المقدم:- شيخ خالد عودة إلى موضوعنا وإلى القصص المستفادة التي نستفيدها جميعًا من خلال هذا البرنامج ومن خلال سمعانا لهذه القصص والأحداث التي وقعت في أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام جميعًا في لقاء سابق لعلنا استذكرنا وبينتم الابتلاءات التي ابتلى الله بها إبراهيم عليه السلام، ولعلنا ننتقل في هذه الحلقة إلى بناء الكعبة منطلقين إلى قول الله تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا﴾البقرة: 127 .
لو ابتدأتم الحديث ووصف ذلكم الموقف الذي بينه الله –سبحانه وتعالى- في كتابه.
الشيخ:- الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على البشير النذير والسراج المنير نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين أما بعد..
مكة هي البلد الحرام لها من المزايا والخصائص ما ميزها عن سائر بقاع الدنيا هي أول موضع عبد فيه الله جل في علاه يقول الله في محكم كتابه: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾آل عمران: 96- 97 .
الله –سبحانه وبحمده- أخبر في هذه الآية أن هذه البقعة هي أول بقعة عبد فيها الله تعالى في الأرض متى عبد الله في الأرض؟ منذ أن نزل آدم عليه السلام وأهبط إلى الأرض والعبادة قائمة في هذه الأرض، وهذا هو الموضع الأول وقد بناه آدم عليه السلام وهذا المكان محفوظ ومشيد ومعظم منذ ذلك الزمان مرت فترة من الفترات هجرت هذه البقعة وهذا حال الناس عندما تمتد بهم الأيام وتصيبهم الغفلة ويبعدون عن آثار النبوات تنطمس السبل ومن ذلك ما جرى من كون هذا البيت هجر قبل إبراهيم عليه السلام.
المقدم:- يعني زمن نوح.
الشيخ:- هود وصالح آتيا إلى البيت كما جاء في الصحيح، الحديث الصحيح أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أخبر بحج هود وبحج صالح والأنبياء كلهم قصدوا هذا البيت وعظموه فهو أول بيت عظم فيه الله –عز وجل- في الأرض، لكن أندرس ما بين هؤلاء الأنبياء ذهبت الآثار ولم يبقى إلا القواعد من البيت باقية أما البناء والتعظيم فقد زال قبل إبراهيم عليه السلام.
لهذا إبراهيم لما أذن الله تعالى بأن يمنحه هذه الميزة وهذه الخصيصة أن يبني البيت جاء بفلذة كبده وثمرة فؤاده إلى هذه البقعة وهو رضيع جاء بإسماعيل عليه السلام، لما يسر الله الأسباب جاء به وهاجر إلى هذه البقعة وأنزلهم في دوحة قريبة من البيت وقال الدعاء المشهور الذي ذكره الله في كتابه ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾إبراهيم: 37 .
إذًا البيت موجود من قبل وهو قائم مع كونه لما جاء لم يكن هناك بناء، لكن هناك قواعد عند بيتك المحرم فنزلت هاجر وإسماعيل في هذه البقعة ورجع إبراهيم عليه السلام إلى فلسطين حيث مكان إقامته ومكان دعوته وأتباعه صلوات الله وسلامه عليه.
لما أذن الله تعالى بأن يقام هذا البيت جاء إبراهيم وكان يتردد بين فترة وأخرى على إسماعيل يتفقد حاله جاء إلى هذه البقعة المباركة وبوأ الله له مكان البيت هيأه، فأرشده إليه ودله على قواعده كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ﴾الحج: 26 أي هيأه وجلاه ووضحه فبوأ الله تعالى مكان البيت لإبراهيم ليشيده ثم بعد ذلك يعيد من درس من سنة النبيين والمرسلين من الوفود إلى هذا البيت، فجاء إبراهيم عليه السلام إلى هذا البيت وبناه وأقامه وكان قبل ذلك دعا إبراهيم لأهل هذه البقعة حيث قال: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾إبراهيم: 37 .
البيت هذا لا تقوم الدنيا بدون تعظيمه ولذلك قال الله –جل وعلا-: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾المائدة: 97 وقال –جل وعلا-: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا﴾البقرة: 125 ميزة عظيمة في إصلاح شئون الدنيا وهو أمر الله أعلم بكيفيته لكن تعظيم هذا البيت مما ينعكس على الناس صلاحًا لدنياهم وصلاحًا لمعاشهم وصلاحًا لأخراهم.
جاء إبراهيم عليه السلام وأقام هذا البناء العظيم وقد ذكر الله تعالى ذلك في قوله: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾البقرة: 127 فالبناء كان من إبراهيم وولده إسماعيل الذي سكن تلك البقعة، فبنا إبراهيم وإسماعيل قواعد من البيت تميز البناء ظهر البناء وكان إبراهيم في أثناء بناءه يقوم على حجر هو المعروف الآن بمقام إبراهيم وهو الذي قال فيه –جل وعلا-: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾البقرة: 125 أي مكانًا للصلاة وهو مكان للصلاة إلى يومنا هذا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها إلى ما شاء الله تعالى.
المقدم:- لكن شيخنا لو شاهدنا الموقف الآن نجد أن المقام بعيد كل البعد عن الكعبة.
الشيخ:- إي نعم لأن المقام غير عن مكانه فقد جرفته السيل في زمن عمر رضي الله عنه فأعاده وثبته وأشير عليه بأن يؤخره فأخر عن مكانه إلى مكانه الحالي وبقي على هذا من ذلك الزمان ليتسع المكان للطائفين.
أما هو فكان ملصقًا بالبيت لأنه كان يقوم عليه إبراهيم عليه السلام لبناء البيت، ولهذا سمي مقام إبراهيم –صلى الله عليه وسلم- عندما تشاهد إبراهيم وإسماعيل يبنيان البيت وتقرأ الآيات ينقدح في ذهنك عظيم ما كان عليه إبراهيم عليه السلام من العبودية لله –جل وعلا- يقول الله –سبحانه وبحمده-: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا﴾البقرة: 127 الله اكبر عظيم ذلك القلب الذي مليء بالعبودية والذل لله تعالى حتى خرج من رؤية نفسه إلى التذلل بين يدي ربه مع امتثاله بالطاعة فإنه عليه الصلاة والسلام كان يهتف يشيد طاعة لله هذا البيت وفي ثنايا هذا العمل الجليل العظيم يقول: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾البقرة: 127 الله اكبر كيف يطيب القلب ويزكو إذا امتلأ بتعظيم الله، حق الله علينا عظيم فمهما بذلت النفوس ومهما قدمت الأبدان ومهما بذل الإنسان في رضا ربه الملك الديان جل في علاه، فما يستحقه أعظم وأجل.
لذلك لم يغب عن إبراهيم هذا المعنى فكان يضرع إلى الله أن يقبل منه هذا العمل على جلالته وعظيم قدره أنه بيت الله الذي يحيي تعظيمه ببنائه مع هذا كان يسأل الله ليتقبل منه، وهنا يتبين أنه ليس الشأن في أن تعمل إنما الشأن فيما يقوم في قلبك عند العمل من إجلال الله وتعظيمه والانكسار بين يديه وشهود منة الله عليك بالتوفيق إلى العمل وشهود منة الله عليك بقبول ذلك العمل والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فهو الموفق للعمل الصالح.
ثم هو المان المتفضل بقبوله –سبحانه وبحمده- لهذا يقول: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾البقرة: 127 فيدعو الله صادقًا جازمًا موقنًا بفضل الله تعالى أن يتقبل منه ويزيد على هذا دعوات أخريات جميلات في الثبات على الحق ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾البقرة: 128- 129 كل هذه الدعوات التي جهر بها إبراهيم عليه السلام هي من الدعوات المباركات التي تحقق غالب ما فيها من الدعوات.
وهنا يتبين أن إبراهيم قام بهذا العمل الجليل، لكنه لم يقف عند هذا الحد، بل انتقل إلى مرحلة أخرى وهي دعوة الخلق إلى تعظيم هذا البيت.
المقدم:- وقبل أن ننتقل إلى دعوة الخلق إلى تعظيم البيت ربما يأتي إشكال عند المشاهد كما أشكل أيضًا عندي عندما قال الله: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾البقرة: 128 أو لم يكونا مسلمين؟
الشيخ:- بلى كانا مسلمين الآن أهل الإسلام جميعهم ذكورهم وإناثهم أهل الطاعة منهم وأهل المعصية أليسوا جميعًا يقولون في صلاتهم أهدنا الصراط المستقيم؟ أضلوا عن الصراط حتى يسألون الهداية إليه؟
الجواب لا.
المقدم:- إذًا هو التثبيت.
الشيخ:- إذًا ليس فقط هو التثبيت، التثبيت والزيادة لأن فوق كل هداية هداية، وفوق كل استسلام لله تعالى استسلام فقول إبراهيم عليه السلام وإسماعيل ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ﴾البقرة: 128 هو سؤال الثبات على الإسلام وسؤال الزيادة من خصال هذا الإسلام، ولهذا ليس غريبًا يوسف عليه السلام بعد أن أمضى ما أمضى في طاعة الله يقول: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾يوسف: 101 يسأل الله الوفاة على الإسلام، وهذا معناه أنه نحن مطالبون بأن تكون هذه غايتنا وهذه طلبتنا مادامت في عروقنا نبض وفي عيوننا لحظ نحن نحتاج إلى أن نسأل الله التثبيت قلوبنا ليست بأيدينا إنما القلوب بيد الله واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه.
والنبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: «إنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِن أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ، ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا علَى طَاعَتِكَ»صحيح مسلم (2654) .
المقدم:- نعود إلى ما كنت تتحدث عنه شيخ خالد في ثنايا حديثك عندما قال إبراهيم: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا﴾البقرة: 128- 129 .
الشيخ:- الله –جل وعلا- استجاب دعوة إبراهيم حيث سأل إبراهيم الله –عز وجل- أن يريه المناسك أي مكان الأعمال أن يظهر له الأعمال وأماكنها ما للعبادة ومواضعها فهيأ الله تعالى هذا البيت المبارك وأمر إبراهيم وإسماعيل أن يطهرا بيته للطائفين والعاكفين والركع السجود كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا﴾الحج: 26 هذا البيت ليس مكانًا للشرك، ليس فيه أي لوثة شركية ولذلك الذين الآن يقولون أنتم تعظمون هذه البنية تشركون كيف تنهون عن الشرك وأنتم تشركون؟ نحن لا نعظم هذه الأحجار بذاتها إنما نعظم هذه البقعة لأن الله عظمها.
والله –جل وعلا- جعل لها من الخصيصة والمكانة ما تفد إليها القلوب وتشتاق إليها الأفئدة، فنحن لا نعظم الأحجار، ولذلك قال عمر لما قبل الحجر إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا إني رأيت رسول الله قبلك ما قبلتك فهذه ليست وثنية بأي صورة من الصور، إنما هي تعظيم لله تعالى.
ثم الأمر الذي يأمر الله تعالى به منه ما يكون غير ظاهر الحكمة، وإن كان ليس هناك شيء من أوامر الله إلا فيه حكمة، لكن قد لا تظهر الحكمة للناس، وهذا لا يعني أن لا نمتثل حتى تتبين لنا الحكمة، بل نحن مأمورون أن نستجيب لأمر الله تعالى، ولا يكون لنا في ذلك خيار بدت لنا الحكمة أم لم تبدو المهم أن الله تعالى هيأ هذه البقعة المباركة ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾الحج: 26 .
ثم جاء الإعلام العام ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾الحج: 27 في الناس عموم الناس جميع الخلق وأذن أعلمهم بأن الله أذن لهم بالحج وأمرهم بالحج وأن يقصدوا هذه البقعة ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا﴾الحج: 27 أي على أقدامهم على أرجلهم ﴿يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ﴾الحج: 27 أي على كل دابة مهيأة للمجيء والسير البعيد ﴿يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾الحج: 27 بعيد سحيق البعد عن مكة وهذا ما هو عليه حال الناس منذ ذلك النداء إلى يومنا هذا، فما خلت سنة من السنوات من تعظيم هذا البيت بل قال ابن عباس: لو أن الناس تركوا الحج عام واحد لخرت السماء على الأرض، وهذا يدل على عظيم شأن هذا البيت وعظيم مكانته والمجيء إليه يشهد به منافع دينية ودنيوية ولذلك قال: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ﴾الحج: 28 .
المقدم:- جميل شيخ خالد وأنا استأذنك في الانتقال إلى الأخ مسلم السحيمي مداخلًا أو مستفسرًا تفضل مسلم.
المعلق:- شكرًا شيخنا الفاضل بعد أن ذكرت قول الله –عز وجل-: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾الحج: 27 لدعوة أمرًا لإبراهيم عليه السلام أن يأذن بالناس في الحج أمره أن يطهر البيت أليس فيه معنى زائدة مع منع الشرك فيه معنى على وجوب العناية بالبيت وهو توجيه لعامة المسلمين أن يعتنوا بالبيت الحرام ثم الله –عز وجل- يقول: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾الحج: 25 إلماحه أو إشارة على مجرد الإرادة للظلم أو الإلحاد في هذا البلد.
الشيخ:- نعم ما في شك أنه –جل وعلا- أمر إبراهيم سيد الأنبياء وأبوهم –صلى الله عليه وسلم- إلا نبينا محمد فهو سيد ولد آدم من أولو العزم من الرسل، كما وصفه نبينا –صلى الله عليه وسلم- أمر خير البرية بأن يطهر البيت، وهذا يدل على أن العناية بالمساجد هي مهمة أشراف الناس وإذا كان إبراهيم أمره الله تعالى بذلك وهو من هو؟ هو خليل الرحمن فمعنى هذا أن القيام بهذه المهام من أجل الأعمال يقول الله تعالى: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾الحج: 26 .
إذًا هو تهيئة للعباد تهيئة للطائعين وكل من أعان على عبادة أو طاعة فإنه يفوز في أجر الإعانة على البر والتقوى الذي قال فيه: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾المائدة: 2 .
المقدم:- والمقصود بالطهارة شيخ خالد كما ذكرتم الطهارة الحسية والمعنوية.
الشيخ:- الطهارة الحسية بالتأكيد وهو أن يخلص من كل ما يشوبه من القاذورات وما تنفر منه النفوس سواء كانت نجاسة أو غير نجاسة.
النوع الثاني الطهارة المعنوية: وهو بالخلوص من الشرك أن ينقى هذه البقعة من الشرك فلا يجوز أن يظهر فيها شرك وأن ينقى هذا المكان من المعاصي والسيئات قدر الإمكان، ولذلك قال الله –جل وعلا- قبل ذلك من تطهير هذه البقعة أن الله تعالى قال: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾التوبة: 28 هنا طهارة حسية ولا معنوية؟
المقدم:- هذه طهارة يبدو أنها معنوية.
الشيخ:- معنوية لأن المشركون ليسوا نجس بأبدانهم، إنما نجس بأعمالهم فمنعهم الله –عز وجل- من أن يقربوا هذا المكان فهذا من التطهير فمنعهم من دخول المسجد الحرام هو من تطهير هذه البقعة التي أمر الله تعالى بها إبراهيم ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾الحج: 26 أيضًا من الطهارة التي يطهر منها المكان أن يطهر من الشرك.
ولهذا قال –صلى الله عليه وسلم-: «لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان»صحيح البخاري (369)، ومسلم (1347) وهذا وجه آخر من الطهارة وهو أن يطهر هذا البيت وهذه البقعة من كل أعمال أهل السوء والجهل والمعصية وأن تظهر فيها المعاصي فإنها بقعة يعظم فيها الله ويجل، وهي البقعة التي عبد الله فيها أولًا منذ سحيق الزمان وبعيد الليالي والأيام.
المقدم:- جميل شيخ خالد ونحن على مشارف نهاية حلقتنا والدروس والعبر المستفادة من هذه القصة كثيرة ويطول الحديث عنها لكن في دقيقتين شيخ خالد لو أكدتم على أبرز ما يستفاد من هذه القصة التي أخبرنا الله بها
الشيخ:- يعني أوجه الفائدة نحن أشرنا في ثنايا الكلام جملة من الفوائد لكن يستفاد أولًا عظيم فضل الله تعالى على إبراهيم بأن جعله إمامًا للناس في هذا العمل المبارك فكل من حج فلإبراهيم من حجه نصيب كيف؟ لأنه هو الذي أذن في الناس بالحج والدال على الخير كفاعله كم يحج البيت من إنسان؟ منذ إبراهيم إلى يومنا هذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها أمم عظيمة وهنا أقول ينبغي ألا نحقر من المعروف شيئًا فقد يكون العمل لا يستغرق وقتًا طويلًا لكن يكون فيه من الخيرات على الإنسان وجريان الحسنات شيء لا يوصف ولا يحيط به بيان ولا يحصيه عداد أو حساب.
ولذلك ينبغي للإنسان ألا يحقر خيرًا وأن يبادر إلى أن يكون إمامًا في الخير نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا وإياكم ممن يستعملهم في الطاعات وأن يوفقهم