المقدم:- نتحدث في هذه الحلقة بإذن الله تعالى حول الذرية المباركة الذين نعتهم الله بقوله: ﴿أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَار إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّار ِوَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ﴾ ص: 45- 47 وهم إسماعيل وإسحاق ويعقوب عليهم الصلاة والسلام، فلو تحدثتم عن أولئك الأخيار الذين ذكرهم الله في كتابه الكريم.
الشيخ:- الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
فإبراهيم عليه السلام بشره الله تعالى ببشارتين؛ على كبر وتقدم في العمر بشره أولًا بإسماعيل في قوله تعالى: ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ﴾ الصافات: 101 ثم بشره بإسحاق في قوله تعالى لما جاءته البشرى وجاءته الملائكة ﴿قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ﴾ الحجر: 54 تلك هي بشراه بإسحاق وعن هذين جاء الأنبياء جميعًا بعد إبراهيم عليه السلام.
المقدم:- قال الله –سبحانه وتعالى-: ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ هود: 71 .
الشيخ:- ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ هود: 71 ولذلك قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾ الحديد: 26 في هذه الحلقة نحن نتكلم عن الذرية المباركة وأوائل هؤلاء الذرية هم هؤلاء الثلاثة إسماعيل الذي عنه جاء خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم سيد ولد آدم وإسحاق الذي تفرع عنه يعقوب ثم من بعد يعقوب جاء الأنبياء فنتكلم عن هؤلاء الثلاثة لا نتكلم عن جميع الذرية عن إسماعيل وإسحاق ويعقوب.
إسماعيل ابتداء هو الأسبق ولادة وذلك أنه لما كبر إبراهيم عليه السلام وتزوج بهاجر جاءته بهذا الابن وهو إسماعيل عليه السلام وذهب به أبوه إبراهيم عليه السلام إلى مكة البلد الحرام وأسكنه في مكة وإليه يشير قوله –جل وعلا- في سياق ما ذكره عن إبراهيم ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ إبراهيم: 37 .
هذا هو الابن الأول وإسماعيل عليه السلام كان رسولًا نبيًا، ولذلك قال عنه الله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾ مريم: 54 وهو فيما يتعلق بالرسالة أعلى منزلة من إسحاق عليه السلام وعلى الجميع السلام، فإنه رسول نبي بنص القرآن، أما إسحاق فإنه نبي ولم يذكر في الكتاب أنه رسول صلى الله عليه وسلم- وفرق بين النبي والرسول.
فالرسول بالتأكيد أعلى درجة من النبي، على اختلاف في الفرق أو ما هو الفرق بين الرسول والنبي؟ كما سبق الإشارة إن الرسول قيل: إنه هو الذي يأتي رسالة له ولقومه، وأما النبي فهو الذي يوحى إليه وحي خاص ولا يؤمر بتبليغه بخلاف الرسول هو الذي يرسل إليه أو يوحى إليه هذا فرق.
إن الرسول هو الذي يوحى إليه بشرع جديد، وأما النبي فهو يوحى إليه برسالة من قبله فهو تجديد في رسالة من تقدم هكذا قال بعض أهل العلم في التفريق بينهما وعلى كل الأحوال الذي نريد أن نصل إليه أنه إسماعيل عليه السلام كان رسولًا نبيًا، ووصفه الله تعالى بأنه صادق الوعد.
وهذا الوصف يميز هذه الصفات الكريمة لاسيما صدق الوعد فهو من صفات الأنبياء، وذلك أن إسماعيل وعد أباه وعدًا ما هو هذا الوعد الذي وعد إسماعيل أباه؟ فاستحق أن يوصف بهذا الوصف من رب العالمين في قوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾ مريم: 54 .
المقدم:- لعله من المواقف التي مرت بين إسماعيل وإبراهيم عندما قال: ﴿افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ الصافات: 102 .
الشيخ:- قوله: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ الصافات: 102 وعده والده أن يصبر على ما أخبره به من رؤية ذبحه فقال تعالى في قصة إبراهيم وإسماعيل ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ الصافات: 102 فاستسلم ووفى بهذا فكان صادق الوعد، هذا ما يتعلق بإسماعيل ومن أبرز ما اختص به إسماعيل عليه السلام أنه جعله الله تعالى شريكًا لإبراهيم في بناء البيت ورفع قواعده كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ البقرة: 127 فقد شارك أباه في هذا الشرف العظيم وهذا الفضل الكبير وهو بناء هذا البيت، وعنه تفرع أهل مكة وقريش ومنهم النبي –صلى الله عليه وسلم- فنسب نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- يرجع إلى إسماعيل.
هذا ما يتصل بإسماعيل عليه الصلاة والسلام.
المقدم:- شيخ خالد هل تبين مكان إسماعيل وانطلق منه من دعوته؟
الشيخ:- هو في مكة إسماعيل عليه السلام بقي وعاش في مكة وذكرتني هنا بتنبيه وهو ما يتعلق بحجر إسماعيل يسمي كثير من الناس نصف الدائرة الملحقة بالكعبة يسمونها بحجر إسماعيل بعض الناس يعتقد يقول: إن قبر إسماعيل في ذلك المكان، وهذا من أكبر الزور ومن أبطل الباطل لأن هذا يقتضي أن المسلمين يستقبلون بيتًا بني على قبر، والنبي –صلى الله عليه وسلم- بعثه الله مطهرًا للأمة وللناس من الشرك وداعيًا إلى التوحيد وقد لعن من اتخذ قبور الأنبياء مساجد لا بالبناء عليها ولا بتشييد الأبنية عليها فكان ذلك من دعوته –صلى الله عليه وسلم- فلا يمكن أن يكون إسماعيل عليه الصلاة والسلام مدفونًا في هذا المكان.
هذا المكان لماذا وضع عليه هذا الحجر؟ وضع عليه هذا الحجر لأنه ملحق بالكعبة كما جاء في الصحيح من حديث عائشة أن ستة أذرع يعني ثلاث أمتار أو سبعة أذرع من البيت قصرت عنها قدرة قريش على بناء البناء، فميزوها بهذا الحجر الذي تحجر ليبين أن هذا المقطع أو هذا الجزء ملحق بالبيت وأنه ملحق بالكعبة وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم- في عام الفتح لعائشة: «لولا قومك حديثو عَهْدٍ بِشِرْكٍ، لَهَدَمْتُ الْكَعْبَةَ فَأَلَزَقْتُهَا بِالْأَرْضِ، وَلَجَعَلْتُ لها بَابًا شَرْقِيًّا، وَبَابًا غَرْبِيًّا» صحيح مسلم (1333) لكن النبي –صلى الله عليه وسلم- ترك هذا ومضى الأمر على هذا الحال تغير في زمن عبد الله بن الزبير وفعل ما أراده النبي –صلى الله عليه وسلم- ثم رجع ثم استقر الأمر على بقاء حال الكعبة على ما هي عليه اليوم ومن ذلك الزمان إلى يومنا هذا.
المقدم:- هذا فيما يتعلق بإسماعيل.
الشيخ:- هذا فيما يتعلق بإسماعيل –صلى الله عليه وسلم- أما فيما يتعلق بإسحاق فإسحاق هو ابن إبراهيم الثاني وهو الذي قال فيه تعالى: ﴿إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ﴾ الحجر: 53 وهذا فيه ميزة لإسحاق عليه السلام وهي صفة العلم وصفة الإحاطة والمعرفة فإنه بشر بهذا الوصف إبراهيم فبشرناه بغلام حليم، وفي إسحاق غلام عليم ولا يعني هذا أن إسحاق لم يكن عنده حلم وأن إسماعيل لم يكن عنده علم لكن ذكرت الآية أبرز الصفات، ووجود الصفة بارزة لا يلغي الفضائل الأخرى لهذا النبي، اللي هو إسماعيل وإسحاق.
والله تعالى قد ذكر إسحاق ويعقوب وإبراهيم ووصفهم بأوصاف مشتركة، وإن كان إبراهيم له الذروة في هذه الأوصاف فيقول –جل وعلا-: ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّار ِوَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ﴾ ص: 45- 47 وعلى هذه الصفات التي ذكر الله –جل وعلا-.
إذًا إسحاق عليه السلام هو ابن إبراهيم الثاني وهو ابنه من زوجته سارة، ومنه تفرع يعقوب وسائر أنبياء بني إسرائيل كانوا من ذرية إسحاق عليه السلام، إسحاق ذكر الله –جل وعلا- له جملة من الأخبار في محكم كتابه فمن الأوصاف التي ذكرها الله تعالى له أنه عليم، ومن الأوصاف التي ذكرها الله تعالى لإسحاق بأنه صالح ﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ﴾ الصافات: 112- 113 وذكر الله –جل وعلا- في إسحاق في جملة الأنبياء ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ النساء: 163 إلى آخر ما ذكر الله –جل وعلا- فإسحاق هو من الأنبياء الكرام الذين من الله عليهم بالنبوة ومن الله عليهم بالذرية الصالحة المباركة التي نفع الله تعالى بها الخلق.
المقدم:- إذًا يا شيخ هم عاشوا في نفس الوقت وفي نفس الزمان إسماعيل وإسحاق؟
الشيخ:- نعم إسماعيل وإسحاق عاشوا في زمن واحد، لكن إسماعيل كان في مكة، وإسحاق كان في فلسطين مع أبيه إبراهيم عليهما السلام.
المقدم:- وماذا عن يعقوب؟
الشيخ:- أما يعقوب فيعقوب فهو ابن إسحاق عليه السلام، ويعقوب عليه السلام من الأنبياء الكرام الذين قص الله تعالى خبرهم ومما ذكره الله تعالى عن يعقوب هو ما ذكرته قبل قليل في قوله –جل وعلا-: ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ﴾ ص: 45- 46 فإن الله تعالى ذكر لهم من الصفات أولي الأيدي والأبصار بعد ذلك ماذا قال؟ ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّار ِوَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ﴾ ص: 47 فذكرهم الله تعالى بهذه الصفات المشتركة، فذكر من صفاته أنه من أولي الأيدي يعني أصحاب القوة فهي تطلق على القوة والشدة، والأبصار يعني الأفكار والرشد في العقول والبصائر وهذا يدل على أنه لم يكونوا أقوياء في أبدانهم دون رأي، فجمع الله لهم كمال الرأي وكمال القوة في البدن والشاعر يقول في الشجاعة:
قبل الرأي وقبل شجاعة الشجعان هي أول وهي المقام الثاني
فأول ما يكون ينبغي الرأي، لأنه الشجاعة بدون رأي تودي إلى المهالك والمعاطب لهذا قال –جل وعلا-: وللأيدي والأبصار ثم قال: وأخلصناهم أي جعلنا همهم همًا عظيمًا شريفًا ﴿أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّار﴾ أي تذكر الآخرة فهي ماثلة أمام أعينهم يذكرونها وعنها تصدر أعمالهم، ثم قال –جل وعلا-: ﴿وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ﴾ ص: 47 أي الذين اخترناهم واصطفيناهم وقد ذكر الله تعالى اصطفاء هؤلاء في آيات عديدة الذين اجتمع فيهم الخير بأوجهه خير ظاهر وخير باطن.
يعقوب عليه السلام ذكر الله من خبره مع بني في سورة يوسف ما هو معروف من أنه أحب ابنه يوسف حبًا عظيمًا فكان من حاله ما هو مقصوص في تلك القصة لما غاب عنه وذهب حيث وجد من فقدانه ومن بعده ألمًا شديدًا ابتلي به حتى فقد البصر من شدة ألم فقده لولده، لكنه في كل ذلك كله كان صابرًا حتى قال في ذكر ما حصل ﴿إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ يوسف: 86 في كلامه ورده على أولاده.
وأيضًا برزت في يعقوب صفة المسامحة والعفو والمبادرة إلى عدم المؤاخذة حيث إنه لما حصل ما حصل من أخوة يوسف في حق يوسف وتغييبه عن أبيه هذه السنوات المتطاولة لما جاء يعقوب وبنوه إلى يوسف وقد علم بسلامة يوسف ﴿فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا﴾ يوسف: 96 ، ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ﴾ يوسف: 97 فما كان موقفه بعد هذه المعاناة الطويلة التي فقد بصره بسببها؟ ماذا قال؟ قال لا ما تستحقون المسامحة ولا المغفرة ﴿قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي﴾ يوسف: 98 وهذا وعد وهنا مبادرة إلى العفو وإدخال السرور عليهم مع عظيم ما ألحقوه به من الأذى بحجزهم وتغييبهم ليوسف هذه السنوات المتطاولة.
المقدم:- وأين كان نبوة يعقوب؟ أين كانت؟
الشيخ:- يعقوب كان في فلسطين وقيل أنه كان في الصحراء كما قال يوسف عليه السلام في آخر الآية في ذكر المنن التي من الله تعالى بها عليه وعلى أهله قال: ﴿وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ﴾ يوسف: 100
المقدم:- لم ينتقلوا إلى مصر؟
الشيخ:- انتقلوا بعد ذلك إلى مصر لما جاءهم الخبر عن يوسف عليه السلام انتقلوا إلى مصر أخيرًا.
المقدم:- طيب فيما يتعلق شيخنا في قصص الأنبياء وأخبارهم ونحن نستمع ونتأمل في الأخبار التي ترويها وتحكيها شيخ خالد هل الآن إسحاق ويعقوب بعثوا إلى أقوام وإلى أمم أم أنهم بعثوا إلى أقاربهم أو أبنائهم أو عشيرتهم الأقربين جدا كما هو الحال في يعقوب وما نسمع من الشكوى التي دارت بين أبناء يعقوب مع والدهم؟ يعني لم نسمع أن هناك أقوام أو هناك علاقة دارت بين يعقوب مع قومه وعشيرته.
الشيخ:- يعقوب وإسحاق أنبياء وعلى القول بأن الأنبياء لم يبعثوا مبلغين فهذا متسق ما فيه إشكال لأنهم كانوا قائمين بأمر الله تعالى والنبوة لهم وفضيلتها لهم دون أن يأمروا بالتبليغ، وإذا قيل أنهم أنبياء بمعنى أنهم يوحى إليهم ويمشون على شريعة من قبل فهم على شريعة إبراهيم عليه السلام وعلى هديه صلوات الله وسلامه عليه لكن فيما يتعلق بيعقوب وأيضًا إسحاق غالب ما قصه الله تعالى علينا من خبرهم هو فيما يتعلق بمجال حياتهم الخاصة، لم يكن هناك قصص فيما يتعلق بمعاندة المعاندين واستكبار المكذبين، بل حتى معالجة العاصين إلا فيما يتعلق بنطاق الأسرة كما جرى من يعقوب في حق أولاده.
لكن هناك لافته لعلنا نقف عندها إما الآن أو بعد قليل فيما يتصل بوصية يعقوب لبنيه.
المقدم:- دعنا نرجئها شيخ خالد حتى آخر هذه الحلقة بعد أن نستمع إلى مداخلة الأخ مسلم السحيمي تفضل مسلم.
المعلق:- أهلًا صراحة سبقني الشيخ أنا كانت مداخلتي عن طلب تعليق من الشيخ خالد عن وصية هذه الذرية الصالحة إسماعيل وإسحاق ويعقوب نقل القرآن وصاياهم لبنهم فكنت أود أسمع تعليق الشيخ لكن يبدو أنك سبقتني إليه.
المقدم:- أتفضل إذن يا شيخ.
الشيخ:- فيما يتعلق بوصية إبراهيم أما وصية يعقوب لبنيه هي موروثة من وصية إبراهيم، إبراهيم وصى بنيه بتحقيق العبودية لله –جل وعلا- وعلى هذا المسار سار يعقوب في بنيه ولذلك قال الله تعالى في محكم كتابه: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ البقرة: 132 هذه الوصية تبرز جانب من حفاوة الآباء بأبنائهم وأن حرصهم لا يقتصر فقط على مدة حياتهم بل حتى في عقبهم وبعد مماتهم يحرص الأنبياء والصالحون على استمرار هذا الصلاح في ذريتهم.
لهذا وصى إبراهيم بنيه إسماعيل وإسحاق بتحقيق العبودية لله تعالى، بلا إله إلا الله كما قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ الزخرف: 28 وهي كلمة التقوى التي هي لا إله إلا الله، إبراهيم ويعقوب أوصيا أولادهما بالتوحيد، ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ﴾ البقرة: 132 وهذا فيه بيان شريف هذه الوصية وأنها وصية بما اختاره الله تعالى واصطفاه لهذه الذرية المباركة اصطفى لكم الدين ﴿فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ البقرة: 132 كيف يمكن أن تحقق هذه الوصية؟
المقدم:- جميل وبها نختم حديثنا.
الشيخ:- تتحقق هذه الوصية بأن يموت الإنسان على الإسلام يعني الموت ليس شيئًا يفعله الإنسان بنفسه إذا جاء أمر الله انتهى الأمر لكل أجل كتاب، فأنت مطلوب منك أن تموت على الإسلام معناه أنت مطلوب منك أن تستمر وتبذل قصارى جهدك في التزام طاعة الله تعالى إلى أن يوافيك الأجر كما قال الله لرسوله الكريم: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ الحجر: 99 وهذه تكون بأن يستمر الإنسان في الطاعة وأن يعلم أن طاعته ليس لها منتهى والله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران: 102 فهذه وصية إبراهيم ويعقوب أوصى الله تعالى بها الناس وأوصى بها المؤمنين ألا يموتوا إلا وهم على الإسلام، وهذا يتحقق بالتزام شرائع الإسلام وبذل الجهد في أن يكون الإنسان على الطاعة والإحسان.
ولكن ينبغي للوالد أن يكون هذا همه في ذريته، كما كان هم الأنبياء ﴿أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ﴾ البقرة: 133 ما الذي يفكر فيه الإنسان عند الموت؟ في الغالب أنه يشتغل بنفسه ويهتم بنفسه لا يشتغل لغيره، لكن يعقوب عليه السلام كان همه أبعد عن نفسه ﴿أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي﴾ البقرة: 133 أي شيء تتعبدون من بعدي إذا مت؟ ﴿قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ﴾ البقرة: 133 هي الوصية الأولى وصية إبراهيم إلهًا واحدًا ونحن له مسلمون فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يتوفانا على الإسلام، وأن يثبتنا عليه وأن يجعلنا ممن يفوز برضوانه والجنة يوم العرض عليه.