت شيء لم تتقبل منه وإذا رددته لم تأخذ به ففرعون كان قد امتلأت نفسه كبرًا، ولذلك ادعى أنه إله العالمين وأنه رب العالمين لما أمن سحرة فرعون وقالوا لا ضير بعد أن هددهم ﴿قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الشعراء: 50- 51 أوحى الله تعالى إلى موسى أن يخرج بقومه من مصر ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ﴾ الشعراء: 52 سيتبعهم من؟ فرعون ﴿فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ﴾ الشعراء: 53 جمع كل ما يتمكن من طاقته وبشر أصحابه بالنصر ﴿إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ﴾ الشعراء: 54 يعني لا تخافوا سنتغلب عليهم وننتصر عليهم ﴿إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ﴾ الشعراء: 54- 56 نكدوا علينا وأغاظونا وشوشوا على مملكتنا ﴿وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ﴾ الشعراء: 55 هم قلة ونحن حاذرون فكيف يكون الخوف من هزيمة تجاههم أو ضرر منهم.
لكن الله غالب على أمره يقول الله تعالى: ﴿فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ﴾ الشعراء: 57- 60 هذا الذي جرى أتبعوهم مشرقين أي إلى جهة الشرق أي موسى توجه لجهة الشرق تبعه فرعون طبعا لما تبعه فرعون بجنده وقضه وقضيضه اقتربوا من موسى وقومه وكانوا ذوي حال ضعيفة ليس عندهم قوة ولا قدرة ولا سلاح ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ﴾ الشعراء: 61 تصور قوم موسى وقوم فرعون بكل ما أؤتي من قوة وملك ﴿قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ الشعراء: 61 سيدركنا فرعون وينزل بنا سخطه وعقوبته ونكون شرًا من حالنا الأولى معه.
المقدم:- فماذا كان الجواب من المؤمن بالله –سبحانه وتعالى-؟
الشيخ:- قال موسى كلا لا يمكن أن يكون هذا على ماذا تستند يا موسى؟ ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ الشعراء: 62 الله اكبر ما أعظم اليقين وأثبت الجنان الذي ثبت الله تعالى به موسى في تلك اللحظة ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ الشعراء: 62 طيب ما النتيجة؟ ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ الشعراء: 63 كالجبل الكبير المهيب اثني عشرة فرقة على عدد بطون بني إسرائيل، وكل منهم دخل في طريق ليعبروا لينجوا من فرعون وقومه، ﴿وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ﴾ الشعراء: 64 أولئك الذين جاءوا قال فرعون هذا من سحر موسى وسنتعبهم فدخل مدخل موسى وقومه قال –جل وعلا-: ﴿وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ الشعراء: 65- 67 أية عظيمة وبرهان كبير على قدرة الله ونصرته لأوليائه وعباده وأن العاقبة للمتقين، يقول الله –جل وعلا-: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ الشعراء: 67 مشهد غرق فرعون لما أنجى الله موسى وقومه شهدوا فرعون في وسط اللجة والبحر تلتطم عليه الأمواج وتنطبق عليه جبال الماء حتى أغرق، حاول أن يخرج من كبره فيقول ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ﴾ يونس: 90 فجاءه الجواب من رب العالمين بعد أن أطبق عليه الماء وعاين الموت قال الآن يحصل الإيمان ما ينفع وهذا استفهام استنكار ﴿آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ يونس: 91 فمات على تلك السجية الكافرة لم يقبل منه إيمان، بل نجاه الله تعالى ببدنه ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾ يونس: 92 فكان أية وعبرة لمن خلفه.
هل هو إلى الآن؟ الجواب الظاهر أن فرعون بقي فرآه بنو إسرائيل، أما أنه بقي إلى يومنا هذا فالله أعلم به.