المقدم:- نتحدث في هذه الحلقة نتحدث وإياكم مع المشاهدين الكرام حول ما قصه الله –سبحانه وتعالى- من أخبار فيما يتعلق بنبي الله يوسف عليه السلام منطلقين من قول الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ﴾ يوسف: 7 وقصة يوسف أولفت فيها المؤلفات وصنفت فيها المصنفات وأيضًا أقيمت فيها المحاضرات والدروس التي تمتد ونحن حلقتنا واحدة، لذلك لا يتسع المقام لذكر الأحداث والتفاصيل بكاملها لكن نأخذ المجمل وأهم الدروس المستفادة من هذه القصة التي بينها الله –سبحانه وتعالى- في سورة كاملة من أولها إلى آخرها.
لعلنا نبدأ شيخ خالد بخبر الله فيما قصه عن نبي الله يوسف من خلال يوسف عليه السلام والرؤية التي رآها في المنام وقصها على والديه.
الشيخ:- الحمد لله رب العالمين أحمده جل في علاه من رحمته أن بعث رسلًا مبشرين ومنذرين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين أما بعد..
فأسال الله تعالى أن يرزقني وإياكم العلم النافع، هذه القصة يعني وطولها وامتداد أخبارها يضيق عن نصف ساعة نتكلم فيها عن نبي الله يوسف عليه السلام، ولو كان الأمر بالخيار لكنا نقرأ القرآن ونقرأ السورة وتكفي عن البيان والإيضاح، لكن الصوت ليس بشجي فلذلك نقف مع هذه القصة من خلال عدة وقفات.
قبل أن أجيب على ما ذكرت من سؤال وهو ما يتصل بيوسف والرؤية، سؤال لماذا ذكرنا يوسف في قصص الأنبياء والمرسلين؟ هل يوسف نبي؟ هل يوسف رسول؟ هذا سؤال يطرح نفسه.
المقدم:- الواضح شيخ خالد أنه نبي فقط.
الشيخ:- أنه نبي ما الدليل؟
المقدم:- الدليل أولي العزم من الرسل هم معروفين ولم يذكر من دونهم يوسف.
الشيخ:- لكن الرسل غير أولي العزم كثير، لماذا هو نبي؟ هو نبي أولًا دلالة القرآن فيما يظهر واضحة في كونه نبي وأنه خص بهذا ليس هناك تصريح فيما أعلم بوصف النبوة ليوسف عليه السلام على الأقل في سورته فيما أذكر أنه ليس هناك وصف نص على أنه نبي، لكنه رسول بالتأكيد فهو نبي رسول، أما كونه نبيًا فقد جاء في السنة أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قيل له: من أكرم الناس؟ قال –صلى الله عليه وسلم-: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم نبي ابن نبي ابن نبي ابن نبي فهو نبي بنص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
المقدم:- هذا دليل نبوته.
الشيخ:- أما أنه رسول فذلك في سورة غافر في كلام مؤمني فرعون لفرعون عندما قال له: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ﴾ غافر: 34 ولقد جاءكم يوسف وهذا يقتضي الرسالة ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا﴾ غافر: 34 .
إذًا هو رسول وهذا دليل كون يوسف عليه السلام رسول من رسل الله جل في علاه.
إذًا يوسف عليه السلام هو رسول نبي.
المقدم:- عندنا رسول وعندنا نبي وعندنا رسول نبي.
الشيخ:- لا هو كل رسول نبي يعني ليس هناك رسول وليس نبي، إنما عندنا رسول ونبي، الرسول يجمع النبوة لأنه لا يمكن أن يرسل إلا بتحقيق وصف النبوة ما هو النبوة؟ يعني هذا الوصف النبي مأخوذ من ماذا؟ مأخوذ إما من النبوءة أو من النبوة، النبوة هي المكان من نبأ إذا ارتفع، ومن نبأ إذا أخبر فكلاهما يتحقق للرسول، لكن الرسول مرتبة زائدة على النبي فليس كل نبي رسول، فمثلا يعقوب نبي وليس برسول، إسحاق نبي وليس برسول، إسماعيل رسول نبي وهكذا.
كل رسول فهو نبي وليس كل نبي رسولًا، لأن مرتبة النبوة أنزل من مرتبة الرسالة، ولذلك من حكمة الله أنه في سياق ختم الرسالات ماذا قال؟ ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ الأحزاب: 40 ولم يقل وخاتم المرسلين، لأنه لو قال خاتم المرسلين ممكن أن يأتي نبي بعده، لكن لما قال خاتم النبيين علم أنه لن يكون بعد محمد بن عبد الله لا نبي ولا رسول، لأنه إذا انتفت النبوة فالرسالة من باب أولى لأنها مرتبة ومنزلة أعلى.
الرؤية هي جزء من أجزاء النبوة كما أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- وهي من طرق الله تعالى للرسل، وأيضًا للناس لكن الرسل يتميزون أن رأياهم حق، أما الناس فقد يرى الإنسان الرؤية ولا تكون حقًا إنما تكون أضغاث أحلام أو تكون حديث نفس، ولذلك الرؤية جزء من أجزاء النبوة ليس في كل ما يراه الإنسان لأن ما يراه الإنسان إما أن يكون من الشيطان، وإما أن يكون له معنى ومنبه فهو من الله عندما كان محزنًا فهذا لا معنى له فهذا من أضغاث الأحلام وهو من الشيطان أو من حديث النفس الذي يشغل فكر الإنسان في فترة وينعكس في منامه.
يوسف عليه السلام من أول خبره أخبر برؤيا كانت مفتاح قصته مع أبيه وإخوانه وسائر ما ذكره الله في قصصه الرؤيا هذه التي أخبر بها هو أنه رأى أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر رآهم ساجدين كما ذكر في سورة يوسف وقص على أبيه هذه الرؤيا ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ يوسف: 5 ثم بشره وهذه البشارة من يعقوب لابنه في ترجمة هذه الرؤيا ﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ يوسف: 6 وهنا أشار له بحسن العاقبة وقد يقول قائل هذه نوع من البشارة بالنبوة المقصود أنها بشارة ليوسف عليه السلام.
يوسف كان ذا حظوة عند أبيه، وهذا أثار ضغينة وغيرة أخوته، فكادوا له كيدًا فكان ما قص الله تعالى من خبر هذا الكيد الذي انتهى بيوسف رقيقًا عند عزيز مصر، هذا الرؤية لم تنتهي عند هذا الحد كل هذه الأحداث جرت وفصولها تتابعت لكن تبين تعبير هذه الرؤية في خاتمة القصة عندما ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا﴾ يوسف: 100 يعني هذا السجود الذي وقع من إخواني وكان سجود تحية وهو سائغ ومقبول في الأمم السابقة، لم يكن من الممنوع في الشرائع السابقة أن يسجد أحد لأحد على وجه التحية والتعظيم والإكرام، لا على وجه العبادة.
فقال: ﴿هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ﴾ يوسف: 100 يعني الرؤية التي قصصتها عليك ﴿قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا﴾ يوسف: 100 يعني جعلها واقعًا نشاهده أنا وأنت وهذا في آخر القصة إشارة إلى ما كان في أول القصة هذا مظهر من مظاهر تعبير الرؤية عند يوسف عليه السلام طبعا أتاه الله تعالى علمًا فكان يخبر بأشياء خفية وهذا من آياته صلوات الله وسلامه عليه ومن ذلك إخباره بما يأكل الناس وما يدخرون في بيوتهم كما ذكر في قصته مع المساجين، ثم ما جرى من قصته مع الملك لما عبر له الرؤية.
المقدم:- هذا فيما يتعلق شيخنا بيوسف والرؤية لكن العداء الذي حدث بعد ذلك بين يوسف عليه السلام مع أخوته.
الشيخ:- العداء الذي حصل هو بسبب الغيرة وأشرت إلى هذا في أثناء الحديث فكادوا له كيدًا وسعوا في الوقيعة به وهنا يتبين بعض الناس يقول: أنه هذا الذي جرى من الكيد هو بسبب اهتمام يعقوب بيوسف أكثر من أولاده أنا في شك من هذا ما هناك قرينة وظاهرة تدل على أن يعقوب قد خص يوسف بمزيد عناية عن سائر ولده، إنما الحب من القلب هذا شيء لا يملكه الناس، فقد تحب ابنًا لك أكثر من غيره، وهذا ليس محل مؤاخذة وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «اللهم هذا قَسْمي فيما أملِكُ» فيما يتعلق بقسمته بين زوجاته –صلى الله عليه وسلم- فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك ما الذي يملكه الله ولا يملكه العبد؟ هو ميل القلب كونه يحب فلان أو يحب الزوجة الفلانية ويحب الابن الفلاني أكثر من الآخرين هذا شيء لا يملكه الإنسان، فالنبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «اللهم هذا قَسْمي فيما أملِكُ، فلا تلُمْني فيما تملِكُ ولا أملِكُ» سنن أبي داود (2134) قال الحافظ في التلخيص أعله النسائي والترمذي والدارقطني بالإرسال فلا يتصور من نبي الله يعقوب أن يخص لا يتصور لمقام النبوة وشرفها أن يخص يوسف بخاصية تتعلق به من حيث التمييز عن بقية الإخوة بمزيد نفقة أو ما قد يكون هناك محبة يكون هناك حظوة، لكن ليس هناك تمييز يتعلق بالتفريق بينه وبين أخوته، فهذا مما هو محرم وممنوع وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «اتَّقوا اللهَ واعْدِلوا بيْن أولادِكم» صحيح البخاري (2587) .
هنا نعرف أن الغيرة والحسد لا يلزم أن يكون مبعثه سببا واقعيا ملموسا قد تكون هذه الغيرة ناتجة عن أشياء تشتغل في القلب وتثير الإضغان حتى ولو لم يكن هناك مثير خارجي لا ليس هناك ما يثير هذه الضغائن وهذه الغيرة، لكن من الناس من تشتعل نفسه ويشتغل قلبه أن يتقدم عليه غيره، حتى لو كان تقدم بعيد لا يبخسه شيء.
والله تعالى يذكر عن بني آدم الشح: ﴿وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ﴾ النساء: 128 والشح هو في الحقيقة أصله مثل هذه الرزايا فهو يحمل على الحسد ويحمل على البغي ويحمل على الظلم، لذلك وقع ما وقع بين أخوة يوسف ويوسف عليه السلام، لكن صبر عليه أفضل الصلاة والسلام فكانت العاقبة له.
المقدم:- أيضًا من المواقف التي قصها الله –سبحانه وتعالى- وبينها في قصة يوسف عليه السلام ونريد أن نقف معها وقفة ما قصه الله وأخبر من يوسف مع امرأة العزيز.
الشيخ:- لما غيب إخوة يوسف أخاهم في الجب، ﴿وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾ يوسف: 16- 17 وتبين له من حالهم وشأنهم أنهم كذبوا عليه قال: ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ يوسف: 18 فحقيقة وقفة مع هذا المصاب الكبير الذي أصاب يعقوب عليه السلام في فقد أخيه، لكن نحن في هذه الحلقة نركز على الأحداث المتصلة بيوسف عليه السلام لما أخذ وسير به إلى بيت العزيز وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وهو الكريم وابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم مع هذا صار عبدًا.
الكرم والشرف والمنزلة والعلو لا يزيله عارض من انخفاض أو ذل في أعين الناس، فإنه قصر على العبودية وأن يكون رقيقًا مملوكًا يباع ويشترى في بيت العزيز، لكنه صلوات الله وسلامه عليه بقي على شرف معدنه وطيب أصله حتى في انتقاله إلى الرق والعبودية ويتصرف به غيره في بيت العزيز، راودته التي هو في بيتها وذلك لما كان عليه يوسف عليه السلام من الحسن والبهاء والجمال الذي قال فيه النبي –صلى الله عليه وسلم- لقد أوتي شطر الحسن يعني نصف جمال بني آدم أؤتيه يوسف عليه السلام.
لكن هذا لم يخرجه عن أن يطيع الله تعالى، فلم يستثمر هذا الجمال فيما يغضب رب الجمال الذي لا إله غيره –سبحانه وبحمده- الذي له الجمال المطلق –سبحانه وبحمده- ما أغلب الله في هذا الجمال بل كان في غاية الاحتياط تعرضت له النساء وتعرضت له امرأة العزيز وهي منهية وقالت: هيت لك ها أنا مستعدة لك ومتهيئة لك أن تفعل ما تشاء وتأخذ ما تريد بلا مقابل، بل بالعكس ستسمو منزلتك وترتفع مكانتك إذا استجبت نزعته نفسه بحكم الشباب والقوة فهم بها وهمت به كما قال الله تعالى، بعض المفسرين يقول هم بها يضربها أو يتخلص منها، لكن هذا خلاف ظاهر السياق القرآن والله أعلم أنه هم بها لفعل ما طلبت منه لكنه رأى برهان ربه، رأى ما شرح الله صدره فصرفه عن تلك الرزية وأبعده عن تلك الفعلة الشنيعة الخبيثة وهي الزنا صرفه عنها ما الذي صرف يوسف عليه السلام عن هذا؟ هل هو قوة نفسه؟ لا إنه أمر أبعد من هذا إنه الله الذي يسر له الانصراف بفعل من يوسف حيث قال تعالى بعد أن صرف عنك ذلك ﴿لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ يوسف: 24 وأنا أنبه إلى هذا الوصف الذي ذكره الله تعالى من أعظم الأوصاف التي يتقي بها الإنسان مواقع السوء فيما يتعلق بالشهوات والفتن أن يكون من عباد الله المخلصين وفي قراءة المخلصين أي الذين أخلصوا لله التوحيد أخلصوا لله لا إله إلا الله وهنا نعرف أنه التوحيد ليس أمرًا ذهنيًا وعقليًا وقلبيًا لا أثر له ولا ثمر، إنه شيء يقر في القلب تترجمه الأعمال على صورتين؛ الصورة الأولى امتثال ما أمر الله تعالى به ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ البقرة: 208 ، الصورة الثانية الكف والانزجار عن كل ما يغضب الله جل في علاه، فيوسف عليه السلام إنما كف عن الاستجابة لما هيأته له امرأة العزيز لما قام في قلبه من توحيد الله، ما هو التوحيد لا إله إلا الله هذه ما معناها؟ إفراده بالعبادة والإفراد بالعبادة يقوم على قاعدتين وعلى أمرين؛
الأمر الأول هو أن يكون الله تعالى أحب شيء في قلبك أن تبلغ غاية الحب نهاية الحب، وأن تبلغ غاية التعظيم ومن بلغ في قلبه منتهى الحب لربه ومنتهى التعظيم لله تعالى فلن يتأخر عن أمر الله، ولن يخالف ما أمر الله به لأنه يكون في قلبه تعظيم معاذ الله ﴿إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾ يوسف: 23 على تفسير أن الرب هنا هو الله –جل وعلا- وقال بعض أهل العلم إنه ربي أي صاحب نعمتي سيدي العزيز أحسن مثواي أكرمني فلا أخون هذا الكرم، ولا أنقض هذا الفضل بمواقعة السيئ من العمل.
تخلص منها لكنها لم تفكه، بل حاولت أن تستدرجه بما هو أكبر، فجمعت له النسوة وأصبح حديث للنسوة كل يريد أن يقع منه شيء من المراودة فعصمه الله تعالى، بل أثر أن يكون حديث في سجن عن أن يقع سجينًا لشهوة وشيطان سبحان الله كيف إذا رقت النفوس وسمت وعزت تصلح عندها التصورات أيما أشد على الإنسان خطرًا وأثرًا في دنياه وفي أخراه أن يكون حبيس هواه بأن تتسلط عليه شهوته ورغبته ولو كان يمشي ويذهب ويأتي ويتنقل أو أن يكون حبيس غيره لأنه أطاع ربه، ما في شك أنه قال: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ يوسف: 33 ثم لما اختار هذا الاختيار سأل الله العون لأنه خيار صعب، ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ يوسف: 33 يعني أميل إليهن النفس ضعيفة، لا تركن إلى نفسك وإلى قواك.
المقدم:- فجاء النداء من ربه ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ يوسف: 34 شيخ خالد استمرت القصص والأحداث وبقي في السجن ومرت أمور عظام داخل السجن، لكن لعلنا ننتقل إلى العلاقة التي بدأت بين يوسف عليه السلام وهو في سجنه مع عزيز مصر.
الشيخ:- مبدأ العلاقة أنه يوسف عليه السلام كان صالحًا ومحسنًا لأهل السجن، فجاءه من يعبر له الرؤية فقال: ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ يوسف: 36 عبر الرؤية لاثنين أحدهما قتل، والآخر أصبح خادمًا في قصر الملك فرأى الملك الرؤية المشهورة التي قصها الله تعالى فطلب عبرها وتأويلها ونسي هذا الرجل نبأ يوسف حتى سأل الملك العابرين قال: ﴿قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ﴾ يوسف: 44 قال هذا الرجل ﴿أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ﴾ يوسف: 45- 46 وانظر إلى هذه الصفة وأثرها في تعبير الرؤية وأثرها في حسن العاقبة ﴿ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ﴾ يوسف: 46 قص عليه رؤيا الملك فأخبره جاء رسول الملك يطلب من يوسف الخروج ليقابل الملك فقال: ﴿مَا بَالُ النِّسْوَةِ﴾ يوسف: 50 رفض أن يخرج حتى يعرف براءته في التهمة التي أودع فيها السجن بعد سنوات متطاولة ومدد قيل: إنها تزيد على عشر سنوات جاء الرسول فقال الملك للنسوة عن التهمة فبرأنه وقالت امرأة العزيز ﴿الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ﴾ يوسف: 51 أي ظهر واتضح وبين ﴿أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾ يوسف: 51 ثم خرج مكرمًا وكلمه الملك وقربه وعرض يوسف عليه السلام ما كان قد أملاه الله عليه ومكنه منه من حسن الإدارة فقال: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ يوسف: 55 فكان عزيز مصر وجاء إخوته فصارت القصة التي قصها الله تعالى.
المقدم:- إذًا أحداث عظيمة وأمور عظيمة مرت بيوسف عليه السلام مع أخوته ثم في السجن وفي الأخير أتت العاقبة من الله –سبحانه وتعالى-.
الشيخ:- لحظة قبل أن تختم وقفة مع دعاء يوسف عليه السلام في آخر المطاف ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ﴾ يوسف: 101 يا الله ما أجمل هذا الدعاء الذي يختصر تلك القصة على عظيم ما فيها من تفاصيل بهذه المعاني افتقار العبد لربه، ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ يوسف: 101 ما هي أمنيته بعد هذا التوسل؟ ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ يوسف: 101 ما أعلى هذه المنية هذه مشروع حياة يجب على كل مؤمن أن يملأ قلبه بهذا الأمر توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين دعوة دعا بها من؟ رسول كريم يوسف عليه السلام.
المقدم:- ونختم هذه الحلقة بالدعاء بأن الله –سبحانه وتعالى- يتوفانا مسلمين وأن يلحقنا بالصالحين إنه سميع مجيب قريب.