المقدم:- في هذه الحلقة ونحن نتسلسل في الحديث حول قصص الأنبياء والدروس المستفادة من أخبارهم نستفتح حديثنا في هذه الحلقة بما ذكر في كتاب الله من لوط وخبره مع قومه منطلقين من قول الله تعالى: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾الأعراف: 80 تلكم الفاحشة العظيمة التي كان يفعلها قوم لوط، فبدءا لو تعرفنا على نبي الله لوط ومن حيث طبعا اسمه ومكان بعثته ونبوته.
الشيخ:- الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى سنته واتبع آثاره بإحسان إلى يوم الدين أما بعد..
فنبي الله لوط عليه أفضل صلاة وأتم تسليم هو من أنبياء الله تعالى، ومن الرسل الكرام الذين قص الله تعالى خبرهم في مواضع عديدة من كتابه الحكيم، فذكره الله تعالى في جملة من الأخبار التي قصها في كتابه ونوع في ذكر حاله مع قومه وذكره مع جملة من الأنبياء دون تفصيل في خبره صلوات الله وسلامه عليه.
لوط عليه السلام نبي كريم مرسل وهو من قرابات إبراهيم عليه السلام كما قال بعض المؤرخين، هو بالتأكيد ممن أمن بإبراهيم وزامنه في حياته صلوات الله وسلامه عليه، لكنه بعد فترة من الزمن استقل عنه في مكان الإقامة فكان له قومه الذين يدعوهم ويأمرهم وينهاهم.
المقدم:- أين يا شيخ؟
الشيخ:- قبل أين الله تعالى يقول: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾العنكبوت: 26 في سياق خبره عن إبراهيم وما لقيه من قومه فقال: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾العنكبوت: 26 فإبراهيم قيل أنه لما هاجر اصطحب معه لوطًا ونزلوا فلسطين ونزلوا مصر على كل الأحوال هو في هذه البقعة المباركة في الشام قد يكون ذهبوا إلى مصر فترة من الزمن ثم رجع فاستقر المقام بإبراهيم في فلسطين، وأما لوط ففي قرية تعرف بسدوب وهي في شمال الجزيرة العربية اختلفوا في تحديدها هل هي المطمورة بالماء فيما يعرف بالبحر الميت أم هي دون ذلك في شمال الجزيرة العربية؟
ليس هناك يقين راسخ في تحديد مكان قوم لوط، إنما هم في هذه المنطقة على وجه الإجمال، أما التحديد الفعلي فليس هناك شيء يسار إليها أو يعتمد عليه في تحديد مكانهم.
على كل حال هو لو كان هناك مكان معروف، فلا شك أن هذه من الآيات التي تشهد وترى وقد ذكر الله –جل وعلا- في قصة لوط أن مكانهم معروف وأن العرب تمر عليه ﴿وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ﴾الصافات: 137-138 فهناك مرور على هذه البقعة لكن تحديدًا لا علم لي بتحديد المكان الدقيق لقوم لوط، إنما هو تحديد إجمالي في هذه البقعة.
وعلى هذا ما يسأل عنه كثير من الناس الآن عن الانتفاع من البحر الميت ومنتجاته هل هذا يجوز أو لا يجوز؟ بناء على ما جاء من كلام النبي –صلى الله عليه وسلم- في بئر ثمود ونهي الصحابة أن يأخذوا من البئر شيئًا والقياس على هذا الذي يظهر أنه لا يصح القياس لماذا؟
أولًا:- تلك ورد فيها نص.
ثانيًا:- أن هذه محددة وقر النبي –صلى الله عليه وسلم- هذا التحديد.
ثالثًا:- أن القياس في هذه الأمور يحتاج الاشتراك واضح في العلة وليس هناك اشتراك واضح في العلة إضافة إلى هذا المكان لا يعلم يقينًا أن هو المكان الذي أجرى الله تعالى فيه العقوبة على قوم لوط.
المقدم:- ما هي الإشكالية التي كان يعملها قوم لوط ومن أجلها بعث الله لوطًا إلى قومه؟
الشيخ:- المتبادر للذهن عندما يذكر لوط عليه السلام ما كان قومه عليه من الانحراف الفطري فقد بعث لوط عليه السلام إلى قوم عندهم جملة في الحقيقة من الانحرافات، لكن القرآن كرر انحرافًا تميزوا به عن سائر ما ذكره الله تعالى من قصص الأنبياء وهو ما ذكره جل في علاه من إتيان الذكران من العالمين وذلك أن قوم لوط كانوا يأتون الذكران أي أنهم انحرفت فطرهم ومالت نفوسهم إلى الاستمتاع بالذكر وترك الأنثى، ولذلك قال: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ﴾الشعراء: 165- 166 فكانوا يزهدون في النساء ويأتون الذكران الذين يوافقونهم في الجنس.
لكن هذه اللوثة وهذه الموبقة لم تكن هي الوحيدة في قوم لوط، بل كان قوم لوط على أنواع من الانحرافات وأجمع ما ذكره الله تعالى في انحرافات قوم لوط هو ما ذكره في سورة العنكبوت حيث قال –جل وعلا-: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾الأعراف: 80 فكانت فاحشة غير مسبوقة لم تعهد البشرية إتيان الذكر للذكر قبل قوم لوط، ثم قال –جل وعلا-: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ﴾العنكبوت: 29 هذا واحد ﴿وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ﴾العنكبوت: 29 هذا اثنين ﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ﴾العنكبوت: 29 يعني أنواع من الموبقات والفواحش والشرور علانية تأتيكم في ناديكم يعني في أماكن اجتماعكم وتظهرون هذا بينكم هذه موبقات كانت في قوم لوط لكن أيضًا كان عندهم من الشرك ومن الانحراف عن تحقيق العبودية ما جاءت الإشارة إليه في بعض آيات الله وما ذكره –جل وعلا- ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ﴾الشعراء: 160- 161 ثم قال –جل وعلا-: ﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾الشعراء: 162- 165 .
بعض العلماء يقولون إن قوم لوط لم يكونوا مشركين، إنما كانوا يستبيحون المحرمات، وعلى كل الأحوال الذي يظهر أن الله تعالى ذكر أبرز موبقة عندهم، ولكن لا يعني أن هذا ليس عندهم شرك فقد يكون عندهم شرك، بل ظاهر الآية يعني يستشف من الآيات أنه عندهم نوع من الشرك وهذا الانحراف الذي حصل باستباحة المحرم هو نوع من الشرك في الحقيقة لأنه منازع لله تعالى ما قضاه وحكم به حيث إن الله تعالى له الحكم وهو –جل وعلا- الذي لا ينازع إن الحكم إلا الله، فلا ينازع في حكمه بإباحة حلال أو بإباحة حرام.
ولذلك قال –جل وعلا- في اليهود والنصارى قال –جل وعلا- في الأرباب الآية الكريمة لما قال عدي بن حاتم للنبي –صلى الله عليه وسلم- إننا لم نعبدهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله هذه الآية قال عدي بن حاتم للنبي –صلى الله عليه وسلم- إننا لم نعبدهم من دون الله قال: أليس يحلون لكم الحرام ويحرمون عليكم الحلال فتحلونه وتحرمونه قال: بلى، قال: فتلك عبادتهم فهذا نوع من الشرك ولهذا قوم لوط بلوا بشيء من الشرك وعندهم شيء من الشرك لكن الآيات أظهرت أكبر موبقة تميزوا بها وهي ما يسمى بالإنسان العصري اللطيف المثلية الجنسية، لكن هذا لا يغير حقيقة وبشاعة الانحراف الفطري وهو أن يميل الذكر إلى الذكر، وأن يترك ما أحل الله تعالى من الإناث.
وأنت إذا تأملت في حال الحيوان وسائر مخلوقات الله تعالى، لا ترى هذه اللوثة وهذا الانحراف في شيء من خلق الله تعالى من الحيوان، فلا ترى قردًا يأتي قردًا، ولا ترى حمارًا ينزو على حمارًا ولا شيء من ذلك، لأن هذا مما ينافى الفطرة خلق فهدى، وهذا انحراف عن هداية الله تعالى وعن فطرته.
المقدم:- إذًا هذه شيخ خالد كانت هي المشكلة وكانت هي المعضلة التي كان يعملها قوم لوط غير الأعمال المخالفة لشرع الله التي كانوا يعملونها من قطع السبيل والمهاجرة بالمنكر في النوادي التي كانوا يجلسون فيها لكن السؤال شيخ خالد كيف بدأ الآن لوط بدعوتهم؟ وكيف بدأ يوضح لهم بشاعة وحرمة هذا العمل وما هي العقبات التي واجهها من قومه وما هي ردة الفعل التي عمل لوط بها من خلال دعوته عليه السلام؟
الشيخ:- لوط عليه السلام عاش بينهم وكان ينهاهم ويحذرهم من هذه الموبقات وكرر عليهم ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾الشعراء: 165 وبين لهم خطورة هذا الأمر ونهاهم عن المنكر وقد قص الله –جل وعلا- ما قام به لوط في آيات عديدة منها الآية التي تلوتها قبل قليل في قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾الشعراء: 160- 162 كل هذا هدي محاورة التي تدل على مناقشة وإعادة وإبداء في مسألة النهي عن هذا المنكر كان لوط عليه السلام يقوله ويحرص على إظهاره لقومه نهيًا لهم عن هذا المنكر العظيم.
وللأسف أنهم رفضوا الاستجابة، ولم يتقبلوا ذلك بل مضوا حتى عابوا لوطًا عليه السلام بتطهره وتنزهه عن هذه السيئة وجعلوا الطهر والعفة والسلامة من الانحراف سبة حيث قالوا: ﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾النمل: 56 وهددوا لوط عليه السلام بالرجم وهددوه بالأذى، لكنه عليه الصلاة والسلام صبر على أذاهم وصبر على معاندتهم واستمر في طريق تحذيرهم من الموبقات ومن المهلكات.
المقدم:- مع أنه أخبر شيخ خالد بأنهم قوم مسرفون وأخبرهم بأنهم قوم يجهلون وأخبرهم أيضًا بأنهم قوم معتدين على الله –سبحانه وتعالى- بهذه الفعلة الشنيعة.
الشيخ:- بالتأكيد نوع الذم والتوصيف للفعل وبين أنهم عادون بهذا الفعل، لأنهم خارجون عن الصراط المستقيم، لكنهم قابلوه بما ذكر الله تعالى في محكم كتابه أنه: ﴿قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ﴾الشعراء: 167 يعني إن ما انتهت عن وعظنا وعن تركنا في غينا وفي سبيلنا الذي اخترناه لتكونن من المخرجين لكنه –صلى الله عليه وسلم- لم يستجب لهذه المطالبة التي كان مضمونها وكان غرضها إيقافه عن الدعوة قال: ﴿قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ﴾الشعراء: 168 يعني هذا كاره ومبغض وماقت لهذا العمل الذي أنتم عليه ﴿رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ﴾الشعراء: 169 فسأل الله تعالى أن يسلمه وأهله من أن يتورط في شيء من أعمالهم أو شيء من مسالكهم الرديئة أو يوافقهم على أقل الأحوال على ما هم عليه من رداء أو شيء.
المقدم:- يبدو أن ردود الفعل من قوم موسى أو من قوم لوط على نبي الله لوط لم تنتهي لكن استأذنك شيخ خالد بالانتقال إلى الزميل والأخ مسلم السحيمي مداخلًا ومشاركًا تفضل مسلم.
المعلق:- أهلا لدي تساؤل أو تصور معين لأجوبة الأقوام الأنبياء عليهم السلام مرت بنا عدة حلقات وكان الجواب دائمًا بداية فساد في التصور، فجاء للطهر مدعاة لمعارضة لوط عليه السلام أيضًا قوم إبراهيم وقوم نوح، فهل فساد التصور شيخنا هو بداية الانحراف؟
الشيخ:- بالتأكيد إن فساد التصور هو مبدأ الانحراف، ليس هناك انحراف عملي مستمر دائم إلا ووراءه فساد عقلي أو فكري أو اعتقادي، ولهذا لما يقع الإنسان في خطأ ويمارس عملًا غير صحيح لا يقصده ولا يستند إلى اعتقاد أو نية أو قصد فإنه يعفى عنه إما لجهله، وإما لخطأه والله تعالى يقول في محكم كتابه: ﴿رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾البقرة: 286 يقول الله تعالى: قد فعلت والله تعالى يقول في محكم كتابه: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾الأحزاب: 5 فكل الأخطاء التي وقع فيها أولئك القوم لم تكن أخطاء عارضة إنما أخطاء ينظر لها ويؤصل لها ولذلك كانوا يهددون الأنبياء، الله تعالى يقص في سورة القصص عن قوم لوط أنه قال لهم لما نهاهم عما هم عليه قال: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ﴾النمل: 56 ليس فقط هو آل لوط كل من يلحق بلوط ويتبع لأن آل تطلق على الأهل وتطلق على الاتباع فقول آل لوط أي أهله واتباعه ممن يوافقونه على رأيه ﴿أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾النمل: 56 .
أيتصور أن يقول أحد مثل هذا القول، ويقول والله ما وقع من خطأ عفوي ساذج لا يقصده ولا يريده ولا يستند إلى فساد اعتقادي أو فكري؟ لابد أن يكون وراء هذا الانحراف انحراف اعتقادي، انحراف مؤكد بترك الصواب والميل إلى الخطأ.
المقدم:- عفوا شيخ خالد المقصود بقوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾النمل: 56 ماذا يقصدون؟
الشيخ:- يقصدون أي يتنزهون عن أن يقعوا في مثل هذا الفعل، والعجيب أنهم أطلقوا اللفظ الصحيح في مكانه لكنهم لم يسوقوه مساق المدح، إنما مساق العيب والذم والتنقص وأن هؤلاء لا يصلحون أن يكونوا من أهل قريتنا ولا يصلحون أن يكونوا من أهل بلدتنا لكونهم أناس يتطهرون.
وهنا عندما يفسد التصور ويقارنه فساد العمل، لا تعجب من أن يكون الطهر والعفة سبة وهذا ما نشاهده في عصرنا هذا، الآن تقام دعاوى على كثير من المتكلمين في ذم هذه الانحرافات بدعوى أنك تعارض الحرية الشخصية، تعارض حرية الارتباط المثلي، حتى في التوصيف بأن هذا شذوذ أو أن هؤلاء شواذ في بعض البلدان تقام دعاوى على من يتكلم بمثل هذا الكلام لأن هذا يتعارض مع الميثاق الذي توافق عليه الناس من أن هذا يمكن أن يكون مقبولًا وأن يكون في دائرة الحرية الشخصية، وهذا هو ما كان يفعله أولئك فسبحان الله دار الزمان وتعاقبت الليالي والأيام وعاد طهر لوط مذمة في بعض بلدان العالم.
فمن نابذ الشذوذ ومن حذر منه يوصف بأنه مخالف للحرية، بأنه من أوصاف التي قد يقاضي ويحاكم عليها، العجيب وهنا لفتة كثرة تكرار الله –جل وعلا- لهذا الخبر وهو خبر قوم لوط مع كونه لم يكن فاشي عند العرب، لم يكن معروفًا في جزيرة العرب أن يأتي الرجل الرجل، هذا من أسرار القرآن وأنه لم يأتي لمعالجة قضايا جزيرة العرب، أو قضايا العرب، إنما هو كتاب مبين للعالمين كما قال –جل وعلا-: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾الفرقان: 1 فهو ليس لأحد العالمين عبر الزمان العالمين عبر المكان على اختلاف الألسن والألوان، كلهم مخاطبون بهذا القرآن.
إذًا هذا الخطاب كان في زمن لا يعرف الناس فيه أن رجلًا يأتي رجلًا، حتى إن الصحابة رضي الله عنهم لما جاءتهم قضية من بعض الجهات أن رجلًا أتى رجلًا احتاروا ماذا يفعلون؟
وهذا دلالة على أنه لم يكن معهودًا في كلام العرب، ولا في فعلهم، ولا في أحوالهم أن يأتي الرجل الرجل، بل سليمان بن عبد الملك يقول: لولا أن الله ذكر أن رجلًا يأتي رجلًا ما صدقت أي لم أصدق أن رجلًا يأتي رجلًا، وذلك لأنه منابذ للفطرة وهذا من أسرار القرآن، القرآن مستمر.
في قضية لوط إذا سمحت بقي شيء من الوقت؟
المقدم:- تفضل يا شيخ والوقت يداهمنا لأننا نريد أن نذهب لردة الفعل ماذا حدث؟ وما هو العقاب الذي حل بقوم لوط؟ ونحن في مشارف نهاية حلقتنا.
الشيخ:- طيب على كل حال لوط سأل الله تعالى النجاة له ولأهله وهؤلاء كذبوه وأبوا الامتثال لما دعاهم إليه فكانت عقوبتهم أن أنزل الله بهم سخطًا فأرسل عليهم –جل وعلا- مطرًا كما قال تعالى: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ﴾الشعراء: 173 وقال في الآية الأخرى: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ﴾النمل: 58 وذكر الله –جل وعلا- عقوبات في حق قوم لوط كلها تدور على نزول السخط والعقوبة، لكن هناك ملحظ في ذلك العقاب الذي أنزله الله تعالى بهم.
ذلك أن الملائكة لما جاءت إلى لوط عليه السلام منذرة بالعقوبة، ومخبرة بنزول العذاب ﴿قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾الحجر: 62 استغرب من مجيئهم ﴿قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾الحجر: 63 هذا بعد أن كشفوا للوط مجيئهم لكن في أول الأمر لما جاءوا إليه جاء قوم لوط إلى لوط لأجل أن يوقعوا في هؤلاء الأضياف ما كانوا يفعلونه من إتيان الذكران فقال: ﴿قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ﴾الحجر: 68- 69 طلب منهم أن يكفوا عن هذا الفعل في حق أضيافه هذا خزي أن يؤتى على أضيافه ثم أرشدهم إلى ما هو حلال طيب فأمرهم بإتيان النساء حيث عرض عليهم بناته لكنه لم يقصد البنات من صلبه كما قال جماعة من المفسرين، إنما يقصد جنس النساء الذي جعله الله تعالى محلًا لهذه الشهوة، وليس الذكران الذين لا يصح أن يأتي الذكر الذكر بحال من الأحوال.
لكنهم أبوا حيث قال لهم: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ﴾هود: 78 صاحب عقل يفكر ويكف عن هذا ﴿قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾هود: 79- 80 يعني –صلى الله عليه وسلم- وجد من الضيق ما جعله يشعر بأنه محتاج إلى أن يعتضد بأحد ينصره فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم- لقد كان يأوي إلى ركن شديد من هو؟ الله جل في علاه ﴿قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾هود: 81 لأنها كانت على طريقة قومها، ولذلك قال: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾التحريم: 10 والخيانة هنا عدم الاتباع لهديهما فاستثنيت من الإنجاء فقال –جل وعلا-: ﴿وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾هود: 81 .