المقدم:- ونتحدث في هذه الحلقة عن جملة من الأنبياء الذين نعتوا بالصبر، وأظن أن الأنبياء الذين وصفوا بالصبر كثر لكن لعلنا نقف عدة وقفات مع الأنبياء إدريس وذو الكفل وأيوب عليهم الصلاة والسلام.
الشيخ:- الحمد لله رب العالمين أحمده جل في علاه له الحمد كله وأصلي وأسلم على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين أما بعد..
فالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم جمع الله لهم من الكمال البشري ما جعلهم في الذروة من بني آدم فضلًا وشرفًا ومنزلة ومكانة فعليهم من الله أفضل صلاة وأتم تسليم، إلا أنهم صلوات الله وسلامه عليهم يتفاوتون في هذه الخصال فمنهم من يكون قد غلب عليه وصف الصبر، ومنهم من يكون قد غلب عليه وصف الشكر ومنهم من يكون قد غلب عليه وصف أخذ الكتاب بالقوة وهكذا هي الفضائل هي ميدان سباق يتسابق فيها المتسابقون.
الأنبياء الذين ذكرت لهم من المزية والمكانة ما أشاد الله تعالى بهم وذكرهم في محكم كتابه، فأول أولئك إدريس عليه السلام وإدريس ذكره الله تعالى في كتابه في مواضع عديدة فقال –جل وعلا-: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾مريم: 55- 56 فجعل الله تعالى من صفاته أنه صديق وهو من بلغ في الصدق غايته ومنتهاه وأنه نبي وهو من نبأ وأخبر وعلت منزلته بهذا النبأ والخبر وبعد ذلك ذكر له هذا الوصف فقال: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾مريم: 56 وهذا الرفع في الدنيا وفي الآخرة، الدنيا بجميل الذكر وطيب السيرة وحسن السمعة، أما في الآخرة فهو علو منزلته صلوات الله وسلامه عليه.
وقيل: إنه رفع بجسده فيكون كعيسي بن مريم حيث أنه رفعه الله تعالى من الأرض، هكذا قال بعض أهل العلم ومكانه في السماء الرابعة وهذا لاشك أنه مكان علي رفعه الله تعالى إليه حيث رآه النبي –صلى الله عليه وسلم- لما أسري به في السماء الرابعة.
المقدم:- شيخ خالد عفوًا يبدو أن قصصهم وأخبارهم في كتاب الله قليلة جدًا إدريس وذو الكفل ومرت مرورًا سريعًا.
الشيخ:- يعني مرت مرورًا سريعًا، لكن إدريس أكثر من ذو الكفل توضيحًا وأيضًا صفات، فذكر الله له هذه الصفات الكريمة إنه كان صديقًا نبيًا ورفعناه مكانًا عليًا.
المقدم:- لكن هل ذكر مكانهم أقوامهم؟
الشيخ:- لم يذكر أماكنهم ولم يذكر لمن أرسلوا أو شيء يخص نبوتهم بل حتى الزمان الذي كانوا فيه من أهل العلم من قال أن إدريس هو جد نوح وعلى هذا فيكون نبي قبل نوح وليس برسول، ومنه من قال أنه أبو نوح ومنهم من قال إن إدريس من أنبياء بني إسرائيل وهذا هو الأقرب فيما يظهر والله أعلم أن إدريس من أنبياء بني إسرائيل لأن ذكره في القرآن يأتي في سياق أنبياء بني إسرائيل فمثلا قوله تعالى: ﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾الأنبياء: 85 وإسماعيل من ذرية إبراهيم عليه السلام وذا الكفل وإدريس قيل إنهم من أنبياء بني إسرائيل.
والمسألة في هذا قريبة لأنه ليس هناك شيء فصل بين لكنهم من الأنبياء، فإدريس جاء التصريح في القرآن الكريم بأنه نبي، وصفه الله تعالى بأنه من الصابرين كما جاء في قوله تعالى: ﴿كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾الأنبياء: 85 أما ذو الكفل فذو الكفل لا أعلم هل هو وصف أو اسم لأن ذو بمعنى صاحب قيل في أنه سمي بهذا الاسم لأنه تحمل أعمال صالحين، وقيل أنه تحمل الملك، وقيل أنه تحمل عمل مجموعة من الأنبياء هكذا قيل في تفسير هذا الأصل وأصل الكفل هو الحمل ﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا﴾النساء: 85 أي يكن له حمل وثقل فقول ذو الكفل أي صاحب الثقل صاحب الحمل.
فتحمل حمالة فسمي بهذا أو وصف بهذا الوصف، وقد اختلف العلماء رحمهم الله هل هو نبي أم هو صالح من الصالحين؟
العلماء لهم في هذا قولان وقد جاء عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال: لم يكن ذو الكفل نبيًا إنما كان رجلًا صالحًا، والذي يظهر أنه من الأنبياء أنه يذكر في مساق الأنبياء من بني إسرائيل فهذه قرينة تدل على أنه من النبيين وليس من الرجال الصالحين، لم يذكر أكثر من هذا الوصف له أنه ذكره الله تعالى في موضع بالصبر ذكره في موضع آخر وهو قوله: ﴿وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الأَخْيَارِ﴾ص: 48 فذكره مرة من الصابرين، ومرة قال أنه من الأخيار لما قال: ﴿وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الأَخْيَارِ﴾ص: 48 .
المقدم:- هذا ما يتعلق بني الله إدريس وذو الكفل.
الشيخ:- نعم إدريس قيل أنه علمه الله تعالى شيئًا يخصه وهو أنه يعرف بالخط ما يمكن أن يكون في المستقبل وهذا ما أشار إليه النبي –صلى الله عليه وسلم- لما سئل عن الخط عن قوم يخطون في الأرض يستشرفون بهذه الخطوط ما يكون في المستقبل، فقال: إن نبي من أنبياء الله قيل أنه إدريس كان يخط فمن وافق خطه أي وافق خط النبي فذاك يعني فيوفق إلى معرفة ما يكون في المستقبل، لكن هذا أمر مجهول وهذا تعليق الأمر بأمر لا يعلم ولا سبيل للوصول إليه.
وقيل إن إدريس أول من كتب، فتعلم الناس الكتابة منه والله تعالى أعلم.
المقدم:- فيما يتعلق بنبي الله أيوب ويبدو أن أيوب خبره وقصته في كتاب الله هي متطولة أكثر من إدريس وذو الكفل.
الشيخ:- طيب ما الجامع بين أيوب وذي الكفل؟
أنهما كليهما وصفا بالصبر فقد قال الله تعالى في أيوب ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ص: 44 أيوب عليه السلام من أنبياء الله تعالى الذين أوحى الله تعالى إليهم قال الله –جل وعلا-: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾النساء: 163 وذكر من جملة الأنبياء الذين أوحى الله تعالى إليهم في سياق هذه الآية أيوب عليه أفضل الصلاة والسلام وذلك بعد ذكر الأسباط وعيسى قال –جل وعلا-: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ﴾النساء: 163 فهو من الأنبياء الذين نص الله تعالى على نبوتهم والإيحاء إليهم.
أيوب عليه السلام ابتلاه الله تعالى ببلاء شديد، وضر عظيم كان بلاءه في بدنه، وهذا الذي ذكره الله تعالى من خبره لم يذكر نبوته القوم الذين بعث فيهم، لم يذكر نبوته في تفاصيلها، إنما ذكر الوحي إليه في سياق الآيات التي ذكر فيها الوحي إلى النبيين وذكر ما جرى له من حدث المرض والتضرع إلى الله تعالى في طلب النجاة.
يقول الله –جل وعلا- فيما قصه أو في موضع مما قصه عن أيوب في سورة ص يقول –جل وعلا-: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى﴾ص: 41 هنا النداء لربه ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ص: 41 فانظر الذي ذكر من خبره هو شكواه إلى ربه فيما أصابه من المرض كذلك في سورة الأنبياء يقول الله تعالى: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾الأنبياء: 83 فكلا الموضعين اللذين ذكر فيهما أيوب عليه السلام كان ذكر شكاية لله –عز وجل- مما نزل به من المرض، ففي سورة الأنبياء قال: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ﴾الأنبياء: 83 وفي سورة ص قال: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ص: 41 فدل هذا على أن ما كان في أيوب من المرض سببه قد يكون حسي مع تسلط الشيطان عليه بزيادة هذا المرض حيث قال: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ص: 41 أي بتعب وإرهاق ومشقة لأن العذاب يطلق على ما يصيب الإنسان من معاناة ومشقة.
فلعل ما كان فيه صلوات الله وسلامه عليه من المرض مرض بدني مع ألم نفسي بتسلط الشيطان عليه وإدخاله أنواعًا من الضيق عليه بسبب ما أصابه من المرض صلوات الله وسلامه عليه.
المقدم:- عفوًا شيخ خالد وبإذن الله تعالى نستكمل هذه الكلمات التي بدأتم بها في وصف المرض الذي حل بأيوب عليه الصلاة والسلام، لكن بعد مداخلة من الأخ مسلم السحيمي تفضل مسلم.
المعلق:- أهلا في الحقيقة أود من الشيخ أن يعلق على قضيتين:
الأولى: قول أيوب عليه السلام إني مسني الشيطان ومسني الضر حسن الأدب مع الله –عز وجل- حسن الأدب في سؤال الله –عز وجل-.
والثاني: مقام الصبر في الإسلام وجزاء الصابرين كيف أن الله –عز وجل- أثنى على ثلاثة أنبياء بالصبر؟
الشيخ:- ما أشار إليه الأخ مسلم فيما يتعلق بالأدب في الشكاية نعم ما في شك أن أيوب عليه السلام كان في غاية الأدب في سؤال ربه جل في علاه، فذكر مرضه ومصابه ثم توسل إلى ربه –جل وعلا- بصفاته ففي سورة الأنبياء قال: ﴿وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾الأنبياء: 83 في سورة ص لم يذكر الصفة إلا الربوبية نادى ربه يعني قال: ربي والنداء بالربوبية هو فيه من التوسل بخلق الله وتدبيره وتصريفه وملكه وما يشمله معنى الربوبية والمعاني، أو ما يتضمنه اسم الربوبية ووصف الربوبية ومعانيه ما يوجب كشف الضر، فالأدب في السؤال أنه توسل إلى الله بصفاته، توسل إلى الله تعالى بأسمائه كانت الشكاية من كيد الشيطان، ومن الضرر البدني الذي أصابه فجاءه الفرج من رب العالمين حيث قال جل في علاه: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ﴾الأنبياء: 84 أي أجبنا دعائه فكشفنا ما به من ضر أي أزال الله –جل وعلا- ورفع ما به من ضر وقد جاء تفصيل هذا الكشف في سورة ص حيث قال الله تعالى مرشدًا لأيوب في طريق الخلوص والاستشفاء والدواء من هذا المرض ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ص: 42 بعد ذلك قال: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ﴾ص: 43 .
إذًا هو سلمه من المرض ومن عليه بمنة زائدة وهي أن بارك له في أهله وردهم إليه قال تعالى: ﴿وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ص: 43 أي أتيناه أهله الذين كانوا معه وزيادة على هذا أن ضعفهم جل في علاه رحمة من عندنا وذكرى للعابدين وهنا إشارة إلى أن هذا القصص ليس سردًا لأخبار لا يستفاد منها، إنما هو تذكير ولذا قال: وذكرى أي تذكيرًا للعابدين أي لأصحاب العبادة الذين يصابون بالمصائب سواء كانت نفسية أو بدنية أو كانت مالية أو أي نوع من أنواع الإصابة أن الله تعالى قادر على كشفها، إذا صدق العبد في اللجأ إليه جل في علاه وسؤاله ما يصدق به في عوده إلى ربه ستنكشف عنه تلك البلايا ويزول عنه ما يكون من ضر في نفسه أو ماله.
فيه موقف إن اتسع الوقت.
المقدم:- فيما يتعلق بقوله تعالى: ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ﴾ص: 44
الشيخ:- هذا الموقف زوجة أيوب عليه السلام صبرت معه وراعته صلوات الله وسلامه عليه وحصل منها ما يمكن أن يكون سببًا للتكدير لأيوب، فنذر أن يعاقبها ولما سلمه الله تعالى أشكل عليه كيف يتخلص من ذلك النذر الذي نذره في عقوبة زوجته وهو أن يضربها بعدد من الأسواط، فذكر الله تعالى المخرج من ذلك حيث قال –جل وعلا-: ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ﴾ص: 44 الضغث هو القناة الذي فيه شماريخ النخل الذي يكون فيه التمر نضيدا عزق النخل وما فيه تفاريع ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ﴾ص: 44 أي ولا تقع في الحنث بترك ما حلفت عليه أو نذرت عليه فاضرب به ولا تحنث ثم ذكر الله تعالى من صفاته ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ص: 44 وهذه تزكية من الله تعالى له إنه أواب أي كثير الأوبة والرجوع إلى الله جل في علاه.
المقدم:- لكن ما سبب غضبه على زوجته؟
الشيخ:- مثل ما ذكرت أنه قد يكون هذا نوع من التقصير وقع منها في حقه فحلف وهذا يدل على أن الأمم السابقة لم يكن عندهم تحلة القسم، لم يكن عندهم كفارة اليمين التي يخرج بها الإنسان مما يمكن أن يكون من الأيمان التي تصدر عنه، يعني إذا حلف لابد أن يفي.
المقدم:- وحلف بماذا؟
الشيخ:- بالله طبعا.
المقدم:- بالله على أن يضربها.
الشيخ:- على أن يضربها عددًا من الأسواط فقال له –جل وعلا-: ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ﴾ص: 44 لكن الأمة هذه يسر الله تعالى في أمرها بأن جعل لها من كفارة اليمين ما تخرج به من هذه الأيمان فتسلم من عاقبة الحنث والمخالفة وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إِنِّي واللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّه لا أَحلِفُ عَلَى يَمِينٍ ثُمَّ أَرَى خَيْرًا مِنهَا إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِيني، وأَتيْتُ الَّذِي هُوَ خَيرٌ»صحيح البخاري (6623)، ومسلم (1649) .
المقدم:- شيخنا لو أتينا إلى واقعنا الآن ونحن نقرأ ونتأمل في الكلام الذي ذكرتموه من إدريس عليه السلام عندما وصف بالصبر وذو الكفل وأيوب وإسماعيل وقصة أيوب بالتفصيل التي قرأنها كثيرًا وهي في مضمونه وفي الصميم تتعلق بالصبر ما هي الكلمة التي توجهونها ونختم بها حديثنا فيما يتعلق بالصبر على أقدار الله كافة؟
الشيخ:- ينبغي مهما بلغ بالإنسان الضيق والشدة والعسر أن يحسن الظن بالله –جل وعلا- فإن الله تعالى أرحم بالعبد من نفسه وهو أرحم به من كل راحم من الخلق، بعض الناس عندما تنزل به المصيبة وتحل به النكبة ويصيبه ما يصيبه مما يكره من حوادث الزمان وغير ذلك من المكروهات يغيب عنه رحمة أرحم الراحمين.
لاحظ أن أيوب عليه السلام على عظيم ما نزل به من المرض حتى قيل: إنه أصبح لا يجالس أحد ولا يغشاه أحد من شدة ما أصابه من المرض قال: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾الأنبياء: 83 فتوسل إليه برحمته في شدة كربته وعظيم مصيبته ومنتهى ما ألم به من الضيق لم يغيب عنه صفة الرحمة التي يتصف بها الله –جل وعلا-.
فينبغي للمؤمن أثناء هذه المصائب أن يستحضر هذه المعاني أن الله أرحم به من الخلق وأن هذا الذي أصابه لا ينافي الرحمة التي اتصف بها بل قد تكون الرحمة في البلاء وقد قال الأول فربما صحت الأجساد بالعلل فكم من مصاب هو في خير لا يدركه إلا بهذا المصاب، وكم من إنسان في خير وعافية يظن أنها أفضل له مما ينزل به من المصائب تكون شرًا له في حاله ومآله.
لذلك ينبغي للمؤمن أن يمتلئ قلبه ثقة بالله –عز وجل- وأن يرجع إليه صادقًا في كشف الضر مخلصًا في طلب الخروج والخلوص من البلاء ويفوض أمره إلى الله –جل وعلا- فما اختاره الله للعبد خير مما يختاره الإنسان لنفسه كما قال –جل وعلا-: ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾غافر: 44 .